بحث إستراتيجي: ماهية الأحداث السورية بين المصالح والتقسيمات

آدمن الموقع
0

المادة: بحث إستراتيجي
الباحث: إبراهيم كابان 

1- التقسيمات الجيوسياسية في سوريا
خلال مراحل الثورة السورية المتواصلة استطاعت الأطراف الدولية والقوى العظمة الحاكمة في المنطقة " سواء التي تدعم النظام السوري أو التي تبنت المعارضة " دفع واقع الحدث والصدام العنيف في البلد إلى دائرة مصالحها الخاصة، وإجبار السوريين على تعمق علاقاتهم مع تلك القوى الكبرى بسبب الحاجة إلى السلاح والإمكانيات من أجل الإستمرار في المواجهات والحرب الداخلية سواء بشكل مباشر مع الدول الكبرى أو من خلال بعض الأنظمة المسيَّرة من تلك القوى الكبرى في المنطقة، بالإضافة إلى دفع جميع الأطراف السورية تمهيد الطريق أمام تلك القوى للتحكم بها وسيرها وفق مصالحها، وبنفس الوقت دفع سوريا إلى واقع وظروف قررتها تلك القوى الكبرى ورسمت لها بعد انطلاقة الثورة السورية بشهور قليلة بعد أن استطاعت نفس القوى السيطرة على مصر وليبيا وتونس واليمن وصومال والعراق والسودان سابقاً، ودفع حراكها الى إسقاط الأنظمة الناجمة عن الثورة وخلق وضع بديل وخاص يدخل جميعها في خانة مصالح تلك القوى التي زادت من تحكمها في الشرق الأوسط.
فالقوى العسكرية الناتجة عن الوضع السوري ما هي إلا وليدة المكونات السورية القائمة على الإختلاف والاتحاد القصري، حيث عمد النظام البعثي خلال العقود الماضية على ممارسة كافة أنواع التفرقة بين المكونات، بغية تسهيل السيطرة عليها وفرض حاكميته الدائمة، لتظهر تلك التناقضات مع أول صِدام بين هذه المكونات، لتبرز بشكل واضح عزوف هذه المكونات وإنطوائها على نفسها في دفع الحالة السورية إلى واقع عسكري أستطاع كل طرف بناء قوته في مناطق محددة، لتصبح سوريا فعلياً منقسمة هذه القوى. حيث أصبح النظام يمثل الطائفة ( العلوية ) فعلياً، مقابل تمثيل المعارضة وجماعاتها المتطرفة الوجود السني، فيما أصبحت الإدارة الذاتية ممثلاً فعلياً للكرد والقوى المتحالفة معهم من العرب والسريان، في الوقت الذي أخذت فيها الدروز موقفاً قريباً من العلويين إلى جانب المسيحيين والإسماعيليين والمرشدية الذين أحتموا بالنظام خوفاً من الإمتداد الجماعات المتطرفة.
هذه المكونات العسكرية التي أفرزت خارطة سياسية جديدة لسوريا دفعت بها نحو التقسيم الفعلي بدعم من القوى الكبرى التي وجهت بوصلة الاحداث نحو هذا تحقين وتعميقها لدرجة دفع هذه القوى المحلية إلى حضن القوى الإقليمية التي سيرتها لتحقيق أهدافها، وسيناريو إستلام وتسليم المواقع والمناطق بين النظام والجماعات المسلحة تم بتوجيه تركي في سبيل الحفاظ على أمنها القومي من خلال إحتلال المنطقة الحساسة بين نهر الفرات ومقاطعة عفرين، وتجميع معظم الفصائل المسلحة في هذه المنطقة لتحقيق هدفين، إجراء تغيير ديمغرافي للمنطقة، وتجهيز هذه الفصائل ودفعها إلى خلق نزاعات دائمة للإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفا – شمال سوريا.
هذه القوى كلاً فرض وجوده بقوة السلاح على مناطق سيطرته - وتقود عملية تنظيم شؤون المناطق المسيطرة عليها، وبذلك فرضت واقعاً جديداً يثبت عملية تقسيم سوريا، لتتهيئ واقع تقسيم سوريا بين المصالح الدول الكبرى، ويتكرر النموذج العراقي في سوريا، وكل طرف يحصل على حصته من الكعكة السورية. 
اللاعبين الدوليين المهيمنين على الوضع السوري وجهوا دفة الاحداث إلى نحو تكريس مصالحهم، وبذلك لن يكون سهلاً بأي شكل من الاشكال جلاء تلك القوى الكبرى، لطالما نتجت الاحداث تكريس مصالحهم، وسوف يكون ذلك ثابتاً خلال السنوات القادمة، مع إتفاق تلك الدول ضمنياً على تقسيم المصالح في الشرق الأوسط .
جرت العملية منذ البداية على استنزاف جميع الأطراف، وتنفيذ الفرز السكاني للمكونات ومناطق تواجدها، وأوكلت إلى منظمة " الداعش " إنجازه لتلك المعضلة، ممع تكريس التقسيم الفعلي على الأرض، ليأتي بعد ذلك الدور على تثبيت الموجود حتى يتسنى لتلك القوى التدخل بشكل مباشر لتقسيم المصالح بينها، ويتكون بعدها واقع جغرافي جديد ومصالح مشتركة بين الروس والأمريكيين لجعل المناطق المقسمة مستعمرات تحت الطلب، وسوقاً لمنتوجاتها وشركاتها، وإن كانت روسيا الأسرع في تحويل مناطق نفوذها إلى مواقع لإجراء الصفقات والسمسرة عليها.
إن قضية خلق أسواق جديدة للبضائع والأسلحة هو الهم الأكبر للشركات التي تحكم في روسيا وأمريكا، وهو ما يفرض مسألة التوافق بين الطرفين، وإن كانت الولايات المتحدة تستعين ببعض الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا، لم تتوقف روسيا في تهيئة الظروف داخل الشرق الأوسط للشركات الصينية، لتصبح سوريا بوابة جديدة للقوى الكبرى في تحويل الشرق الأوسط إلى سوق كبير وحقل خاص للنوعيات الجديدة من تجارب الاسلحة وإستهلاك المنتوجات المتنوعة. 
فالمنطقة مقبلة لواقع جديد وما هو على الأرض في سوريا سيتم تثبيته ، وكل طرف سيدعم حلفائه من المكونات السورية لتكريس التقسيم.
2- الخليج العربي وإحتمالية التوجهات الجديدة في سوريا
خلال المراحل الماضية من الحدث السوري اعتمدت المملكة العربية السعودية بعض الحركات والتجمعات في إظهار حضورها على المشهد السوري الداخلي، وهيمنتها على بعض مفصل المعارضة المسلحة، وعلى رأس تلك الجماعات والكتائب ما يعرف بـ جيش الإسلام، الذي أتخذ من المناطق الحساسة داخل سوريا مرتعاً ومراكز لتحركاتها وعملياتها، لاسيما ريف محافظة دمشق، إلا أن التوازنات العسكرية والسياسية الجديدة بعد الإتفاقيات الروسية – التركية لإخلاء معظم مناطق المعارضة لحساب النظام، وفتح المجال أمام الأتراك في منع الكرد التواصل مقاطعتي كوباني وعفرين وإنتهاءً بإحتلال المنطقة بأكملها، إلى جانب طبيعة العمليات الروسية العنيفة، والاتفاقيات الأخيرة مع الأمريكيين حول المسائل الأساسية في سوريا، جعلت الكتائب والجماعات المسلحة تتراجع كثيراً في عدة نقاط هامة، لاسيما في دمشق وحمص وحلب والتي كانت مراكز تحرك الكتائب التي دعمتها السعودية، وبذلك فإن المناطق التي سيطرت عليها سابقاً هذه الكتائب في عمق مناطق النظام بات غير موجودة نتيجة لخروج أعداد كبيرة منها بعد التنسيق والاتفاق مع النظام بوساطة روسية إلى مناطق ريف إدلب، والتي بدورها تسيطر عليها جبهة النصرة وأحرار الشام / جبهة فتح الشام/ التابعتين لمنظمة القاعدة المتطرفة التي بسطت سيطرتها على كامل محافظة إدلب وبعضاً من ريف حلب بدعم وتسليح تركي، والتي لا تسلم مناطقها لأي فصيل آخر لاسيما الاتفاق الأمريكي الروسي على قصف مواقع الداعش والنصرة، وبذلك فإن رصيد ما يعرف بجيش الإسلام أصبح ضئيلاً جداً، تراجعت إلى درجة لن يجد هذه الكتائب مكان للسيطرة عليها في ظل الإتفاقيات الشاملة بين الأتراك والروس.
3- الصراع على النفوذ 
تحجيم سيطرة الجماعات المدعومة من السعودية وعملية تضعيف الرصيد السعودي في مناطق المعارضة وتراجع سيطرته على الفصائل الرئيسية، إلى جانب استمرار دولة قطر في التحكم بجبة النصرة وأحرار الشام، والتدخل التركي في جرابلس وبسط سيطرتها على إعزاز وبلدة الراعي والباب وصولاً لمقاطعة عفرين، وتحويلها إلى محميات تركية خاصة، وتنفيذ التغيير الديمغرافي لأكثر من 700 قرية وبلدة كردية لصالح جماعات متطرفة والحزب التركستاني. إلى جانب توسع قوات سوريا الديمقراطية وسيطرتها على كامل المنطقة شرق وشمال نهر الفرات، من ضمنها مدينتي الرقة والطبقة وكامل شمال محافظة دير الزور، ومعظم آبار النفط والغاز، مقابل سيطرة النظام السوري على معظم مناطق المعارضة بإستثناء أجزاء من محافظات إدلب ودرعا وحلب. مع تسهيل التركي – القطري للجماعات المتطرفة وحركة اخوان المسلمين في القضاء على النفوذ السعودية والإماراتية بشكل كامل.
4- التقارب التركي الإيراني دافعاً لتوجه السعودية إلى روجآفا
مشهد المعارك العنيفة التي وقعت في عدة مواقع بين قوات سوريا الديمقراطية ونظام بشار الاسد خلال معارك الرقة ودير الزور، والتفوق الذي أبداه الكرد والقوى العربية والسريانية والآشورية والتركمانية المتحالفة معهم في تحجيم وجود النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي، أظهرت أرجحيه عدم وجود علاقات بين نظام بشار الاسد والكرد، وتلك الهالة الإعلامية المضادة والبروبغندا التي كانت تتغنى بها المعارضة السورية والأتراك حول وجود علاقات بين الكرد والنظام، تبين إنها مجرد إستراتيجية اتخذتها تركيا لتوجيه المعارضة ضد الكرد وشمال سوريا، واستخدام الائتلاف والكتائب المسلحة لأغراض ومشاريع خاصة بالأمن القومي التركي، وليس مشروع وطني سوري لإنقاذ البلاد، وهو ما أراح الخليجيين عموماً والمصريين والسعوديين والأردنيين بشكل خاص. إلى جانب التقارب التركي الإيراني وإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري والهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بغداد وصولاً لدمشق وبيروت. وهو الهاجس الذي يدفع بالخليجيين وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية إلى خلق تحالف مع أي طرف رئيسي في سوريا وإعادة ترتيب أوراقها حتى لا تكون خارج اللعبة السورية. وبما إن المعارضة أصبحت ضعيفة بحكم التأثير التركي نتيجة للعلاقات مع روسيا، فإن الخيار السعودي سيكون التوجه نحو الكرد وإن كان بشكل غير مباشر، وكلما تعمقت العلاقات بين إيران وتركيا فإن السعوديين سيبحثون عن حليف جديد له القوى على الأرض في سوريا وبنفس الوقت يدعمهم الأمريكيين والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، بما إنه ليس هناك مؤثر حقيقي في المنطقة فإن من مصلحة السعوديين وحلفائها التقرب من الكرد في ظل التحالف الأمريكي مع الكرد وترعرع قوة وانتشار مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
       تدرك المملكة العربية السعودية إن مساحة سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية تكمن في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وإن ثقة التحالف الدولي - شعبياً وحكومات- باتت راسخة في هزيمة منظمة "الداعش" على يد قوات سوريا الديمقراطية، المشَكَلة من المكونات الرئيسية داخل الجغرافية السورية، كما إن طبيعة إدارة روجآفا والقوات الموجودة باتت هي القوى الرئيسية المدعومة من حلفاء المملكة العربية السعودية، وإنه ليس من المنطق أن تعادي المملكة حلفاء حلفائها، إلى جانب طبيعة التواصل السعودي مع الداخل السوري من خلال العشائر العربية في محافظتي دير الزور والرقة، وهي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وإن خسرت المملكة تلك المناطق فإن وجودها سوف تقتصر فقط في مناطق صغيرة جداً داخل محافظة درعا، وهي مناطق بعيدة عن أي تأثير على التمدد الإيراني في الصحراء السورية. لهذا إن المملكة العربية السعودية والإمارات أضطرت في التعامل مع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وإن لم تتواصل بشكل مباشر مع الإدارة، فإنها تواصلت من خلال الوجود الأمريكي في شمال سوريا.

يمكنكم قراءة البحث ضمن كتاب: إرهاصات ثورية في الشرق الأوسط ( 1 ) ( "5" قراءات إستراتيجية) للمؤلف إبراهيم كابان على الرابط التالي:   لقرأة الكتاب أو تحميلها مجاناً يرجى الضغط على ................ هنـــــا .........................

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!