تقدير موقف: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
الكرد في شمال وشرق سوريا كانوا على مدى العقد الأخير حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في محاربة تنظيم "داعش". شكلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الكرد العمود الفقري للحرب ضد الإرهاب المدعومة من واشنطن. في المقابل، تعتبر تركيا، حليف الولايات المتحدة في الناتو، أن وحدات حماية الشعب الكردية امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف كتنظيم إرهابي من قبل أنقرة وواشنطن. هذه المعادلة المعقدة تجعل العلاقات بين الولايات المتحدة والكرد حساسة وتخضع للعديد من المتغيرات الجيوسياسية.
العوامل المؤثرة في الموقف الأمريكي
1. الاعتبارات الاستراتيجية الأمريكية
محاربة الإرهاب: لا تزال واشنطن ترى في قوات سوريا الديمقراطية أداة فعالة لمنع عودة داعش، وهي نقطة محورية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
احتواء النفوذ الروسي والإيراني: يدعم وجود الكرد المدعومين أمريكيًا استراتيجية واشنطن لاحتواء النفوذ الروسي والإيراني في سوريا.
2. الضغوط التركية
العلاقات داخل الناتو: تركيا تملك أوراق ضغط قوية كونها شريكًا رئيسيًا في الناتو. تهدد أحيانًا بتعطيل قرارات الحلف أو تعزيز علاقاتها مع روسيا إذا لم تُؤخذ مخاوفها الأمنية على محمل الجد.
الانتخابات والوضع الداخلي: يستخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الملف الكردي لتعزيز شعبيته داخليًا، حيث يُصور العمليات العسكرية ضد الكرد على أنها ضرورة لحماية الأمن القومي.
3. المتغيرات الإقليمية والدولية
إعادة رسم التحالفات: تغيرات السياسة الدولية قد تدفع واشنطن لتقديم تنازلات لتركيا في مقابل تحقيق أهداف أخرى مثل إبقاء أنقرة بعيدة عن روسيا.
التراجع الأمريكي عن الشرق الأوسط: انسحاب واشنطن التدريجي من قضايا الشرق الأوسط يترك فراغًا قد تستغله تركيا لتوسيع نفوذها.
السيناريوهات المحتملة
1. التخلي التدريجي عن الكرد لصالح تركيا
قد تميل واشنطن إلى تخفيف دعمها للكرد لضمان تعاون تركيا في ملفات أخرى، مثل حرب أوكرانيا أو التصدي للصين. في هذا السيناريو:
ستقوم واشنطن بتقليص الدعم العسكري والمالي لقسد.
قد تُعطى تركيا الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات محدودة في شمال سوريا، مع ضمانات بعدم تجاوزها مناطق معينة.
2. الحفاظ على الدعم الحذر لكرد
واشنطن قد تختار دعم الكرد بشكل محدود دون استفزاز تركيا، من خلال:
تقديم دعم لوجستي غير مباشر.
استمرار وجود رمزي للقوات الأمريكية في المنطقة.
الضغط دبلوماسيًا على تركيا لمنع أي عمليات واسعة النطاق.
3. صفقة شاملة مع تركيا
في هذا السيناريو، قد تدخل واشنطن في صفقة شاملة مع تركيا تشمل:
موافقة ضمنية على العمليات التركية مقابل تنازلات أخرى (مثل الابتعاد عن روسيا أو تقديم تسهيلات للناتو).
إعادة هيكلة العلاقة مع قسد لتكون أكثر "قبولًا" لتركيا (مثلاً، بفصل الوحدات الكردية عن القوات الأخرى).
4. انسحاب أمريكي كامل
تحت ضغط داخلي أو بسبب تغييرات في الأولويات الدولية، قد تقرر الولايات المتحدة الانسحاب الكامل من شمال سوريا، ما سيترك الكرد عرضة للنفوذ التركي أو حتى للنظام السوري، ويدفعهم للبحث عن حلفاء جدد (روسيا أو إيران).
النتائج المتوقعة لكل سيناريو
إذا تم التخلي عن الكرد:
على الأكراد: قد يبحث الأكراد عن تحالفات جديدة مع روسيا أو النظام السوري لحماية أنفسهم.
على تركيا: ستعزز تركيا نفوذها في شمال سوريا ولكن قد تواجه مقاومة شعبية كردية مستمرة.
على المنطقة: تصعيد التوترات الإقليمية، واحتمال عودة داعش بسبب غياب الاستقرار.
إذا استمر الدعم للكرد:
على العلاقات الأمريكية-التركية: ستزداد التوترات بين أنقرة وواشنطن، مع احتمال تقارب تركيا أكثر مع روسيا.
على الكرد: سيستمر دورهم كقوة موازنة في سوريا، لكنهم سيظلون عرضة للتهديدات التركية.
على المنطقة: ستظل المنطقة شبه مستقرة ولكن مع تصعيد متقطع.
إذا تمت صفقة شاملة:
على الكرد: سيضعف دورهم العسكري والسياسي، ما سيجبرهم على تقديم تنازلات كبيرة.
على تركيا: ستحقق مكاسب في الشمال السوري مع تقليل الضغوط الدولية.
على المنطقة: ستتراجع حدة التوترات ولكن ستبقى هشاشة الاستقرار قائمة.
الخاتمة
الموقف الأمريكي تجاه كرد سوريا يعتمد على موازنة دقيقة بين المصالح الاستراتيجية والتحالفات الإقليمية. بينما تميل الولايات المتحدة إلى تجنب التخلي الكامل عن الكرد، فإن الضغوط التركية المتزايدة قد تدفع واشنطن إلى تقديم تنازلات على حساب الكرد. السيناريو الأكثر ترجيحًا هو مزيج من الدعم الحذر للكرد مع محاولات تهدئة تركيا، ما يترك المنطقة في حالة من التوتر المستمر دون حلول جذرية.