الفكر المتطرف وخطره على الشباب اليائس ....!

آدمن الموقع 2:21:00 ص 2:21:47 ص
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


يمكن القول إن مقاربة الحكومة الراهنة للإرهاب قمينة بأن تُشعل فتيل المزيد من التطرُّف والنزعات الراديكالية. من جانبه، يحب الرئيس باجي قائد السبسي أن ينحّي جانباً التطرّف العنفي بصفته بربرية متعصّبة مُوحى بها من الخارج. بيد أن هذه المقاربة المتمحورة حول الإيديولوجيا تتجاهل الدوافع الكامنة وراء هذا التطرّف، كما أنها تحد من قدرة الحكومة على تقدير حجم ومدى وعمق التهديد بطريقة منهجية. ثم أن الخطوات الحكومية التي تتجاهل المقومات الاجتماعية والاقتصادية والجهوية للتطرّف، ستؤثّر على مسارات ومسالك الإرهاب في تونس هنا يرى المركز الدولي لحوار الحضارات أن سهام التقديرات المُتجردة لمشاكل تونس مع التطرُّف، تنصب مباشرة على العوامل الاجتماعية والاقتصادية والمناطقية، أكثر من مسائل الأصوليات الدينية.وتُظهر الدراسات النادرة التي أُجريت، أن معظم الشبان التونسيين الأكثر تعاطفاللفكر المتطرف يتحدرون من بيئات فقيرة وكانوا سابقاً الأقل التزاماً بتطبيق الشعائر الدينية. كما تُظهر أن الشبان المغبونين والمُضطهدين يتعاطفون مع الجهاديين، لأنهم يتشاطرون معهم الخلفيات الاجتماعية- الاقتصادية البائسة نفسها، ويقطنون في الأحياء المتداعية ذاتها.
بالطبع، الإيديولوجيات المتطرّفة يمكن أن تتأثر بالسياقات الإقليمية والتظلّمات الجيو-سياسية، لكنها تكون أيضاً تعبيراً عن بيئاتها المحلية. وهذا صحيح على وجه الخصوص بالنسبة إلى الجيل الأخير من المتطرفين التونسيين، الذين لم يكونوا موجودين في الموجة الأولى من المعارك في أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين، كما كانوا يافعين في الجولة الثانية من المعارك الرئيسة التي بدأت بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 على إثر الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة والتي تصاعدت مع الغزو الأميركي للعراق العام 2003.يُعبّر أفضل تعبير عن الجيل الثالث من المتطرفين الذين نضجوا مع الثورة التونسية في 2011-2012، أولئك الذين ارتكبوا الهجمات الإرهابية الدراماتيكية التي ضربت تونس العام 2015: فهم وُلدوا في التسعينيات، وتذوّقوا مرارة الحكم القمعي لبن علي، ثم انضموا إلى سياسة التمرّد التي وضعت نهاية لهذا الحكم التعسفي. بيد أنهم أصيبوا بالخيبة جراء عجز حكومات مابعد الثورة عن تحقيق مطالبهم، ولذا قاموا بتنحية الحماسة الثورية جانباً بسرعة وعانقوا التطرف بوصفه الأداة الرئيسة للمقاومةواليوم، يُعتبر الشبان الذين أصبحوا متطرفين أفضل تعليماً من أقرانهم المواطنين الآخرين، لكنهم عاطلون كلياً أو جزئياً عن العمل تتراوح أعمار هؤلاء بين سن الثامنة عشرة والرابعة والعشرين،.إن فشل عملية الانتقال الديمقراطي في تحسين الظروف الاقتصادية للشبان التونسيين شعورا محبطا وإن الحنق والغضب من تواصل الإقصاء الاجتماعي والتباينات الجهوية، جنباً إلى جنب مع التعرُّض إلى مؤثرات خطاب الدعاة التكفيريين هي عوامل مهمة لفهم أسباب نزوع الشبان إلى التطرُّف. فمع تصاعد وتائر الإحباط، يصبح بعض الأشخاص أكثر ميلاً إلى العدمية، كما تدل على ذلك المعدلات المرتفعة لعمليات الانتحار وإحراق الذات في أكثر الأحياء والمناطق إفقاراهذا في حين يصبح آخرون منجذبين إلى المفاتن البطولية للمقاتلين الجهاديين في ساحات المعارك السورية والليبية،والعراق أو في جبل الشعانبي قرب القصرين، الذي يقع على مرمى حجر من الحدود الجزائريةالتحدي الماثل أمام المسؤولين الحكوميين التونسيين هو فهم ظاهرة تمرّد الشباب هذه. ذلك أن اعتبار الأصولية الإسلامية الدافع الرئيس للتطرّف، يسىء تشخيص المشكلة وفي غياب برامج نزع التطرف أو سياسة إعادة الإدماج الاجتماعي، تُصبح المقاربة الأمنية لوحدها لا تكفي بل تصبح عكسية النتائج.فثمة ما هو أسوأ: إنها "تدفع الناس إلى الإرهاب"، كما يقول رضا رضاوي المؤلّف المشارك لتقرير أخير حول الإرهاب في تونس نشره المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية هذه المخاوف نفسها طرحتها منظمات حقوق دولية، حين حذّرت من أن العُسف باسم الأمن، لايفعل شيئاً سوى تعقيد التهديدات الأمنية التي تواجهها البلادعلاوةً على ذلك، باتت السجون التونسية، بسمعتها السيئة واكتظاظها والمصارف الصحية البائسة فيها، بيئة ممتازة لترعرع التطرُّف.
وهذا ما أثبته على نحو فاقع التحوّل الدراماتيكي لمغني راب في ربيعه الخامس والعشرين إلى مقاتل في صفوف الدولة الإسلامية. كان هذا المغني، وهو مروان الدويري، المعروف باسم أمينو، زير نساء ويعشق نشر صوره الخاصة قبالة سيارات السباق إلى جانب نساء غير محتشمات البتةلكن، بعد ثمانية أشهر في غياهب السجون بتهمة حيازة الحشيش، تغيّر أسلوب حياته بشكل جذري وسريع. ففي غضون سنة واحدة، تخلى عن الراب، وغيّر ملابسه، وأعلن ولاءه للدولة الإسلامية عبر فايسبوك في آذار/مارس 2015.25 كان مروان قبيل تحوّله إلى التطرّف في السجن قد انتقد عنف الشرطة ضد الشبان التونسيين، وجادل محاميه السابق غازي المرابط بأن مثل هذا العنف مسؤول عن انتقال أمينو إلى السلفية المتطرفةوهكذا، يؤدي الإمتهان المتواصل للمجتمعات المحلية المُفقرة، والصدمة الناجمة عن ممارسات الشرطة العنفية والتطفلية، إلى خلق مشاعر إذلال عميقة في نفوس الشبان، وإثارة أحاسيس المرارة لديهم ضد سلطة الدولة.
ويُعبَّر غالباً عن هذا الإحباط في الاحتجاجات، والعنف في الشوارع، والتطرُّف العنيف، خاصة في المناطق الحدودية التي طالما عانت من الإهمال، والتي تتحمّل جُل وطأة سياسة القبضة الحديدية التي تمارسها إن المركز الدولي يكشف ركائز ودعائم ظاهرة التطرف والإرهاب الذي عشش في عقول شبابنا واضعا يده على الداء الحقيقي لأنه مركز إصلاح ونقطة إشعاع للعالم كله.

كلمة الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي (ندوة علمية)
رئيس المركز الدولي لحوار الحضارات والأديان والتعايش السلمي

شارك المقال لتنفع به غيرك

آدمن الموقع

الكاتب آدمن الموقع

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

3113545162143489144
https://www.geo-strategic.com/