تركيا... الخيارات الصعبة

آدمن الموقع
0


آلان حسن

لم تكن الحرب السورية لِتُبْقِ أحداً من دول جوارها دون أن تصيبها شرارة من نار لهيبها، ولعل تركيا هي من أكثر الدول تدخلاً في سعير الحرب تلك، وبالتالي فلا غرابة أن تكتوي بنارها أكثر من غيرها.
ترى تركيا نفسها اليوم على مفترق طرق في تحالفاتها الإقليمية والدولية، فحكومة حزب العدالة والتنمية، وبعد أنْ كان منظّرها السابق أحمد داوود أوغلو يبشّر بسياسة صفر مشاكل، ويَعِد بشرق أوسط جديد بريادة تركيّة، عبر تشبيك العلاقات مع الدول العربيّة والإسلاميّة، وذلك في كتابه الشهير "العمق الاستراتيجي"، أصبحت الآن تستجمع قواها لترميم علاقاتها مع العديد من دول المنطقة، وإصلاح ما أفسدته الطموحات المبالغ بها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
العلاقة التركية مع جوارها المرتبطة بالوجود الكُردي، أي إيران والعراق وسوريا، هي معقدة بالفعل.
أنقرة ليست في حالة سوية مع طهران، فالأولى تريد زعامة العالم الإسلامي السني، وهو ما يعني بالضرورة صداماً مع زعيم العالم الإسلامي الشيعي إيران، وبدرجة أقل العراق المرتبطة بتحالف أقرب للتبعية مع طهران.
أما العلاقة مع دمشق فقد مرت بتجارب ثلاث، من تحالف استراتيجي مع سوريا بشار الأسد في بدايات حكمه، ثم إلى خصومة ترتقي لمرتبة العداء بعد الحرب السورية عام 2011 ثم نكوص إلى الماضي، والعودة – على استحياء - إلى العلاقة مع دمشق بفضل الضغط الروسي، والتهديدات المشتركة للبلدين الجارين.
كل الخلافات بين الدول الأربعة تُزال عند الوصول إلى الخطر الكرديّ، فالجميع يعيش الخطر ذاته... مشكلة كُرديّة لم تجد حلاً منذ نشوء بلدانها بعد الحرب العالمية الأولى، ما خلق تزامناً للقضية الكُردية في الدول الأربع، يجعل من نجاح أحدها بمثابة انتصار للأجزاء الأخرى.
وحيال ذلك فقد دخلت القوات التركيّة، بالتعاون مع حلفائها من المعارضة السورية المسلحة، إلى مناطق جرابلس، والباب وإعزاز في عام 2016، واستكملت مهمتها بالسيطرة على عفرين مطلع العام الحالي، في مسعى لمنع قيام كيان كُردي قابل للحياة.
كانت تركيا لاعباً رئيسياً في الحرب السورية، فقد رعت تأسيس أوّل كيان سوريّ معارض منتصف العام 2011 وهو المجلس الوطنيّ السوريّ، وتدعم عسكريّاً ولوجستياً فصائل المعارضة السوريّة المسلّحة.
كما وتنسق مع روسيا في أدق تفاصيل المشهد السوري، وعقدت سلسلة جولات لاتفاقية أستنة لتثبيت مناطق خفض التصعيد، وبموجبها باتت تسيطر روسيا على ما تسمى سوريا المفيدة، التي تضم العاصمة دمشق وريفها، وكامل الحدود مع لبنان والأردن، بالإضافة للساحل السوريّ,  أمّا تركيا فهي الآن مسيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي السوريّة المحاذية لحدودها في كلّ من إدلب، وما تسمى مناطق درع الفرات، بالإضافة لعفرين، كما تسيطر الولايات المتّحدة الأمريكيّة الآن على ما تدعى بسوريا الغنيّة، في شرق نهر الفرات، حيث خزان سوريا النفطيّ والغازيّ والمائيّ والزراعيّ، بالإضافة لسيطرتها على مدينة منبج.
تستغل أنقرة كل أوراقها، الآنية منها والمؤقتة لصالح إجهاض أي مشروع ينال فيه الكرد، ولو جزء من حقوقهم، وكذلك لاستنهاض آمالها بالعودة لمشروعها الإمبراطوري، من قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى أزمة الدول الخليجية مع حليفتها قطر، وكذلك الملف النووي الإيراني، والعلاقة فوق الجيدة مع روسيا الاتحادية.
أنشأت تركيا ما يشبه ولاياتٍ تركيّة ضمن الأراضي السوريّة، فعيّنت مسؤولين موالين لها في المجالس المحليّة ضمن هذه الأراضي، وفرضتْ التعامل بالليرة التركيّة، كما أنشأتْ فروعاً لجامعاتٍ تركيّة، خطوات تعني ما تعنيه ربطَ تلك المناطق بالداخل التركيّ، والسعي لإقامة قبرص ثانية.
تريد أنقرة خلق شرق أوسط جديد بريادتها، وبرأس حربتها جماعة الإخوان المسلمين التي خسرت كل ما جنته من الحاضنة الشعبية المكتسبة خلال معارضتها لأنظمة الحكم العربية ما قبل العام 2011.
التحالف الروسي التركي في الميدان السوري، وعدم التزام الحكومة التركيّة بالعقوبات الأمريكيّة على إيران، ورفْض واشنطن تسليم المعارض التركيّ فتح الله غولن، والطموحات الإمبراطوريّة العثمانيّة لحكومة العدالة والتنميّة، وإقامة واشنطن توازناً في علاقتها مع تركيا وكُرد سوريا، هي أبرز الخلافات التي تمنع العودة للعلاقة السابقة بين الحليفين الأطلسيين.
تصر حكومة العدالة والتنمية التركية على استعمال أقصى أنواع الضغط على الولايات المتحدة لعقد صفقة معها تدخل بموجبها إلى مدينة منبج (المدينة الوحيدة في النفوذ الأمريكي في غرب نهر الفرات) تكون بداية لاتفاق أوسع تمكنها من السيطرة على كامل منطقة شرق الفرات والتي تقع ضمن النفوذ الأمريكي (وفق تفاهمات كيري - لافروف).
الحليف التاريخي الولايات المتحدة الأمريكية لم يَعُد يعادي الكُرد كما كان يفعل سابقاً، بل أصبح يُحالِف قوات سوريا الديمقراطية (تشكل وحدات حماية الشعب "الكُردية" عمادها الرئيسي) في حربه ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وبالتالي فلا تستطيع أنقرة التعويل على واشنطن لضرب المشروع الكُردي في شمال سوريا، إذا استمرت في سياستها هذه.
سيكون على تركيا أن تخرج من حالة التأرجح هذه، والاختيار بين حلفها الأطلسي القديم والذي سيجبرها على تنفيذ العقوبات الأمريكية على إيران، وكذلك التخلي -ولو مؤقتاً- عن مشروعها العثماني، والقبول بريادة المملكة العربية السعودية للعالم الإسلامي "السني" في مواجهة إيران وحلفها، أما خيارها الثاني المتمثل في  تعزيز علاقتها مع المحور الروسي الإيراني، وربما الانضمام إليه لاحقاً؛ فليس مفضلاً لحكومة أردوغان،كون الحلف هذا يعني بالضرورة حالة قطيعة مع واشنطن، وبالتالي الخوف من دعم الولايات المتحدة لكيان كُردي في شمال سوريا، يشعل حماسة نظرائهم في تركيا، والذين يفوق عددهم 20 مليوناً، وفي هذه الحالة،فقد يكون الثمن هو بقاؤها كدولة موحدة.
 لا بل تجد نفسها مضطرة للمفاضلة بين خيارين أحلاهما مر.

الهلال اليوم/ المصرية

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!