بقلم: محمد عيسى/ كاتب سوري
خاص: مجلة " الفكر الحر" العدد الأول 15 نيسان 2020
للمرة الثانية يشعل الضوء الاحمر "هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأمريكية الاسبق واحد اهم المهندسين العاملين في دوائر صنع القرار المتعلق برسم السياسات الأمريكية - الغرب عموما .وعلى مدى عقود عديدة.
كانت المرة الاولى قبل ثلاثين عاما وفي اواخر ثمانينات القرن الماضي، ويوم كانت "البيروسترويكا والغلاسنست" التي اطلقها غورباتشوف في اوج تفاعلها في اوساط الراي العام الداخلي السوفيتي وعلى صعيد الاعلام العالمي والراي العام الأوروبي والغربي بشكل خاص . .....فيقول محذراً ساسة الغرب " البيروسترويكا خطر كبير ﻻسباب اربعة":
اوﻻ: ان التغيير الذي يقوده غورباتشوف ولمجرد ان يبدأ يحدث قانونه الخاص الذي غورباتشوف نفسه ﻻ يستطيع ان يتنبأ بمدى تاثيره.
ثانيا: سيكون العالم بحاجة ماسة ﻻعادة تشكيل نظام اقتصادي عالمي جديد يعيد ربط الحلقات التي ستنفرط من النظام القائم. سيما في جنوب شرق اسيا او في امكنة اخرى.
ثالثا: رغم ما سوف يصيب الاتحاد السوفيتي من تفكك، تبقى روسيا من بعده ويبقى لديها احلام إمبراطورية.
رابعاً: على الرغم مما ستنفد الشيوعية من بريقها، تبقى تحدياً وخطرا كبيراً ﻻنها ستظل ايديولوجيا ولا يمكن دحضها بسهولة.
ولم يفت مجلة النهج "مجلة الاحزاب الشيوعية العربية" الصادرة في ذلك الوقت ان توثق هذه التحذيرات وذلك من باب العبرة والتاريخ. والى ذلك وبروح العبرة نفسها يطلق مخضرم السياسة الامريكية العجوز "كيسنجر" تنبيه ثاني، لكن هذه المرة تحت مظلة فيروس كورون 19، وبتوجس من مفاعيل هذا الزائر الجديد، والذي حل ضيفا على شعوب وبلدان نصف المعمورة ذوات النظم الاقتصادية الراسمالية الحداثوية في الاغلب الاعم، في ظل مواجهة العالم مآسي هذا الوباء الخطير، بينما البشرية في طريقها إلى إنعطافة عميقة لم تشهد لها مثيل، وقد تنسى البشر جروحه واثاره الصحية بعد فترة لكن تداعيات هذا الوباء الاقتصادية والسياسية على النظام العالمي سوف تستمر لعقود عديدة، وان الوضع الناشئ يذكره بالوضع الحاصل في نهايات الحرب العالمية الثانية، يوم كان "كينسجر" شاباً يخدم في وحدة المشاة عام 1944. ثم يستدرك ليقول: كان ذلك التاريخ مختلفا كثيرا عن اليوم عند الشعب الامريكي، لانه كان يوما يدخل فيا يمكن اعتباره الامجاد الوطنية الأمريكية.
اما اليوم وهنا مربط الفرس، دول العالم تواجه الجائحة باجندات وطنية منعزلة، فيما ان مواجهة الفيروس تتطلب خطة موحدة وتنسيقا عالميا مفتقداً الى حد كبير حتى الان، يضاف إلى ذلك الوضع الأمريكي الداخلي يشهد انقساما واضحا ويحتاج الى حكومة جديدة تستطيع وضع سياسات مﻻئمة لمواجهة الازمة، واذا كان يرى فإنه من التحديات التي تواجه السياسة الامريكية هو ايجاد نظام صحي كفوء بمواجهة المرض، والعمل على ايجاد دواء ناجع له، بالإضافة إلى مهمتين " العمل على رعاية انتقال آمن الى نظام اقتصادي عالمي جديد، ثم المحافظة على الليبرالية الجديدة فيه"، ويختم "كيسنجر" بإطلاق تحذير شديد الدلالة والخطورة." على دول العالم ان تتكاتف لإدارة عملية الانتقال نحو نظام جديد، وإن لم تفعل ذلك فإن العالم مقبل على الاشتعال". وفي الختام وعبر جولة متفحصة لمعاني التحذير الاول وخطره المحتمل بالمعنى التاريخي على النظام الامبريالي السائد في ذلك الوقت بمعنى انه كان يوجه الدعوة الى ساسة الغرب بالايصعوا ارجلهم طويلاً في الماء البارد، وبأن هزيمة النظام الاشتراكي قد ﻻ تكون نهاية التاريخ ، وحين يلفت الانتباه في المرة الاولى الى مخاطر " ان الشيوعية تبقى تحديا للنظام الراسمالي طالما لم تنجح في ايجاد منظومة أيديولوجية مكافئة". حيث ان "كيسنجر" اكثر العارفين والمتيقنين من عجز الرأسمالية عن تقديم حل فلسفي واخلاقي يرد فيه على تحديات الشيوعية، وما تعنيه من اجابات على مجمل مشاكل العالم، فهل يكون كسنجر في ضوئه الثاني التحذيري عينه على الشيوعية ذات الجذور الماوية ؟
تحليل "كيسنجر": أن فيروس كورونا يمكن أن يتسبب فى هلاك اقتصادى عالمى قد يستمر لأجيال إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة. وإن الفشل يمكن أن يحرق العالم. وأن الحكومة بحاجة إلى العمل بكفاءة وبأسلوب مختلف للتغلب على المرض، ليس فقط لاستعادة ثقة الأمريكيين ولكن ثقة العالم . عندما ينتهى وباء كورونا كوفيد-19، سيتم النظر إلى مؤسسات العديد من البلدان على أنها فشلت. لا يهم ما إذا كان هذا الحكم عادلاً بشكل موضوعى. الحقيقة هى أن العالم لن يكون كما كان بعد فيروس كورونا. إن الولايات المتحدة بحاجة إلى العمل بسرعة لإيجاد علاج، وتقديم المساعدة لإعادة بناء الاقتصاد العالمى وحماية "النظام العالمى الليبرالى". لا يمكن للولايات المتحدة حتى فى جهد وطنى محض التغلب على الفيروس. "الإمدادات الطبية غير كافية للتعامل مع موجات الحالات المتزايدة. وحدات العناية المركزة على وشك تجاوزها، الاختبار غير كاف لمهمة تحديد مدى الإصابة، ناهيك عن عكس انتشارها. يمكن تطوير اللقاح الناجح خلال 12 إلى 18 شهرًا"أن الولايات المتحدة تحتاج إلى العمل مع بقية العالم، قائلا "يجب أن تقترن ضرورات اللحظة في نهاية المطاف برؤية وبرنامج تعاونى عالمى".