قراءة إستراتيجية: الأسباب الإقليمية والدولية التي ساعدت تركيا في إحتلال مقاطعة عفرين

آدمن الموقع
1


- إبراهيم كابان 
- قراءة إستراتيجية

الصراع الروسي مع المصالح الأمريكية - الأوروبية في الشرق الأوسط بات واضحاً من خلال المشهد السوري المتأزم، لطالما يشكل حلف الناتو دائرة حصار حول روسيا ومصالحها، وتسبب ذلك في تحجيم دورها العسكري في مناطق الصراعات والنفوذ والطاقة، وهو ما يظهر لنا طبيعة الجهد الذي يبذله الروس في إضعاف هذا الحلف ومحاولة خلخلته من خلال إستمالة أية قوة مركزية فيها بغية خلق توازنات جديدة تمكن روسيا من إعادة نفوذها إلى الشرق الأوسط، وتكسر بذلك الحزام الممتد حول حدودها مع أوروبا الشرقية، مروراً بتركيا التي كانت جزء من قوى الضغط على الروس، وصولاً لباكستان والهند، إلى كوريا الجنوبية واليابان والتايوان. ولعل الأزمة السورية هيئت بعض الظروف والمناخ الجيوسياسي امام الروس في إعادة تثبيت وجودهم داخل بعض المناطق الحيوية وبناء مصالح جديدة تمكنها من تخفيف وطأة التحجيم الذي يفرضه الأمريكيين والأوربيين عليها من خلال حلف الناتو.
ومع تمدد النفوذ الغربية إلى أكرانيا، وفقدان الروس أي نفوذ داخل الدول العربية التي تملك النفط والغاز بعد تدخل حلف الناتو في ليبيا واليمن وقبلهما الكويت والعراق وأفغانستان، والإستحواذ على الطاقة في الشرق الأوسط، فإن الخشية الروسية الآن من تمدد هذه المصالح اكثر في سوريا، التي تجدها الموقع المتبقي الوحيد لنفوذها. 
ووفق المفرزات الحدث السوري أتضح سير تحجيم الدور الروسي من البوابة الكردية، بعد سيطرتهم والقوى المحلية المتحالفة معها وبالتنسيق مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على 75% من منابع النفط والغاز والسدود المائية في سوريا، وهو ما شكل تهديداً مباشراً للنفوذ الروسية، وإجبارهم على تقاسم المصالح مع الأمريكيين، لتصبح سوريا مقسمة فعلياً بين مناطق غنية تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، أي بمعنى إستمرارية عملية التحجيم للنفوذ الروسية في آخر معاقل تواجدها. ومن هنا بدأت التحركات الروسية في خلق إشكاليات متعددة امام النفوذ الأمريكية – الغربية، من خلال دعم وكلاء إقليميين في عملية ممارسة وتشكيل ضغوطات وتهديد للمصالح الأمريكية الغربية، إلى جانب إثارة خلخلة داخل حلف الناتو من بوابة احد اهم قواها الفاعلة.
- تركيا
الخوف التركي من تشكيل إقليم كردي محاذي لحدودها الجنوبية دفعها إلى توطيد علاقاتها مع الروس على حساب التحالف مع الأمريكيين والغرب، وتعتقد تركيا إن التطورات الناتجة عن الصراع السوري قد أفرزت وضعاً كردياً جديداً مماثلاً لما حصل في العراق ونتج عنه إقليم فدرالي، وإن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تحاول من خلال الدعم العسكري للإدارة الذاتية في روجآفا – شمال سوريا، إيجاد بديل لعلاقاتهم مع تركيا، وهو ما يشكل خطراً على الأمن القومي التركي ووحدة اراضيها " وفق منظورها " ، وسوف يكون ذلك دافعاً طبيعياً لتأليب الرأي العام الكردي في تركيا ودفعهم إلى المطالبة بنفس الحقوق، وبذلك تخسر تركيا حدودها بالكامل مع سوريا كما خسرتها مع العراق سابقاً، وتبدأ معركتها الداخلية مع الكرد ومواجهة عملية تفكيك تركيا .
من هذا المنطلق تحاول تركيا بشتى الوسائل إعاقة هذا المشروع، لا سيما بعد فشلها في إقناع الأمريكيين بالتراجع عن دعم الكرد، والتوجه نحو إستخدام القوة سواء من خلال مجموعات متطرفة للمعارضة السورية أو التدخل العسكري المباشر كما حصل في عفرين. 

تقاطع المصالح بين الروس والأتراك نتيجة للتنافس الأمريكي الروسي في سوريا

وظف الروس حالة التمعض التركي حيال الموقف الأمريكي الداعم للإدارة الذاتية، بحيث يتم إستخدام الأتراك في القضاء على المجاميع المسلحة للمعارضة وتسليم المناطق للنظام السوري مقابل إفصاح المجال للاتراك في منع تكوين حكم ذاتي أو فدرالية للكرد شمال سوريا تكون حليفة للأمريكيين والغرب، وبذلك تستفيد روسيا من جميع النتائج، القضاء على المعارضة السورية، إنهاء اي دور للكرد – حلفاء امريكا، وإبعاد الأتراك من التحالف مع الغرب والأمريكيين ضمن حلف الناتو، وكل ذلك يتم تحقيقه من بوابة التحرك التركي، وهي مصالح مهمة للروس مقابل التخلي عن أي تغطية على الوجود الكردي في مقاطعة عفرين. وهذه العوامل الجيوسياسية سوف تدع الولايات المتحدة امام خيارين أفضلهما أسوء من الآخر، وفي كلا الحالتين ستسبب في تقليص نفوذها إن لم تكن جدية حيال المسائل المتعلقة بحماية مصالحها وحلفائها في الحدث السوري، ويمكن رؤية المشهد من خلال تخيير الأمريكيين بين التخلي عن الكرد والشمال السوري الذين يوفران لها نفوذاً داخل سوريا أو التخلي عن تركيا التي تخلق لها بلبلة في حلف الناتو وكذلك تفتح الطريق امام الروس في تكثيف نفوذها في الشرق الأوسط، في ظل عدم وجود صيغة تقاربية بين الطرفين الكرد - الأتراك ، تبقى الخيارات الأمريكية ضبابية، ولا يمكن دعم إحدى الطرفين دون آخر، ويمكن رؤية هذه الحقيقة من خلال الموقف الأمريكي لما يحصل في مقاطعة عفرين. 

المحاولات الأمريكية في إستمالة الأتراك دون التخلي عن دعم الكرد لن تجدي نفعاً امام التعند التركي الواضح في رفض وجود وضع كردي خاص شمال سوريا، رغم التاكيدات الأمريكية - الكردية في ان التطورات شمال سوريا ليست الغاية منها إعلان وضع كردي خاص، إلا ان مشروع الديمقراطية المنشودة من قبل الإدارة الذاتية وتحقيق إتحاد شعبي بين المكونات السورية في الشمال شكلت تهديداً على الكيان القومي التركي الذي يخشى كثيراً دمقرطة الشرق الأوسط.
ببساطة قدمت روسيا خدماتها للاتراك وهيئت لها الوسائل والتغطية الإقليمية والدولية وإعطائها الضوء الأخضر في غزو جزء حيوي من مناطق الإدارة الذاتية، وذلك على مراحل إبتداءً من إحتلال المثلث الفاصل بين نهر الفرات ومقاطعة عفرين، وإقامة حكم شبه ذاتي للتركمان في منطقة جرابلس وإعزاز والباب ، وتمكين الأتراك من إقامة قواعد عسكرية في إدلب، كل ذلك مقابل الأهداف التي ذكرناها. وصراحة الصفقة مربحة بالنسبة للاتراك مقابل المطالب الروسية " التضحية بالمعارضة السورية"، وتحجيم العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، وهذه العوامل توفر لروسيا إعادة بسط سيطرة النظام على الجزء الأكبر من سوريا، وإدخال الأمريكين والغرب في صراع مع تركيا، وسوف تكون ذلك بوابة للجوء التركي إلى الحاضنة الروسية، وبذلك تثقل الكفة الروسية وتوسع نفوذها أمام التراجع الأمريكي وتقليص دورها وخسارتها للحليف التركي.

إن فهم هذه المسألة من بوابة التصريحات الأخيرة بين المسؤولين الأمريكيين والأتراك، واللقاء الأخير لوزير خارجية الولايات المتحدة مع القيادة التركية أظهر بوادر التنافس الأمريكي الروس في إرضاء وإستمالة الأتراك، رغم عزلة نظام "أردوغان" إقليمياً ودولياً، إلا أن مصالح الدول الكبرى دفعت إلى الصراع من أجل كسب ودّ الأتراك، والتضحية ببعض المصالح لإرضائها، بعكس ما يجب تحقيقه في ضرورة توجيه ضربة سياسية وإقتصادية لتركيا بحكم ممارساتها في دعم المجموعات المتطرفة حول العالم، وتشكيلها خطر إرهابي على أوروبا والشرق الأوسط.

يمكن أستوعاب مسألة إستخدام الروس للاتراك من باب المنفعة الكبيرة والنتائج التي أستفاد منها الطرفين على حساب مشروع الأمة الديمقراطية، التي لاقت إقبالاً كبيراً بعد مقارعتها للإرهاب وبذل وحدات حماية الشعب الكردية جهداً كبيراً في هذا السياق، بعكس مصالح الانظمة التي وجدت نفسها بصدام مع الأتراك في حال دعمت هذا المشروع. ولعل الروس أدركوا جميع هذه الجوانب في الوضع السوري، وأستطاعوا توجيه دفة المسائل وفق مصالحهم الخاصة أمام الخيارات الأمريكية المحدودة. 
إن المحاولات الأمريكية ومناوراتهم في إرضاء الكرد والأتراك في آن واحد بائت بالفشل أمام المخططات الروسية الرامية إلى إلى تقليص الوجود الأمريكي في سوريا، ومسألة الجمع بين حليفين متصارعين في آن واحد غير ممكن بعد عملية غزو مقاطعة عفرين، ومسألة التضحية بالأتراك وتمكين الروس من إختراق عزلتها الدولية وكسر جدار حلف الناتو امر غير وارد لدى الأمريكيين، وكذلك التخلي عن الكرد في سوريا أمر خطير للغاية، قد يفتح المجال امام الروس للمناورة اكثر حول العراق والخليج العربي في ظل التوكل الإيراني وحلفائها المذهبيين على الدور الروسي. لذا فإن المساحة الأمريكية محددة الان في الشرق الأوسط ومصالحها مهددة أيضاً، إذا ما تخلت عن البطاقة الكردية، وهو ما يتطلب مناورة جديدة قد تنجح أو تفشل في تحيد الأتراك عن العلاقة مع الروس، ولكن مقابل ذلك سيقدم الولايات المتحدة بعض الضمانات والصفقات للأتراك، والصفقة المربحة الوحيدة بالنسبة للاتراك هي تحجيم الإدارة الذاتية الديمقراطية وتقديمها لهم على طبق، وهذا غير ممكن بالشكل الذي يتمناه الأتراك في ظل ظروف المصالح الأمريكية التي تتعرض للأزمات في الشرق الأوسط، وخسارة الشمال السوري يفتح المجال امام المصالح الإيرانية في التمدد، وذلك يشكل ايضاً خطراً على جميع الأطراف، ويعتبر خللاً كبيراً في التوازن للصراع السني - الشيعي الذي يحتاجه الغرب والأمريكيين والإسرائيليين في عملية إلهاء الطرفين ببعضهم حتى تكون إسرائيل في أمان، والطاقة التي يستحوذ عليها الأمريكيين وتصدير الأسلحة التي تعيد للخزانة الأمريكية والغربية مليارات الدولارات في صيرورة دائمة.

أنا أدرك تماماً إن المشهد معقد جداً، والمعطيات الجارية في عفرين هي جزء حيوي لمفرزات هذه الأحداث التي نشهد بشكل درماتيكي حلقاتها، ولعلَّ العامل الدولي والظروف الإقليمية تفرض الكثير من المشاهد الغير متوافقة مع رؤية المشروع المنشود في الشمال السوري، إلا أن النظر إلى طبيعة هذه المعطيات من باب الكلية الغير مستقرة للاحداث، والفرعية التي يمكن الإستفادة منها خلال توظيف الكثير من المسائل للحيلولة دون إستمرار مجريات الاحداث كما يتأمله الجانب التركي، ويعود ذلك إلى المخططات الروسية الغير مستقرة ضمن خط سير إستراتيجي، بحكم إن الهدف الروسي يتركز على حجم الاستفادة من الاحداث وعلى رأسها الإستفادة الإقتصادية، بعكس الأهداف الأمريكية التي تبحث عن تحقيق هدفين معاً " بناء مصالح إستراتيجية مستقبلية - لإستمرارية الإستفادة الإقتصادية الدائمة "، ويتفق القوتين على مسألة، تقاسم النفوذ، والتوسع المستمر، وبناء مصالح، وإقامة أنظمة تضمن إستمرارية تدفق الطاقة مقابل تزويد الحلفاء المحليين بالاسلحة.

الأتراك يتأملون من خلال هذه التركيبة ان يقدم لهم الأمريكيين نفس الصفقات، والحديث حول منبج جاء بنفس السياق، وقد تكون بمثابة رشوة أولية لبقاء تركيا في الوسط دون الميلان إلى الحلف الروسي كلياً، والأمريكيين مجبرين لإستمالة الأتراك إلى نحو تقديم أو توفير بعض الصفقات لإرضائها. وهنا العامل الروسي حاضراً لإقامة الصفقات والسمسرة على أية منطقة سورية مقابل تحقيق اهدافها المتعددة. وفي حال حدث بعض الظروف الطارئة على المشهد السوري ستتوقف روسيا عن دعم مساعي الأتراك، وهو بتحييد الكرد من التحالف الأمريكي، إلا ان الفائدة منهم لن تكون بحجم إستخدام تركيا ضد حلف الناتو وتهديد أوروبا ومصالح أمريكا. 
صراحة الروس يتقنون السياسة أمام الأمريكيين والغرب في سوريا، وإن كان ذلك بشكل مؤقت، ويبدو إن البوابة السورية تشهد حرباً عالمياً ثالثاً، وإن كان ذلك بوسائل مختلفة ونزاعات بالوكالة. 
من هنا نجد التقارب الروسي التركي بعد التباعد الأمريكي الأوروبي من تركيا، والسبب الرئيسي في ذلك مشروع الأمة الديمقراطية في الشمال السوري، التي تجدها تركيا غريمتها، وكان ذلك دافعاً للاتراك في تقديم وتسليم معظم مناطق المجاميع المسلحة للمعارضة السورية إلى النظام مقابل تجميع المسلحين في إدلب وغربي نهر الفرات، وتوفير الظروف التي تمكنها من تعطيل التطورات الكردية في الشمال السوري. والروس عموماً عرفوا كيفية توظيف وإستغلال الأهداف التركية في عملية تقاطع مصالح بين الطرفين يشارك فيها الجانب الإيراني الذي بدوره يخشى أي تطور للقضية الكردية في سوريا، وكذلك النظام السوري الذي يحلم بالعودة إلى سابق عهدها في السيطرة على كامل البلاد على نحو الشكل الذي كان قبل إندلاع الثورة السورية. ويمكن فهم ذلك من خلال التنازلات الكبيرة التي أقدمت عليها تركيا مقابل السماح لها بإحتلال كافة المناطق الممتدة بين نهر الفرات ومحافظة إدلب، بذلك تمنع فتح كريدور لوصول الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى البحر أو على الأقل تشكيل إقليم موحد في الشمال السوري على كامل الخط الحدود التركي مع سوريا، وبذلك تمنع أي منفذ كردي على العالم، وإجبارهم على تمرير النفط أو التواصل مع العالم عبر تركيا حصراً، أو النظام السوري. مقابل قيام روسيا بالسمسرة على سوريا والتضحية بها في سبيل إضعاف حلف الناتو. وعلى هذا يجتمع الطرفان، بخلاف التمدد الإيراني الذي بات يشغله تنسيق الطرفين.

هل ثمة خلاف إيراني روسي أو منافسة تركية إيرانية في الأفق ؟

الطرف الروسي يدير مشاريعه ضمن الدوائر الجيوسياسية التي تسمح بها إسرائيل، وعملية المنافسة مع الإمريكيين لإرضاء إسرائيل لم تنجح بعد أن أعترفت الولايات المتحدة بشكل رسمي مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، إلا أن الصفقة الروسية مع الأتراك لم تكن أقل شئناً من النجاحات الأمريكية في إستمالة إسرائيل مقابل التسليم التركي للمشاريع الروسية، ولكن ليس بمعزل عن إرضاء الأهداف الإسرائيلية التي باتت واضحة من خلال دفع القوى الكبرى إلى تقسيم المنطقة وتضعيف قوتها وتجريد الانظمة والحركات المسلحة الكبيرة من أسلحتها الثقيلة التي تهدد أمن إسرائيل، وهذا ما لا يتوافق مع الأهداف الإيرانية وحلفائها في الشرق الأوسط، حيث إن الإيرانيين بدورهم استخدموا الروس في إنقاذ سوريا وفتح الطريق البري بين طهران وبغداد وصولاً لدمشق وبيروت، وتعني ذلك بالنسبة للإيرانيين بسط السيطرة على هذه المنطقة، على غرار نتائج حرب العراق والإستفادة التي حصلت عليها إيران، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في سوريا، لأن الأهداف الروسية ترتكز على عوامل إستراتيجية للإسرائيليين تأثير اعظم في بنائها، مقابل أدوار روسية في تركيا. وهو ما جعلت روسيا تنافس الإيرانيين في سوريا، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. ويظهر لنا أيضاً التنافس الإيراني الإسرائيلي وعملية التغطية والتسهيلات بين الطرفين، مع وجود منافسة على سيادة الشرق الأوسط، حيث أصبحت إيران القوة الطائفية الوحيدة التي تنافس إسرائيل وتملك قوات الردع.
وفق المشهد تحاول روسيا بسط سيطرتها على المصالح الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وتوجه قدراتها إلى تمديد المصالح الروسية بالطاقة، أي بمعنى تحويل النفوذ الطائفية الإيرانية في الشرق الأوسط إلى آليات لتحقيق الأهداف الروسية. بينما تنشد إيران مشروعاً توسعياً للسيطرة على الشرق الأوسط، ويتفق الروس والأمريكيين على تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، لعدم فتح المجال أمام طرف ثالث يتقاسم الكعكة السورية معهما، بينما تجدها روسيا أحد أذرعتها الإستراتيجية في تهديد المصالح الأمريكية، أو على الأقل حصارها، لإمتلاك إيران بالإضافة إلى ترسانتها من الاسلحة المتطورة - حركات وتجمعات ضخمة لا تقل تسليحها عن مستوى الدول، والنماذج القائمة كحزب الله اللبناني والحركة الحوثية في اليمن والجماعات العراقية المسلحة التي تتحكم في شؤون الدولة، ومعظم القوات الرديفة للنظام السوري.
تستفيد روسيا من وجود الإيرانيين لتهيئة الظروف أمام مصالح موسكو الشاملة والدائمة في سوريا، ولكن تصطدم بمصالح إيرانية التي تنافس مصالحها، وهنا تكمن مسألة تنافس الطرفين الغير معلنة، والروس أذكياء لا يريدون تكرار التجربة الأمريكية في العراق وتقاسم الإيرانيين مع الأمريكيين طاقات العراق المتعددة، بل السيطرة الإيرانية الكاملة على العراق بعد عملية غزو محافظة كركوك، لهذا يحاول الروس تأجيج المشاعر المذهبية في الخليج العربي لدفع الأمريكين والأوروبيين لممارسة الضغط على الوجود الإيراني في سوريا ولبنان حتى يتم تحجيمها، والمستفيد من ذلك الروس، وأيضاً وجود المنافسة الروسية الإيرانية الغير علنية تفيد إسرائيل، لأن هذه المنافسة تدفع بالروس إلى الحضن الإسرائيلي وتوفير مزيداً من الضمانات الروسية لأمن إسرائيل. 
وظهرت على الساحة السورية أيضاً ردة فعل الإيرانيين حيال التقارب الروسي التركي، لأن الإيرانيين يعتبرون الأتراك بمثابة أكبر منافس لهم في الاستحواذ على النفوذ داخل الشرق الأوسط، سواء من منطلق مذهبي أو إقتصادي. ويمكن فهم المسألة أكثر خلال نتائج أحداث عفرين وتدخل اللجان الشعبي السورية خارج الإرادة الروسية. ورؤية هذه الأرجحية بشكل أوضح تكمن في معرفة هوية اللجان الشعبية الرديفة للنظام السوري، حيث يغلب عليها الصبغة الإيرانية، وهذا يؤكد على وجود الصراع العميق على المصالح داخل سوريا بين الروس والإيرانيين، لأن الروس أقاموا صفقة مع تركيا على حساب مقاطعة عفرين الكردية، ليس فقط من أجل تسليم مناطق في إدلب والغوطة الدمشقي للنظام، وإنما تتعلق تلك الصفقة بمسائل أبعد من سوريا تصل لمستوى بيع أسلحة ثقيلة لتركيا وخلق إشكاليات داخل حلف الناتو. لهذا لم يكن سهلاً  في مجريات الغزو التركي على مقاطعة عفرين، فرض حظر جوي لمنع الطائرات الحربية التركية في قصف المقاطعة، لأن أمر ذلك كان منوطاً بالهيمنة الروسية على أجواء مناطق سيطرة النظام، والطائرات الإيرانية لا تستطيع التحرك على الاجواء السورية في ظل التوافق الروسي الأمريكي بدعم الإسرائيلي السعودي في تقليص الوجود الإيراني داخل سوريا. 
داخل هذه العجقة الجيوسياسية تظهر لنا مدى طبيعة السمسرة التي تقيمها روسيا على حساب سوريا، بغية توسيع مصالحها في الشرق الأوسط والتي لن توافق بالضرورة مع المصالح الإيرانية، في ظل تحويل النظام السوري إلى موظف للمصالح الروسية في قاعدة حميميم.

تنويه: يمنع نقل أو نسخ المادة إلا بذكر المصدر الرسمي (الموقع الجيوستراتيجي www.geo-strategic.com)

إرسال تعليق

1تعليقات

  1. اعتقد انه يمكن لامريكا والدول الاوربية ان تغير المعادلة في الشرق الاوسط باكملها لمصلحتها من خلال دعم الكورد و مساعدتهم في الاطاحة بالاتراك (فقط من خلال تقديم الدعم العسكري بالاسلحة المتطورة) ودفع الكورد الى اجتياح كامل تركيا من شرقها الى غربها.
    وهذا الانقلاب على تركيا كقيل بان يدخل روسيا في حصار يبعدها عن المياه الدفئة الى الابد.
    وتبدأ امريكا في التحضير للمرحلة الثانية وهي التوجه الى ايران وما بعد ايران (البلقان الاوراسي) ...

    ردحذف
إرسال تعليق

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!