تقييم إستراتيجي: مالذي يدفع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD التنصل من إرفاق الصفة الكردية بأسمها؟

komari
0


فريق الجيوستراتيجي للدراسات


يظهر بشكل واضح من خلال المؤتمر الثامن للحزب الاتحاد الديمقراطي PYD جعل العمل من أجل القضية الكردية كمسألة وثنية وليست رئيسية، لما تضمنه البيان الختامي للمؤتمر الثامن، وما يدفع للتدقيق هو إن هذا الحزب يكاد الرئيسي في نواة الادارة الذاتية في منطقة روجآفا /التي يعرفها الحزب بـ شمال وشرق سوريا/ والقائد الرسمي لها خلال السنوات الثمانية الماضية، ويدفعنا هذا إلى البحث عن التفسير الموضوعي الذي يؤدي بدوره إلى التسائل المنطقي حول ما يتضمنه الرؤية السياسية لهذا الحزب، وهل بالفعل يناضل في سبيل القضية الكردية بسوريا؟ ام لها أهداف مختلفة قد تكون القضية الكردية جزء منها وليست المسألة المركزية التي ينبغي أن يكون عليه كحزب سياسي كردي يناضل من أجل تحقيقه.

إن رؤى المتعارف عليها لدى الاحزاب الكردية في القضايا والأهداف القومية هو العمل على تثبيت الحقوق المشروعة للشعب الكردي في سوريا، ومعظم الاحزاب لاتختلف عن هذا المسار العام، إلا أن الاتحاد الديمقراطي يختف تماماً عن هذا المسار، وإن  شارك في مسألة الاستحواذ على الشعبية والتفكير بالسلطوية الادارية كباقي الاحزاب الشمولية. وحينما نراجع البيان الختامي لمؤتمر الحزب الثامن، سوف نتفاجئ بتمرير المسألة الكردية ضمن سياق مادتين من أصل رؤية واسعة تشمل عدد من القضايا المركزية الأخرى، ونفهم من هذه العملية إن القضية القومية الكردية بالنسبة لنضال هذا الحزب ليس مركزياً وإنما هو جزء من المواد الكثيرة التي يسعى الحزب إلى تحقيقه، ويتضح أيضاً إن الكفاح والعمل المنشود في رؤية الحزب يتمحور في إتجاه الأممية، وذلك كفيل بجعل القضية القومية حالة غير ذات أهمية قسوة، وبنفس السياق سوف نجد تكريس مسألة التآخي العرقي  والديني كهدف رئيسي يسبق الطموح العرقي، بالرغم من الفرق الكبير بين الشعب الكردي وبقية العرقيات التي تعيش حالة وجود أوطان قوموية لعقود طويلة، بينما الشعب الكردي يعيش الحرمان في ممارسة حقوقه المشروعة بسبب تلك الشعوب التي ساهمت في إيجاد أنظمة استبدادية وأرتكبت بحق الشعب الكردي الجرائم والابادات والتمييز العنصري.
فهمنا لهذه الحقيقة ناتج طبيعي عن طروحات الحزب، وإن كان يحاول بشتى الوسائل إدراج رؤيته ضمن سياق الشمولية المطلقة في إدارة المجتمع بكافة مكوناته، ويتضح هذا من خلال نفي إلحاق الكردياتية بالأسم، وذلك خوفاً من حصر سيطرتها على المكون الكردي فقط، وهو نابع عن الأطماع التوسعية في السيطرة، وأستوجب استراتيجية التخلي عن تسميتها بحزب كردي، تحت ذريعة إن زمن النضال القومي أنتهى وإنما يجب العمل من أجل أخوة الشعوب، ومن ضمنها تحقيق الهدف الثقافي.

المواد التي تم فيها ذكر العمل من أجل القضية الكردية تتضح إنها جاءت من قبيل إلحاقها بسياق الاهداف العريضة للحزب، ويمكن رؤية ذلك في طبيعة إلحاقها ببيان ختام مؤتمر الثامن، ويفهم أيضاً ككلمات بإسقاطها على المطالب في المواد المطروحة داخل البيان الختامي، وهذا بطبيعة الحال ناجم عن التنصل الواضح من العمل في سيبيل القضية الكردية.

قد يتذرع عرّابي الحزب بمسألة قناعاتهم الراسخة بمشروع الأمة الديمقراطية المنشودة، والتي تفهم خلال سياق أخوة الشعوب وعدم وجود الفرق بين القوميات، إلا أنها جعلت أهدافها ملحقاً بتلك الفلسفة دون الإجتهاد فيها، والإجتهاد ضرورة مرحلية لخلق التوازن بين المطالب القومية وطرق تحقيقها. إذ أن التفسير الموضوعي لطروحات المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان تكمن في إيجاد الأرضية المناسبة لترعرع تلك الفلسفة الإنسانية، ومن دون الأرضية المناسبة لا يمكن تحقيق جزء حيوي من تلك الطروحات، وفي العمل السياسي والثوري قد يتناقض الجانب العملي مع بعض أجزاء فلسفة الأمة الديمقراطية، لأن الأرضية التي يمكن البناء عليها أركان هذه الفلسفة قد لا تتوفر كما يجب، وإيجادها يتطلب العمل وليس التضحية بالقضية الكردية، لأن التعارض بين إمكانية تطبيق هذا المشروع والقضية الكردية هو مركزية القضية قبل الأدوات التي يمكن تحقيقه، وفهم القضية على إنها أبدية ويجب تحقيقها يدفعنا إلى الآليات التنفيذية لها، وهذا يعني إن الأدوات المطلوبة إذا لم تتوفر بما يساعد على تطوير النضال، وقتها يجب التخلي الجزئي عن الفكرة لصالح إيجاد الأليات المطلوبة في العمل القومي، وهنا تكمن المشكلة الكبرى، إذا أن التفسير القاصر لأصحاب مشروع الادارة الذاتية لما تقتضيه هذه الفلسفة جعلت الرؤى التي يتم وضعها للأحزاب في إشكالية عملية التشرذم بين الجوهر والمسائل السطحية. وقد دخل حزب الاتحاد الديمقراطي في مستنقع الأخذ بحرفية طروحات الفلسفة الأوجلانية دون مرعاة الظروف المطلوبة لتطبيق تلك الفلسفة، وهي تجتهد في سبيل تطبيق ما ورد بالحرف دون النظر في القضية الكردية على إنها تمر بمراحل قد لا تساعد على تطوير تلك الفلسفة بالشكل المطلوب. ولعّل السلبيات التي تظهر في العلن، والفروقات الواضحة بين الطرح الفلسفي للمشروع والواقع العملي يستدلنا إلى تفرعها بشكل غير منطقي، وأستمراريتها بالتوسع في التجذر والتفرع يدخلنا بمستنقع الجدلية الدياليتيكية، ومقولة إن السلبيات والاخطاء وعدم حصول النجاح للطروحات إنما ناتج عن العمل، هذا غير واقعي امام التحولات العملية، وهذا لا ينطبق هنا في طرح الرؤية، لأن العمل يكون في المؤسسات والمنظمات والإدارات، وربط ذلك بالإدارة التي تحولت إلى سلطة بسبب الظروف الأمنية، ينتج لدينا مشهد مشوه، ومشروع ناقص، ورؤى مختلطة بين السلبيات والعوائق. وما يتضح اليوم هو سير الحزب الاتحاد الديمقراطي بإتجاه المسار الذي سلكه الاحزاب الشمولية في إدارة الدول أو الأقاليم، والطموح نحو حزب السلطة على مقياس الأنظمة المتكررة بنفس التوجهات، وهذا يعني شرخ كبير بين طروحات الفلسفة الأوجلانية وممارسات الحزب، والواقع إن الحزب لا يمكن له التنصل من كونه حزب إدارة وسلطة والحكم في مناطق الإدارة الذاتية، لطالما يدعي الحزب على إنه نواة تأسيس الادارة الذاتية، ويتمسك بحرفية الفلسفة الأوجلانية بعيداً عن لغة الاجتهاد ومسارات تطويرها وفق مقتضيات المصلحة الكردية العليا.
بينما يجتهد الحزب في الجانب العملي لإدارة المؤسسات، أكثر من معظم الاحزاب الكردية التي أتخذت السبل الرعوية في التعامل مع التطورات السورية، ويحتسب للحزب الاتحاد الديمقراطي الأخذ بمسار مختلف عن هذه الاحزاب في الجانب العملي، حيث وجه دفة نضاله إلى تحقيق المكاسب المتعددة في الجانب العسكري، وأيضاً المؤسساتي، والسلوكيات التنظيم، لا سيما وإن تمتع الحزب بالديمقراطية في التداول السلمي للقيادة أعطت ميزة مهمة لإظهار الحزب كحالة متطورة تنظيمياً، وهذا مختلف تماماً عن طبيعة الاحزاب الكردية الأخرى التي تتمتع بالسلطوية في الهيكل التنظيمي.


وفي الختام نستنتج ما يلي: الحزب يعرف نفسه على إنه حزب أممي، وينظر إلى القضية الكردية على إنها إحدى أهدافها وليس هو الهدف الأول، وبذلك لا يمكن تعريف حزب الاتحاد الديمقراطي PYD بانه حزب كردي وإنما التعرفة الصحيحة لها هو إنه كما هو أسمها.



تنويه: يمنع نقل أو نسخ أو نشر المادة دون ذكر أسم المصدر الرسمي ( الموقع الجيوستراتيجي للدراسات )

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!