لماذا "عفرين " ظاهرياً خارج رسائل أوجلان الاخيرة ؟

آدمن الموقع
0


المادة: قراءة سياسية 
لـ إبراهيم مصطفى (كابان)

لماذا لم يذكر المفكر والفيلسوف الكردي المعتقل عبد الله أوجلان (قضية عفرين) في اللقاءات التي تمت معه مؤخراً بعد ثمانية سنوات على العزلة المفروضة عليه من النظام التركي بجزيرة إيمرالي؟! ولعلَّ الجميع يتسائل ذلك، لاسيما وإن مسألة الاحتلال التركي " لعفرين " أصبحت قضية رأي عام، ومركزية بالنسبة للإدارة الذاتية التي تواجه عملياً انتقادات كثيرة حول تأخير فتح جبهة رسمية ضد الاحتلال التركي والمجموعات المسلحة السورية الموالية له. وما يثير الدهشة في غياب عفرين برسائل أوجلان هو أهميتها واستمرارية البحث عن رؤية وحلول اسعافية لحل هذه المعضلة، رغم إن رسائل أوجلان من خلال محاميه أو شقيقه شملت " المضربين عن الطعام لأجل حريته، وكذلك العودة إلى السلام بين الكرد والأتراك، إلى جانب التطرق بشكل عام إلى يدور من أحداث في سوريا، لا سيما جانبها المتعلق بالادارة الذاتية وما تتلقاه من تهديدات جمى من محيطها التركي والنظام السوري. حيث تقدم أوجلان برؤية مهمة حول طريق الحل. 
بينما ظلت "عفرين" غائبة بالاسم عن تلك الرسائل والمقابلات؟، رغم إن أوجلان وخلال السنوات الماضية قبل العزلة تطرق وبشكل مكثف إلى الوضع في عفرين وضرورة ان يطور فيها الكرد إمكانياتهم العسكرية والتنظيمية لمواجهة المخاطر التي سوف تهدد المنطقة، والتي تحققت صراحة، وفهم الكرد ما كان يقصده أوجلان خلال رؤيته لما ستكون عليه الشرق الأوسط في المجلدات الخمسة  "المرافعات".

البعد الإستراتيجي في رسائل أوجلان

- يتضح إن المفكر أوجلان لن يتحدث عن " عفرين" إذا لم تكن مصيرها مرتبط بشخصه، كيف ذلك؟، نلاحظ في جميع المسائل التي تطرق إليها في رسائله ومقابلاته الاخيرة كانت تتعلق بشخصه، أي بمعنى أستطاع إبداء الرأي فيه وطرح حل له، وتأثيره كان واضحاً على الاحداث التي تطرق لها، وكان إبداء الرأي فيها لخلق الاجواء المناسبة لحلها، كما في قضية الدعوة لوقف الاضراب عن الطعام، وتمت ذلك. 

- العودة إلى أحياء عملية السلام التي أطلقها في نوروز 2013، وهو أيضاً مرتبط بشخصه لأنه طرح رؤيته في ذلك ونتج عنه تطور في الحوار بين الكرد والأتراك، إلا أنها تعثرت بعد التراجع التركي عن الخطوات المطلوبة، ودخل الصراع في منعطفات جديدة من الموجهات، وركز على العودة لتلك المفاوضات هو الحل لهذه المعضلة. 

تطرق إلى نمط السياسة الموجودة والفراغ الفكري والنظري، وإن النمط العائلي والقبائلي ليس بالنمط الصحيح، لن نستطيع عبر ذلك ممارسة السياسة بشكلها الصحيح. وإن الأمر الأساسي هي وضع الحلول عبر السياسة الديمقراطية. قبل الآن ذكر لنا مثال مهاتما غاندي، مرةّ أخرى ذكر هذا المثال وأثنى على أهمية البحث عن الأساليب المدنية والمبدعة لإيجاد الحلول. أوجلان في حديثه أشار إلى احتياجات سياسة التفاوض الديمقراطي والأساليب الصحيحة والسياسة والقوة الثقافية والنشاط المدني، وطالب بتطوير هذه الأساليب وأكد بأنه بهذه الطريقة نستطيع إيجاد حل جذري ديمقراطية. 
هنا أيضاً كانت المسألة مرتبطة بطروحاته حول الحلول وطرق تطبيق الديمقراطية المنشودة، ومدى ربطه بالظروف الديمقراطية، وطبيعة التمييز بين الانماط السلبية والايجابية في تلك العلاقة، وضرورة البحث عن أساليب مدنية مبدعة لإيجاد ما يناسب من ظروف وآليات لتحقيق الديمقراطية الحقيقة، والتي يسميها " الحلول الجذرية ".

- في موضوع المرأة خصص أوجلان حيزاً من وقته للتحدث حول حساسيات حرية المرأة والمواضيع المتعلقة فيها مثل قتل اوزكاجان والزواج القاصر، العلاقة ما بين الرجل والمرأة، واكد أنه ومنذ العصر النيولوتي دائماً من اتخذت النساء مثالاً للعبودية، هذا الأمر تغلغل في المجتمع. قتل النساء هو نتاج هذا الفكر. النساء يرون أن الهجمات الذي يتلقاه جنسهن، أنها هجمات ضدهن، هذا الأمر جيد ويجب على النساء أن يتحركوا وفق هذا الفكر. و أن موضوع قتل النساء لوحده يحتاج لثورة من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن موضوع تزويج الفتيات في عمر صغير لوحده سبباً لقيام 10 ثورات. 
ركز أوجلان على هذه النقاط الهامة في فك احجية الاشكاليات الاجتماعية وما تعانيه المرأة من ظروف قاسية في المجتمعات الغير واعية، ومن ثم يظهر مسألة دخول المرأة إلى مجتمع واعي دون وعي لتصبح هي بمكان الرجل الذي مارس الاساليب القاسية في الحياة الأجتماعية وهو ما خلقت فجوة جديدة، وأنتقد أوجلان عدم وجود سياسة تحل هذه المشاكل. وهي أيضاً إحدى الركائز الفلسفة الأوجلانية التي تعتمد على تحرير المرأة بشكل وأساليب صحيحة، وهذه القضية تخص أوجلان لأنه صاحب الأطروحة، لهذا ركز على طرح حلول له في رسائله. 
ومسألة إستحضار لشواهد وأحدث التاريخية لبناء التجارب النظرية والعملية عليها واضح في رسائل أوجلان، وهو يسعى من وراء ذلك تشخيص الاشكاليات وطرح الحلول الفورية لها.

إن فهم شخصية أوجلان تكمن في هذه الاسطر ضمن الرسالة الأخيرة وهو يستحضر شخصية الحلاج بإتقان: " أن البحث عن الحقيقة لم يتوقف بعد ذلك، وركز على القيم الحقيقية للحياة. قال أوجلان أن الحلاج منصور لم يكف البحث عن الحقيقة والعدالة والحرية بالرغم من الضغوطات، وأن الحلاج منصور أكد للجميع أنه لن يترك هذا النضال.
ويقول لنا بكل صراحة إنه مستمر في المقاومة والبحث عن الحقيقة والعدالة والحرية، وإنه يتعرض لضغوطات كبيرة ولكنه لن يترك هذا النضال. وبنفس الوقت يقول للمضربين عن الطعام، إن النضال المدني والتمسك به من خلال تأكيده على النضال من أجل الحياة، هو المطلوب في المقاومة، وليس الاستسلام من خلال الموت.
إشارات واضحة يرسلها أوجلان بذكاء فائق، ويراد به أن ينوهنا إلى طبيعة ما يتعرض له وما سوف يتعرض له، وشكل مقاومته، وشكل مقاومة رفاقه في السجون.

- يضيف بعض الملاحظات على مسألة البلديات والقضايا الاجتماعية المتعلقة بحزب الشعوب الديمقراطية ونشاطاتها في شمال كردستان وتركيا نجده يركز على الحاجة إلى النتاج الاجتماعي والإبداع على أساس بناء بلديات تتخذ مبدأ الديمقراطية، وأشار إلى أنه يجب على حزب الشعوب الديمقراطية لعب دور مهم في هذه الأمور من البوابة الديمقراطية.

وبذلك فإن تركيزه على بعض القضاية التي وجدها مهمة تتعلق برؤيته أبدى فيها تشخيصاً وطرح الحلول المناسبة لها، بينما ترك المسائل التي تخص الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، لأنه لا يستطع أن يفعل شيء فيها، والتعامل معها " زمكانية" مرتبطة بمن يديرها، لذلك نجد عند تطرقه إلى القضايا المتعلقة بالادارة الذاتية الديمقراطية من بوابة إبداء ثقته وإيمانه بقوات سوريا الديمقراطية في إدارة الأحداث كما يجدونه مناسباً.  

يمكن فهم المسألة من منطلق آخر أيضاً إذا أردنا أستشراف ما يحاول أوجلان الإشارة إليه في هذا المضمار

التطرق إلى مسالة الاحتلال التركي في عفرين من بوابة طرح الحرب تعني ذلك الدخول في معركة كبيرة يدرك أوجلان أن الخاسر فيه سيكون " الكرد وقوات سوريا الديمقراطية "، لأن القدرات التركية والظروف الشرق الأوسطية ليست لصالح الكرد بشكل مطلق، ومثل هذه الحرب يحتاج إلى إمكانيات وظروف أكثر لائمة، ويدرك اوجلان تماماً إن تلك الظروف لم تتحقق حتى اللحظة وتحتاج إلى تطور للاحداث في معظم الشرق الأوسط، وهي سوف تتطور بطبيعة الحال مع الاحداث التي تجري رحاها في الشرق الأوسط من البوابة السورية والتنقل الطبيعي إلى معظم الشرق الأوسط، إلا أن بالنسبة لإعلان حرب شاملة مع تركيا من البوابة السورية لن تكون ناجعة مطلقاً. ويدرك أوجلان تماماً إن مسألة إحتلال عفرين جاءت نتيجة لتفاهمات دولية " روسية - تركية، أمريكا - تركية، أوروبة - امريكية - روسية "، وإن تركيا لا تزال تملك الأدوات في تدمير ما تم انجازه كردياً في سوريا، ولم تفقد علاقاتها الدولية ووجودها في حلف الناتو، وإن أي حرب بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا سيكون الخاسر فيه الكرد، كون النظام السوري والتركي في علاقات مقربة ومتطورة برعاية إيرانية ودعم روسي، ولن يلقى الكرد أهتماماً كبيراً من الغرب في سد الهجمة التركية بالشكل الذي يتطلب. كما إن الأنظمة المحتلة لكردستان متفقين ضمناً على إفشال أي مشروع ديمقراطي يقوده الكرد في الشرق الأوسط من البوابة السورية، ويركزون في ذلك على أية حماقة قد يقع فيه الكرد لخلق مواجهات عسكرية مع تركيا بشكل مباشر، وهو ما سوف تكون شرارة لحرب كبيرة يخسر فيها الكرد حتماً لأنهم لا يملكون قوات الردع والامكانيات المطلوبة في خوض مثل هذه الحروب، إلى جانب عدم تكريس علاقاتهم بالشكل المطلوب مع الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، أي بمعنى سوف يتم تحطيم ما تم انجازه في روج افا خلال السنوات السابعة الماضية. 

لهذا ركز أوجلان على مسألة تثبيت ما هو موجود بشكل دستوري في سوريا، وتهدئة الاوضاع مع تركيا، وإيجاد حل سياسي للنزاع بين الادارة الذاتية وتركيا والنظام السوري. وعكس ذلك سيكون خطأ استراتيجي لا يمكن أن يغيب عن ذهن أوجلان. 

لهذا ترك أوجلان الخيار لنا في القيام بما نراه نحن مناسباً من أجل " عفرين "، وأعطى هذا الخيار بشكل مباشر للادارة الذاتية، وقواتها العسكرية والثورية، وركز على قوات سوريا الديمقراطية، وأكتفى بإرسال ثلاث إستراتيجيات هامة للغاية من أجل التعامل مع هذا الوضع الشامل في روجآفا وبنفس الوقت في مسألة عفرين، " أنا أثق بتحركات وتصرفات قوات سوريا الديمقراطية - الوضع السوري والتركي مرتبطان مع بعضهما ويجب بناء التعامل مع الوضع على هذا الأساس-  خيار المفاوضات مفاوضات لإحلال السلام بدل من المواجهات العسكرية". بذلك يوضح لنا مسألة التوجه نحو خيار السلام لتثبيت ما تم إنجازه في روجآفا، وبالطرق السلمية والحوار سيتم الحفاظ على ذلك، إنه ببساطة يترك لنا الخيار في التصرف كما نجده في الواقع الدولي والإقليمي والسوري، وخاصة مسألة الاحتلال التركي في عفرين وكيفية التعامل معها.

هنا تكمن معرفة أوجلان العميقة بإرسال رسائل مشفرة لها أبعاد جيوسياسية، وتتطلب منا التعمق فيها ومعرفة ما يقوله ونترجمها بشكل صحيح، ونفهمه في الدرجة الأولى وما يقصدها بكل مسألة.

تنويه: تم أستخدام اللغة المبسطة حتى يسهل على الجميع فهم التحليل.

15.06.2019

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!