صراع المرأة بين براثن الرجولة

آدمن الموقع
0


ايفا أحمد حسين / YPJ

لطالما عانت المرأة من التمييز والاضطهاد, فبيعت ووأدت وتعرضت للشتم, الضرب, القتل وحرمت من أبسط حقوقها, فممارسة العنف ظاهرة قديمة ولا تقتصر على ثقافة ومجتمع بعينه, بل تشمل كافة المجتمعات على اختلاف أعراقها وثقافاتها التي تأصلت على أيدي الأنظمة السلطوية المشرعنة للتمييز لأجل مصالحها, ويكاد لا يخلو التاريخ  من قصص وروايات أو أمثال وأحكام تشير إلى مدى معاناة النساء وتهميش دورهن أو بالأحرى وجودهن بالكامل, ففي مختلف الحضارات البشرية بالعصور الجاهلية أعتبر الرجل المرأة كائناً منحطاً وأيضا شيطاناً رجيماً يوسوس بالشر, فكانت تُشترى وتباع في الأسواق كالسلع أو كالمواشي والمتاع, وكانت تكره على الزواج وعلى البغاء، وتُورث ولا ترث، وتُملك ولا تملك وكانت دائما خاضعة للرجل أباً أو زوجاً. بينما الرجال فقد كان لهم السلطة والسيادة في كل شيء.
 كان اليونانيون ينظرون إليها كمتاع ويعرضونها في السوق للبيع، كما يعتقدون أن المصائب والفشل في نيل المطلوب هو بسبب غضب الآلهة عليهم؛ فكانوا يقدمون البنات قرباناً لألهتهم. وأكد أفلاطون من الواجب أن يتداول الرجال النساء كما يتداولون الحاجات، أما في شريعة حمو رابي: فقد كانت المرأة تُحسب في عداد الماشية المملوكة حتى إن من قتل بنتا لرجل كان عليه أن يسلم ابنته ليقتلها أو يمتلكها. و حال المرأة في الشرق الأوسط عامة بتلك الحقب لم يختلف عن حالها عند الشعوب الأخرى, فقد كانت مهضومة الحقوق ويتشاءمون من ولادتها، حتى أن بعض القبائل  كانوا يقتلون البنت وهي حية خشية العار والفقر.
ولعل الديانات التوحيدية بظهورها أصبحت الصرخة الأخيرة لضمور الأمل بتغيير واقع المرأة, بدلاً من أن تكون صرخة خلاصها وانتشالها من حضيض العصور المظلمة, فما وقع على كاهل المرأة مع سيدنا عيسى ومريم, هو أن تكون تلك المرأة والأم الدامعة العينين, الهادئة والصامتة. حيث عليها أن تعتني كل الاعتناء بأطفالها الذكور ” أولاد الإله” ذوي القيمة الخاصة في بيتها. إذ ما من دور منوط إليها سوى أن تكون امرأة منعكفة في منزلها. أما الساحة العامة هي موصدة في وجهها.
ومرتبتها في الدين الإسلامي لا تختلف عن دونية ما سبقها, إذ لا يزال تعدد الزوجات لأغراض سياسية أمرا مشروعا. فرغم تحديد الزواج بأربع نساء إلا أنه لا يغير من المضمون شيئا, حيث ينظر المفهوم القائل: “المرأة حقلكم فاحرثوه كما شئتم” إلى المرأة كمُلك معطاء هبة لا غير. إذن ما هو محقق في المرأة ليس إلا مجرد تبعية للذهنية الذكورية, والقبوع تحت هيمنتها, فغدت المادة التي اعتقد كل رجل نفسه إمبراطوراً عليها, وهذه التبعية تساق إلى مصاف التمييز والعنف, لأن العنف ما هو إلا سلوك إيذائي قوامه إنكار الآخرين كقيمة تستحق الحياة والاحترام, كما ترتكز على استعباد الأخر, أما بالحط من قيمته أو تحويله إلى تابع كما ذكرنا, أو بنفيه وتصفيته معنويا أو جسديا.
لكن كيف ظهر العنف ومصطلحه, مع أن الحياة البشرية في بداية تكوينها كانت قائمة على أساس الروح الجماعية…؟
وهنا لابدّ من التحدث قليلا عن المجتمع “الطبيعي” الذي يمثل نظام الجماعات البشرية, و دام مرحلة اجتماعية طويلة بدأ بانفصال الموجود الإنساني عن فصيلة الثدييات الرئيسية البدائية, وانتهى بظهور المجتمع الهرمي. حيث شهد هذا المجتمع ظهور تلك الجماعات الإنسانية المسماة ب”الكلان”, وكان شعارهم آنذاك ” أما الكل أو اللاشيء”, ويشمل شعارهم هذا الإنسان والحيوان وحتى النبات فكل شيء حي كان مقدساً بالنسبة لهم ولا يجوز الاعتداء عليه. ومنه ساد مفاهيم: “العدل, المساواة, التعاون, الحب والخير… الروح الجماعية”. ووصلت المرأة إلى مرتبة الآلهة بالمجتمع النيولوتي ” الطبيعي” كآلهة العشق, آلهة المحبة, آلهة الخير…إلخ, فقد كانت تدير شؤون الجماعة وارتكزت القوة المجتمعية إليها؛ لأنها مثلت النواة الأساسية بذاك المجتمع وألتف حولها الصغار والكبار, أما الرجل كان منشغلا بأمور الصيد والسعي خارجاً لتأمين المستلزمات. واتخذ الرجل القوة من الصيد وكذلك طابع المكر والخداع بسبب المكائد التي كان يضعها للفريسة آنذاك, ومع مرور الزمن برز الفارق الهائل بين أدوارهم من حيث علو مرتبة المرأة بين الكلان -وصفت بالحكيمة-, ودونية مرتبة الرجل الناتجة عن غيابه المستمر, فحاول بشتى الوسائل النيل من مكانتها وسحقها, فاحتكر قوته -التي استندت نوعا ما إلى ثقافة الحرب- وسخرها لكسر ودحر المرأة؛ دام هذا الصرع حقبة طويلة من الزمن, فظهرت بذلك المفاهيم الدالة على العنف ك” القوة, الاحتكار, القتل… التحكم” لتظهر بعدها الطبقات الهرمية التي ولدت معها الذهنية الذكورية الهادفة للسلطة, التحكم, الاحتكار والنهب, بالتالي طمس القيم الأخلاقية وقتل معنى الحياة. وانحرف مسار المجتمع بذلك نحو فكرة نظام السلطة الاجتماعية والذي أصبحت فيه المرأة عبدة للرجل في ظل نظام يقتل المرأة ألف مرة بأذن الدساتير الذكورية, ولأنها رفضت هذا النوع من الحياة ولم ترغب بالاستسلام بقيت تناضل وتقاوم على مر العصور, منهمكة في دائرة العنف الذكوري دونما جدوى.
 وأيا كان السبب فالتمييز والعنف لا يولدان سوى القتل ولا يقتصر القتل هنا على الناحية الجسدية فقط, بل يتعدى إلى الناحية المعنوية المتمثلة ب”قتل الروح والجوهر, الهوية والثقافة, الأحلام والطموحات …..”, ولأن المرأة مثلت بنظر الكثيرين الحلقة الأضعف تحملت وطأة الظروف في السلم والحرب… فقتلوا جوهرها وروحها وطابعها الأنثوي…, من خلال ما لاقته من تهميش وسحق لشخصيتها من قبل الأب أو الأخ أو الزوج بضغطهم عليها نفسياً وجسدياً بالشتم والضرب والإهانة, دون وجود أسباب مقنعة تدفعهم إلى ذلك, ومنعوها من المساهمة خارج المنزل والتعبير عن رأيها بحرية أو إبراز جوهرها وطابعها كامرأة لها الحق بالمشاركة والمساهمة في كافة مجالات الحياة, علاوة على ما عانته من المجتمع ككل بسبب العادات والتقاليد البالية كالزواج المبكر وجرائم الشرف التي ترتكب بحقها دون أن يحاسب مرتكبيها أغلب الأحيان,  وكذلك الثقافة الدينية التي انعكست سلبا على حياة النساء, والأمّر من ذلك كله هو واقع الحروب المتمثل بعنف واسع النطاق بلا هوادة على المرأة.
وعلى الرغم من أن القرن الواحد والعشرين حقق انجازات علمية وثقافية هائلة, إلا أنه لم يغير النظرة الدونية للمرأة. ولم يستطع أن يخلص الإنسان مما علق به من المظاهر السلوكية الهمجية والجاهلة, وبالأخص العنف الذي يُعتبر أحد السلوكيات المترسخة منذ عصور خلت, ولعل العنف الممارس على المرأة هو من أخطر الأشكال لما فيه من تهديد للمجتمع بالانهيار والانحلال, وذلك لتشييده على أسس أحادية من خلال إبراز قوى والاعتماد عليها -الرجل- ودحر الأخرى -المرأة. وهذا يجعلنا نتساءل عدة أسئلة, ونبحث في نفس الوقت عن أجوبة شفافة ومقنعة لها, ومنها:
 ما هي ردة الفعل الدولية تجاه قضية العنف….؟
هل الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي وقعته الأمم المتحدة سنة 1993 تم تطبيق قوانينها حقاً على أرض الواقع, أم أنها كانت مجرد حبر على ورق, كما يقال؟
وهل بتخصيصهم يوماً للقضاء على العنف ضد المرأة, أعادوا إليها حقوقها وكرامتها, وقضوا على العنف الممارس ضدها فعلا…؟
وهل الدول التي وجدت نفسها راعية لهذه القوانين أزالت العنف عن المرأة في مجتمعاتها…؟
فحسب المعلومات المتوفرة, القانون الدولي الإنساني ربما وقعت عليه أكثر من 180 دولة، لكن لم تخلق أي تغيير معها بواقع النساء.. لا في إفريقيا ولا في أوروبا، ولا في روسيا… ولا حتى في العراق وسورية كل هذه الدول وقَّعت على هذه الاتفاقيات، دون أن تطبق شيئا على أرض الواقع…. فالمرأة بكل هذه الدول تتعرض كل يوم بل كل ساعة وثانية للإهانة والضرب والقتل, ولكن من يتحمل مسؤولية عدم التطبيق؟ هذا ما لا نجد له جوابا..! وماذا حققت هذه الاتفاقيات والقوانين سوى تراكم كمي؟, وهل يوم واحد للقضاء على العنف كافٍ ليعلو صوتها ضد الاضطهاد الممارس بحقها؟ وأين موقع الحقوق والعدالة  والمساواة والحال هكذا, فحتى هذه القوانين والدساتير رجولية, لأنها دونت بقلم الذهنية الذكورية التي شرعنت للرجل حق التصرف بكل شيء, بالتالي لا تحمي حقوق المرأة وتخلو من طابعها, ولن تخدم المجتمع كذلك إذا لم يتم إعادتها وفق منظور ثنائي عادل لأن المرأة تمثل نصف المجتمع.. كما لها الحق بإعادة تدوين القوانين التي تخص حقوقها على الأقل.
وبما أن هذا القرن يشهد ظاهرة خطيرة تتمثل في ازدياد عدد النزاعات المسلحة، والأخطر من ذلك هو ارتفاع عدد القتلى والجرحى من المدنيين العزل, الذين لا يبقى أمامهم عند اشتعال شرارة الحرب سوى خيارين أما البقاء في مناطقهم وتحمل وطأة الحرب وما ينتج عنها من دمار وقتل وإبادة, وأما الرحيل والتشتت وهذا الأصعب لأن التهجير بحد ذاته حرب نفسية قاسية, بحيث يكونون مجبورين على تحمل الجوع والعطش والبرد والحر دون أن يحركوا ساكنا, علاوة على قساوة العيش في المخيمات الخالية من أبسط المستلزمات المعيشية والخدمية, وبما أن وتيرة العنف تكون بأقصى الدرجات ها هنا, لا بدّ لنا من وقفة موجزة على حال المرأة وقت الحروب, ولا بدّ من السؤال التالي, ما مدى العنف الذي يواجهنه النساء في المناطق المتأججة بنيران النزاع؟
بالتأكيد النصيب الأكبر من المعاناة ستكون من حصة النساء والأطفال, فتقع على عاتقهن تحمل العبء الأكبر -كما جرت العادة- لما تلاقينه من مصاعب ومخاطر ترافقهم مدى الحياة, بحيث يكنَّ عرضة لجميع أنواع العنف وبخطط مدروسة وممنهجة من قبل مجرمي الحروب, فتتعرضن للاغتصاب والخطف والقتل والتزويج القسري والاحتجاز التعسفي وحتى يتم أحيانا سجنهن دون أي ذنب, بالإضافة إلى بيعهن كسبايا حرب أو إجبارهن على ممارسة الدعارة بحجج تخلو من الطابع الإنساني.

ومعاناة النساء وقت النزاع ليست جديدة العهد, بل باتت كسلسلة متصلة مع بعضها البعض من زمن اندلاع الشرارات الأولى للحروب وإلى الآن, دون أن يراعي أحداً عواقب تلك الجرائم الممنهجة بحق المرأة, فالعنف الجنسي مثلاً واستخدامه كسلاح حربي يخلق الكثير من الأذى والصدمات النفسية لدى الضحايا, وقد تؤدي هذه العواقب إلى زعزعة استقرار المجتمعات بشدة ولفترة طويلة حتى في مرحلة ما بعد النزاع, فتأثير الدمار الذي تخلفه الحروب له وقع شديد على النساء؛ لأنهن حتى وإن نجين من قبضة الموت لا يعني بتاتاً بأنهن مازلنَ على قيد الحياة, وذلك بسبب وصمة العار الذي ألحقت بهنَّ وفق ثقافة المجتمعات المتخلفة التي تراها وكأنها المذنبة لا الضحية فتنبذها وتحتقرها, وكذلك مسألة التهجير وما تخلق معها من أزمات للنساء, من حيث تحملهنَّ لصعوبة العيش بالمخيمات مع أطفالهن الصغار, وتأمين لقمة العيش لهم لأن الزوج يكون أما مشغولاً بالدفاع أو مقتولاً, والوضع هنا يتضاعف صعوبةً؛ لأن الأرامل بالإضافة إلى تحملهن صعوبة العيش وتربية الصغار, يجب عليهن أن تتحملنَّ أيضا نظرة المجتمع الفاسد لهنَّ…وكل ذلك يؤدي إلى انهيار المعايير الأخلاقية والاجتماعية والثقافية.

ولعل الأمثلة لتلك الجرائم والفظاعات التي حصلت بشكل ممنهج كذراع من أذرع الحرب والعدوان لا يمكن حصرها على مر التاريخ، ففي حربي العالمية الأولى عام 1914 والثانية عام1937 تم تجنيد نساء المتعة من قبل الجيش الياباني, حيث بنوا معسكرات للاغتصاب, ومعسكرات الاغتصاب: هي مراكز احتجاز قسري تم تصميمها أو تحولها إلى مكان يتم فيه الاغتصاب بشكل منتظم لإهانة وإذلال المحتجزين..
وتقوم بها قوات نظامية أو مليشيات بعد فصل الأسر وعزل النساء والأطفال عن بعضهم. وسموا أولئك النساء بنساء المتعة، بالإضافة إلى خطف مئات الآلاف من النساء واستخدمن كرقيق جنس. كما تم توثيق معسكرات الاغتصاب على نطاق واسع في البوسنة وألمانيا النازية التي سمتها معسكرات الاعتقال. وفي حرب استقلال بنجلاديش عام 1971 اغتصبت أكثر من 200 ألف امرأة، وفي الكونجو وصلت حالات الاغتصاب بناء على أحد التقارير إلى 400 ألف حالة في عام واحد، وعلى الرغم من مرور خمسة عشر عاماً لحرب الصّربية على البوسنة, إلا أن الألم والشعور بالخجل يهيمن على النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب أبان ذلك النزاع الذي استمر من العام 1992 إلى العام 1995, والذي دمر حياتهنّ إلى الأبد بعد ارتكاب جنود الصربيون  أعمال خطف وتعذيب واغتصاب بحق مئات النساء, فكانوا يجبرون البوسنيّات على الحمل لإنجاب أطفال صرب، أي استخدم العنف ضدّ النّساء كوسيلة للتطهير العرقيّ ولإخلال التّوازن الدّيموغرافيّ آنذاك.

 ويتبين هنا بأن أكثر الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة وقت النزاع هي الاغتصاب, حيث يُنظر إلى الاعتداء عليها على أنه اعتداء على جماعتها بأكملها -وبالعكس- فهي تمثل بنظر الكثير من المجتمعات وبالأخص المحلية شرف المجتمع. وعندها تُستخدم كأداة للانتقام ولتبرير أفعال العنف, وأغلب الفتيات والنساء اللواتي تتعرضن للاغتصاب لا تنجين من الموت, وهن يفارقن الحياة خلال الاعتداء أو لاحقاً متأثرات بجروحهن, فتصل اللا إنسانية بذلك إلى ذروتها والعنف إلى جوهره دون رقاب أو حساب.
وهنا لا يمكننا أيضا أن نغفى عن حقيقة مهمة وهي مشاركة النساء بفاعلية في كثير من النزاعات المسلحة في شتى أنحاء العالم وعلى امتداد التاريخ, ففي الحرب العالمية الثانية بالرغم من الانتهاكات التي حصلت بحق آلاف النساء, إلا أن منهنّ من حاولنَ الالتحاق بالجيش ليلعبن دوراً بارزاً بنضالهنّ وأملاً منهنّ بأن يكون وضعهنّ أحسن من وضع غيرهن من النساء.. فمثلنَّ أساسا في قوات الاحتياط والإسناد والعمل في مصانع الذخيرة، إضافة إلى المشاركة المباشرة في القتال وفي جميع الإدارات والوحدات العسكرية. منذ ذلك الحين ازداد أعداد النساء اللواتي يلتحقن طوعاً أو كرهاً بالقوات المسلحة ليؤدين دوراً في عمليات الإسناد والقتال على حدٍّ سواء, فعلى سبيل المثال كان عدد النساء الأمريكيات المشاركات في حرب الخليج الثانية 1990/ 1991 أربعين ألف امرأة, وفي كثير من حروب التحرير قامت النساء بدور أساسي.   

ولكن على أي أساس كانت هذه المشاركة….؟ وهل بمشاركتهنّ انهينَ العنف الممارس بحق آلاف النساء وقت النزاع؟
بأي طابع التحقنَّ بالجيوش – بطابع المرأة أم بطابع استرجالي- ؟
هل حصلن على حقوقهنَّ بعد انتهاء النزاع… وغيرن واقعهن وواقع غيرهنَّ من النساء؟
علاوة على استغلالهنَّ ضمن الجيوش في الكثير من الأحيان لغايات دنيئة… ك”وهب جسدها” للحصول على معلومات استخباراتية و….إلخ, وتحت مسميات عديدة ” من أجل الوطن, من أجل حرية الشعب” فأين هي وحريتها هنا…؟
فحتى هذه المشاركة بحد ذاتها تعتبر عنف ممنهج ضدها فهي تخلو من طابعها وجوهرها, فبمجرد النداء لهنَّ للدفاع عن الوطن يلتحقن بالقتال دون تفكير بضمانات تحفظ لهنَّ حقوقهنَّ بعد انتهاء الحرب والنزاع, وينجين بها من الاحتكار الذكوري لطاقتهنَّ المبذولة وإنكاره لدورهنَّ الفعال وبطولاتهنَّ…, فما الفرق إذاً بين المشاركة وعدمها…؟ ففي كلتا الحالتين يعدن قرابين وضحايا مرةً ضحايا لمجرمي الحروب, وأخرى ضحايا لمجرمي الذهنية الذكورية المستبدة….
 وعلى أية حال تعتبر الجرائم التي تُمارس ضدّ المرأة في الحروب والنّزاعات المُسلّحة مُستمرّة إلى يومنا هذا, مع أن هنالك قوانين وبروتوكولات دوليّة سُنّت من أجل تجريم تلك الأفعال وتصنيفها تحت مُسمّى “جرائم حرب”،  حيث في يوليو 2002 صادقت 60 دولة على تشريع روما، الذي قاد إلى تأسيس المحكمة الجنائية الدولية التي يوجد مقرها بمدينة لاهاي في هولندا. كانت تلك الوثيقة هي الأولى من نوعها التي تعترف بأن الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى وقت النزاعات المسلحة، تمثل جريمة حرب، جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية, إلا أن عدم محاسبة المجرمين وإفلاتهم من العقاب تحول دون وضع حدّ لإنهاء تلك الجرائم الوحشيّة. بالتالي فالمُجتمع الدّوليّ والمُؤسّسات والمُنظّمات الدّوليّة مهما قدمت جهوداً لإعادة تأهيل النساء ومُساعدتهنَّ نفسيًا واجتماعيًا من أجل تخطّي تبعات الصّدمات النّاتجة عن الحروب والاضطهاد والجرائم التي ترتكب بحقّهنّ, إذا لم تقم بمحاسبة المجرمين, فلن تكون تلك الجهود سوى شعارات رنانة لا حول لها ولا قوة.
 والتاريخ يعيد نفسه اليوم, فما نشهده على الساحة العالمية بشكل عام والسورية بشكل خاص من حروب ليست إلا تكراراً لأحداث الحروب التي جرت فيما مضى, وتنظيم داعش الإرهابي المتطرف أكبر مثال, فهو يمارس أقسى درجات الاضطهاد والعنف ضدّ النساء، فهنالك سَبْي, تعذيب، سوق رقيق لبيع النّساء والأطفال، زواج قسريّ واغتصاب كلّ تلك الجرائم يشرعنّها داعش تحت مُسوّغات لا يمكن لأيّ عقل أو دين أو فطرة سليمة تقبلها، فجهاد النكاح بماذا يختلف عن معسكرات اليابانيين خلال  الحرب العالمية..؟ ومتى أصبح النكاح جهادا..؟ “
 علاوة على ما قام به التنظيم الإرهابي من أفعال وحشية بحق النساء الإيزيديات تعتبر جرائمُ حرب, وترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية, من خلال قيامه بعمليات الاغتصاب والاسترقاق الجنسي والتزويج القسري حتى للسيدات اللاتي كنّ متزوجات قبل الأسر ولديهنَّ أطفال. كذلك البيع والاعتداءات الجنسية الأخرى التي أَتبعت بطرق ممنهجة بحق النساء والفتيات الإيزيديات, بالأخص في شمال العراق دون أية شفقةٍ أو رحمة. بل على العكس كانوا يتباهون ببيعهنّ, علاوة إلى إجبارهنّ على تغيير ديانتهنّ قسراً.

وهناك شهادات أدليت من قبل نساء وفتيات هربنَ من داعش, و جميعهنّ أكدّنَ بأنهنّ أجبرنّ عنوةً على الزواج وتم بيعهنّ عدة مرات, بالإضافة إلى وهبهنّ كهدايا, والعديدات من تلك الناجيات تتحدثن عن كل ما حصل لهنّ منذ لحظة هجوم داعش عليهنّ ب3 أب 2014 في سنجار وأسرهنّ,  حتى لحظة الخلاص والنجاة من هؤلاء المرتزقة من قبل وحدات حماية المرأة القابعة بشمال سورية, التي حملت على عاتقها مسؤولية تحرير النساء لأن ذلك من مبادئها الأخلاقية, من حيث اعتبارهنَّ بأن الاعتداء على غيرهنَّ  من النساء سواء بسورية أو بأي بقعة في العالم هو في نفس الوقت اعتداء على قيمهنَّ ومبادئهنَّ.
فتقول إحداهن ش. ع , من قرية (خانه صوري): “هجم داعش علينا وأخذنا إلى تل لعفر بقين فيها شهرين, ثم جئنا إلى سورية وبقين 40 يوماً ووزعونا إلى مناطق مختلفة. باعوني إلى خمس رجال بقيت عند الأول 3 أيام, بعدها باعني إلى رجل أخر بقيت عنده شهرين وهو الأخر باعني إلى رجل بقيت عنده 3 أيام وأخر 15 يوم والأخير 3 أشهر. كانوا يضربونني ويضربون أطفالي بقسوة. ابنتي الصغيرة والتي عمرها سنة كان هذا الأخير يضربها ويعضها حتى يخرج الدم من يدها, وذلك عندما كنت أرفض ما يطلبه مني من الناحية الجنسية, ومن خوفي على صغاري هربت دون التفكير بشيء أخر, وتوجهت بعدها إلى مقر لوحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب الكردية, وأنا الآن تحت حمايتهم”.
وفتاة أخرى بكماء كانت تتحدث بالإشارات عن معاناتها وبانفعال كبير, فما تعرضت له كان قاسياً, وكان هناك آثار تعذيب على جسدها, وتقدمت بالشكر الكبير لوحدات حماية المرأة من خلال احتضانها لهنَّ, بعينان مليئتان بدموع الفرح .
وطفلة عمرها 9 سنوات, تعرضت للاغتصاب, فهي كانت تبكي وتستنجد بوحدات حماية المرأة فتقول: “أريد أن ألتقي بوالدتي, وأريد أن تحررن أهلي من يد داعش كما حررتموني”.
ولعل هذه الممارسات محاسبتها تقع على عاتق الأنظمة المشرعنة لها أيضا كالنظام السوري مثلا, الذي سمح بمثل هذه الانتهاكات بسورية, فما حصل للإيزيديات كان بمنطقة “الشدادي والرقة” وهما كانا مقران إستراتجيتان لتنظيم داعش الإرهابي…لم يحرك النظام السوري ساكنا, بل على العكس فالمُمارسات التي يمارسها داعش يمارسها النظام السوريّ أيضًا، ويبدو لنا وكأن أحدًا منهما يستقي الوحشيّة والعبوديّة من الآخر، فكلّ منهما ارتكب فظاعات وجرائم ضدّ النّساء والمدنيين كذلك.
إذن استهداف النساء والفتيات في وقت الحروب وتجريد مشاعرهن من كل معاني الانوثة والأمان تزداد أكثر فأكثر, دون مراعاة إذ كنّ صغيرات أو مسنات أو ….إلخ, ولعل حكايات الأسى والحرمان لدى النساء لا تنتهي بقوانين دولية ولا حتى إلهية, لأن المرأة وحدها من تستطيع اتخاذ القرار بتغيير واقعها, وتحويل دورها من الحلقة الأضعف إلى الحلقة الأقوى في السلم والحرب…. بالاعتماد على نفسها, من خلال تشكيل قوى نسائية سواء كانت هذه القوة باتحادهن فكريا وروحيا في حالة السلم أو بتنظيم أنفسهن وفق نظام خاص بطابعهنَّ وحملهنَّ لمسؤولية الدفاع عن أنفسهنَّ بجبهات القتال وقت الحرب… دون الاتكال على الجيش  الرجولي الذي لطالما خذلها بعد النصر, وأنكر بطولاتها ونضالها وحرمها من حقوقها, ففي جميع الأحوال لا يمكنها الاعتماد إلا على نفسها؛ لأن الدساتير الرجولية التي طالما مارس عليها الهيمنة والحرمان والانحلال كما ذكرنا آنفا, لا يمكنه بالتالي حمايتها.  مثلا ما تعرضت له النساء من ممارسات عنيفة وبأقصى الدرجات في العديد من الدول ومنها ” العراق, سورية وليبيا….” من قبل التنظيمات الإرهابية التي ظهرت وانتشرت بشكل غير طبيعي في العديد من الدول, حيث أباحوا لأنفسهم كافة الجرائم بحق النساء والأطفال وحتى الرجال, هل استطاعت الأنظمة والدساتير من محاسبتهم والتصدي لهم وكسر شوكتهم….؟ هل انتقمت من التنظيمات الإرهابية  لهتكهم شرف المجتمع المتمثل بنظرهم بالنساء…؟
لعل هذه الأنظمة لا ترى سوى مصالحها وتسعى لأجل بقائها زمنا أطول على كرسي السيادة والتحكم, وأما المجتمع وحاله أخر شيء يلفت نظرها, وبالأخص المرأة لأنها نصف المجتمع فيبقيها بحالة تخلف ودون رأي, ليقضي بذلك على المجتمع بسهولة, لذا عن قصد وبطريقة ممنهجة ومدروسة جعلها خارج مراكز القرار, ولازالت إلى الآن تعاني من الصراعات الدائرة من أجل المصالح السلطوية.
وما حدث بشمال سورية كانت قفزة نوعية للنساء بشكل عام ونساء منطقة روج أفا بشكل خاص, فالواقع الذي فرض على المرأة في “روج أفا” من خلال الحرب الدائرة, كان من المحتمل أن يكون مأساويا لولا وعي نساء المنطقة بتشكيل وحدات حماية خاصة بهنَّ المتمثل بوحدات حماية المرأة, حيث ناضلن ولازلن يناضلن من أجل تحقيق العدالة المجتمعية, وتحريره من الذهنية الذكورية وكسر منطق الجيش الرجولي الكلاسيكي الساعي للنهب والسلب والاحتلال, والتصدي لكافة الهجمات على كردستان سورية, والدفاع عن المرأة أيا كانت وأينما كانت, والوقوف بوجه كل حالات الاغتصاب الجنسي, الثقافي والأخلاقي التي تمارس بحقها من خلال تبنيها إيديولوجية وفكر وفلسفة تسعى من ورائها لبناء مجتمع ديمقراطي.
وكل ذلك وفق قوانين وشروط بالنظام الداخلي شكل أرضية قوية تحفظ حقوقها حتى بعد انتهاء النزاع, وهنَّ بهذه الحالة لسن لا ضحيات ولا قرابين ولا حتى أداة, بل ذوات حضور أساسي في كافة القرارات وكذلك الحملات التي شنت للقضاء على رجس التنظيمات الإرهابية وبالأخص داعش, انتقاما من ممارساته وجرائمه بحق النساء, فحررن نساء بلدهنَّ في شمال سورية على اختلاف الأجناس والمعتقدات.. من براثن عناصر داعش الإرهابي كخلاصهنَّ لنساء بلدة” شدادي, تل براك, هول, تل حميس, تل أبيض….”.
وحتى حملة مدينة الرقة أكبر معاقل داعش أو التي سموها بالعاصمة لدولتهم الإسلامية المتطرفة, هذه الوحدات أصرت على النضال والمقاومة بدافع أخلاقي للانتقام من ممارسات داعش بحق نساء تلك المدينة, وخلاصهنَّ من أعتى قوة إرهابية.  ومنه لا يسعنا القول سوى تبجيل بطولاتهنَّ وتضحياتهنَّ من أجل الحرية. وعدم إنكار دورهنَّ بتغيير واقع المرأة ليس فقط من الناحية العسكرية, بل من كافة النواحي حيث بفضل كفاحهنَّ حققن العديد من الإنجازات لحصول المرأة على حقوقها وضمانات تحفظ لها حق الحصول على تلك الحقوق بشمال سورية, من خلال عقد اجتماعي لا يخلو من طابع المرأة الحرة, ومحاسبة المخالفين لقوانين العقد وحتى يتم سجنهم إذا دعت الحاجة…. وندائنا الوحيد لجميع نساء العالم بيوم القضاء على العنف ضد المرأة هو السير على خطى هذه الوحدات, وجعل صوتهنَّ يعلو على صوت السلطويين, والنضال لتغيير القوانين الذكورية, والدفاع عن حقوقهنَّ بتوحيد صفوفهنَّ ببوتقة واحدة وصرخة واحدة لتكسر قيود الظلم والتمييز.. وحتى إذا تطلبت الحاجة لتأسيس جيش نسائي أممي يجب إلا تتورعنَ عن تشكيله, لأن الدفاع حق مشروع, وأنتن بهذا ستدافعنَ لا تهاجمنَ, وتحمينَ لا تنتهكنَ…. والعنف الممارس بحقكنَ لا يزول بيوم واحد, لذا علينا كنساء رد هذا اليوم المخصص للقضاء على العنف وجعل جميع أيام السنة حق مشروع لنا للدفاع عن حقوقنا والحصول عليها.

------------------------------------
المصدر YPJ

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!