منبج/ خضر الحسين
مراسل شبكة الجيوستراتيجي للدراسات
تؤكد الوقائع والمعطيات الميدانية، أن ما يجري من السماحة الدينية والتعايش السلمي بمناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، أنها الأكثر استثنائية دون سواها من مناطق سوريا عموماً. ولا ريب أن مناطق الصراع السوري بين مناطق النظام السوري والمناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي تتشاطر في ممارسة نفوذ أحدهما على الآخر واستخدام الدين مطية لتنفيذ مأربهما السياسية في ضرب مصالح كل منهما إضافة إلى ذلك باتت مناطقهما تفتقر إلى أدنى مقومات التعايش السلمي وربما كان ذلك مرده أن الهوية السورية بين الطرفين أصبحت على المحك وتحتاج إلى إعادة نظر. بينما الحال في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا يختلف تماماً عن سابقتيها بحيث صارت الأكثر سماحة لممارسة الحريات الدينية وتطبيقاً للتعايش السلمي، وذلك ربما عائد لعدد من الأمور، سنأتي على ذكرها في معرض حدثينا هذا.
حدث استثنائي
ومهما يكن، فأن زيارة وفد اللجنة الأميركية للحريات الدينية في العالم ليس حدثاً عابراً يمر مرور الكرام بل هو حدث استثنائي لما يشكله من مصدر قوة ومكسب حقيقي كانت تتأمله الإدارة المدنية منذ تأسيسها وانبثاقها من حركة المجتمع الديمقراطي وتمأسسها على مبادئ العدالة والتسامح الديني وقواعد قبول الآخر. وهذا يعني، أن البنية الأيديولوجية لهذه الإدارة الجديدة في مناطق شمال وشرق سوريا؛ قائمة على هذه الأمور التي ما من شك تفتقدها المناطق الأخرى من الجغرافية السورية. إذ يمكن القول إن استطاعت في عمرها القصير نسبياً من إمساك السلم من المنتصف ولا نبالغ إذا كانت الكفة تأرجح لصالح الشعب الذي بات يدرك أن مساحة الديمقراطية والسلم أكبر من أي شيء آخر. إضافة إلى ذلك أن الإدارة الذاتية ومن يحرك بوصلتها من فكر الشعوب حرياً أن ينظر إليه على أنه الفريق الثالث الوحيد من بين النظام السوري والفصائل الإرهابية الموالية للاحتلال التركي الذي ابتعد كل البعد عن بوق الخطاب الديني فيما لأول مرة تستطيع الشعوب عامة في مناطق شمال وشرق سوريا من أن تمارس شعائرها ومعتقداتها الدينية دون أن تسيس أو تتقولب على حساب جهات الحكومية.
بين التعصب والتطرف
ولو عدنا إلى المربع الأول الذي بدأنا به هذا الحديث، سنجد أن هنالك هوة واسعة بين الأطراف اللاعبة على الجغرافية السورية، وجعلها ساحة كبيرة من الطرفين المتصارعين في مبادلة وكيل الاتهامات لكليهما معاً وليست على الصعيد العسكري الدامي الذي حصد قرابة المليون من المواطنين السوريين الأبرياء، وإنما ظهر شلال الدم هذا منذ بداية الأزمة السورية على الصعيد الديني الذي بات أكثر دموية ووحشية من سابقه. ومن الضروري بمكان استعراض حالة كل طرف بما شرع به من ممارسات بين ميزان التطرف والتعصب. ونبدأ بالاحتلال التركي الذي استخدام الدين؛ بوقاً لتوجيه السياسة التركية الخارجية لاسيما مع انطلاق الحراك الثوري للأزمة السورية، فعملت على تجنيد مرتزقة من الفصائل السورية المتشددة الموالية لها خاصة داعش وجبهة النصرة وغيرها.
وتطرح هذه الفصائل المتطرفة خطاباً قائماً على بث السموم من فتن وداعيات وتضليل لا حصر له في المجتمع السوري، كما و تتلقى دعماً قوياً مالياً وعسكرياً، ولديها ترسانة أسلحة متطورة ساهمت إلى حد بعيد في ارتكاب فظاعات وجرائم حرب خلال مشاركتها في عمليتي غصن الزيتون ونبع السلام وانتهت بسيطرة الاحتلال التركي على عفرين وتهجير أهلها من الأكراد ومناطق أخرى في الشمال السوري.
هذا واستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ كعادته؛ المتاجرة بالدين لخلق الفوضى بين معتقدات المسلمين وتوجيهها لدفة مصالحه الخاصة، بعدما أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تسونامي جديد على أثر دعمه لرسوم الكاريكاتور المسيئة للرسول، ونشرتها مجلة " تشارلي إيبدو"، وشن هجوماً شرساً عليه. وجلياً أن نوضح أن ذلك ليس لنصرة الرسول، كما يدعي بل بسبب مناهضة ماكرون للسياسات العدائية لأردوغان في المنطقة، وخصوصاً تدخله في ليبيا وشرق البحر المتوسط. إضافة إلى توظيف الحدث لتوجيه دفة المقاطعة العربية لبلاده إلى مقاطعة لفرنسا هي الأخرى.
أما في حالة النظام السوري، فاستخدم الأسد الابن شماعة الخطاب الإسلامي كي يثير مخاوف الشعب السوري من بعضهم البعض لا سيما في المناطق التي دخلتها مرتزقة الفصائل المسلحة بتمددها في عام 3013 وصولاً إلى الأحياء القريبة من العاصمة دمشق. أما في العام الذي يليه، فقد كان بروز مرتزقة داعش في الشأن السوري مكسباً عظيماً حققه النظام السوري في دفع فاتورة الحرب عنه في كثير من الأحيان عن طريق وكلائه على الأرض الأمر جعلهم حربة مسلطة على خاصرة السوريين أنفسهم. وبطبيعة الحال، أدى ذلك إلى تفرقة ظهر السوريين فيما بينهم من تعايش سلمي أو ديني أيضاً. إضافة إلى ذلك، إدخال النظام السوري للإيرانيين على الأرض السورية، ومن خلفهم؛ المليشيات الإيرانية، وعلى رأسهم؛ حزب الله، إضافة إلى الداعم الروسي الأساسي في المحافل المحلية والدولية أيضاً. وبالتالي كلا الطرفين متورطان في سفك الدم السوري على مدى تسع سنوات من عمر الأزمة السورية، فضلاً على فقدان النسيج السوري عراه المتماسكة إلى مجتمع مفكك الهوية والانتماء، وفاقد لأبسط مقومات التعايش السلمي في أن يكون المواطن السوري؛ آمن في بيته وأسرته، بينما مسألة الحرية الدينية ليست على أفضل حال؛ باعتبار أن هذه الأيديولوجية كرة مطاطة، تبدأ بتشدق وتعصب النظام السوري، وتنتهي بتطرف وإرهاب الفصائل المسلحة الموالية للاحتلال التركي في .
جملة من المكاسب
هنالك ثمة عدد من المكاسب التي استطاعت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تحقيقها على مستوى الحرية الدينية والتعايش السلمي في مجتمع أضحى بأمس الحاجة إلى إعادة الثقة بأفراد الشعب عموماً، وبناء على ذلك يمكن إيجاز هذه المكاسب بما يلي:
أولاً-تعتبر زيارة وفد اللجنة الأميركية للحريات الدينية في العالم أرفع وفد غير حكومي يزور مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ويبدي دعمه لما حققته هذه المناطق في مراعاة قيم حرية الأديان والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان.
ثانياً-تعاطف الشعب الأميركي مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الأمر الذي حذا باللجنة الأميركية للحريات الدينية في العالم بتقديم العديد من المقترحات للحكومة الأميركية؛ للحفاظ على حرية الأديان في شمال شرقي سوريا.
ثالثاً- حصول الإدارة الذاتية لشمال وشرق على موافقة مبدئية ضمنية من اللجنة الأميركية للحريات الدينية في العالم، وهي أعلى لجنة دينية حكومية في الولايات المتحدة مطالبة الإدارة الأميركية في إشراك الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بالتسوية السياسية وفق القرار الدولي/ 2254 /.
رابعاً-تمكنت اللجنة الأميركية لحرية الأديان من ممارسة ضغوط على الحكومة الأميركية من أجل تعزيز دعمها للإدارة الذاتية عبر توسيع التعامل معها؛ بدءاً من الاعتراف السياسي بها؛ كحكومة محلية لمستقبل سوريا علاوة على رفع العقوبات عن المناطق التي تديرها.
خامساً-اطلاع اللجنة الأميركية لحرية الأديان على واقع الأديان عبر مناقشتها لخبراء إقليميين بارزين، وتضمن ذلك مناقشة واقع الحريات الدينية في مناطق سيطرة الاحتلال التركي التي تشهد انتهاكات صارمة للحرية؛ كحوادث اغتصاب واختطاف وفرض للدين بالإكراه وتدمير للمقامات الدينية. بينما والأهم أن اللجنة الأميركية لحرية الأديان، عقدوا في شهر حزيران الماضي؛ جلسة استماع في الكونغرس الأميركي للحديث عن الحريات الدينية في شمال وشرق سوريا، وأبدوا سرورهم بقيم حرية الأديان والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان.
سادساً-ملامح وبوادر اعتراف غير رسمي بالدبلوماسية الحقيقية التي تبديها الإدارة الذاتية التي تقود في هذه الأيام مستقبل سوريا إلى ضفة الأمان والسلام غير أنها تحتاج إلى اعتراف رسمي حتى تتمكن من تخطي الأزمات السياسية التي تحيط بها، وبزيارة هذا الوفد، فأنه يعد هذا انتصاراً كبيراً للإدارة الذاتية في المحافل الدولية لاسيما في انتهاجها سبل السلام الذي تجلى بالإفراج عن الآلاف من مقاتلي داعش السوريين والكثير من العائلات من مخيم الهول؛ رغبة في إعادة اندماجهم مع مجتمعاتهم بالشكل السليم.
وتشهد مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ حراكاً دبلوماسياً على مستوى العلاقات الخارجية من خلال زيارة العديد من الوفود، كان أخرها زيارة وفد من وزارة الخارجية السويدية.