إعداد: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
في صيف عام 2014، ارتكب إرهابيو داعش إبادة جماعية ضد الإيزيديين الكرد في شمال العراق. وحتى يومنا هذا، فإن وضع الأقلية الدينية في المنطقة صعب.
في الساعات الأولى من صباح الثالث من أغسطس/آب 2014، تدفق مقاتلو الداعش من قواعدهم في سوريا والعراق، واجتاحوا منطقة سنجار في شمال العراق. وهناك، انتشرت مئات القرى حول سفح جبل سنجار، وهي سلسلة جبال قاحلة يبلغ طولها مائة كيلومتر، وتشكل قلب المنطقة. وتقع سنجار على بعد أقل من خمسة عشر كيلومتراً من الحدود السورية، وهي موطن لغالبية اليزيديين في العالم، وهي طائفة دينية متميزة تمتد معتقداتها وممارساتها إلى آلاف السنين، والتي يعتبرها تنظيم الدولة الإسلامية من أتباعها كفاراً علناً.
كان هجوم داعش منظماً بشكل جيد، حيث عمل مئات المقاتلين بالتنسيق مع بعضهم البعض أثناء استيلائهم على المدن والقرى على جميع جوانب الجبل. وبينما تقدموا نحو سنجار، لم يواجه مقاتلو داعش مقاومة تذكر أو لم يواجهوا أي مقاومة. وبحسب التقارير، انسحبت القوات الكردية العراقية، البشمركة، في مواجهة تقدم تنظيم الدولة الإسلامية، تاركة جزءاً كبيراً من المنطقة بلا دفاع. ومع انتشار أنباء مغادرة قوات البيشمركة لنقاط التفتيش، قامت مجموعات مؤقتة من الرجال الإيزيديين المحليين المسلحين بدفاع محدود عن بعض القرى في محاولة لإعطاء أسرهم وجيرانهم المزيد من الوقت للهروب. وبحلول الفجر، كانت الأسر الإيزيدية من مئات القرى في مختلف أنحاء سنجار تفر من منازلها في خوف وذعر. ولم يأخذوا معهم سوى القليل. بينما نصح جيران عرب آخرون بالبقاء في القرى ورفع الأعلام البيضاء فوق منازلهم، وتقول التقارير إن معظم العرب في الجوار أنضموا إلى صفوف الداعش لنهب القرى الإيزيدية.
وبحلول الوقت الذي دخل فيه تنظيم داعش سنجار، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأهداف العسكرية في المنطقة. وركز مقاتلو داعش انتباههم على أسر الإيزيديين. وبعد السيطرة على الطرق الرئيسية وجميع التقاطعات الاستراتيجية، أقام المقاتلون نقاط تفتيش وأرسلوا دوريات متنقلة للبحث عن الأسر الإيزيدية الهاربة. وفي غضون ساعات، وجد الإيزيديون الذين لم يتمكنوا من الفرار إلى مدينة دهوك القريبة أنفسهم محاصرين بمقاتلي داعش المسلحين الذين يرتدون ملابس سوداء.
أما أولئك الذين فروا في وقت مبكر بما يكفي للوصول إلى الهضبة العليا لجبل سنجار فقد حاصرهم تنظيم داعش. وسرعان ما تطورت الأزمة الإنسانية عندما حاصر تنظيم داعش عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الإيزيديين في درجات حرارة تزيد عن 50 درجة مئوية ومنعهم من الوصول إلى المياه أو الغذاء أو الرعاية الطبية.
لقي المئات من الإيزيديين حتفهم ــ بما في ذلك الرضع والأطفال الصغار ــ على جبل سنجار قبل أن تتمكن القوات الكردية السورية المسماة وحدات حماية الشعب من فتح ممر من سوريا إلى جبل سنجار، مما يسمح بنقل المحاصرين على الجبل إلى بر الأمان. وبالتعاون مع المتطوعين الإيزيديين، صدوا هجمات داعش على الممر، في محاولة لإعادة فرض الحصار.
وعلى الأراضي المنخفضة، أسر مقاتلو داعش آلاف الإيزيديين في قراهم أو على الطرق أثناء فرارهم بين 3 و5 أغسطس/آب. وتم إخلاء جميع القرى تقريبًا في غضون اثنتين وسبعين ساعة من الهجوم، باستثناء قرية كوجو التي لم يتم إخلاؤها حتى 15 أغسطس/آب. وفي عملية الأسر والنقل، قام مئات من مقاتلي داعش العاملين عبر منطقة شاسعة في منطقة سنجار بتقسيم الإيزيديين بشكل منهجي إلى ثلاث مجموعات متميزة: رجال وفتيان تبلغ أعمارهم 12 عامًا أو أكثر؛ ونساء وأطفال؛ وفي وقت لاحق، تم اختيار الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 7 أعوام وما فوق من مجموعة الأطفال الذكور الذين بقوا مع النساء. وعانت كل مجموعة من انتهاكات مميزة ومنهجية، أقرها الإطار الأيديولوجي لداعش.
تدخل القوات الكردية
لم يكن الإيزيديون الهدف الوحيد لداعش في المنطقة. فقد فر المسيحيون من سنجار أيضاً، وكذلك فعل الشيعة في تلعفر المجاورة وغيرها من المناطق ــ حيث انقلب بعض السنة على جيرانهم لمساعدة المتطرفين. انسحبت قوات البيشمركة في كردستان العراق من سنجار دون قتال بسبب قلة الأعداد والإمكانيات العسكرية الضعيفة أمام قوة الداعش وطبيعة الأسلحة الثقيلة التي حصلوا عليه في الموصل بعد ترك الجيش العراقي لمعداتها لثقيلة.
ووفق الوقائع سارع حزب العمال الكردستاني - المتمركز في جبال قنديل/ إقليم كردستان، ووحدات حماية الشعب (YPG/YPJ) الكردية من المنطقة الكردية السورية، وبعض مجموعات البيشمركة التابعة للإتحاد الوطني الكردستاني، لمساعدتهم الأهالي وفتح كريدور لإخراج المدنيين من المنطقة إلى المنطقة الكردية في سوريا.
بتاريخ 7 أغسطس/آب 2014، أعلن الرئيس باراك أوباما عن تحرك عسكري أميركي لمساعدة الإيزيديين المحاصرين على جبل سنجار. وشاركت القوات الأميركية والعراقية والبريطانية والفرنسية والأسترالية في عمليات إسقاط المياه والإمدادات الأخرى على الإيزيديين المحاصرين. وأطلق مقاتلو داعش النار على الطائرات التي كانت تسقط المساعدات، وعلى المروحيات التي كانت تحاول إجلاء الإيزيديين الأكثر ضعفاً.
إعادة الإعمار البطيئة
وعلى الرغم من هزيمة تنظيم داعش في عام 2017، إلا أن الوضع السياسي في المنطقة غير مستقر. مجموعات مختلفة تتقاتل من أجل الهيمنة. وتشمل هذه القوات البشمركة الكردية، وحزب العمال الكردستاني الكردي من تركيا، وقوات الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران، والحكومة المركزية العراقية.
وتنفذ تركيا ضربات جوية بشكل متكرر على المنطقة. فيما أتفقت الحكومة العراقية مع إقليم كردستان على تقاسم الوضع في شنكال والمساعدة معاً في تطوير المنطقة، إلا أن الظروف العملية لا تسمح حتى اللحظة بتطوير تلك الاتفاقية وتنفيذها بشكل رسمي.
الوضع السياسي يجعل إعادة إعمار المنطقة أمرا صعبا. كما قام تنظيم الداعش بتلغيم الحقول والمدن لجعل العودة أكثر صعوبة. واليوم، لا يزال الكثير من الناس يعيشون في ملاجئ اللاجئين؛ وقد عاد عدد قليل منهم فقط إلى منطقة سنجار. ويعيش الآن ما يقرب من 25 ألف شخص في المدينة التي تحمل الاسم نفسه، وكان عدد سكانها حوالي 80 ألف نسمة في عام 2013. وبحسب الأمم المتحدة، لا يزال أكثر من 200 ألف شخص يعيشون كنازحين في المخيمات.
الجريمة المعترف بها على أنها إبادة جماعية
في عام 2016، صنفت منظمة الأمم المتحدة جرائم داعش ضد الإيزيديين على أنها إبادة جماعية. وبناءً على ذلك، أراد تنظيم الداعش تحقيق "تدمير طويل الأمد للمجتمع الديني الإيزيدي في العراق وسوريا" من خلال عمليات الإعدام الجماعية وغيرها من الجرائم. فيما تحدث البرلمان الأوروبي أيضًا عن الإبادة الجماعية. وقد تم تقديم الاقتراح بشكل مشترك من قبل فصائل الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والحزب الديمقراطي الحر وفصائل الاتحاد. وينص القرار على أن “البوندستاغ الألماني ينحني لضحايا جرائم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا”.فيما صنفت بعض الدول الغربية بأن ما حصل هي عملية الإبادة الجماعية.
المعالجة القانونية للجرائم
لم يتم حتى الآن محاكمة جرائم داعش من قبل المحكمة الجنائية الدولية لأن روسيا تمنع ذلك باستخدام حق النقض في مجلس الأمن. وبدلا من ذلك، تتم المعالجة القانونية في المحاكم الوطنية.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، كانت المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت أول محكمة تدين مقاتلاً من تنظيم داعش من العراق بتهمة الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين. وأكدت محكمة العدل الاتحادية في وقت لاحق الحكم. وفي العراق، يُدان مقاتلو داعش وأعضاؤه بالإرهاب والقتل. ولم يتم حتى الآن إنشاء محكمة خاصة، بناء على طلب المنظمات غير الحكومية.
الإحصاءات
بحسب الإحصائية فإن عدد الايزيديين في العراق كان يبلغ نحو 550,000 نسمة، وعدد النازحين الايزيديين الموجودين حالياً في مخيمات إقليم كوردستان 135.860 نازح، أما عدد النازحين الموجودين في المناطق المتفرقة في الإقليم فيبلغ 189.337 نازح.
ويبلغ عدد الضحايا - الى الآن - أكثر من 5000، وعدد الايتام نتيجة الجرائم التي ارتكبها داعش 2745، وعدد المقابر الجماعية المكتشفة في سنجار حتى الان 83 مقبرة جماعية، إضافة الى العشرات من مواقع المقابر الفردية.
وذكرت الإحصائية ان عدد الناجين من المقابر الجماعية 29 شخص، وعدد المزارات والمراقد الدينية المفجرة من قبل داعش : 68 مزار وعدد الذين هاجروا الى خارج البلد يقدر تقريباً بأكثر من (120.000) .
وبحسب الإحصائية فإن عدد المختطفين يبلغ 6417، يبلغ عدد الإناث منهم 3548، والذكور 2869، أما أعداد الناجيات والناجين من قبضة داعش الإرهابي كالاتي : المجموع : 3562 منهم : النساء : 1207، الرجال : 339، الأطفال الإناث : 1059، الأطفال الذكور : 957 .
وعدد المختطفين الذين استشهدوا بأيدي داعش وتم العثور على جثثهم من بين المقابر الجماعية يبلغ: 162 شهيد، منهم: الإناث: 20، الذكور: 142، وعدد الباقين: 2687، الإناث منهم 1256، والذكور 1431.
ويبلغ عدد المخيمات في محافظة دهوك -15، وعدد الباقين في المخيمات 75%، الذين ذهبوا الى سنجار 25% ،عدد القوات المتواجد في سنجار 7 قوة مسلحة اكثر من 60 الف مسلح ،عددٍ البيوت المدمرة 16 الف بالكامل ماعدا العشرات الجزئية.
المصادر والإقتباسات:
- إفتتاحية bpb/
- صحيفة the cairo review
- تحقيق لـ ecfr.eu
- موسوعة ويكيبيديا