تحليل: اللعبة التركية الإيرانية في إقليم كردستان العراق وأزمة الرئاسة ..

آدمن الموقع
0



الحالة السياسية الموجودة الآن في إقليم كردستان العراق هي نتاج طبيعي للتداول السياسي والتركيبة التنظيمية التي تركبت ودامت قرابة خمسة وعشرون سنة الماضية ، وتتشكل طبيعة السلطة الموجودة منذُ 1998 حتى اﻵن كمحصلة لاتفاق مبرم بين التيارين السياسيين وزعا السلطة والمقدرات والمناطق حسب طبيعة سيطرة كل طرف على منطقة جغرافية محددة، كإحدى مفرزات الثورة في التسعينيات القرن الماضي والحماية الدولية الجوية التي منحت القوتين في التطوير والسيطرة والتنظيم حسب مقتضيات وطبيعة حزبيهما وقوتيهما .

كلتا القوتين تسيطران على الحياة السياسية منذ السبعينات وخلال الحكم الذاتي في 74 كانت أيضاً هناك نفس الخلافات بين الطرفين وتوزيعاً للمناطق والإمكانيات كما هو الحال الآن في البرلمان والسلطة .. 
فالاختلافات البنيوية والتنظيمية والفكرية وحتى الاجتماعية التي كرستها هذه الأحزاب خلال السنوات الماضية لا بد أن تكون لها معطيات سياسية سلبية الآن وفي المستقبل إن بقيت التركيبة السياسية على شكلها الحالي - وإحدى نتائجها الخلاف على رئاسة الإقليم والاتفاق وتوزيع السلطة والثروات بينهما في ظل حرمان الشعب من اختيار سلطة أكثر ديمقراطية وحضارية بعيداً عن حكم الأحزاب الشمولية .
الكيانين السياسيين الرئيسيين : الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني وطبيعة علاقاتهما مع الدول الإقليمية هو المفصل الأساسي للوضع السياسي في الإقليم ، لأن طبيعة العلاقات مع الدول الإقليمية هي إحدى الركائز التي بنيت عليها النظام السياسي لإقليم كوردستان وسلطتها وتركيبتها الحالية .



البُعد التاريخي لتركيبة منظومة السلطة في إقليم كردستان :



في التسعينيات القرن الماضي وعند تحرير المحافظات الثلاثة دهوك – السليمانية – أربيل وتأمين الغطاء الجوي لهذه المناطق من قبل التحالف وقيام الحزبين الرئيسيين بتنظيم الحياة العسكرية والسياسية وإدارة المؤسسات والمنشآت والدوائر وتشكيل سلطتين وقيادتين عسكريتين العلاقة بينهما كعلاقة دولة لدولة وحدود بين الطرفين داخل الإقليم الواحد – وكلاهما أتجه لإجراء العلاقات مع الدول على حدودها حتى تعمقت في ظل منافسة غير شريفة انفجرت بعد بلوغها الأوج أمام حجم الخلافات بحرب بين الطرفين دامت قرابة أربعة أعوام دفع كل طرف فيها ألاف القتلى وتدميراً للبنية التحتية وتهجيراً مليونياً ، وبما إن تلك الحرب كانت تحتاج للسلاح فإن كل طرف خلق لوجوده طبيعة علاقات لتأمين مستلزمات الحرب ، فكان التوجه الوطني الكردستاني لإيران والديمقراطي الكردستاني لتركيا في الوقت الذي اتفقت استخبارات تلك الدول لضرب وتضعيف القوتين وتعميق الخلافات بينهما حتى يسهل السيطرة عليهما وضبطهما وفق سياسة إبعاد أي تطور للقضية الكردية في إيران وتركيا وسوريا ..
في الوقت الذي كانت فيها هذه الدول تجتمع وتخطط في دمشق أو أنقرة أو طهران أو بغداد كانت البيشمركه من الطرفين تقود حرباً أخوية وتعمق هوة الخلافات وتدفعان بالطرفين إلى اللجوء لمن يحتلون أرضهم من أجل تضعيف الطرف الآخر
وبالفعل خلق الوضع المناسب لاستخبارات تلك الدول الإقليمية حيث توزعت هذه الدول الأربعة كل أثنين لدعم طرف ، وكان المحور الإيراني السوري يدعم الوطني الكردستاني والمحور التركي العراقي لدعم الديمقراطي الكردستاني ، وكل محور يدعم طرفه لزيادة ضربها ببعضها ، حتى أن وصل بالطرفين الكرديين إلى أن يلتجئ الديمقراطي الكردستاني إلى ركوب بيشمركته على دبابات نظام صدام حسين وركوب بيشمركه الوطني على دبابات إيرانية وكانت النتيجة تدميراً كاملاً لمدن إقليم كردستان وبنيتها التحتية واستنزافاً لمقدراتها من الأسلحة والذخيرة وشرخاً بين أبناء الشعب واللغة والعرق الواحد ، والطرفين خسرا الحرب لأنهما خسروا وفازت الاستخبارات الدول الأربعة .
وعلى هذا الأساس وفترة أربعة أعوام لم تكن قليلة لأن تخلق هناك مصالح واتفاقيات بين الديمقراطي وحلفائها والوطني وحلفائها لتكون فيما بعد هذه العلاقات والاتفاقيات بوابة لتحكم المخابرات الإيرانية في السليمانية والمخابرات التركية في العاصمة أربيل ودهوك .
وانتهت هذه الحرب ولكن لم تنتهي العلاقات بين الطرفين الكرديين مع حلفائهم الأمس ، وبذلك أية واقعة سياسية أو انتخابات أو تحركات في الإقليم ستكون لتلك العلاقات التأثير المباشر فيها وعليها ؟.
ومهما كانت التحولات والتغييرات في الإقليم وانقسام الوطني الكردستاني لفصيلين ( التغيير والوطني ) وظهور مجالس إسلامية موالية بدورها أيضاً لتلك العلاقات الإقليمية ، إلا أن المشهد وحكم العلاقات التاريخية بين الأطراف الكردية والدول الأربعة يجعل من الإقليم مقيداً بين مصالحها وعلاقاتها مع تلك الدول . وهذا ينطبق أيضاً على تلك الدول التي بدورها أيضاً تدع في الحسبان مراعاة هذه العلاقات .
بالإضافة إن العلاقات الاقتصادية التي تكونت خلال العقدين الماضيين لإقليم كردستان مع إيران وتركيا أصبحت جزء ونوع من استعمار الدولتين على الإقليم .
ومن أجل تهدئة الوضع في المنطقة ونتيجة للضغوط الأمريكية الغربية وهيمنتها على المنطقة وخشية تضارب علاقات الأتراك والإيرانيين مع الغرب – خلق نوع من تقارب مصالح بين المحورين الكرديين في الإقليم وتم الاتفاق بينهما على تقاسم السلطة ونتجت عن ذلك سيطرة كل طرف على منطقة ومقدراتها وثرواتها ، وبعد تحرير العراق من قبل التحالف تطورت العلاقة بين الفصائل الكردية وتقلصت الخلافات والمشاكل وتكون هناك البرلمان بشكل حقيقي بينما كان صورياً في المراحل الماضية ؟ وتشكلت سلطة مشتركة حكمها المحورين بالتساوي ، إلا أن علاقات المحورين مع حلفائهم في طهران وأنقرة لم تتقلص بل تطورت إلى أن تكون اتفاقيات إستراتيجية يستفيد منها جميع الأطراف والحزبين الكرديين ، وإن نشب أي خلاف بين الطرفين الكرديين يتم حلها بالطرق السلمية وبمباركة طهران وأنقرة .
واعتمادا على هذا المنطق والقراءة السياسية يمكن لنا أن نستنتج إن الأطراف الكردستانية في الإقليم تخوض معارك حزبية كوضع طبيعي لمخلفات التركيبة السياسية السابقة وكجزء من التأثير الذي يستخدمه تلك الدول في جعل سياسات إقليم كردستان ومقدراتها جزءً من مصالحها ، وهي عملية التجاذب بين طهران الشيعية وأنقرة السنية ، وهذا طبيعي جداً لأن المعطى السياسي له هو التطور التنظيمي والاقتصادي والسياسي في الإقليم ..
كما إن جميع هذه العوامل تشكل منها النظام السياسي في إقليم كردستان العراق ، ولا يمكن تغيير هذه المعادلة والترسبات التي تشكلت منها هذا الواقع السياسي إلا بتنمية فكرية وتنظيمية وجعل الأحزاب وسائل لتحقيق مطالب الشعب وتأمين أمنه ورخائه وراحته وليست الغاية في جعل الشعب والمقدرات وسيلة لتكريسه .
وبذلك كان ولا يزال إقليم كردستان العراق جزء لا يتجزأ من الصراع القائم بين المحورين السني الشيعي وتجاذباتها القادمة .



القراءة السياسية والتحليل : إبراهيم كابان

من كتاب: إرهاصات ثورية في روجآفا وشرق اﻷوسط – تحت الطبع 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!