قراءة تحليلية حول توقيع مذكرة تفاهم بين "مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الارادة الشعبية" السوريين في موسكو

آدمن الموقع
0

تحليل لـ إبراهيم كابان 
خاص/ شبكة الجيوستراتيجي للدراسات

الهيمنة المطلقة لروسيا على المشهد السوري بشقيه السياسي والعسكري، والاستحواذ على المساحة الكبرى منها، وتوجيه دفة الاحداث وفق المعايير التي تناسب مقاييسها، بإعتبارها طرف دولي الأكثر ضلوعاً وتواجداً على الأرض، ومسيطراً على قرارات النظام السوري ومنافذ البلاد، ومؤثراً في معظم الأطراف، إلى جانب إمتلاك القدرة في الضغط على الدول التي تقف وراء المجموعات المسلحة للمعارضة السورية والموالية لتركيا، والتي لديها مشروع إنفصالي لصالح التوسع التركي في المنطقة، هذه العوامل الجيوسياسية تدع موسكو امام توجيه الظروف في سوريا وفق مصالح وإسترايتجية محددة، ترضي الأطراف من جانب، وتضمن المصالح الروسية المستقبلية في المنطقة، بعد أن أصبحت منطقة الادارة الذاتية واقع على الأرض ومدعوم عسكرياً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وهو ما يدفع بالسياسات الروسية إلى إيجاد صيغة مناسبة تضمن من خلالها تقارباً بين مجلس سوريا الديمقراطية والمعارضة السورية المتمثلة بمنصة موسكو، الحليفة لها بالدرجة الأولى.

لماذا حزب الارادة الشعبية؟

تطور هذا الحزب بحماية ودعم موسكو خلال السنوات العشرة الماضية، إذ أن رئيسها الدكتور قدري جميل يعتبر الأكثر قرباً من القيادة الروسية، وربما أكثر من رأس النظام السوري، ويقود هذا الحزب منصة موسكو التي من خلالها يتواجد حلفاء الروس بإسم المعارضة داخل كبينة المعارضة السورية في مفاوضات جنيف وسوتشي وغيرها، ويعتبر هذا الحزب ذات توجه يساري أممي ديمقراطي ومقرب بأطروحاته من الرؤية السياسية والإجتماعية للإدارة الذاتية وممثلها " مجلس سوريا الديمقراطية ". وبذلك يعتبر هذا الإتفاق وفي هذا التوقيت له دلالات في غاية الأهمية، لا سّيما برعاية روسيا وفي موسكو، في ظل إمكانية توقيع هذا الاتفاق بين الطرفين ( مجلس سوريا الديمقراطية و حزب الارادة الشعبية ) في قامشلو أو دمشق، إلا أن أختيار المكان والتوقيت وبرعاية روسية، تعني الكثير في فهم المسألة بعمق. 

ما قد ينتج عن هذا الاتفاق ؟

إذا أعتبرنا إن هذا الاتفاق له دلالات إستراتيجية عميقة فإن مسألة التقارب بين موسكو ومجلس سوريا الديمقراطية سوف تدخل في دينماكية جديدة عبر منصة موسكو التي تفرض من قبلها التواجد في كافة المؤتمرات والإجتماعات المعنية بالشان السوري وفي مقدمتها مفاوضات جنيف، وهذا يعني إن الاتفاق عمليا تم بين موسكو وقامشلو، لأن هذه المنصة تعتبر عملياً يد موسكو الطول بين المعارضة الوطنية، وهذا يعني أصبحت المعارضة السورية بمعظمها خارج سيطرة الاحتلال التركي، وبهذه التركيبة الجديدة التي أنتجتها الادارة الروسية أصبحت أكبر بكثير من المجموعات المعارضة التي تدعمها وترعاها أنقرة، وحتى في دائرة المعارضة أصبح هناك بديلاً وطنياً سوف يمثله مجلس سوريا الديمقراطية ومنصة موسكو، وقد تكون هناك قوى اخرى فاعلة على الأرض تسير على نهج منصة موسكو وتوقع ميثاق تفاهم مع مجلس سوريا الديمقراطية، وكل ذلك بدعم ورعاية روسية. وبذلك سوف تفرض هذه الإتفاقيات وجود مجلس سوريا الديمقراطية في إجتماعات جنيف وصياغة الدستور وغيرها من المؤتمرات التي تتعلق بالأزمة السورية.. وعملياً ستكون منصة موسكو هذه المرة قوية جداً سواء في علاقاتها مع النظام السوري أو في مفاوضات الوضع السوري مع مجموعات الاحتلال التركي.

تدويل الادارة الذاتية وفرضها على المؤتمرات التي تعقد من أجل الحل في سوريا سيتم وفق هذه المعايير

التماطل الذي يمارسه الإدارة الأمريكية والتحالف الدولي في محاربة الإرهاب في التعامل مع الإدارة الذاتية فرضت خيارات جديدة لدى مجلس سوريا الديمقراطية، إذ أن التمسك بالخيار العسكري وحده في التعامل والتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية لا تكفي أمام التطورات السياسية على الأرض، فالمسائل العسكرية بطبيعتها تتطور مع الجوانب السياسية والاتفاقيات التي تفضي في المحصلة إلى حلول للأزمة. وهذا يعني بالنسبة لموسكو وحلفائها المحليين في سوريا قطع الطريق امام الوجود الأمريكي في شرقي سوريا، وقد تكون المسمار الذي يدق في نعش العلاقات الأمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية من الناحية السياسية ونتائجها العملية، وبنفس السياق ستكون رسالة من الإدارة الذاتية إلى التحالف الدولي، مفاضها: إن التعاون العسكري وحده لا يكفي في ظل الخيار السياسي الذي أصبح ضرورة ملحة في هذا التوقيت مع التعاون العسكري، وإن التماطل والتهرب من الدعم السياسي سيدفع بمجلس سوريا الديمقراطية إلى إتخاذ خيارات جديدة، ولن تكون موسكو بعيدة عن هذه التحركات، فقد كانت  طيلة الأعوم الثلاثة الماضية جادة في تقليص الوجود العسكري التركي بسوريا، وإن مسألة حماية الحدود السورية في مناطق الإدارة الذاتية يتم حمايتها روسياً، وهذا يعني إن التفاهم العسكري في مناطق محددة دون حماية المنطقة من التهديدات التركية لا تكفي بالنسبة للإدارة الذاتية، وإنما الإدارة سوف تبحث عن حماية إقليمية وإعتراف سياسي، وهذا ما لم توفرها الولايات المتحدة الأمريكية، مقبال إمكانية أي تفاهم على هذا النحو مع موسكو، والتي بدورها تبحث عن موطأ قدم لها شرقي نهر الفرات " منطقة نفوذ الادارة الذاتية "، وبإتفاق رسمي مع الادارة بعيداً عن التأثيرات الأمريكية.

التوجه الصحيح لمجلس سوريا الديمقراطية والنتائج المحتملة

حالة عدم الاستقرار في السياسات الأمريكية حيال المنطقة، والتعامل العسكري دون السياسي، دفعت بمجلس سوريا الديمقراطية في البحث عن بدائل إستراتيجية أخرى لضمان أستمراريتها كقوة فاعلة على الأرض، حيث تستحوذ الادارة الذاتية على مساحة شاسعة تصل إلى 30% من سوريا، ويعيش أكثر من 4 ملايين مدني سوري من سكان المنطقة والمهاجرين إليها هرباً من المناطق الداخلية السورية بسبب ظروف الحرب الأهلية، وتكاد هذه المنطقة الأكثر إحتواءً للطاقة الأحفورية، وأكثر أستقراراً على المستوى المعيشي والإداري، بالرغم من الضغوطات التي تمارس على هذه الإدارة سواءً من الاحتلال التركي أو الحصار المفروض عليها من معظم الدول الإقليمية. إلى جانب الظروف الأمنية ومحاربة الإرهاب والمجموعات المدعومة من الاستخبارات التركية، والتي تمارس بدورها كافة أشكال الإرهاب بعد إطلاق يدها من قبل الأحتلال وأمام مرمى ومسمع التحالف الدولي والنظام السوري والقوات الروسية المنتشرة على الحدود. 
هذه الظروف تتطلب من مجلس سوريا الديمقراطية توجيه دفة إستراتيجيتها نحو ما يضمن تدويل قدراتها وحضورها في المحافل الدولية كجهة رسمية ومؤثرة في الحدث السوري، وتضمن بذلك الحماية الدولية لما تحققت من إنتصارات في ملف محاربة الداعش وبقية المجموعات الإرهابية، إذ أن المجتمع الدولي بالرغم من كل التضحيات التي أبداها قوات سوريا الديمقراطية، لا يزال يتخذ موقف " النفاق " كوسيلة للتعامل مع الوقائع على الأرض، وذلك لإرضاء الإحتلال التركي الذي تجاوز كافة الأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بدعم الإرهاب وإحتلال أجزاء من الدولة السورية.

31.08.2020

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!