ماذا وراء المواجهات العسكرية في قامشلو بين الإدارة الذاتية والنظام السوري ( التحليل الكامل )

آدمن الموقع
0
الصورة لمقاتل من قوى الأمن الداخلي (الأسايش) يقف على شعار ميليشيات الدفاع الوطني في اليوم الثالث للمواجهات

قراءة إستراتيجية لـ إبراهيم كابان 
دأب النظام السوري في التلويح بتوجيه ميليشيا " الدفاع الوطني" ضد الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا/ المنطقة الكردية/ ، وحولت الاستخبارات السورية مربعاتها الأمنية في مدينتي الحسكة والقامشلي إلى بؤر لتدريب هذه المجاميع وتمويلها وتسليحها، كقوة عسكرية تابعة لها وتتحرك وفق سياساتها، مما هددت السلم الأهلي والعيش المشترك بين مكونات المنطقة، بعد أن تنشطت هذه الميليشيات وباتت تهدد المنطقة برمتها، ونفذت إعتداءات كثيرة ضد المدنيين والأهالي، وتنفيذها لأعمال إرهابية من القتل والاغتيالات، مما أستوجبت التعامل معها وإنهاء تفرعاتها التي باتت تشكل خطراً حقيقياً على مجمل المنطقة.

بشكل إعتباطي يستخدم ممولي المجاميع المسلحة ( الدفاع الوطني ) في مناطق الادارة الذاتية، لاسيما مدينة قامشلو التي تعتبر أهم منطقة ذات حساسية لتواجد خليط عرقي سوري من طرف، وتعدد قوات عسكرية محلية ودولية، إلى جانب وجود مطار للنظام السوري يستخدمه حلفاء النظام من الكتائب الإيرانية والقوات الروسية والمجاميع المسلحة التابعة لدمشق بتواجدهم وتحركاتهم في المنطقة. وطبعاً الجميع يحاول أن يتوسع في المنطقة من خلال توسع سيطرتها، لا سيما وإن المسيطر الأقوى في هذه الانحاء هي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها من قوات التحالف الدولي.
عملياً، ووفق مجريات الأحداث خلال المراحل السابقة، لم يتمكن النظام السوري ومجموعاتها المسلحة والكتائب الإيرانية في تجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها قوات سوريا الديمقراطية في مناطق شرق نهر الفرات ومنطقتي منبج والطبقة، ويتمحور تحركات هذه المجموعات بعلم مسبق من التواجد الروسي، على الأقل طبيعة التنسيق والإرتباط بين الوجود الروسي والنظام الذي بدوره يدرب ويسلح " الدفاع الوطني " ويسميه القوات الرديفة، حيث يعتمد عليها النظام في كافة المناطق السورية، وتسيطر هذه المجاميع في مدينتي قامشلو والحسكة على بعض الأحياء المدنية، حيث حولتها إلى ثكنات عسكرية لتمارس فيها كافة أنواع الإرهاب والتشبيح لصالح النظام.
وخلال السنوات الخمسة الماضية وقعت إشتباكات كثيرة بين قوى الأمن الداخلي للإدارة الذاتية وتسمى "أسايش"، ومجاميع الدفاع الوطني، وهو فصيل مشكل من البعثيين، وعناصر تنتمي فكرياً إلى الجماعات المتطرفة، ومنها الداعش وجبهة النصرة وغيرهم، وهناك خليط وسيطرة للميليشيات الإيرانية على شريحة من هذه العناصر إذ أن وجود الميليشيات الإيرانية تختبئ ضمن هذه المجموعات وتقدم لها التدريب والدعم إلى جانب عمليات التشييع، وقد تكون هذه العلاقة جزءً من العلاقات الإيرانية مع منظمة القاعدة، والداعش، وكثيراً ما وضحت تقارير إعلامية وإستخباراتية على سيطرة الإستخبارات الإيرانية في سيرورة عمل وتحركات هذه المجاميع المتطرفة.

تشكلت هذه المجموعات المسلحة المسمى" الدفاع الوطني " على غرار الكتائب البعثية، وهناك تأثير مباشر للفكر الصدامي على عقلية عناصرها، حيث يتعاملون مع الوجود الكردي في المنطقة من منطلق عنصري. ووفق المعطيات إن تحركات هذه المجاميع لا تتم دون الموافقة الروسية. وما هو ملاحظ إن توقيت إندلاع هذه المواجهات تأتي بعد التعبئة التي يقودها النظام السوري والميليشيات الإيرانية في سوريا، تزامناً مع الإعلام الروسي الموجه، إذ أن كبرى الوكالات الروسية تحدثت حول قيام الكرد بالهجوم على العشائر العربية في مدينة القامشلي، والكلام لوكالة سبوتنيك. بينما الوقائع على الأرض متناقضة تماماً مع هذه الإدعاءات، لأن وجود القبائل العربية اليوم ضمن الإدارة الذاتية تجاوز 50%، وإن المرافق العسكرية والسياسية والإدارية ضمن مناطق الادارة تدار من قبل خليط سوري من العرب والكرد إلى جانب أقليات صغيرة كالسريان وغيرهم. وبالتالي لماذا تتحدث الوكالات الأخبارية الروسية عن مواجهات بين الكرد والعشائر العربية؟ ويكرر ذلك الإعلام النظام السوري في عملية تكريس البُعد العنصري للمسألة لغايات باتت مكشوفة، حيث يوفر هذا الخطاب والتعبئة الأرضية المناسبة لتكريس الشرخ بين المكونات السورية، حتى يسهل ذلك عملية التحكم بهذه الشريحة، وبالتالي تكرار سيناريوهات فرز السوريين على أساس عربي - كردي، على غرار العلويين والسنة، وهو ما نجح به النظام السوري برعاية إيرانية وتسيير روسي في عقد إتفاقيات مع الطرف التركي لتطبيق مشروع شيعنة المناطق الداخلية لسوريا مقابل تهجير العرب السنة إلى الحدود مع تركيا وترك أمر أستخدامهم للنظام التركي الذي نفذه بدوره عملية تهجير الكرد من منطقة الإدارة الذاتية من خلال إستخدام المعارضة العربية السنية في سوريا، وشملت ذلك مدن وأرايف وصلت إلى 60% من مساحة المنطقة الكردية. بمعنى أدق يحاول النظام السوري إثارة المشاعر العنصرية لدى الشريحة العربية التي لا زالت تدين له بالولاء على حساب الأغلبية العربية السنية التي تشتت وتم تهجير 50% منهم خارج سوريا، والبقية يتم استخدامهم من قبل الاحتلال التركي وبالتنسيق مع الإيرانيين وبرعاية روسية في معارك ضد الكرد في سوريا والأرمن في أذربيجان وضد الشعب العربي في ليبيا، وربما في مواقع جديدة قد يستخدم فيها "محور سوتشي" للعرب السنة السوريين. 

القبائل العربية في سوريا ضحايا سياسات النظام السوري والتوسع الإيراني والتمدد التركي

بالرغم من تنفيذ النظام السوري والميليشيات الإيرانية بالتنسيق مع الاحتلال التركي وبرعاية روسية، مخطط قطع أوصال الغالبية العربية السنية في سوريا لصالح التمدد الشيعي الإيراني – الأخوني التركي، فإنه لا تزال هناك شريحة من العرب السنة يقعون في مصيدة التعبئة القوموية للنظام السوري، الذي ظل يستخدم هذه الآلية لتضمين السيطرة على تلك الشريحة.
إن أكثر الشرائح السورية تضرراً من سياسات النظام الإقتصادية، هم الغالبية العربية السنية، وخاصة القبائل العربية الأصيلة في المناطق الشرقية، حيث تم تهميشهم بشكل منظم ومقصود، وتحويل مناطق سكناهم إلى بؤر للفقر والتخلف الذي أنتج بدوره أدى إلى التطرف، وإطلاق يد المخابرات السورية لتدمير بنية المجتمع من بوابة خلق التناقضات القبلية والصراعات، وإبعاد هذه الشريحة عن ركب الحضارة والتطور والتقدم مقارنة مع المناطق السورية الأخرى، وبالرغم من إمتلاك المناطق الشرقية السورية لثروات أحفورية وزراعية كبيرة، إلا أنها كانت تعيش أسوء ظروف إقتصادية إلى جانب المنطقة الكردية، خلال العقود الماضية، وحتى على المستوى الثقافي والفني قدم النظام السوري ومؤسساتها هذه المنطقة على شكل شخصية " متخلفة – مهزوزة .. مفعمة بالدروشة "، ومصطلح الشاوي الذي كرسه النظام البعثي مثال على التقليل من شخصية هذه القبائل العربية الأصيلة. إلا أن هذا النظام ومن خلال إستخدام العواطف العنصرية والعروبية أستطاع من التسلل إلى عمق شريحة شعبية داخل المجتمع العربي السني في الجزيرة ودير الزور، وكون فيها طابوراً خامساً يستخدمه حينما يشاء. وطبعاً حقن تلك الشريحة بالمشاريع القوموية المزيفة، والعداء للمكونات السورية الأخرى، وكرس في أذهانهم ثقافة كره المجتمع الكردي وحوله إلى بعبع يشكل خطراً على المنطقة!، وإن النظام البعثي هو الضامن الوحيد لحمايتهم من الكرد. 
هذه العقلية التي تدير هذه الشريحة من البعثيين في الجزيرة السورية ودير الزور هي التي تقف وراء هذه العناصر " الدفاع الوطني " الذين يحملون السلاح الإيراني لمحاربة أخوانهم العرب السنة قبل الكرد في قامشلو.
وبالرغم من مشاركة القبائل العربية في الشمال والشرق السوري بالإدارة الذاتية، ويشكلون نصف الفعاليات السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية، وأكثر من نصف عناصر قوى الامن الداخلي في قامشلو هم من المكون العربي، ومن العشائر العربية الاصيلة، وهم العامود الفقري للإدارة الذاتية، لأنهم يدركون تماماً إن البديل عن هذه الادارة هو النظام الذي يقوده إيران، والتي بدورها تنفذ مشروع تضعيف الوجود العربي السني في سوريا لصالح التمدد الشيعي، ويساعد في ذلك النظام التركي والرعاية الروسية الدائمة.

المحصلة

أمام الإدارة الذاتية خيارات صعبة جداً، فالمربع الأمني داخل مدينتي قامشلو والحسكة هما منافذ الادارة المتبقية مع دمشق، وإزالتهما تعني إزالة أية تواصل أو حوار بين الطرفين، وعلى المستوى الإقتصادي تكمن مشاكل كبيرة لضمان توفير إحتياجات المنطقة، كما إنه يحيط بمناطق الادارة حصاراً خانقاً من قبل تركيا وحلفائها في المنطقة، وإن كان بعضها مخففاً بإتجاه العراق وإقليم كردستان، إلا أن ذلك لم يوفر حلولاً جذرية. هذه العوامل تؤكد لنا إن الوجود الروسي في المنطقة مهم لإبقاء هذه المرابعات الأمنية التي تعتبر الحبل الرابط في إبقاء آمال العلاقات بين الإدارة الذاتية والنظام السوري. 
بالاضافة إلى ذلك قد تتسبب أية مواجهات كبيرة قوات سوريا الديمقراطية والمربعات النظام السوري حالة من الصراع العرقي الذي ينتظره النظام السوري والميليشيات الإيرانية والاحتلال التركي، إذ أن أندماج الشريحة العظمى من العشائر العربية مع الإدارة الذاتية قطعت الطريق أمام تلك القوى في خلق أزمة عربية – كردية، وبالتالي إذا أستمر سيتسبب بنزاع فعلي في المنطقة ، ويؤدي إلى إعادة ظهور العواقب والقلاقل الكثيرة السابقة، وبالتالي سيضر في إستمرارية الإدارة الذاتية ونمطية عملها من ناحية العيش المشترك والبناء الإداري والعسكري والأمني في المنطقة بين المكونات، وهو ما يبحث عنه جميع القوى التي تحاك المؤامرات ضد الادارة الذاتية.
إن أتخذت قوات سوريا الديمقراطية قرار إزالة الخطر الذي يشكله هذه الجماعات على مدينة قامشلو، فإن النظام السوري لن يستطيع التدخل بشكل مباشر أو يستخدم السلاح الجوي، لأن التجربة السابقة تؤكد على رد فعل امريكي عنيف ضد أي تحرك للنظام ضد قوات سوريا الديمقراطية، وروسيا لن يكون لها دور في صد الهجوم الأمريكي على تحركات النظام وحتى على المجاميع الإيرانية، لأنها غير قادرة على الدخول في إشكاليات عسكرية حقيقية مع الأمريكيين في الجزيرة. لا سيما وإن العودة الأمريكية لتكريس وجودها شرق الفرات بات واضحاً من خلال إقامة قواعد عسكرية جديدة وكذلك تعبئة هذه القواعد بالمعدات العسكرية الثقيلة.
إذا الممكن من خلال أستشراف الاحداث هو إذالة تهديد هذه المجاميع من نقاط سيطرتها، دون نشوب مواجهات بين قوات سوريا الديمقارطية وقوات النظام السورية، وإعادة الأمان والسلم الأهلي إلى هذه المناطق بعد إزالة خطر هذه المجاميع.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!