قراءة سياسية لـ إبراهيم كابان
لايمضي تصريحاً إعلامياً أو لقاء للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلا ويكون على أجندته ( التحضير لشن عمليات عسكرية جديدة ضد الكرد في سوريا )، وفي الحين يتوسع داخل إقليم كردستان العراق ويزيد من حضوره العسكري والأمني في المناطق المتاخمة للحدود، ويهدد بإستمرار إجراء عمليات عسكرية جديدة على منطقة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
أدوات
في عملية التخلي عن المعارضة السورية بالرغم من إستخدامها في شتى المجالات، الحرب ضد الكرد وأخذهم إلى ليبيا وأذربيجان وبوركينا فاسو ونيجر، وإدخالهم في معمعة الفاغنر الروسي ومشاريعه داخل بعض الدول الأفريقية، وإلهائهم بمعارك ضد قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، وتعطيل أية مواجهات بين المجموعات المعارضة السورية والنظام السوري كنتيجة للإتفاقيات مع الأسد والإيرانيين برعاية روسية.
إن تطور الإتفاقيات بين الأطراف في طريقها نحو تمكينها من بوابة توحيد المجموعات المرتزقة للمعارضة مع قوات النظام السوري، وتمكين التعاون الأمني والعسكري مع الأسد، بغية تمكين جبهة سورية تركية لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية التي تسميها تركيا بإنفصالية، بينما يكنها النظام السوري مع شريكه الإيراني بالعملية لأمريكيا. فيما لا تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية بإتجاه تعزيز العلاقات السياسية مع الإدارة الذاتية، ولا يظهر في الأفق أية توجهات أمريكية لدعم الكرد في الذهاب نحو أية مشاريع خاصة بهم. وإنما التعاون الأمريكي لا يزال ضمن سياق التعاون العسكري والأمنية مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة عناصر الداعش.
الأزمة الإقتصادية والهروب إلى الأمام
حروب تركيا ضد الكرد أهلكها إقتصادياً في ظل الظروف الحالية في المنطقة ككل وعلى المستوى الدولي، حيث أدخلت السياسات المتبعة من قبل أردوغان الدول التركية في نفق مظلم بعد القطيعة في العلاقات الغربية والعربية، والإستمرار بالتعاون مع الروس في قضايا تهدد الأمن الإستراتيجي الغربي. وبالرغم من المحاولات الحثيثة لإعادة أواصر تلك العلاقات مع الغرب والعرب، لم ينجح النظام التركي في الإستفادة منها، وبالتالي تسبب ذلك بخسارة حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب أردوغان وحليفه الحركة القومية، وتحولت المعارضة التركية إلى كتلة سياسية قوية سيطرت على مفاصل البلديات، وهو ما هدد بشكل مباشر مستقبل الرئيس التركي وحزبه.
ومن الواضح سيتجه أردوغان إلى خلق الأزمات في الجوار وداخل تركيا حتى يعيد خلط الأوراق من جديد كي يبقى منافساً في الإستحقاقات التالية.
إن التلاعب بالمشاعر القومية لدى الأتراك قد تكون آلية جيدة في دفع الشارع نحو الذهاب خلف مشاريع أردوغان لخوض صراعات وحروب ضد الكرد، لأن النظام التركي يدرك تماماً إن المعارضة التركية لا تستطيع التغلب على حزب العدالة والتنمية وشريكه الحركة القومية، دون اللجوء إلى الكرد والتنسيق معهم، كما حصل في الإنتخابات البلدية الأخيرة التي غير المعادلة التركية، بعد إتخاذ الأحزاب الكردية إستراتيجية الفوز داخل المناطق الكردية مقابل دعم المعارضة في المناطق الإستراتيجية التركية، وكانت النتيجة السيطرة على معظم البلديات الكردية مقابل سيطرة المعارضة على البلديات التركية، مما تسببت بخسارة كبيرة لحزب العدالة وشريكه الحركة القومية. وبإعتبار الظروف لن تساعد أردوغان في المستقبل، بسبب الوضع الإقتصادي وفشل المشاريع وتراجع العلاقات، سيكون المستقبل للمعارضة، وبالتالي قد يكون الحزب الكردي شريكاً للحكومة القادمة بقيادة حزب الشعب الجمهوري الذات التوجه الكمالي.
الحرب قادمة لا محال
التركيز الحالي للرئيس التركي يصب في خانة التحضير لعمليات عسكرية جديدة ضد الكرد في سوريا وإقليم كردستان، وطبيعة العلاقات التي يبنيها مع نظام الأسد والإيرانيين والحكومة العراقية، بالتزامن مع تعزيز العلاقات مع روسيا، وفض أية خلافات مع أوروبا والدول العربية، وتخفيف الضغوطات الأمريكية، تظهر جميع هذه العوامل واقع واحد لا محال، وهو محاربة قوات سوريا الديمقراطية، والتكثيف من الحضور داخل إقليم كردستان، ومحاولة ضرب الأطراف السياسية الكردية ببعضها، مقابل تعميق العمل الإستخباراتي في الإقليمين الكرديين بسوريا والعراق. لاسيما وإن التطورات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية توحي بتطور كبير على المستوى الإسترايتجية، لا سيما عودة المحافظين، وقد ينجح دونالد ترامب ثانية في الإنتخابات الرئاسية، وتعني إدارة جديدة وسياسات قد تكون مبنية على المغامرات، وقد تطال تركيا أيضاً إذا ما أستمرت الأخيرة في تعميق العلاقات مع روسيا. يتزامن هذه التحولات الجوسياسية بتطور في السياسات الأوروبية، حيث التيارات اليمينية تتصاعد بشكل سريع للإستيلاء على الحكومات وفق الإنتخابات الأخيرة التي تشير إلى سيطرة اليمين الأوروبي على بعض الدول، فيما تطورت إستحواذها على مناطق داخل البلدان الأخرى، وهذا يعني نحن أمام تطور في السياسات الدولية.
الحرب قادمة لا محال
لم يكن الحضور التركي يقتصر على القيام بدور شرطي حدود للمصالح الأمريكية خلال العقود الستة الماضية وإنما ساهمت بحماية الجبهة الشرقية لحلف الناتو، وهذا الدور تعرض إلى ضربة قاسية في ظل الميلان التركي لصالح التوسع الروسي الجديد في الشرق الأوسط، وتسبب ذلك بفقدان الثقة العميقة مع حلف الناتو. ولم تكتفي بذلك وإنما أتسعت العلاقات بالتنسيق مع الروس في بعض الدول الأفريقية التي شهدت إنقلابات ضد الحضور الأمريكي الأوروبي لصالح التوسع الروسي، إلى جانب التراجع الكبير للدول العربية في بناء علاقات مع تركيا، بعد التدخل الأخيرة لدعم المجموعات المتطرفة داخل عدد من الدول العربية. وإن عادت العلاقات الشكلية بين هذه الأطراف مع الأتراك فلن تتجاوز الشكلية والمصلحية كما هو الحال مع الدول الأوربية، ولعلَّ البقاء التركي في مسار التقاربات مع روسيا والصين سوف يعزز أكثر فقدان الثقة المستدامة بها، وقد تنتج في المحصلة عن طلاق بينها والدول الغربية، إذا ما بقيى أردوغان على رأس السلطة.
10.07.2024