خاص/ فريق الجيوستراتيجي للدراسات
مفرزات الأزمة السورية توحي بالكثير من التحولات الدراماتيكية في مسار المواجهات والحلول والإصطفافات، لا سيما التقاربات الجديدة بين الأطراف المتحاربة، والتباعدات الناجمة عن المصالح المضادة. مما يدفعنا التطورات إلى قراءة المشهد من خلال إستشراف الأحداث.
( 1 )
سيتم الإتفاق على فتح البوابات بين مناطق النظام السوري ومناطق الإحتلال التركي، مع عملية بناء التكيف بين النظام والمجاميع المسلحة للمعارضة، وبإشراف تركي - روسي، مع ذهاب الأرباح والفوائد من البوابات إلى أربعة أطراف، قسم للروس وقسم آخر للنظام، إلى جانب توزيع النصف الثاني للأتراك وقسم صغير للمجاميع المرتزقة السورية التي سوف تبقى تسيطر على المناطق الداخلية بالتنسيق مع غرفة عمليات الأمنية والعسكرية التي تم إنشائها حالياً بين المخابرات السورية والتركية وبرعاية عراقية وإشراف روسي.
( 2 )
سوف تقوم الدولة التركية بتهديد مناطق الإدارة الذاتية، على أساس شن عملية عسكرية جديدة، وقد يكون ذلك قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بحكم إنشغال الأمريكيين بالإنتخابات الرئاسية والمنافسة الشديدة التي تزداد قوة مع إقتراب إجراء الإنتخابات.
هذه العملية سوف تدفع بالروس إلى التدخل كوسيط بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري، على أساس إعادة إنتشار قوات النظام في ما تبقى من المناطق الحدودية، مقابل وقف العملية التركية، وبذلك يستعيد قوات الاسد سيطرته على كافة المعابر الحدودية، سواءً فعلياً أو شكلياً، مع عدم التدخل في مناطق الإدارة الذاتية إدارياً وعسكرياً في المرحلة الأولى.
وقد يكون بوابة سمالكا- فيش خابور مع إقليم كوردستان خارج المخطط بسبب التواجد الأمريكي، أو لربما يتم التضييق عليها من قبل تركيا. ولن نتفاجئ إذا تم إغلاقه من قبل إقليم كوردستان بضغط تركي من اجل القبول بعودة قوات النظام إلى المنطقة.
( 3 )
سيكون أمام الأمريكيين خيارين لا ثالث لهما، إما إتخاذ القرار الكامل لدعم الوضع القائم في مناطق شمال وشرق سوريا، أو التخلي عنها كلياً لصالح الروس، والأرجح أذا ما تم عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة فإنه قد يدخل مع الأتراك في صفقة تخلي الأتراك عن الروس مقابل التخلي الأمريكي عن مناطق الإدارة الذاتية، وهنا يأتي الدور الروسي - الإيراني الذي سوف يكون البديل المنطقي عن الأمريكيين في التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، ويخسر الأتراك فعلياً أية إتفاقيات مع النظام السوري إلى جانب دعم روسي إيراني لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا، وقبول النظام السوري بوضع خاص لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية.
( 4 )
لا يمكن إبعاد الإيرانيين عن المشهد السوري مطلقاً، ومهما كانت هناك منافسة روسية - إيرانية للأستحواذ على مداخل ومسارات الوضع السوري إلا أن حجم الوجود الإيراني أكبر بكير من التأثير الروسي، حتى الأمريكيين والإسرائيليين حينما يقومون بقصف المواقع الإيرانية في سوريا إنما بمساعدة الروس، والإحتمال الأرجح إن الروس زودوا ولا يزالوا الإسرائيليين بمواقع التواجد الإيراني، من أجل تخفيف وجودها لصالح التوسع الروسي الواضح.
( 5 )
الدول العربية وفي مقدمتهم دول الخليج تدرك تماماً حجم التناقضات والتوازن والمسارات المتعددة التي تتحكم بها القوى المتداخلة في سوريا، وإن فقدان الحضور في سوريا سيشكل في المستقبل تهديداً حقيقياً على أمن وإستقرار الخليج العربي، لأن السيطرة الإيرانية تعني وضع حزام شيعي حول الخليج العربي السني، لا سيما وإن الدول الغربية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وحلياً الروس حريصين جداً على إستمرارية إيران كفاعل أساسي لخلق النزاعات والمواجهات وفوضى التي تساعد بدورها في إنتاج أسواق سيطرة جديدة داخل الشرق الأوسط. وبالتالي لا يمكن التخلي عن إيران في تسخين المشهد العام. ولعلَّ التجربة العراقية بعد إسقاط نظام صدام حسين وخروج إيران كأكبر منتصر ومسيطر قد يتكرر في سوريا إذا ما غادرت الولايات المتحدة الأمريكية المنطقة، لأن حجم التوسع الإيراني على المستوى صناعة الأدوات أكبر بكثير من الإستراتيجية الروسية في الحضور العميق داخل الشرق الأوسط من البوابة السورية.
لذا نعتقد إن الخليج العربي سيكون له مسار من خلال العلاقات مع النظام إلى جانب الحضور مع قوات التحالف في العلاقات مع قوات سوريا الديمقراطية.
ويدرك الخليج العربي أيضاً إن أداة الحوثيين في اليمن تساعد إيران في تكريس وجودها داخل سوريا، بمعنى إخلاء سوريا بالنسبة للمملكة العربية السعودية تساعد في تخفيف أعباء المواجهات مع الحوثيين في اليمن، كما إن أجزاء كبيرة من هذه التفاعلات الدراماتيكية حصلت بالفعل وأنتجت عن إعادة أجزاء من العلاقات بين إيران والسعودية.
( 6 )
قد يهم المملكة الأردنية في هذه المرحلة أمنها الحدودي مع سوريا وإنهاء أزمة تهريب المخدرات، وإن كانت الأردن تتلقى مساعدات كبيرة من الخليج العربي في ضبط الحدود إلا أن عودة النظام إلى الحاضنة العربية وإن كان شكلياً يساعد بشكل جزئي في تخفيف إدخال الكبتاغون إلى الخليج العربي من بوابة الأردن.
15 يوليو/ تموز 2024