تحليل الملفات الساخنة ( سوريا - الشرق الأوسط - الصراع الروسي الغربي)

آدمن الجيوستراتيجي
0
تحليل: إبراهيم مصطفى (كابان) 
النظام السوري بين ذهنية الدكتاتورية المقيتة ومطرقة الإيرانيين والروس
- يتحرك النظام السوري وفق إستراتيجية الخروج من الأزمة بأقل الخسائر، على المستوى الداخلي والعربي، وتعمل روسيا على تهيئة الظروف الزمكانية في الشرق الأوسط لإعادة تعويم الأسد من بوابة حماية المصالح الروسية بالدرجة الأولى. وبالرغم من محدودية قدرات النظام، إلا أن عملية الاستحواذ الروسي عليه بات واقعاً لا يمكن تجنبه، وبالتالي لايمكن إيجاد حلحلة للأزمة السورية دون العامل الروسي.
حتى اللحظة لم تتضح السياسات الأمريكية - الأوروبية حيال النظام السوري، ولكن التقارب العربي الإسرائيلي سيساهم في تخفيف أي ضغط غربي على النظام السوري، بحكم الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل الآن في تقارب مع النظام السوري.
قد يكون هذا التقارب لسحب البساط من تحت أقدام النظام الإيراني في سوريا، وبالتأكيد الضامن لهذه الاستراتيجية هو الفعل الروسي الذي يتحرك لإعادة النظام إلى الحاضنة العربية تحت ذريعة " إن العودة للجامعة العربية أفضل من إستبعادها لفترة طويلة "، لأن ذلك سيصب في خانة النظام الإيراني الذي يسعى منذ بداية الازمة السورية لهضم النظام وتفصيله وفق المعايير الإيرانية كما حصل في العراق بعد عملية إسقاط نظام صدام حسين. وتكونت في لبنان أثناء الحرب الأهلية في الثمانينيات، ويحصل الآن في اليمن. 
قضية إعادة النظام إلى عافيته مسألة غير ممكنة، فالحرب الأهلية السورية أنتج ثلاث مناطق شبه حكم ذاتي، وإستمرارية هذه المناطق بفعل محلي وإقليم ودولي، فلا تركيا تريد حل الازمة السورية لأن أستمرارها توفر لها التدخل العسكري المستمر، كما إن الروس بهذه الظروف يستطيعون التحكم بالسياسات التركية الرامية إلى محاربة الكرد في سوريا، مقابل تحقيق الرغبات الروسية في توجيه المعارضة لأغراض خدمة أجندة النظام السوري. إلى جانب المصالح الأمريكية - الأوروبية التي سوف تبقى في شرق سوريا لغرض تطمين حلفائها في الخليج العربي، وأيضاً عملية تحجيم الدور الإيراني الذات الرغبات التوسعية في المنطقة العربية، وبنفس الوقت ملف محاربة الإرهاب، حيث وجدت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ضالتها في القوات الكردية داخل سوريا والعراق، منطقة الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا و الإقليم الفدرالي الكردستاني في العراق.
قراءة في ظروف الإدارة الذاتية والوضع الكردي
- لم تستطع الإدارة الذاتية الكردية فك شيفرة التحول الإستراتيجي من حركة ثورية تقود النضال والكفاح لنيل الكرد حقوقهم المشروعة، إلى إدارة سياسية وسلطة تدير منطقة شاسعة من سوريا، ولا زالت تعاني من تسلط القرار الكردستاني الذي يفصل الوضع في المنطقة الكردية من سوريا وفق مصالحها المتعلقة بتركيا والعراق وعموم المنطقة. حزبيي الديمقراطي والعمال الكردستاني لا زالتا تنظر إلى المنطقة الكردية في سوريا على إنها لقمة يجب توجييها وفق المصالح والظروف الخاصة بهما، وبالتالي هناك صراع مرير بين الطرفين في عملية الاستحواذ على منطقة الادارة الذاتية. وإن كان حزب العمال الأكثر تأثيراً في الادارة الذاتية بحكم تقديمها الإمكانيات العسكرية في الدفاع عنها، إلا أن الصراع الذي يقوده الحزب الديمقراطي في سبيل تأمين حصتها وفق قاعدة فيفتي - فيفتي، وهذا يعني عدم خروج المشروع الكردي في سوريا من عنق مصلحة الحزبين، وذلك يفقد منطقة الادارة الذاتية المصداقية في المعتكر الدولي، لأن حضور حزب الحراك الكردستاني وكذلك وضع كافة الجهود لتحرير الوضع الكردي العام على ظهر الادارة الذاتية سوف يصعب المشهد الكردي في سوريا. 
بينما يعمل النظام التركي على شق الصف الكردي من بوابة مجموعة المجلس الكردي الذي يتخذ من الإئتلاف السوري حاضنة لنشاطاتها ضد الادارة الذاتية، وهذا الذراع السوري الذي تحول من قوى ثورية إلى مرتزقة تديرهم الاستخبارات التركية لحماية الأمن القومي التركي على مبدأ محاربة كرد سوريا، وذلك على حساب وحدة الأراضي السورية وأمنها الوطني.
واقع المعارضة السورية والأهداف التركية العملية
- لم تعد المعارضة السورية التي تتحالف مع تركيا تقود ثورة أو حرب ضد النظام السوري، لأنها تحولت بفعل التوجيه التركي إلى محاربة الوجود الكردي، ولم تبقى منطقة بيد هذه المعارضة سوى أجزاء حيوية من المنطقة الكردية في سوريا " عفرين - جرابلس - إعزاز - الباب - رأس العين - تل ابيض - قباسيين "، حيث غالبيتها من الكرد. ونفذت فيها المجموعات المرتزقة التابعة للإئتلاف عمليات التغيير الديموغرافي بحق الشعب الكردي، وتجاوز عدد المهجرين قسراً 650 الف كردي، مقابل توطين مئات الالاف من العرب السنة والتركمان، وعشرات الالاف من عوائل المرتزقة والمتطرفين، بينهم عناصر وعوائل الداعش. 
مشروع إجراء التغيير الديموغرافي في سوريا يسير على قدم وساق، وقد نفذ النظام الإيراني بالإتفاق مع النظام التركي عملية تهجير الملايين من عرب السنة من المناطق الداخلية السورية بإتجاه الشمال السوري "المنطقة الكردية"، مقابل إعطاء المجال للنظام التركي في إجراء عملية التغيير الديموغرافي ضد الكرد لصالح هؤلاء العرب السنة والتركمان، وبالتالي أفصحت المجال أمام الميليشيات الإيرانية والنظام السوري في تكوين المجتمع المتجانس وفق معايير نظام الاسد، ليس فيها الغالبية العربية السنية.
- يدرك النظام التركي حقيقة تسليم الملف السوري للروس من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأوروبا، لذا ساهم أردوغان بدوره في تكريس التواجد الروسي مقابل عقد صفقات تخص مشاريعها وأطماعها في الشمال السوري، ولعل الملف الأكثر أهمية للاتراك هو الوضع الكردي الذي تطور في الشمال السوري، وتعتبرها المعضلة التي تهدد وجودها! إذا ما حقق الكرد حكماً ذاتياً مشابهاً لإقليم كردستان، وبالتالي سينعكس على كرد شمال كردستان/ تركيا.
مشهد العربي الإسرائيلي الروسي - الإيراني في سوريا والشرق الأوسط
- الوجود الإيراني في سوريا ليس إعتباطياً بالمطلق، وخريطة الأطماع الإيرانية باتت تتسع بإستمرار، لا سيما تضمين السيطرة على العراق وتقوية أذرعتها في سوريا ولبنان واليمن، ولعلَّ الهدف الإستراتيجي الأول بالنسبة لها هو الاستحواذ على الخليج العربي وثرواتها. وخلال العقود القليلة الماضية أستطاع النظام الإيراني بناء قوة عسكرية عقائدية، وتطوير الاسلحة التي يمكن تنفيذ عمليات كبيرة تهدد أمن إسرائيل والخليج العربي، كما إن أذرعتها المذهبية (التي تقدم لها الولاء والطاعة) يمكن لها أن تشكل تهديد حقيقياً على المصالح الغربية في معظم الشرق الأوسط، والدول العربية، وبالتالي لايمكن إزالة إيران عن المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط مطلقاً، ولعلَّ ملف النووي الإيراني وتعامل المجتمع الدولي معه، والتأكيد بأنها باتت على مسافة بسيطة لتحقيق القنبلة النووية مثال على عدم إستطاعة القوى الغربية مجابهتها في سيناريو يشبه سقوط النظام العراقي السابق. إلا أن عملية التحجيم للتوسع الإيراني دفعتها للتحرك بحذر شديد. ودون خدش المصالح الإسرائيلية - الغربية في الشرق الأوسط. 
الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا وبعض القواعد العسكرية للنظام إنما تأتي بالتنسيق مع الطرف الروسي، وبدعم بعض الدول العربية، ورعاية أمريكية، والفائدة في ذلك يعود لجميع الأطراف:
بالنسبة لروسيا لا تريد شركاء لها في الاستحواذ على سوريا، وبما إن للنظام الإيراني مشروع خاص في المنطقة، فإنه بطبيعة الحال تصطدم مع الأهداف الروسية، إلا أن تضعيف الوجود الإيراني لايمكن من خلال الروس وإنما تنفذ إسرائيل هذه المهمة، وهي بطبيعتها لصالح الدول العربية التي تقود صراعاً مع النظام الإيراني بسبب مخطط التوسع الفارسي على حساب الدول العربية. كما إن المصلحة الغربية أيضاً تكمن في تضمين أمن حلفائها من الدول العربية وأكثرها أهمية بالنسبة لهم إسرائيل، وبما إن هذه الدول العربية وإسرائيل في عملية الإتفاق الإبراهيمي، فإن ذلك يوفر للقوى الغربية تضمين مصالح هذه الدول بالجملة في وجه مشاريع أخرى. بالرغم إن التعامل مع الملف الإيراني معقد جداً ولا يمكن إعلان الحرب عليها لأسباب تتعلق بمصالح إستراتيجية بعيدة المدى للدول الغربية. 
- الصراع الخليجي - الإيراني أفرز الكثير من المعطيات في الأعوام الأربعة الماضية، والتقارب العربي - الإسرائيلي إحدى نتائجها الطبيعية، لأن الأضرار التي تسببت فيها التوسع الإيراني فاقت الفعل الإسرائيلي بعشرات الأضعاف. 
الخيار العربي في التقرب من إسرائيل وتشكيل جبهة مشتركة ضد التوسع الإيراني، زادت من ثقة القوى الغربية بهذه الدول، لأن أمن إسرائيل بالنسبة لهذه القوى تأتي في الأهمية الأولى. وبالتالي عصرنة هذه الدول ستكون أقرب إلى التطور وإمتلاك قوات الردع من البقاء في جفاء مع إسرائيل في الوقت الذي يتطور فيه إيران من كافة النواحي. 
الدول العربية باتت تدرك الخديعة الإيرانية حول أسطوانة محاربة إسرائيل، وخلال العقود الستة الماضية من الصراع العربي - الإسرائيلي لم تطلق إيران طلقة بإتجاه إسرائيل، بينما أذرعت إيران في لبنان وسوريا تحرس على أمن إسرائيل أكثر من الإسرائيليين نفسهم. 
التجارب العسكرية الإيرانية أكبر محرض على دفع الدول الخليج العربي لشراء الاسلحة الغربية، وحتى الروسية، كما إن الأزمة اليمنية والجيب المدعوم من قبل النظام الإيراني تتسبب بدفع هذه الدول إلى شراء الاسلحة الفتاكة من الشركات الغربية التي تملك إسرائيل حصص كبيرة فيها، وبالتالي تخدم التحركات الإيرانية المصالح الغربية.
تحليل الأزمة الأوكرانية - الروسية
- التهويل الكبير لما يحدث بين روسيا وأوكرانيا إنما ناجم عن الفهم الغربي لحجم المطامع الروسية، لا سيما الصعود الروسي بات يشكل هاجساً حقيقياً لدى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، في قضية تحصين أوروبا الشرقية بإمكانيات حلف الناتو أمام تلك المطامع الروسية. كما إن ضم دول جديدة ذات أهمية إستراتيجية إلى الحلف يزعج روسيا بالدرجة الأولى، فالتركة السوفيتية التي لازالت تحتفظ بها روسيا بشكل أو آخر يعتقدها النظام الروسي جزءً حيوياً لإعادة تقوية الإقتصاد الروسي. هذه الإستراتيجية التي يتخذها بوتين بعكس النظام السوفيتي الذي كان يعتني بالجمهوريات السوفيتية، وكإن النظام الحالي يعيد دينها من خلال إستحلالها لهذه الجمهوريات، وخاصة تملك أوكرانيا تواصلاً برياً مع أوروباً بالاضافة إلى جغرافيتها الحساسة وقضايا تتعلق بالغاز. 
الحرب الباردة لم تنتهي بين القوى التي كانت تنافس على المصالح بالرغم من إنهيار الاتحاد السوفيتي، وسيطرة القوى الغربية على الأسواق والقرارات الدولية، إلا أن الصعود الصيني - الروسي والإستراتيجية التي تتخذها موسكو حيال التوسع نحو أوروبا الشرقية من بوابة أوكرانيا، كجزء من التفكير بالتوسع نحو إستعادة اشلاء التركة السوفيتية. هذه السياسات قد تدفع بالقوى الغربية إلى العودة لتمكين مصالحها في المنطقة، من خلال حلف الشمال الأطلسي "الناتو" ودعم أوكرانيا، وبنفس الوقت إعادة النظر في طبيعة علاقاتها بروسيا في الأزمة السورية، وبالتالي ستشهد سوريا أيضاً تحولاً دراماتيكياً لن يكون فيها الروس المالك الحصري لسيرورة الحدث السوري.
ضجيج المجنزرات الروسية على أبواب أوروبا تدفع بالدول الغربية  إلى التحرك السريع والخشية من مغامرة روسية قد يرتكبها بوتين،  في محاولة للحصول على ضمانات عدم تقرب حلف الناتو من الدول التي تعتبرها موسكو جزء حيوياً من دائرتها الإستراتيجية، وعملية إستحلال جزيرة القرم وبعض الأقاليم ضمن أوكرانيا، إلا أن عملية توسعة حلف الناتو وضم أوكرانيا إلى أوروبا ستدفع بدول أخرى تعاني مشاكل إقتصادية وسيطرة روسية على مواردها، بمعنى تحرير هذه الدول إقتصاديا وسياسيا من خلال الضامن الغربي وحلف الناتو ستخلصها من الهيمنة الروسية. وهذا ما يزعج النظام الروسي ويدفع إلى الجنون وإستخدام لغة التهديد. 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!