تجلّي اللون في وعي الشعب الكردي وتفكيره

آدمن الموقع
0

يعد اللون أحد أهم العناصر لإنتقال المفاهيم البصرية، ويمكن لهذا التوصيل البصري أن ينقل الرسائل والمفاهيم العاطفية والأحاسيس إلى شتى الأنحاء. ولهذا الإيصال معان عامة متفق عليها جماعياً أحياناً، وله معان رمزية في أحيان أُخر. 
كل شخص يختار اللون حسب ذوقه وأحاسيسه الذاتية والثقافية القومية، وباختاره هذا يوصل عالماً من المفاهيم. 
يعد الكرد من أوائل بناة المدنيات الرائدة البارزة الموغلة في أقدم الأزمنة، في الهضبة الإيرانية الكبيرة. وهم أصحاب فن وثقافة وتقاليد وأعراف وحرف بدائية شائعة، ويتسمون برؤية خاصة لتجلّي الطبيعة في معتقداتهم وأفكارهم، واللون فيها أهم موئل لهذا التجلّي. وللكرد على مدى وجودهم تاريخياً، سياسياً واجتماعياً، آراء ونظرات عميقة مدعاة للتأمل، في ما يتعلق باللون؛ بحيث يكون لتجليه حضور ملحوظ في أبعاد حياتهم كلها، ويلقي ضوءاً ساطعاً على آراء وأفكار مختلف شرائح المجتمع الكردي. 
ثمة الكثير من الأساطير والحكايات القديمة شاهدة على عراقة وأصالة هذا القوم، الذي يعد فرعاً من الأصل الإيراني، ويلتقي في العديد من النقاط المشتركة مع سائر الأقوام الإيرانية، من حيث اللغة، الأخلاق، العادات والتقاليد، نمط المعيشة والديانة، ولكنه في الوقت نفسه ذو خصوصية ملفتة للأنظار؛ نتيجة لتأثير بيئته الجغرافية والأحدات التاريخية في سماته القومية؛ بحيث يمكننا تلمّس التأثير المذكور بوضوح في عاداته ومعتقداته وفي رؤيته ووعيه عموماً، فمثلاً: أن كاوا الحداد، الذي قدّم تسعة من بنيه لحيّتيّ كتفيّ أزدهاك؛ قد ضاق ذرعاً بالإستعباد، فرفع كير الحدادة راية، داعياً الناس إلى الإنتفاضة، ثم قاد هجومهم على قصر أزدهاك، وقتله بمطرقته. يعتقد سائر الكرد أن تلك الواقعة قد حدثت في اليوم الأول من شهر فروردين عام 612 قبل الميلاد، أي في عام سقوط نينوى على أيدي البابليين بمؤازة الميديين(أسلاف الكرد) فراحوا منذئذ يحتفلون سنوياً بذاك اليوم ويقيمون الأفراح، ولقد سمّوه بعيد(نوروز) الذي قال عنه الشاعر الكردي هزار: 
” عيد رأس السنة نوروز 
يوم بهيج للكرد 
عيد قديم يحلّ في مطلع الربيع 
أوجدته مطرقة كاوا” 
لندع الأساطير جانباً، ولنعد إلى الواقع. 
إن موطن الكرد، كما نعلم، مجزّأ وموزّع حالياً على خمس دول: إيران، العراق، تركيا، سوريا، وعدد من جمهوريات الإتحاد السوفياتي(البائد) وقد رسمت هذه الحدود الجيوبوليتيكية عقب الحرب العالمية الأولى..ثم إن العديد من الأحداث والوقائع الأخرى على مدى التاريخ قد أثرت في كيان الكرد؛ حيث نجمت عنها إختلافات وتباينات في العديج من خصائصهم ، ومنها: اللهجات، العادات والتقاليد والمعتقدات.. وطبعاً لايقتصر موطن الكرد على البلدان المذكورة، وإنما يتعداها إلى أصقاع أخرى متعددة ونائية عن كردستان، حيثما رُحّل الكرد جماعياً؛ فمثلاً: قام الشاه عباس الصفوي(1571-1629م) بخدعة لترحيل الكثيرين من الكرد من موطنهم الأصلي؛ بتطميعهم في المراعي الخضر الواقعة في (ورامين) وحواليّ طهران، كما إستغل مشاعرهم الطيّبة وسذاجتهم؛ لدفعهم مع عوائلهم وخيولهم صوب خراسان، وحتى دامغان و سمنان؛ بغية مجابهة ومقاتلة الأوزبك وصدّهم. وعقب انتصار الكرد على الأوزبك واستقرارهم في هاتيك الأصقاع، جاء دور نادرشاه(1688-1747م) ليرحّل الكثيرين منهم إلى كَيلان. ولقد تناثرت بقاياهم خلال مسرتهم الطويلة في أنحاء: ورامين، دماوند، زنجان، كَيلان وغيرها…وممّا يستلفت النظر أنه برغم المسافات الهائلة الفاصلة بين مستوطنات الكرد في إيران، ومنهم: كرد آذربايجان الغربية، آذربايجان الشرقية، كردستان نفسها( محافظة إيرانية/المترجم)، كرماشان، ورامين، دماوند، خراسان، كَيلان ..إلخ، ورغم مضيّ قرون على ترحيلاتهم ونزوحاتهم ،مازالت هنالك العديد من الجذور المشتركة تجمعهم في مجال: الألوان، الموتيفات، الحياكة والنسج والأعمال الفنية؛ بصورة توحّد مابين كرد تركيا والإتحاد السوفياتي وسوريا والعراق وإيران..ويعود منشأ ذلك يقينا إلى العلائق والروابط المعنوية والروحية التي تجمع وتوحّد أوصال الشعب الكردي. 
من المحتّم أن للون علاقة مباشرة مع العواطف والأحاسيس البشرية، وتنتقل عبر هذه العلاقة شتى المعلومات والمفاهيم، بواسطة الرسائل، التي قد تكون عادية، أو رمزية؛ فاللون القرمزي(مثلاً) بخواصه: المرئية، الفيزيائية والكيميائية، يشتمل على مجال واسع من المفاهيم؛ فهو رمز للحب والعشق، الحرارة والدفء، الحيوية والحياة، والعشرات من المدلولات الأُخر، التي توارثتها الأجيال شفاهياً، ومن ثم تمّ تثبيتها وتصنيفها بالتجارب والكشوفات العلمية. إن للون القرمزي(الأحمر) لدى الكرد بعداً آخر خاصاً بالإضافة إلى بعديه الحقيقي والمجازي؛ إذ مازال القزلباشيون الكرد(الذين ظهروا في العهد الصفوي) في كردستان، كرماشان، كردستان(المحافظة الإيرانية)، شهرزور، السليمانية، كركوك وتركيا يعتمرون العصابات(العمائم) الحمر، ويرفعون رايات وبيارق باللون نفسه، وهم يسبغون على هذا اللون اعتباراً دينياً ومذهبياً خاصاً. 
وتبعاً لأواصر الكرد الدينية مع الديانات القبإسلامية، لاسيما(المهرية) فهم ينظرون إلى اللون الأصفر نظرة تبجيل وإيمان خاصين عميقين؛ لأنهم يحسبون اللون الأصفر والنور متشعّبين عن الشمس؛ ولذا فهم يحلفون ويقسمون بالنور والصفرة كطوطم مقدس، وهذا الإعتقاد يتجلّى طرّاً في الفولكلور الكردي، كما في هذا البيت الغنائي: 
” بمكه به خاتر زه رده ى خورئاوا 
له م كَيــروداوه مه مده به ئاوا” 
-إغفري لي من أجل صفرة الغروب 
لاتقذفيني في لجّة الماء أنا المنكوب 


إن أتباع الديانات القديمة، الباقية كالإيزدية والقزلباشية يحسبون مجيء النور والصفرة عند شروق الشمس وغروبها باعثاً على الخير والبركة وفألاً حسناً، وهم يودّعون نورالشمس كل غروب حين يحلّ الغسق؛ ومن هذا المنطلق يقول الشاعر برتو كرماشاني(المطلع على فلسفة الديانات القديمة) في إحدى غزلياته بالفارسية: 
” در سينه دلم مى تبد از رفتن خورشيد 
هر شامكَاهان دست من و دامن خورشيد” 
– في الصدر يخفق قلبي لرحيل الشمس 
كل غسق تتشبّث يدي بتلابيب الشمس 
وفي هذا الصدد يقول(ايتن): ” اللون الأصفر علامة للضوء والنور في نظر سواد الناس، الفكر والوعي. إن الأصفر الذهبي لون منوّر بلمعان ملائم، بلا ثقل واختلال. وقد والرؤية تحقق حقيقة كانت خافية من قبل. وحين يقال: فلان متنوّر؛ فذلك يدل على استعملوه في الماضي بدلاً عن الضوء والنور، وكان ذا فوائد جمّة، ففي القباب الذهبية للكنائس البيزنطية وفي لوحات الفنانين القدماء الكبار، وظّف نور الشمس رمزاً للآخرة، الإنبهار، الملوكية والسلطنة. ومن أروع استعمالاته هاتيك الهالات المتحلّقة رؤوس القديسين.ثم إن اللون الأصفر يرتبط في منظوره الرمزي بالفهم والمعرفة، وهو علامة دالة عليهما” 
أما الأزرق، فهو لون مهيمن كثيراً على مناحي الطبيعة، ويبدو في المنظور المعنوي ذا تأثير فعّال، وغالباًما يرتبط بالنفس والباطن، ويجلو شتى الطوايا الروحية. إن الأزرق ينفذ إلى الذهن والروح ويتواشج مع النفس، بل ينفذ أقاصي روح الإنسان وأغوارها، كما أنه يعطي معنى الإيمان، وهو علامة الروح والفضاء اللامتناهي. إن ” اللون الأزرق عند الصينيين رمز للخلود. وحيث يستحيل الأزرق قاتماً؛ فهو يتدنّى ويتهافت، فينطوي على معاني ودلالات: الوهم، الخوف، الهم، الحزن والعدم، لكنما يشير دائماً إلى الفكر المتعالي المتسامي ومافوق الطبيعة، وإلى عالم المُثُل الأسمى” وفي نظر الكرد ومعتقداتهم، نجد الأزرق لوناً مضادّاً للخسّة والسوءات والشرور؛ فهو يعمي العين الشرّيرة، ويطرد الحسد والجن وأهريمن(إبليس) ويذود دائماً عن: الطهر، البراءة، الملكوت والألوهية من أذى وشر الكائنات الأهريمنية؛ فثمة خرزة زرقاء شهيرة باسم(كُزي/kujy) تُصنع من الصلصال المفخور وتُطلى بالأزرق اللمّاع، وهي تُعَلّق في أيدي ورقاب الأطفال، وفي رقاب الأبقار الحلوبة والخيول المليحة، وقد يدوم تعليقه سنيناً منذ الطفولة المبكّرة حتى دخول المدرسة، حيث تُعَلّق خرزة زرقاء بطاقية أو خصلة من شعر الطفل؛ لكي تحميه من العين الشريرة والحسد وأذى القوى الأهريمنية. ومازال هذا الإعتقاد ساري المفعول في مجتمعنا الراهن، وفي مقدورنا أن نرى تلك الخرز معلقة مع المرايا المواجهة لسواق الباصات في شتى أرجاء كردستان. 
يقول غوته: ” اللون البنفسجي علامة ودلالة على الخوف الشديد، والآخرة والنهاية” واللون البنفسجي من جملة الألوان، التي تستعملها النسوة الكرديات بكثرة في حرفهن اليدوية، لاسيما البنفسجي المائل إلى الزرقة، في صناعة الجاجيم(غطاء منسوج من خيوط الصوف الملونة/المترجم) والكَيوه(نوع من الكلاش) والجييغ(سياج أو فرشة محاك من القصب أو البردي/المترجم) والسجّاد والكَليم(البساط). ويبدو أن الكرد قد توارثوا هذا اللون واستعملوه منذ القدم، وهذا دليل على إعتمادهم على الذات رهن عزلتهم ومكابداتهم ومعاناتهم في مجابهة الصعاب والمشاق والتشريد. يُستَحضَر اللون البنفسجي القرمزي من الألوان الطبيعية المحلية. ودلالاته معروفة من خلال الأبحاث السيكولوجية. وغالباًما يستعمل في تلوين السجاجيد والأفرشة، وتزيين أعمدة المنابر الخشبية والمساجد، في شتى بقاع كردستان. أمّا ” اللون الأخضر، فهو علامة على الرضى والإستقرار والأمل، وهو مزيج من المعرفة والإيمان” وقد تبوّأ هذا اللون مكانة خاصة لدى الشعب الكردي؛ إثر المتغيّرات التاريخية، وبالأخص بعد ظهور الإسلام؛ فقد شاعت قبل الإسلام وبعده في أوساط المجاميع المنحدرة من الديانات القديمة، شاعت مصطلحات دينية كـ(سبزكردن: تخضير، إنبات، إنماء)،(سبزشدن: إخضرار) و(سبزبودن: نمو) فعندما كان يحضر زعيم ديني أو طائفي، توافرت فيه مؤهلات الزعامة، إلى منزل مريد أو مريديه، أو كان يحلَ ضيفاً عليهم؛ كان المريدون والأتباع يتداولون المصطلحات المذكورة إعتقاداً منهم بأن الزعيم الديني قد أنبتهم بحضوره وخضّرهم كالطبيعة والأشجار المزدهرة في الربيع! وبعد اتخاذ الخلفاء العباسيين اللون الأسود شعاراً لهم؛ إختار السادة الكرد، الذين كانوا على خلاف وصراع دائميين مع العباسيين، إختاروا اللون الأخضر لراياتهم وشؤونهم الأخرى، تمييزاً لأنفسهم عنهم، حيث كان اللون الأخضر خاصاً بالأسرة الهاشمية، إذْ كان زعماء النحل الدينية الكردية أقرب إلى العلويين دائماً. 
غالباً ما ترتبط الطواطم الدينية في أرجاء كردستان باللون الأخضر، في منظور الكرد، الذين يحسبونه مصدراً للقوة، الأمن، السلامة والوقار. ويمكن رؤية تجلّي هذه الألوان في: الألبسة، المصنوعات اليدوية، الحُلي، الأدب والموسيقى لدى الشعب الكردي. 


النسوة الكرديات يخترن ألوانهن الخاصة المفضلة؛ لتبيان علائقهن وأحاسيسهن النفسية وخلجاتهن الروحية. وتتميّز ألبستهن بالمقارنة مع ما للرجال، بكونها أكثر تعددية وتنوعا في أشكالها وألوانها. وهن يعتبرن سائر الألوان الطبيعية عناصر ذات قيمة كبيرة وملائمة لأزيائهن، لعل أبرزها اللونان الأحمر والأصفر الفاتح. وبالطبع يكون إختيارهن للألوان مختلفاً نوعمّا؛ تبعاً للمواقع الجغرافية، فمثلاً، نجد النسوة الشابات اللواتي يعشن في المناطق الحدودية الفاصلة بين العراق وتركيا وإيران، يفضّلن الألوان الغامقة( الكُحلي والأزرق القاتم) أمّا العجائز فيؤثرن اللون الأسود على ماسواه. 
عموماً، يمكن الإستنتاج أن الكرد في تلك البقاع قد اضطروا إلى اختيار واستعمال تلك الألوان وتعلقوا بها؛ بسبب تعرضهم المتواصل لهجمات أعداءوطنهم، ومن منطلق حماية أنفسهم من المهاجمين والطواريءً والحوادث المفاجئة كالغارات الليلية وهجمات الأعداء والحصارات الدائمية؛ فقد إختاروا بالضرورة تلك الألوان اضطراراً، بينما بالعكس يكون إختيارهم للألوان حراً؛ أنى تواجدوا بعيدين عن الحدود وحيثما يسود الأمن العسكري والإجتماعي والركون إلى الموقع؛ تتجلّى الماهية الأصيلة في أزيائهم وألوانها، فيمكننا أن نتلمس فعلاً في هاتيك الأنحاء إختيارهم الحر للألوان، بالعكس من المناطق الحدودية، حيث يكون الإختيار إضطرارياً وجبرياً تحتمه الضرورة. وفي أكثر بقاع كردستان، نجد النسوة الكرديات( اللواتي تتراوح أعمارهن مابين الخامسة عشر والخامسة والأربعين عاماً) يخترن اللونين الأحمر والأصفر الفاتح. فاللون الأصفر يرتبط في المفهوم الرمزي بحرارة الشمس وعروج الأنبياء والإبتهاج والسعادة، وإن حسن إدراكه يكشف لنا قوته وحدته ومحتواه العاطفي، الذي ينطوي على التمني والحرية، كما يمكننا بالتحليل السايكولوجي لأبعاد كلا اللونين بصفتهما اللونين المفضلين عند الكرديات؛ أن نتعرف جيداً على معنوياتهن وتكويناتهن الشخصية. عموماً يمكن القول أن المرأة الكردية قد وظفت الألوان بكفاءة وجدارة ولياقة في شتى مجالات الحياة، في أزيائها وحياكاتها ومنسوجاتها وأدواتها وحاجياتها المنزلية؛ إنسجاماً مع جذورها وأصولها الثقافية. 
كذلك الحال مع الرجال ،الذين يختارون ألوانهم المنسجمة مع مع البيئة الطبيعية؛ بمقتضى الموقع الجغرافي، الذي يستوجب عليهم الدفاع عن موطنهم والتمويه والإستتار عن أنظار الأعداء. وهي ألوان لافتة للنظر تعينهم على درء الأخطار عن أنفسهم عند مجابهة الأعداء والحيوانات الوحشية وخلال المعارك؛ فثمة القباء الصوفي السميك(كبنك/فرنجي) بلونه الأبيض(ماعدا الحالات الخاصة) وغالباًما يكون لونه بنّياً خاكياً، وهو يحمي الجسم من مخالب وبراثن الضواري. 
إن التوظيف الرمزي للون في أوساط الكرد معروف جيداً؛ حيث أن كل عشيرة أو قبيلة أو شريحة اجتماعية تُعرف وتُشَخص بألوانها المحبذة؛ فأئمة المساجد يلبسون القباءات دائماً فضلاً عن سِتَر بلا ياقات مع سراويل ضيقة النهايات، أمّا عمائمهم فهي من غالباً من القماش الأبيض. ويُعرف السادة منهم بشيلانهم وعمائمهم الخضر، ويلبس حجاج مكة العمائم والشيلان الصفر ذات النقوش البيض. ثم إن أتباع الطوائف والفرق والطرق الصوفية والدراويش يستعملون الألوان جيداً وبدراية وفقاً لفهمهم لنهجهم ومسلكهم في طريقتهم، ومنهم دراويش الطريقة القادرية، الذين يستعملون الألوان: الأحمر، الأبيض والأخضر، في حين يقتصر النقشبنديون على الأبيض الناصع، وخاصة لعمائمهم؛ علامة دالة على طريقتهم. 
يقيناً كان الكرد الأوائل من بناة المجتمعات المتمدنة، فبمقتضى الضرورة، ولإكتفائهم الذاتي وعدم احتياجهم إلى جيرانهم على عدة صٌعُد؛ استطاعوا تلبية للحاجة أن يبتكروا ويبدعوا مايستلفت النظر مختلف المجالات الضرورية، ولقد غدت مبتكراتهم لاحقاً مداميك للكثير من الإبتكارات والإختراعات في المجتمعات الراقية؛ فقد بلغوا في مضمار الحرف اليدوية مستوى جمالياً راقياً. وقد استعاروا لذلك الجمال كل المستلزمات الضرورية لمصنوعاتهم اليدوية من الطبيعة، ومنها الألوان، التي تعد أهم العناصر الجمالية في الحرف اليدوية، ولقد أبدعوا فيها أيّما ابداع. لقد سعى الكرد إلى توثيق وتخليد تقاليد ومعتقدات أسلافهم في منسوجاتهم ومصوغاتهم ومحوكاتهم جيلاً فجيلاً حتى عصرنا الراهن، كما في: السجّاد، الجاجيم، الكَليم ، البرمال(المُصَلّى) والأفرشة الصوفية، وأكثرها من إنتاج أيدي الكرديات. يمكن القول، باختصار، إن ألوان أزياء الكرد لاتتشابه مع أزياء الكرديات؛ حيث لايميل الرجال عموماً إلى الألوان الأصلية(الطبيعية) وإنما يميلون أكثر إلى الألوان المركّبة وغير المثيرة؛ فيطغى اللونان البنّي والخاكي على ملبوساتهم. وتكمن علة هذا الإختيار،كما أسلفنا، في ضرورات الإستتار عند الدفاع والمجابهات، ويشيع ذينك اللونان في أوساط كرد المناطق الحدودية، وكلما تواجد الكرد بعيداً عن المناطق الحدودية؛ تترك الألوان القاتمة الإستتارية مكانها للألوان الفاتحة أو الأفتح منها. وثمة عامل آخر مؤثر في إختيار ألوان الأزياء الكردية، ألا وهو حضور الكرد الدائم في أحضان الطبيعة، وممارسة الصيد؛ لتدبير القوت. 
إن أكثرية مساحات البيئة المعيشية للكرد جبلية غابية وسهلية؛ وعليه فإن التمويه والتماهي اللوني مع الطبيعة يتطلبان الألوان المماثلة لألوان الصخور والتراب، ومنهنا يهيمن اللون البنّي لخصيصته في امتصاص الضوء أكثر من سواه، وتعذر رؤيته في تلك البيئة. وفي المقابل، نجد ألوان الأزياء النسوية، إضافة إلى الألوان الأصلية، يطغى عليها اللونان القرمزي والأصفر المتسمان بدرجة عالية من الإشباع، حيث تميل الكرديات بطبيعتهن إلى الألوان البسيطة والمشبعة الجذابة. وفضلاً عن تحبيذهن للألوان الخالصة يملن إلى اللونين الذهبي والفضي المركّبين؛ فيكون لذلك التركيب تألق مضاعف. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

مصدر المبحث: مجلة (زريبار) شماره(2) 1998 مريوان-شرقي كردستان/ إيران.
الترجمة عن الفارسية/ جلال زنكابادي/ كلكامش

المصادر:

1- محمد على سلطانى/ جغرافياى تاريخى و تاريخ مفصل كرمانشاهان / 
ناشر: بها، جاب اول1370 ش ، جلد(1) تا(5) 
2- جوهانز ايتن / رنكَـ / 
ترجمه: محمد حسين حليمي / 
انتشارات وزارت فرهنكَـ وارشاد اسلامى / بايز1374 


إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!