مانفيستو الحضارة الديمقراطية: العصرانية الديمقراطية وقضايا تجاوز الحداثة الرأسمالية 6

آدمن الموقع
0



12- لقد تَوَلَّدَت أزمةٌ بنيويةٌ حادة بسبب: اكتمالِ مرحلةِ التوسع في المركز والأطراف في ظلِّ نظامِ الحداثة الرأسمالية، وصولِ الأيكولوجيا أبعاداً لا تُطاق ويستحيل معها الاستمرار، البطالةِ، الفقرِ المدقع، انخفاضِ الأجرة والمعاش، وصولِ البيروقراطية درجةً تبتلع فيها كلَّ ما حولها، دكِّ دعائمِ المجتمع الإلهي، هيمنةِ شريحة المستثمرين الماليين العالميين المنعزلة عن الإنتاج والأكثر تطفلاً؛ وبالمقابل تطوُّرِ شِباكِ المقاومة والتصدي في كافةِ الميادينِ لدى سواد المجتمع.
13- تحتضن مراحلُ الأزمات البنيوية في أحشائها التشابكَ والتداخلَ بين الانطلاقات الثورية والثورية المضادة، وكذلك بين الانطلاقات الديمقراطية التحررية والانقلابات التوتاليتارية والفاشية. والذين يقومون بتطويرِ أنماطِ الأسلوب والنُّظُمِ العلمية بأمهر الأشكال، ليجعلوا منها أرضيةً أولية لنشاطاتهم العملية؛ هم الذين سيحالفهم الحظُّ في إنشاءِ النظام المجتمعي الجديد.
14- في معمعانِ الأزمات البنيوية والفوضى البينية ، تستطيع الحركاتُ الديمقراطية والأيكولوجية والتحرريةُ والمناديةُ بالمساواة (العادلة) عبرَ حملاتها الصغيرة والمؤثِّرة والمستمرة على فتراتٍ قصيرةٍ متلاحقة، أن تؤسِّسَ الكياناتِ القادرةَ على تحديدِ معالِمِ المستقبل على المدى الطويل.
ولأجل ذلك يجب:
1- تقييمَ علمِ الاجتماع بأبعاده التاريخية والمكانية كدليلِ عملٍ وكمرشدٍ للنشاطات الميدانية.
2- تطويرَ الحل خارجَ نطاقِ النظام القائم، وذلك اعتماداً على مناهَضةِ كافةِ الحقائق المذكورة في النقاط الأربعة عشرة (14) التي سعينا لشرحها أعلاه، وكذلك انطلاقاً من حقيقةِ كونِ الحداثةِ الرأسمالية بنيةً سرطانيةً تستفحل في العديد من الميادين لتطفح أعراضُها على السطح.
3- تجاوُزَ كافةِ الثنائيات والقرائن الفظة المرتكزةِ إلى التمييز بين الذاتانية والموضوعانية (وفي صدارتها المثالية – المادية، الدياليكتيك – الميتافيزيقيا، الليبرالية – الاشتراكية، التأليهية – الإلحادية )، والعملَ أساساً بِفَنِّ التفسير للمعاني الفاضلة والمعتمِدِ على كافةِ المنجزات العلمية.
4- عدمَ إنقاصِ أو إهمالِ أهميةِ ميتافيزيقيةِ الإنسان المعتمِدةِ على الفاضل، الجميل، الحر، والصحيح، سواءً في الأساليب النقدية، أو في حملاتِ الإنشاء الجديدة.
5- العملَ أساساً باصطلاحِ السياسةِ الديمقراطية.
6- تأسيسَ الآلاف من منظماتِ المجتمع المدني (يمكن أن تضم ثلاثةِ أشخاصٍ إلى آلاف الأشخاص، حسب فاعليتها وفوائدها وضرورتها) في كافةِ الميادين التي تتواجد فيها الأزمةُ والسلطة، وذلك انطلاقاً من اصطلاحِ السياسة الديمقراطية.
7- تكوينَ أُمَّةِ المجتمع الجديد المزمَعِ إنشاؤه بحيث تكون أمَّةً ديمقراطية. وبينما تَكُون الأمةُ الديمقراطية منفصلةً عن الدولة القومية، فمن الضروري عدم صرفِ النظر عن حقيقة إمكانية تجانبهما وحتى تداخلهما.
8- تطويرَ شكلِ الإدارة السياسية للأمة الديمقراطية (تشبيهاً بالتصنيفات المألوفة) على أساسِ الكونفدرالية الديمقراطية المحليةِ، الوطنيةِ، الإقليميةِ، والعالمية. (أي، يمكن تنظيم مختلَفِ الأمم كأمةٍ ديمقراطية واحدة. كما يمكن بناءُ التنظيم على نحوِ الدولة القومية والأمة الديمقراطية ضمن إطارِ الأمة ذاتها. في حين أنّ الكونفدرالياتِ الديمقراطيةَ الإقليميةَ وكونفدراليةَ الأمم الديمقراطية العالمية ضروريةٌ للغاية، حيث يمكنها تأدية مهامِّها وإبداء تأثيراتها الحاسمة في حلِّ المشاكل العالمية العالقة والمشاكل الوطنية والمحلية أيضاً على نحوٍ أجدى وأكفأ من هيئةِ الأمم المتحدة الحالية.
9- تطويرَ المجتمع الديمقراطي كمعارِضٍ نقيضٍ للصناعة التقنية المتبقية من الحداثة، والتي تُعَدُّ إحدى أمتنِ دعائمها (ترتكز الحداثةُ إلى ثلاثِ دعائم أساسية: آ- الإنتاجيات الرأسمالية، ب- الصناعوية، ج- الدولتية القومية)؛ وإضفاءَ الطابع الأيكولوجي على الاقتصاد والتقنيات.
10- ضمانَ الدفاع الاجتماعي من قِبَلِ الميليشيا الشعبية.
11- إنشاءَ الأنظمة الأُسَرِيّة الجديدة المعتمِدةِ على تَوَجُّهِ المرأة من عبوديتها الغائرة نحو حريتها المتجذرةِ ومساواتها العميقة، عِوضاً عن النظام الذكوري المستند إلى الأسس الهرمية والدولتية الوطيدة.
تكفي هذه البنودُ الأساسية للتعبير عن وجهةِ نظرنا البراديغمائية التي يمكننا زيادة تعدادها وذِكْرُ تفاصيلها الدقيقة بإسهابٍ أشمل. إننا نعي تماماً أنَّ زمانَ الحداثة الرأسمالية هو في نفسِ الوقت الزمانُ الذي أقامت فيه يوتوبياتُ الحرية والمساواة القيامةَ ولم تُقعِدها. وقد بذلَت الشعوبُ جهوداً حثيثةً وعظيمة في سبيلِ إحياءِ هذه اليوتوبيات، وأُريقَت الدماءُ كالسيول. وتَعَرَّضَت الشعوبُ لتعذيبٍ لا حصر له، وعانت آلاماً مريرة. لذا، لا يمكننا اعتبارَ أن كلَّ ذلك ذهَبَ سُدى. وعلى النقيض، فسعْيُنا لتحليلِ كافةِ هذه المعضلات هو بغايةِ الوصول بهذا التاريخ إلى تفسيرٍ سليم لإنارةِ دربنا، وتحقيقِ الالتحام والتكامل بين يوتوبياتنا وحياتنا؛ لنتمكن من التوجه قُدُماً ومجدداً صوبَ الحياةِ الخلابة والجذابة، والملتحِفة بالعشق والهيام. فالانتقالُ إلى أنماطِ الحياة الطوباوية المتميزة بالآمال الراسخة يستلزم بذلَ الجهود الحثيثة دون كللٍ أو ملل.
لن نتجاوز حدودنا بالزعم بأننا نحن الذين نبتدئ بالأسلوب وبالنظام العلمي مجدداً. ولكني عملتُ في كلِّ المواضيع التي حاولتُ تناولها، على الإشارة إلى وجودِ بعض الأمور التي تجري في مسارٍ خاطئ، والتنويهِ بالتالي إلى أنَّ السببَ في ذلك ذو منبعٍ براديغمائي. وأُشَدِّدُ بأهميةٍ بالغة على عدمِ النظر إلى محاولاتي في التفسير والتطبيق وكأنها تأسيسٌ لنظامٍ جديد بديلٍ من الجذور، ولا رؤيتِها على أنها تفنيدٌ كاملٌ (النهليستية – العدمية) لما انتقدتُه. وفي نهايةِ المآل، من المُهِمِّ بمكان انتقادَ الحداثة الرأسمالية المتسبِّبة بالملايين من المآسي والحوادث المشابهة لوضعي أنا (المجازر والإبادات العرقية والحروب التي لا تحصى). وأخص بالذكر ضرورةَ شرحِ جميعِ المؤثِّرات والعوامل الواجبِ اعتبارَها المسؤولةَ الأولى عن المرحلة الأكثرِ ظلماً ومأساويةً في التاريخ، والتي يمر بها الشعب والمنطقة اللذَين أنتمي إليهما (الكرد والشرق الأوسط). فشرحُها بجدارةٍ وبما يليق بالشعب والمنطقة، إنما يُعدُّ من أبسط الشروط وأدناها لأنْ يكونَ المرءُ متنوراً. إلى جانب ذلك، فمن الطبيعي أنْ تكون مَهَمَّتي الأولية متأطِّرةً فيما ذكرتُه من تساؤلاتٍ وفي كيفيةِ الرد عليها، باعتباري أُحاكَم كزعيمٍ لتنظيمٍ هو الأوسعُ نطاقاً والأكثرُ تأثيراً. فإذا كان القمع والاستغلال والاضطهاد والصهر والأزمات في مكانٍ وزمانٍ ما عميقاً، وإذا كانت الحياةُ تمضي متخبطة في الذل والهوان بما يضاهي الموتَ ذاته؛ فأعتقد أنه لا حيلة لنا حينها إلا بتناول الأمور بمنظورٍ براديغمائيٍّ جذري. وسأسلك هذا النمطَ في تناول المواضيع اللاحقة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!