قراءة جيوسياسية في موقف المستشارة الألمانية انجيلا ميركل حول رفضها إقامة الدولة الكردية..

آدمن الموقع
0


قراءة جيوسياسية لـ: إبراهيم مصطفى (كابان) 
خاص: الموقع الجيوستراتيجي للدراسات

ما قالته المستشارة الألمانية انجيلا ميركل حول الدولة الكردية يتطلب النظر فيه بعمق، وتحليله بشكل موضوعي بعيداً عن التأويل ألا منطقي، لأن المناسبة التي تحدثت فيها تظهر قرائتها وتفسيرها للوضع في العراق والشرق الأوسط، وليس موقفاً أو تصريحاً إعلامياً قطعياً وموجهاً. حيث جاءت ردودها على أسئلة الطلبة الألمان في مدينة غوسلار بولاية سكسونيا السفلى، ورأيها تأتي من باب التحليل وليس التصريح.
لهذا فإن تحليلنا سيركز على موضوعية تفسير ما تفضلت به السيدة ميركل، وهل بالفعل إن الظروف الداخلية الكردية والإقليمية والدولية مهيئة لإقامة دولة كردية في العراق؟ أو عموم الدول التي تتقاسم كردستان؟. وما هي المعوقات التي تقف أمام مثل هذه الخطوة؟، إلى جانب السبل الناجعة في التعامل مع الواقع والمطالبة بتحقيق ما هو ممكن في عجقة الصراعات والتحولات الجيوسياسية التي تشهدها الشرق الأوسط.

هل الظروف الداخلية الكردية مهيئة لإقامة دولة كردية؟

الحقيقة إن الوضع الكردي سيء للغاية، وهناك صراعات كردية – كردية تصل لحد الطلاق المجتمعي بين الأطراف الكردستانية، إلى جانب وجود علاقات إستراتيجية لبعض الأطراف الحزبية مع النظامين التركي والإيراني تصل لحد جُهزيتها في خوض مواجهات ضد الأطراف الكردية الأخرى، وهي كنتيجة طبيعية للظروف التي مرت بها إقليم كردستان العراق، وطبيعة المواجهات البينية التي اسفرت عن كوارث داخلية، إلى جانب إفتعال تلك الإشكاليات من قبل تركيا وإيران في ضرب الكرد ببعضهم، سواءً داخل العراق أو في المثلث التركي الإيراني العراقي، لتصبح علاقة بعض الأحزاب الكردية مع تلك الدول إستراتيجية على مدى البعيد، ومن الطبيعي أن تأثر تلك العلاقات في الواقع الكردي الداخلي وترابطه المجتمعي.. وشاهدنا ذلك بشكل واضح في مسألة الإنقسام حول الاستفتاء الذي أقيمَ في إقليم كردستان حول الاستقلال، وكيف دخلت الاحزاب الرئيسية في صراع داخلي بين المؤيد والرافض، وتخللَ ذلك بتدخل حكومة المركز بـ بغداد في كركوك، وإستعادتها من إقليم كردستان بالقوة، وكانت الخلافات الكردية – الكردية  السبب الرئيسي وراء نجاح حكومة المركز في إحتلال كركوك رغم ضعفها، في ظل غالبية سكان كركوك من الكرد ومطالبتهم بضمها إلى إقليم كردستان العراق. 

التصورات المنطقية

القوى الدولية تنظر إلى الشرق الأوسط بشكل شامل وليس بعيون الكرد، ولأن الدول المحتلة لكردستان لا تزال تقدم كافة خدماتها للقوى الكبرى، فإن نظرة الدول الغربية إلى الشأن الكردي لا تزال مرهونة بعيون الدول المحتلة لكردستان، وإن تعاملت هذه الدول مع الجهات الكردية فإنها تفعل ذلك من بوابة عدم إثارة غضب تلك الدول المعنية.
وعملياً إن الظروف الإقليمية والدولية غير مهيئة لإقامة أية دولة كردية دون تطوير الوضع الكوردي في سوريا وتركيا وإيران، لأن في العراق وحدها سيدفع الدول المحتلة لكوردستاني لتوحيد جهودها وتدميرها، وهذا ما حصل عندما أعلن إقليم كوردستان عن الاستفتاء.
مثال على ذلك، عدد من الدول الغربية في خلاف شديد مع تركيا، ولكنها في المقابل لا تدعم الكرد، ولا زالت تنظر إلى الحركة التحررية الكردية في تركيا على إنها إرهابية. والموقف الألماني مرهون بطبيعة المصالح مع تركيا، حيث أن العلاقات التركية الألمانية لازالت في مستوى عالي من التفاهم، رغم الخلافات وتصرفات النظام التركي ضد الدول الغربية، في ملف حقوق الإنسان وتهديد أوروبا بقضية فتح أبواب أوروبا امام اللاجئين من كل حدب وصوب، ومسألة وصول الإرهابيين من البوابة التركية إلى أوروبا، وتعامل الاتراك مع الروس في التضييق على الدول الغربية داخل البحر المتوسط أو في قضية قبرص، وكذلك ملف التنقيب عن النفط والغاز في المتوسط وحول قبرص.

الخلافات الكردية والتأثير في الموقف الدولي حيال القضية الكردية

لا يتفاعل الكرد مع السياسات الدولية نتيجة للخلافات البينية، وقطع الطرق أمام بعضهم في أي تواصل أو فتح قنوات وعلاقات مع الدول الكبرى. وهذا ما يشهده أبواب الصراع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان مع الإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفا – شمال وشرق سوريا. ومع أي تطور في الإدارة الذاتية يقابله تحرك من قبل حزب الديمقراطي في ضرب هذه الادارة من خلال آلية تحريك ادواته " المجلس الوطني الكردي ". 
وعند معالجة هذه المسألة تتطلب تنازلاً من الادارة الذاتية لأدوات حزب الديمقراطي الكردستاني، وهو جعل المنطقة الكردية في سوريا مقسمة بين مصالح حزب الديمقراطي من خلال المجلس الوطني بجانب الادارة الموالية لحزب العمال الكردستاني. وبذلك يعتمد حزب الديمقراطي على مسألة تقاسم النفوذ والثروات، رغم إن العلاقات الديمقراطي مع تركيا إستراتيجية، وهذا يعني عملية محاربة حزب العمال الكردستاني مسألة مصيرية بالنسبة للديمقراطي.
مقابل ذلك يشهد إقليم كردستان حالة إنقسام كبيرة بين حزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، هذه الخلافات وصلت لدرجة الطلاق الإداري والتنظيمي، حيث إن الحزب الديمقراطي يربط بعلاقات استراتيجية مع تركيا، فيما يملك الاتحاد الوطني بعلاقات عميقة مع إيران، وبذلك يتم ممارسة السياسة في كل الإدارتين المنقسمتين فعلياً داخل إقليم كردستان من قبل أنقرة وطهران، وهما دولتين تحتلان الجزئين الكبيرين من كردستان الكبرى، وليس من مصلحتهما ان تصل الاحزاب الكردية إلى أي إتفاق يوحدهم. ويسهل في ذلك الأطراف الحزبية في إقليم كردستان. ومن المؤكد إن تطور الظروف بهذا الشكل سيؤدي في المحصلة إلى تقسيم ومواجهات داخل إقليم كردستان إذا أقدمت القوى الكردية إلى أي فعل أو عمل وحدوي.

ميركل ونظرة أوجلان وفق الظروف الموضوعية

في الوهلة الأولى عندما طرح المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان قبل بضع سنوات رؤيته حول زوال زمن الدولة القومية، أعتقد الكثيرون إنه تنازل عن حق العمل والنضال من أجل الدول الكردية، فيما إن قراءة الظروف الدولية والإقليمية والداخلية الكردية توحي بحقيقة واحدة لا غير، وهو إن الكرد غير مهيئين داخلياً في الدرجة الأولى لإقامة دولتهم، وهذا يعني إن الظروف الإقليمية سوف تكون نتيجية موضوعية للظروف الداخلية الكردية، وأيضاً التأثير على الظروف الدولية تحتاج إلى فعل داخلي كردي مهيئ لكيفية العمل من أجل إقامة دولته.  ولأن الظروف الداخلية الكردية غير مهيئة لن يبقى أمامنا سوى هدم الدول القومية التي تحتل كردستان، وإن تم هدم تلك الدول فإن الكرد سيكونوا مثل باقي الشعوب يعيشون في إتحاد يجمع الجميع وبنفس المستوى الحقوق والواجبات، وبذلك لن تبقى الدولة التركية والعربية السورية العراقية والفارسية الإيرانية، بل ستتحول إلى دول جديدة يصبح فيه الكرد رقم واحد في المعادلة داخل هذه الدول. هذا يعني تتهيئ الظروف الإقليمية لصالح الكرد، ولن تكون هناك دول ذات أنظمة قوموية تحتل كردستان، لأنها ببساطة سوف تنهار تلك الدول ويتم بذلك القضاء على التهديد الأول للقضية الكردية. 
عند تحقيق ذلك لم يعد لإقامة دولة قومية قيمة، ولسوف يصبح هدف الجميع هو إقامة إتحادات يجمعهم، ونموذج أوروبا خير مثال. 
ودون ذلك فإن نصيب الكرد هو الإنقسام الكردي الداخلي، التصارع مع المجتمع الدولي الذي لا يزال ينظر إلى الكرد بعيون محتليها، ولن تضحي الدول الكبرى بمصالحها مع الانظمة من أجل شعب ضعيف. 
هذه الحقيقة التي تنبعث من موقف المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وهي تدرك إن دعم إقامة دولة كردية في العراق سوف تتدمر بفعل الدول الإقليمية التي لا تزال تستمر بوجودها على فزاعة تعبئة شعوبها قومياً لمحاربة الكرد. إلى جانب نظرة السياسات الألمانية إلى المسألة الكردية من البوابة التركية التي تربط معها بعلاقات إقتصادية وعسكرية عميقة.

تنويه: عند نسخ المادة أو نشرها يستوجب ذكر المصدر ( الموقع الجيوستراتيجي للدراسات)

23.06.2019

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!