بقلم: بوزان كرعو
خاص/ الجيوستراتيجي للدراسات
في يوم 23 أكتوبر ، شهدت العاصمة التركية أنقرة عملية فدائية ضد منشأة TUSAŞ العسكرية ، تبنتها كتيبة "الخالدين " التابعة لحزب العمال الكردستاني. ورغم تأكيد قيادة مقر الدفاع الشعبي أن العملية لا ترتبط مباشرة بالأجندة السياسية في تركيا ، أثار توقيت تنفيذها بالتزامن مع دعوة رئيس حزب الحركة القومية التركي ، دولت بهجلي ، لفتح حوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ، عدة تساؤلات حول الخلفيات المحتملة لهذا التزامن. فهل جاء هذا الحدث صدفة ، أم أنه مؤشر على توافق غير مُعلن بين أطراف خفية ؟
1- العملية كعمل منفصل عن الأجندة السياسية :
الاحتمال الأول يتناول أن العملية كانت نتيجة تخطيط طويل ومستقل عن الأوضاع السياسية الحالية ، من المعروف أن العمليات الفدائية تتطلب تحضيرات دقيقة وتجهيزات تستغرق شهورًا ، خصوصًا حينما يتعلق الأمر بأهداف ذات أهمية مثل المنشآت العسكرية.
وفي هذا السياق ، أشار بيان قيادة مقر الدفاع الشعبي إلى أن العملية جاءت ردًا على ما يُعتبر من جانب حزب العمال الكردستاني انتهاكات تركية في كردستان ، وأنها بُنيت على أسس ذاتية ومنفصلة عن التفاعلات السياسية الأخيرة. بناءً على هذا التصور ، يبدو أن العملية كانت مستقلة تمامًا ، تهدف فقط إلى إيصال رسالة تؤكد على استمرار المقاومة الكردية ، بمعزل عن دعوات الحوار أو التفاهم.
2- وجود توافق ضمني بين "الدولة العميقة " وأجنحة معينة داخل حزب العمال الكردستاني :
من جهة أخرى ، يطرح بعض المحللين احتمال وجود توافق غير مُعلن بين جهات داخل الدولة التركية ، يُطلق عليها عادةً "الدولة العميقة "، وبعض أجنحة حزب العمال الكردستاني. قد تكون هناك رغبة من جهات خفية في استغلال عمليات كهذه لتعزيز القبضة الأمنية على البلاد أو إثارة حالة من الخوف من أجل خدمة أهداف سياسية محددة.
ينسجم هذا التفسير مع التاريخ الطويل لعلاقات الدولة العميقة في تركيا ومحاولاتها توجيه الأحداث بما يتماشى مع مصالحها ، إذ تبرز على الساحة السياسية التركية تباينات واضحة حول الملف الكردي. ففي وقت يتم فيه عرض فرص للحوار مع أوجلان ، يُصعّد النظام التركي من حملاته على حزب الشعوب الديمقراطي ويزيد الضغط على حزب العمال الكردستاني ، ويمكن قراءة هذا التناقض كدلالة على صراعات داخلية ضمن الدولة نفسها ، بين تيارات تسعى لاستخدام الملف الكردي بما يتماشى مع مصالحها الخاصة ، وأخرى تميل إلى الحسم الأمني الكامل.
3- رسالة رمزية لجذب الانتباه الدولي واستعراض القوة :
احتمال آخر يُفسّر توقيت العملية كرسالة رمزية موجهة ليس فقط للدولة التركية ، بل أيضًا لأطراف إقليمية ودولية تتابع الوضع الكردي عن كثب ، ففي ظل المتغيرات الإقليمية والتحولات الدولية ، قد يكون الهدف من تنفيذ عملية بهذا الحجم وبهذا التوقيت توجيه رسالة تُظهر حزب العمال الكردستاني كقوة ما زالت فاعلة ، وقادرة على تنفيذ عمليات ضد أهداف حساسة رغم الظروف الأمنية الصعبة.
قد يكون هذا التوقيت المثالي لعمليات كهذه مدروساً لاستعراض القوة أمام المجتمع الدولي وللضغط على الحكومة التركية للعودة إلى طاولة الحوار بشروط تحافظ على نفوذ الحزب ، أو قد يكون ردًّا على سياسات الحكومة التركية خارج الحدود في المنطقة الكردية والتي يراها الحزب بمثابة تهديد مباشر له.
4- التزامن كتعبير عن صراع داخلي في قيادة حزب العمال الكردستاني :
من المحتمل أن يكون توقيت العملية تعبيرًا عن خلاف داخلي بين تيارات متباينة داخل حزب العمال الكردستاني ، إذ يُعرف عن الحزب احتوائه على تيارات مؤيدة للحوار إلى جانب تيارات متشددة ترى أن الاستمرار في الصراع المسلح هو السبيل الأنسب للحفاظ على قوة الحزب.
في هذا السياق ، يمكن أن تكون العملية إشارة من التيار المتشدد داخل الحزب ضد أي بوادر للحوار ، خاصة مع التصريحات الأخيرة لبهجلي التي قد يفسرها بعض القادة في الحزب كتحدٍّ لمحاولة كسر إرادة الحزب وإضعاف موقفه. إذن ، قد تعكس هذه العملية موقفًا متشددًا يؤكد أن الحزب لن يتخلى عن نهجه المسلح في مواجهة الدولة ، ويرفض أي مسار سياسي قد يُنظر إليه كتنازل أو ضعف.
5- التزامن كصدفة غير مخطط لها :
أخيرًا ، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون التزامن بين العملية ودعوة بهجلي للحوار مجرد صدفة غير مخطط لها ، إذ إن العمليات التي تتطلب تحضيرات وتجهيزات أمنية دقيقة تُنفّذ عادة في توقيت محدد يتماشى مع جاهزيتها الميدانية ، بعيدًا عن أي اعتبار للتصريحات السياسية الآنية.
ورغم أن هذا الاحتمال قد يبدو ضعيفًا مقارنةً بالتفسيرات الأخرى ، إلا أن الصدف في عالم السياسة ليست نادرة ، فقد تكون الظروف الميدانية هي التي دفعت لتنفيذ العملية في هذا التوقيت.
كما انه من الصعب الجزم بالتفسير الدقيق لتزامن العملية الفدائية في أنقرة مع دعوة بهجلي للحوار مع عبد الله أوجلان ، إلا أن جميع الاحتمالات تبقى مطروحة ، فربما جاءت العملية كنتيجة لخطط طويلة الأمد ومنفصلة عن الأحداث السياسية ، أو قد تكون جزءًا من توافق غير معلن بين أطراف خفية في الدولة التركية ، أو ربما انعكاسًا لصراع داخلي في قيادة حزب العمال الكردستاني.
يبقى هذا التزامن محط تساؤلات وتحليلات ، مع احتمالية أن تتطور هذه الأحداث مستقبلاً ، مما قد يكشف مزيدًا من الأبعاد حول العلاقة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني ، وما إذا كان هذا الحدث يفتح الباب لإعادة النظر في مسار الصراع التركي-الكردي.
تزامن العملية الفدائية في أنقرة ودعوة بهجلي للحوار مع أوجلان : مصادفة أم توافق خفي ؟
في يوم 23 أكتوبر ، شهدت العاصمة التركية أنقرة عملية فدائية ضد منشأة TUSAŞ العسكرية ، تبنتها كتيبة "الخالدين " التابعة لحزب العمال الكردستاني. ورغم تأكيد قيادة مقر الدفاع الشعبي أن العملية لا ترتبط مباشرة بالأجندة السياسية في تركيا ، أثار توقيت تنفيذها بالتزامن مع دعوة رئيس حزب الحركة القومية التركي ، دولت بهجلي ، لفتح حوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ، عدة تساؤلات حول الخلفيات المحتملة لهذا التزامن. فهل جاء هذا الحدث صدفة ، أم أنه مؤشر على توافق غير مُعلن بين أطراف خفية ؟
1- العملية كعمل منفصل عن الأجندة السياسية :
الاحتمال الأول يتناول أن العملية كانت نتيجة تخطيط طويل ومستقل عن الأوضاع السياسية الحالية ، من المعروف أن العمليات الفدائية تتطلب تحضيرات دقيقة وتجهيزات تستغرق شهورًا ، خصوصًا حينما يتعلق الأمر بأهداف ذات أهمية مثل المنشآت العسكرية.
وفي هذا السياق ، أشار بيان قيادة مقر الدفاع الشعبي إلى أن العملية جاءت ردًا على ما يُعتبر من جانب حزب العمال الكردستاني انتهاكات تركية في كردستان ، وأنها بُنيت على أسس ذاتية ومنفصلة عن التفاعلات السياسية الأخيرة. بناءً على هذا التصور ، يبدو أن العملية كانت مستقلة تمامًا ، تهدف فقط إلى إيصال رسالة تؤكد على استمرار المقاومة الكردية ، بمعزل عن دعوات الحوار أو التفاهم.
2- وجود توافق ضمني بين "الدولة العميقة " وأجنحة معينة داخل حزب العمال الكردستاني :
من جهة أخرى ، يطرح بعض المحللين احتمال وجود توافق غير مُعلن بين جهات داخل الدولة التركية ، يُطلق عليها عادةً "الدولة العميقة "، وبعض أجنحة حزب العمال الكردستاني. قد تكون هناك رغبة من جهات خفية في استغلال عمليات كهذه لتعزيز القبضة الأمنية على البلاد أو إثارة حالة من الخوف من أجل خدمة أهداف سياسية محددة.
ينسجم هذا التفسير مع التاريخ الطويل لعلاقات الدولة العميقة في تركيا ومحاولاتها توجيه الأحداث بما يتماشى مع مصالحها ، إذ تبرز على الساحة السياسية التركية تباينات واضحة حول الملف الكردي. ففي وقت يتم فيه عرض فرص للحوار مع أوجلان ، يُصعّد النظام التركي من حملاته على حزب الشعوب الديمقراطي ويزيد الضغط على حزب العمال الكردستاني ، ويمكن قراءة هذا التناقض كدلالة على صراعات داخلية ضمن الدولة نفسها ، بين تيارات تسعى لاستخدام الملف الكردي بما يتماشى مع مصالحها الخاصة ، وأخرى تميل إلى الحسم الأمني الكامل.
3- رسالة رمزية لجذب الانتباه الدولي واستعراض القوة :
احتمال آخر يُفسّر توقيت العملية كرسالة رمزية موجهة ليس فقط للدولة التركية ، بل أيضًا لأطراف إقليمية ودولية تتابع الوضع الكردي عن كثب ، ففي ظل المتغيرات الإقليمية والتحولات الدولية ، قد يكون الهدف من تنفيذ عملية بهذا الحجم وبهذا التوقيت توجيه رسالة تُظهر حزب العمال الكردستاني كقوة ما زالت فاعلة ، وقادرة على تنفيذ عمليات ضد أهداف حساسة رغم الظروف الأمنية الصعبة.
قد يكون هذا التوقيت المثالي لعمليات كهذه مدروساً لاستعراض القوة أمام المجتمع الدولي وللضغط على الحكومة التركية للعودة إلى طاولة الحوار بشروط تحافظ على نفوذ الحزب ، أو قد يكون ردًّا على سياسات الحكومة التركية خارج الحدود في المنطقة الكردية والتي يراها الحزب بمثابة تهديد مباشر له.
4- التزامن كتعبير عن صراع داخلي في قيادة حزب العمال الكردستاني :
من المحتمل أن يكون توقيت العملية تعبيرًا عن خلاف داخلي بين تيارات متباينة داخل حزب العمال الكردستاني ، إذ يُعرف عن الحزب احتوائه على تيارات مؤيدة للحوار إلى جانب تيارات متشددة ترى أن الاستمرار في الصراع المسلح هو السبيل الأنسب للحفاظ على قوة الحزب.
في هذا السياق ، يمكن أن تكون العملية إشارة من التيار المتشدد داخل الحزب ضد أي بوادر للحوار ، خاصة مع التصريحات الأخيرة لبهجلي التي قد يفسرها بعض القادة في الحزب كتحدٍّ لمحاولة كسر إرادة الحزب وإضعاف موقفه. إذن ، قد تعكس هذه العملية موقفًا متشددًا يؤكد أن الحزب لن يتخلى عن نهجه المسلح في مواجهة الدولة ، ويرفض أي مسار سياسي قد يُنظر إليه كتنازل أو ضعف.
5- التزامن كصدفة غير مخطط لها :
أخيرًا ، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون التزامن بين العملية ودعوة بهجلي للحوار مجرد صدفة غير مخطط لها ، إذ إن العمليات التي تتطلب تحضيرات وتجهيزات أمنية دقيقة تُنفّذ عادة في توقيت محدد يتماشى مع جاهزيتها الميدانية ، بعيدًا عن أي اعتبار للتصريحات السياسية الآنية.
ورغم أن هذا الاحتمال قد يبدو ضعيفًا مقارنةً بالتفسيرات الأخرى ، إلا أن الصدف في عالم السياسة ليست نادرة ، فقد تكون الظروف الميدانية هي التي دفعت لتنفيذ العملية في هذا التوقيت.
كما انه من الصعب الجزم بالتفسير الدقيق لتزامن العملية الفدائية في أنقرة مع دعوة بهجلي للحوار مع عبد الله أوجلان ، إلا أن جميع الاحتمالات تبقى مطروحة ، فربما جاءت العملية كنتيجة لخطط طويلة الأمد ومنفصلة عن الأحداث السياسية ، أو قد تكون جزءًا من توافق غير معلن بين أطراف خفية في الدولة التركية ، أو ربما انعكاسًا لصراع داخلي في قيادة حزب العمال الكردستاني.
يبقى هذا التزامن محط تساؤلات وتحليلات ، مع احتمالية أن تتطور هذه الأحداث مستقبلاً ، مما قد يكشف مزيدًا من الأبعاد حول العلاقة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني ، وما إذا كان هذا الحدث يفتح الباب لإعادة النظر في مسار الصراع التركي-الكردي.