تحليل للتطورات الأزمة السورية

آدمن الموقع
0
ما آلت إليه الأحداث الأخيرة في حلب والتراجع الكبير الذي أبداه الجماعات المسلحة والحراك الثوري السوري أمام تقدم قوات النظام في الجبهات، أو من خلال عملية تفاهم مع المسلحين تمت بموجبها إجلائهم من مناطق هامة،
وحصرهم داخل محافظة إدلب المحاذية لتركيا ومقاطعة عفرين، إلى جانب الاحتلال التركي لبلدتي جرابلس واعزاز والمنطقة الواقعة على طول 80 كم إلى أبواب بلدة الباب جنوباً، خطوات تقليص وجود المعارضة وجمعها في مناطق احتكاك مع الكرد يراد منه في المستقبل القريب صداماً، عنيفاً وإن كانت السنوات الثلاثة الماضية حافلة بتلك المحاولات التركية سواء بدفع الداعش أو جبهة النصرة أو الكتائب التركمانية التي جمعت عناصرها من تركمان العراق وتركستان، وإقحامها في المنطقة الحساسة شمال حلب. حيث من هنا نفهم أسباب إجراء التفاهمات مع النظام السوري والروس على إنهاء نفوذ المعارضة في المحافظات الداخلية مقابل إبعاد الروس عن الإدارة الكردية في الشمال السوري.
نجمت عن تلك التفاهمات بين الأتراك والروس والنظام السوري انكسارا للمعارضة المسلحة في المناطق الهامة من سوريا، لاسيما دمشق وحلب وحمص، في الوقت الذي حولت فيها الأتراك المجاميع المسلحة إلى جماعات متطرفة تحكم فيها الاستخبارات التركية من طرف، وتوجهها وفق مصالحها الخاصة التي باتت مكشوفة هذه الأيام بعد تسليم حلب مقابل إبقاء تركيا محتلة لبعض المناطق بين نهر الفرات ومقاطعة عفرين والهيمنة التركية في كامل محافظة إدلب.
فالمعارضة السورية مشتتة ولا حول لها ولا قوة في ظل المناقصات التي تجري حول إنهاء الثورة السورية بالصورة التي تم فيها تسليم حلب وسحب آلاف المقاتلين والمدنيين من ريف دمشق وحمص وترك أماكنها لصالح قوات النظام.
بذلك تعتقد تركيا إنها نجحت جزئياً في إبعاد التهديد الروسي عن احتلالها لشمال سوريا، ووقف الدعم الروسي للكرد، على ضوء تراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تطور التنسيق بين التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية على حساب تركيا، وهو ما ظهر جلياً من خلال التقدم الذي أبداه هذه القوات في التمدد نحو مدينتي الرقة ودير الزور بعد تحرير مساحات شاسعة وصلت إلى منطقة الطبقة الإستراتيجية والمحاذية للرقة من الجهة الغربية حيث السد الفرات الكبير ومولدات الطاقة الأكبر التي تعتمد عليها كافة سوريا، وكانت قد حررت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية مئات القرى حول مدينة منبج لتصل إلى ضواحي مدينة الباب من الجهة الشرقية، في الوقت الذي أفضت المناقصات التركية الروسية إلى قيام الطائرات الروسية بقصف مدينة الباب ووقوع العشرات من المدنيين والأطفال كإجراء مساعد للتحركات التركية، بعد فشلها لشهرين في اقتحام بلدة الباب التي تسيطر عليها تنظيم الداعش رغم استخدام الأتراك لكافة الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي، وهو ما يكشف زيف الإدعاءات التركية حينما احتلت بلدة جرابلس الحدودية خلال ساعتين من منظمة الداعش، حيث تبين اليوم إنها كانت عملية استلام وتسليم بين الحليفين - الأتراك والداعش.
بهذه الصورة العامة ونتيجة لتنفيذ الأتراك وعودهم مع الروس وإظهار تحكمهم بالمعارضة السورية، وقدرتهم على تغيير توجهاتها من المواجهات مع النظام إلى جهات أخرى تفيد منها خلال المراحل القادمة، ستكون تركيا إحدى الأطراف التي تمثل الجماعات المعارضة السورية وتشارك كطرف رئيسي، وهو ما يظهر لنا طبيعة مؤتمر "أستانا" المزمع انعقاده خلال اليومين القادمين، والهيمنة الروسية في إدارة الأزمة بالشكل الذي يرضي النظام السوري لصالح النفوذ الروسية في الشرق الأوسط وذلك على حساب التحالف الأمريكي الغربي، في الوقت الذي أصبحت فيها المعارضة السورية مجرد أدوات تركية قد يستخدمها في مشاريع أخرى خلال المراحل المقبلة ولاسيما تهديد الوجود الكردي في سوريا، وهو ما تنبه له الكرد السوريين وتحركوا فوراً لعقد مؤتمرهم في مدينة رميلان بمقاطعة الجزيرة، وشهدت هذه الفعالية تحولاً من الإدارة الذاتية الديمقراطية لمناطق روجآفا إلى مشروع وطني فدرالي ديمقراطي لشمال سوريا، وجعلها كنموذج لحل للأزمة السورية ووجه جديد لسوريا المستقبل، بعد أن شاركت في هذا المؤتمر جميع المكونات المتعايشة مع بعضها في شمال سوريا، حيث تتوسع هذه الفدرالية إلى الرقة ودير الزور ومنبج غرباً وهذه المساحات الشاسعة من الأراضي تعود 40% من إجمالي المساحة السورية المؤهلة بالسكان، وتملك 80% من الثروة السورية - حقول النفط والغاز - الزراعة والأنهر.
ومن مضمون التحركات والتصريحات التركية نستشرف طبيعة تحركاتها المقبلة ومسألة عدائها الواضح للوجود الكردي سواء داخل سوريا أو في تركيا، فيما إن الوضع الداخلي التركي يتجه نحو مزيداً من التعقيد بعد تطور عمليات حزب العمال الكردستاني في العمق التركي، وظهور ما يعرف بـ صقور أوجلان التي نفذت عمليات في غاية الدقة والصعوبة ونجمت عن قتل المئات من العناصر الأمنية والجيش التركي، إلى جانب التدهور الذي ستشهدها تركيا على الصعيد الإقتصادي خلال الشهور القادمة بسبب دفع نظام حزب العدالة والتنمية الحاكم المشهد التركي نحو تعميق الخلافات والتقسيم الداخلي.
وفي المحصلة ستكون الأطراف التي تملك القوى على الأرض والإمكانيات ولها علاقات مع القوى الكبرى التي تدير الأحداث، هي من ستجلس على طاولة الحوار للحل النهائي في سوريا، وإن لم يشارك الإتحاد الفدرالي لشمال سوريا في مفاوضات "أستانا" فإن الأمر لا ينتهي هناك والوضع السوري لن يجد طريقه للحلول بالشكل الذي يتصوره البعض، مادامت القوى الحقيقية السورية من العرب والكرد والسريان وباقي المكونات السورية غائبة عنها.


فريق الجيو ستراتيجي

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!