الجغرافيا .... تاريخ ثابت والتاريخ .... جغرافية متحركة (مقاربة فلسطينية ... كردستانية)

آدمن الموقع
0

سيوار حنان

• مقدمة :
تعد قضية الأقليات (القومية والطائفية والمذهبية) مِن أهم القضايا التي تعزف الدول الامبريالية على وترها في الشرق الأوسط وتستثمرها ضمن إستراتيجيتها لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية , فالقضية القومية ظهرت بدايةً في القارة الأوربية في منتصف القرن الثامن عشر و في بلاد الشرق في أواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين و خاصةً عندما دخلت الدولة العثمانية أيامها الأخيرة ( ظهور حركة تركيا الفتاة العنصرية التي تحولت فيما بعد الى حركة الاتحاد والترقي 1889م ) , ففي أوربة تم التوقيع على معاهدة ڤرساي 1919 وتم إذلال الإمبراطورية الألمانية واقتطاع أجزاء كبيرة منها , وفي معاهدة سان جرمان 1919 تم تقسيم الإمبراطورية النمساوية الهنغارية ,  وفي معاهدة نويي 1919 مع بلغاريا تقلصت بموجبها مساحة بلغاريا , وفي معاهدة ترياتون مع المجر 1920 تقلصت ايضا بموجبها مساحة هنغاريا , وبالطريقة نفسها تم التعامل مع الإمبراطورية العثمانية في اتفاقية سيفر 1920 ونتيجة لتلك الاتفاقيات والمعاهدات ظهرت دول جديدة واختفت دول وإمبراطوريات كانت موجودة , وفي الشرق الأوسط من اهم القضايا القومية منذ بداية ظهورها في المنطقة هي القضية الفلسطينية والقضية الكردستانية , فكثيراً ما استخدمت الأطراف المتصارعة على المنطقة هاتين الورقتين و القضيتين لتعميق الخلافات و خلق الفتن وتقسيم المنطقة مما جعل من هذين الشعبين مهجرين ولاجئين و مشردين على أرصفة الدول وغرباء في شوارع الوطن ,  فبالرغم من انه و لقرون عديدة عاش المسلمون و المسيحيون و اليهود بسلام على ارض الشام (فلسطين) كما و عاش الكرد بسلام ايضاً مع اقرانهم العرب والكلدان والترك والاشور على ارض ميزوبوتاميا (مابين النهرين) ومرت عليهم دول وإمبراطوريات عديدة عبر العصور ليكون بعدها الإسلام الغطاء السياسي الذي يحتوي في داخله هاتين القضيتين ، إلا أن الغرب على الدوام يقومون بإشعال الفتن ودس الدسائس بين هذه المكونات بغاية تفتيت هذه المجتمعات للاستفراد بها كل على حدى.
- القضية الفلسطينية :
ظهور الصهيونية كحركة سياسية منظمة جاءت نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية و السياسية والثقافية التي عاشتها القارة الأوروبية منذ اواخر القرن التاسع عشر ولا شك أن التطورات التي شهدتها القارة الأوروبية على اثر الثورة الصناعية  وتطور العلوم والمواصلات والاتصالات ومجالات الفكر والسياسة وعلم الاجتماع، وتطور الرأسمالية ودخولها مرحلة الاحتكار والإمبريالية وما نجم عن ذلك من تفجر للصراعات الاجتماعية الطبقية والتنافس والحروب على الأسواق والموارد الطبيعية وعلى المستعمرات وتأمين طرق المواصلات إليها وخاصة على الشرق الأوسط , وما رافق كل ذلك من تصاعد العصبية القومية الأوربية و ازدياد اضطهاد الأوربيين لليهود , الأمر  الذي دفعهم إلى تنظيم  أنفسهم والتفكير بالهجرة وفي ذلك بحث الصحفي اليهودي النمساوي  تيودور هرتزل في كتابه (الدولة اليهودية) 1896م الذي كان حجر الأساس لظهور الصهيونية السياسية وتأسيس الحركة الصهيونية بعد انعقاد مؤتمرها الأول في مدينة بازل السويسرية في ٢٩ اب 1897وانتخاب هرتزل رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية , حيث دعى هرتزل في كتابه هذا لإقامة وطن لليهود لحل مشاكلهم  مقترحا بداية عدة مناطق لوطنهم هذا هي (فلسطين , الأرجنتين , موزنبيق , أوغندا , قبرص , سيناء ) كما وأقيمت من اجل ذلك المؤتمرات اليهودية لتنظيم الحركة الصهيونية وتشجيع الهجرة اليهودية و لجمع التبرعات لها  ليقع الاختيار بالنهاية على ارض فلسطين , ليقوم اليهود المتنفذين بعدها في أمريكا و بريطانيا بالضغط على حكوماتهم لتحقيق ذلك , ومع انهيار الدولة العثمانية وانتهاء الحر ب العالمية الأولى وتقاسم بريطانيا و فرنسة منطقة بلاد الشام والعراق وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916 و بعدها مؤتمر سان ريمو 1920 التي حددت مناطق النفوذ البريطاني والفرنسي مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور 1917 الوعد الذي كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود في فلسطين استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية و على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين ( مسلمين ومسيحيين ويهود) ، وجاء هذا الوعد على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك ( بريطانيا هي المسؤولة أخلاقيا و قانونيا وسياسياً عن كارثة الفلسطينيين ) آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية ، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى ، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها في المنطقة , ليتم بعدها تأسيس جناح عسكري للحركة منظمة الهاغانا العسكرية الصهيونية السرية عام 1920 (كما وتأسس بعدها ايضا منظمة الأرغون 1931 وبعدها منظمة الشتيرن 1940 الاكثر شراسة ودموية) هذه المنظمات التي كانت تقوم بعمليات عسكرية دموية ليس ضد الفلسطينيين فحسب وإنما ضد الانكليز أيضا من اجل الإسراع في انسحاب بريطانيا لإعلان دولة إسرائيل , ومع استمرار موجات هجرات اليهود المحملين بالفكر الصهيوني العنصري إلى فلسطين ارتفعت نسبة اليهود من 3% من تعداد الشعب الفلسطيني البالغ 460 ألف نسمة في العام 1878 لتصل إلى 31% قبيل إعلان الدولة الإسرائيلية ١٩٤٨ , كما وانه في العام 1947 قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار قرار التقسيم /181/ الذي بموجبه تم تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية على أن تبقى القدس منطقة دولية وأعطى هذا القرار 56% من مساحة فلسطين لليهود ، ورفض العرب ذلك و شكلوا جيش الإنقاذ في حين أعلنت الهاغانا التعبئة العامة ، و بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين سنة 1948 اندلعت الحرب بين العرب واليهود وانتهت الحرب بانتصار اليهود واحتلالهم 78% من مساحة فلسطين الطبيعية وإعلان دولتهم عليها ( بما يعرف بالنكبة الفلسطينية ) ليتم بعد ذلك الاعتراف بها من الدول العظمى ومن ثم انضمامها إلى الأمم المتحدة أواخر العام 1949.
قامت إسرائيل بعد حرب الأيام الستة (نكسة حزيران) التي اندلعت عام 1967 بالاستيلاء على المساحة المتبقية من فلسطين (وهي 22%) ، كما قامت بضم القدس الشرقية بصورة غير شرعية ومخالفة للقرارات الدولية ، وفرضت الاحتلال العسكري والأمر الواقع على سكان قطاع غزة والضفة الغربية , وترافقت جميع هذه الإجراءات مع مصادرة أراضي الفلسطينيين بشكل منهجي وهدم آلالاف من منازل المواطنين الفلسطينيين، ومَحْو قرىً فلسطينية بأكملها من الوجود، وإنشاء عدد كبير من الأحياء والمستوطنات اليهودية في المناطق العربية ، ومنذ تلك الحقبة شهد الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي طرح عدة خطط و مفاوضات سلام و بعض هذه المسارات تكللت بالنجاح بين مصر وإسرائيل ( كامب ديفيد ١٩٧٨) و الأردن وإسرائيل ( اتفاقية وادي عربة ١٩٩٤) ولكن لم يتم التوصل الى اتفاق شامل مع الكيان الإسرائيلي ( في مؤتمر مدريد للسلام ١٩٩١) كما لم لم يتم التوصل لحل فيما يخص النزاع الجوهري بين الفلسطينيين والإسرائيليين ( اتفاقية اوسلو ١٩٩٣ ، اتفاقية كامب ديفيد ٢٠٠٠ ، اتفاقية طابا ٢٠٠١ ، مبادرة السلام العربية ٢٠٠٢ ، خارطة الطريق ٢٠٠٣ ، جنيف ٢٠٠٣) حيث كانت هذه المفاوضات  دائما تصطدم بالتعنت اليهودي و بالفيتو الأمريكي و بالخذلان العربي و العالمي و الذي لم يكن أخرها اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل متحديا الإرادة الدولية  تماشيا مع القرار الصادر عن الحكومة الإسرائيلية بتهويد القدس بما يعرف ( قرار القدس ٢٠٢٠ ) والتي تفترض بان تكون نسبة الوجود العربي داخل القدس اقل نسبة ممكنة بالمقارنة مع اليهود , وما تجدر إليه الإشارة أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال الفترة (1948-2017) ادى إلى إعادة توزيع الفلسطينيين قسرا وجبرا منهم 45.6% داخل فلسطين ( أي في الضفة (20.2%) ، وفي غزة (11.9%)  ، وداخل فلسطين المحتلة عام 1948 (13.5) في المائة  ,والباقي في الشتات ما يقارب 54% أي ما يقارب 4,5 مليون فلسطيني.

- القضية الكردية :
الكرد بالرغمَ من كونهم فرسان الشرق و أنهم شعب مؤصل في العراقة وتاريخ المنطقة إلا أن تهميش قضيتهم مِن جانب حكومات الدول التي تحكمهم و قمْع ثوراتهم وحركاتهم التحررية و نبذهم واعتبارهم أجانب ، و بدو , وغير مرغوب بهم في عقر دارهم و على أرضهم زاد ذلك مِن شعورهم بالظلم والغبن الواقِع عليهم عبر التاريخ   ، فعقدوا الآمال على زعمائهم و قادتهم و على منظمات المجتمع الدولي لكن الجميع خيبوا أمالهم  ، فعلى الدوام راسم الحدود والخرائط لم يلب مطالبهم ورغباتهم القومية فشتّت شملهم بين الدول واستمر يتلاعَب بهم كورق اللعب و يستثمرهم كيفما شاء في سبيل تحقيق مصالحه ولم يكن أخرها استغلال الولايات المتحدة الأمريكية أكرادَ العراق في حربها ضد الإرهاب و من ثم توجيه الدفة باتجاه أخر , و القضية الكردية بالإضافة إلى كونها نزاعاً داخلياً بالدرجة الرئيسية إلا أنها مصدر اتفاق ومساومة وصفقات بين الحكومات التي يجمعها قاسم مشترك; هو استنكار الحقوق القومية للشعب الكردي ، برزت هذه القضية وطفت على السطح في المنطقة منذ مطلع العشرينيات من القرن الماضي فبعد ان كان الكرد منقسمين بين امبراطوريتين ( العثمانية و الصفوية بعد اتفاقية قصر شيرين1639م عقب معركة جالديران بينهما سنة1514م)  , توزعوا في خرائط ما بعد الحرب العالمية الأولى ما بين تركيا الجديدة التي أقامها مصطفى كمال أتاتورك في آسيا الصغرى ، وإيران وريثة بلاد فارس القديمة، والعراق وسوريا اللتين تشكلتا بحدودهما الراهنة في سياق الصفقة البريطانية- الفرنسية الشهيرة أثناء الحرب العالمية الأولى ,  فبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى واستسلام دول المحور وتقاسم التركة العثمانية الثقيلة في غرب أسيا من قبل دول الانتداب بريطانيا و فرنسا وفق اتفاقية سايكس بيكو دعت الأحزاب والجمعيات الكردية الى استقلال كردستان و تأسيس الدولة الكردية وقدمت الدول الحلفاء الوعود للشعوب غير التركية الخارجة من تحت الاحتلال العثماني بإعطائها الحق يانشاء دول لها , ومن تلك المعاهدات والاتفاقيات معاهدة سيفر1920 ( التي سميت كذلك نسبة الى مدينة سيفر الفرنسية القريبة من باريس ) والتي تم توقيعها بين الدول الحلفاء و الرجل المريض الدولة العثمانية وقد أخذت القضية الكردية مكاناً هاماً في هذه المعاهدة إذ خصص القسم الثالث من الباب الثالث من المعاهدة لمعالجة المسألة الكردية، وحمل عنوان (كردستان) و هدفت لإنشاء دولة كردية مستقلة في تركيا ، كما يمكن أن ينضم إليها كرد كردستان العراق (ولاية الموصل) إذا أرادوا ذلك , معاهدة “سيفر” كانت حدث تاريخي مهم من تاريخ القضية الكردية، فكانت هي المرة الأولى التي تعرض فيها القضية الكردية وكردستان و حق تقرير المصير للشعب الكردي على بساط البحث والتداول العالمي , إلا أن الحركة القومية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك بعد أن تولت الحكم في تركيا في تشرين الأول عام 1923 رفضت ما جاء في هذه المعاهدة  واعتبرت أن بنودها تمثل ظلما وإجحافا بالدولة التركية، و تحت ضغطها على دول الحلفاء والحرب الشرسة التي خاضوها خاصة ضد اليونان 1922 , عقدت معاهدة في مدينة لوزان جنوب سويسرا عام 1923 وعرفت باسم معاهدة لوزان الثانية ( تمييزا لها عن لوزان الأولى الموقعة بين ايطاليا و الدولة العثمانية 1912 والقاضية بانسحاب الأخيرة من ليبيا ) بين حركة الاتحاد والترقي التركي ممثلا بعصمت اينونو من جهة  وبريطانيا و فرنسة وايطاليا من جهة ثانية , أسست هذه المعاهدة لما عرف يجمهورية تركية العلمانية و رسمت حدودها وقضت على امال الكرد في دولتهم , وكان حينها اتاتورك قد جذب العديد من القوميين الكرد تحت ستار الدين و الوطنية مقابل وعود لهم باعطائهم الاستقلال الذاتي و بشكل اوسع مما ذكر في سيفر , ومن بعده لتبدأ حركة الاحتجاجات ولتنطلق الثورات والانتفاضات الكردية ضد السياسات الكمالية التركية وضد قوات الانتداب الفرنسي والبريطاني من ثورة الدكتور نوري ديرسمي ، و الشيخ سعيد بيران  , و الشيخ محمود الحفيد البرزنجي  , و إسماعيل اغا الشكاكي في العقد الثاني من القرن العشرين الى ثورة اغري 1930 و انتفاضة ديرسم 1937 و ثورة الملا مصطفى البارزاني 1942 وصولا إلى إعلان جمهورية مهاباد في العام 1946 و لتخمد  الانتفاضات في تركيا الى حين انطلاق الكفاح المسلح من قبل حركة التحرر الكردستانية سنة 1984 بقيادة القائد عبد الله أوجلان , و ليتم استخدام القضيّة الكرديّة باستمرار كورقة ضغط من قبل الأنظمة التي تقتسم كردستان ضد بعضها البعض ، ما ضاغف من محنة ومعاناة الكرد ، ولتبدأ معها ايضا الخلافات الكردية الكردية و الانشقاقات السياسية الكردية التي أدت الى إضعاف الموقف الكردي , هذه الخلافات التي يبدو أن لها جذور اجتماعيّة – تاريخيّة أيضاً ما زالت مستمرّة وتعرقل السعي التحرري الكردي , ولتبقى معاناة هذا الشعب في تحقيق طموحه بإقامة وطن للكرد و ليبقى اضطهادهم من قبل الحكومات الشمولية قائما تحت عين القانون الدولي ومعاهدات حماية حقوق الإنسان ، يقول إسماعيل بيشكجي في كتابه كردستان مستعمرة دولية : ( ان وضع الكرد، ضمن واقع التقسيم والظروف التي يعيشونها، أسوأ حتى من سكّان المستعمرات ) ويضيف (إن الأكراد لم يقبلوا في اي مكان بصفتهم أكرادا فهم أتراك في تركيا ، وإيرانيون في إيران ، وعرب في سورية وهم بطبيعة الحالة أتراك، إيرانيون وعرب من الدرجة الثانية ولهذا السبب تمارس ضد الأكراد سياسة مكثفة للتتريك والتفريس والتعريب. ويجري بإصرار إنكار هوية الكرد وكردستان) ونلاحظ الإجحاف حتى بالقول والكلام فيقال كرد سورية كرد العراق كرد تركيا كرد إيران ولا يقال كرد كردستان و يجاوز عدد الكرد في العالم 50 مليون منها 58% في تركيا و 17% في إيران و 15% في العراق و 7%في سورية و 1,5% في أرمينية والباقي يتوزعون في مختلف أنحاء العالم.

• المشترك و المختلف بين القضيتين الكردية والفلسطينية : 
في الوقت الذي يتم فيه اتهام الشعب الكردي واعتبار دعوتهم للانفصال و إقامة دولة كردستان المستقلة بأنها دعوة لإقامة  إسرائيل ثانية يتوجب علينا نفي هذه التهمة الباطلة فالمقارنة مغلوطة و غير موفقة , فمعاناة الكرد لا تقل عن معاناة الفلسطينيين بانتشارهم و تشردهم وتشتتهم في أصقاع العالم و تهجيرهم بمئات الآلاف خارج بلدانهم تحت نير القمع و الرصاص و فرض سياسات الأمر الواقع من قبل السلطات الشوفينية الشمولية المحتلة بالإضافة الى السياسات الاسرائيلية المعادية للكرد عملياً من خلال المعاهدات والمؤامرات التي كانت تحدث عبر التاريخ ، و بالرغم من ان جرح كل من الشعبين الفلسطيني و الكردي مختلف عن الأخر إلا أن الألم واحد والقضية واحدة و هي التحرر و العيش بكرامة ، كما ان ظروف المؤامرات الدولية والاقليمية على كل من الشعبين متقاربة سياسياً مابين اتفاقية سايكس بيكو  و وعد بلفور  و معاهدة سيفر و مؤتمر لوزان هذه المفردات التي اعادت رسم ملامح و خرائط توزع شعوب الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الاولى بين تركيا وايران وسورية والعراق بالنسبة للكرد و بين فلسطين و الاردن و سورية و مصر بالنسبة للفلسطينيين ، لتكون بذلك الورقتين الفلسطينية والكردية دائما جاهزة للعب والاستثمار والمتاجرة من جانب القوى الاقليمية والدولية , ودائما ليتم العزف على وتر الشعور القومي و استغلاله في سبيل تحقيق الاهداف والغايات الحزبية او الشخصية او السياسية ,  فجوزيف ستالين بالرغم من كونه شيوعي ماركسي داعب الشعور القومي الروسي في حربه ضد النازيين الالمان و مع ذلك لو كان العامل الاثني و القومي ناجحا لما فشل الكرد و العرب في تحقيق حلم و اسطورة الدولة العربية و الدولة الكردية الكبرى  فالطريق نحو تحقيق التطلعات القومية ليس مفروش بالورد ,  كما وثمة اجماع من الحكومات الاقليمية على رفض تحقيق تطلعات الشعوب بالاتحاد او بالانفصال والاستقلال ، و بالموازاةً مع ذلك ايضا يستحضرنا قول الفيلسـوف كارل ماركس  " من أن شعباً يضطهد شــعبا اخر لا يمكن ان يكون حراً " فالشـعور بالزهو لدى بعض افراد القومية الكبرى في بلد ما يدفعهم الى الاستعلاء والى محاولة قمع و مسخ القومية الصغيرة ويظهر نوعا من الشوفينية والدكتاتورية التسلطية ، كما ان الاضطهاد المزمن والطويل الامد يولد نوعاً من ضيق الافق والانعزالية القومية باتجاه رفض ما هو مشترك بين الشعوب في الوطن الواحد , و من دون التعمق بتاريخ الشعبين الكردي و العربي الفلسطيني و المساهمة الكردية الفاعلة في التاريخ الإسلامي دون أن يتم تجيير ذلك لمصالحه القومية مثل غيره من شعوب الشرق , فلعب الكرد الأدوار السياسية و الدينية و الفكرية الأساسية في البلاد التي عاشوا فيها وساهموا في رسم ملامح الخارطة الاجتماعية لها.
و إذا أجرينا مقاربة بمواقف الكرد والفلسطينيين تجاه قضايا الأخر نلاحظ انه لا مجال للمقارنة فالكرد شاركوا قولا و فعلا في صد و رد الأذى عن الفلسطينيين وقدموا عشرات الشهداء ليختلط الدم العربي والكردي كما في معركة قلعة الشقيف عام 1982 عندما أقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي على اجتياح بيروت للقضاء على حركة التحرير الفلسطينية  ليقف حزب العمال الكردستاني PKK مع الفلسطينيين في صده ورده و لتكون بمثابة رسالة للأجيال اللاحقة , إضافة الى  موقف الملا مصطفى البارزاني خلال ثورته ضد النظام الفاشي العراقي كيف قام بإيقاف العمليات العسكرية ضد بغداد خلال حرب حزيران 1967 بين العرب و إسرائيل مع أنها كانت فرصة لتوجيه ضربة موجعة للنظام العراقي الذي تعرض حينها لضربات عسكرية إسرائيلية ، كما ويمكن القول ان الحالى الفلسطيني على صعوبته يعتبر نعيم بالنسبة للكرد الذين تم ضربهم بالغاز والكيماوي و أزيلت الاف من قراهم من الوجود  مع المواقف المخزية منها من اغلب القادة العرب و الساسة الفلسطينين تجاه الجرائم المرتكبة بحق الكرد من خلال غض النظر عنها و التعتيم عليها و تغطيتها سياسيا و ديبلوماسيا و قانونيا كما حصل في (مجزرة حلبجة)  عندما اجاب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الراحل ياسر عرفات عن موقفه تجاه استخدام الطاغية صدام حسين للكيماوي ضد الشعب الكردي ليقول " وماذا تتوقعون من صدام ان يرميهم بالزهور"   إضافة إلى مشاركة بعض الجيوش العربية مع الجيش العراقي في قمع حركة التحرر الكردية في كردستان العراق (باشور).
• الجغرافية قدر  :
إن إنكار وجود شعب على الأرض المقرر إقامة دولة يهودية عنصرية عليها  يمثل وصمة عار استعمارية و عالمية  تَسِم الحركة الصهيونية منذ نشأتها كحركة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقوى الاستعمارية الغربية التي تدعمها وتساندها بمختلف الطرق والأساليب  ممثلة بالنخب السياسية اليهودية في بريطانيا و الولايات المتحدة الذين طالما اتفقوا على الخيارات السياسية والعسكرية التي تتبناها الحركة الصهيونية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ,  فالشعب الفلسطيني كان موجوداً في فلسطين قبل إقامة دولة إسرائيل وهو لم يزل يحيا فيها على الرغم من قيام هذه الدولة على أرضه كما لا ينفك هذا الشعب متمسكاً بأسباب الحياة والبقاء فيها على الرغم من جميع الانكسارات التي لحقت به  ونفس السياسة الفاشية العنصرية تم ارتكابها بحق الشعب الكردي بل وحتى أكثر من ذلك فقد تعرضوا للظلم مرتين في المرة الاولى وقع من الدول الامبريالية الاستعمارية وفي المرة الثانية وقع من حكومات الدول التي يعيش فيها  الكرد حتى ان هذه الدول ارتكبت ابشع الجرائم في تاريخ الإنسانية بحق الشعب الكردي و حرمتهم من حقوق الهوية وحقوق المواطنة على الارض مالم تفعله حتى الفاشية الصهيونية بحق العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وهذه الحكومات قد تكون في سياساتها فيما بينها مختلفة و متعارضة في كل شيء إلا عندما يتعلق الأمر بالكرد و حقوقهم فيتفقون على قهر و قمع هذا الشعب ، ولا يمكننا في النتيجة إلا الاستشهاد بقول المؤرخ المصري جمال حمدان : "ما الجغرافيا إلا تاريخ ثابت وما التاريخ إلا جغرافيا متحركة"  فالتاريخ و الجغرافية إلى جانب هاتين القضيتين العادلتين في الشرق الأوسط كما وان التمسك بالأرض والمقاومة ورفض الهجرة هو السلاح الأقوى للحفاظ على الأرض فبقاء الكثير من العائلات الفلسطينية في القدس الشرقية مثلا و مقاومتهم للسياسات العنصرية والانتفاض بوجه الاحتلال يقوي الحق بالعودة واستعادة الأرض في المحافل الدولية و ينطبق نفس الأمر على المناطق الكردية التي تحاول السياسات الشوفينية بإفراغها وإعادة رسمها وفق سياساتها العنصرية ,كما و ان الجغرافية بالنسبة للكرد هي القدر كما قال نابليون ( الجغرافية هي قدر ) فعلى مدى مئات السنين كانت المناطق التي يعيش عليها الكرد مسرحاً لحروب الآخرين من امبراطوريات  عظمى .
ونقول اخيرا أن  القضية المركزية لهاتين المسألتين الفلسطينية الكردستانية هي في رفع الظلم و إزالة الغبن الكبير الواقع عليهما أما كيف يتم ذلك فتلك مسألة سياسية تعني بالدرجة الأولى الشعبين المعنيين. وقد لا يكون الحل المثالي  للمسألة الفلسطينية نفسه  الحل المثالي للمسألة الكردية ، فذلك تقرره المعطيات السياسية وتطلعات الشعب بالاستقلال أو بالاتحاد , ومن منطلق يساري أممي وبالرغم من مشروعية مطالبة الشعوب المضطهدة بالاستقلال والتوحد في دولة قومية متجانسة فإن ممارسة حق تقرير المصير لا تتم ترجمته بالضرورة ودائماً، بالانفصال وتشكيل دول قومية ,  فتلك قضية عملية وسياسية مرتبطة بالواقع القائم والظروف الراهنة , فالمهم هو في زوال الغبن والظلم والتمتع بكافة حقوقه القومية والثقافية والإنسانية على أرض الأجداد  ، وفق وضع كل شعب ووضع المحيط الذي يعيش فيه.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!