الإدارة الذاتية والحاجة إلى التخلص من سرطان الفساد والتخلف الإداري والوصايا المضللة.

آدمن الجيوستراتيجي
0
خاص/ هيئة تحرير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات
حينما يتجاوز الفساد القدرة الإستيعابية في دولة ما أو منطقة حكم ذاتي، كالتي عليها الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وتسمى كردياً بـ روجافا، فإن إعادة إصلاح الهيكلية والمؤسسات ضرورة ملحة لتقليص آفة الفساد والمحسوبيات والمصالح الآنية والشخصية، وبالتالي عدم التحرك نحو تحجيم وطأة الكارثة تؤدي في المحصلة إلى تدمير الإدارة من الداخل، لا سيما تتحول إلى هيكلية أمنية وعسكرية في شكله الخارجي، بينما تديرها شبكات الفساد في العمق، وبالتالي تفقد قوتها وجماهيرها، وتسهل عملية الإنقضاض عليها من قبل الطامعين والخصوم.
ولعل قضية الفساد من أكبر المعضلات التي تعانيها منطقة الادارة الذاتية، لا سيما وإن ذلك يؤدي بطبيعته إلى تضعيف المقاومة الداخلية امام المخاطر التي تتعرض لها هذه المنطقة، فالمسائل الأمنية وحماية المنطقة تتناقض تماماً مع الفساد، لأن مرور المخاطر والعناصر الإرهابية والمال السياسي الموجه لضرب المصالح الداخلية، إنما تتخذ الوسائل المرتبطة بشكل مباشر بالفساد.
لماذا يشكل شبكات الفساد خطر كبير على أمن منطقة الادارة الذاتية؟
المجموعات الفاسدة الصغيرة بطبيعتها تعمل على توسيع شبكة الفساد في المؤسسات، حتى تنتج عن تغطية من خلال توسيع نشاطاتها وعناصرها، ولأسباب قد تتعلق بعمليات الاستحواذ والسيطرة على الموارد والمخصصات، تتسلل إلى مراكز القرار، وهي عملية عصاباتية منظمة تنتج عن بناء الهيكلية الفاسدة، "منظومة الفساد" والتغطية من خلال هرم شامل، بحيث يستحوذ مجموعة مصغرى من الفاسدين على الواردات، والمجموعات الادنى تحصل كلاً على نصيبه وفق معيار التدرج من الاعلى إلى الآسفل، وبالتالي يتكون حالة متكاملة داخل أية مؤسسة. فيما يحتاج هذا التكوين إلى تغطية امنية، وهذا يعني إيصال شبكات الفساد إلى المؤسسات الامنية والعسكرية التي بدورها تغطي على الفاسدين في المؤسسات، بمعنى الجميع يحصل على نصيبه ، ويحمي الأمني بدورها المؤظف الكبير، والموظف الكبير قرينه من صغار الموظفين الدوائر، والمتعهدين والتجار في مقدمة الذين يسيرون هذه العملية. وبذلك تكون عملية مرور الإرهابيين وإداخل المتفجرات والاسلحة من خلال هؤلاء الامنيين الذين تعودوا على القبض مقابل كل شيء أم ممكن، وقد حصلت بعض الاحداث في مناطق الادارة الذاتية ومن ضمنها أحداث سجن الحسكة وتمكين منظمة الداعش في إختراق الأمن بشكل فظيع ومخيف. أو الخلاية النائمة للاستخبارات التركية والنظام السوري وتحركاتهم في بعض الجيوب داخل منطقة الادارة الذاتية.
" هذه العملية كفيلة بدورها في فتح القنوات بين هؤلاء الشخصيات والجهات المعادية، فالادمان على الفساد آفة خطيرة يجذب الفاسد إلى فعل أي شيء مقابل الحصول على المال".
المسؤولين الكوادر مقابل تضمين الولاءات ( من يساعد على توسيع شبكات الفساد )؟؟
لا بد إن الشبكات الفاسدة تخشى المحاسبة، لذا تحاول من خلال دفع الرشاوي إغراء اللجان المخصصة بملاحقة الفساد، وتضمين بعض الشخصيات النافذة في تلك اللجان المكلفة بملاحقة الفساد كفيلة بالتستر على هؤلاء الفاسدين، وقد شهدت مناطق الادارة الذاتية عمليات إلقاء القبض على عدد كبير من الفاسدين، وبالرغم من تأكيد ضلوعهم في ادارة شبكات الفساد، يتم إطلاق سراح هؤلاء بعد شهور قليلة. هنا نفهم عملية دفع هؤلاء الفاسدين مبالغ كبيرة لأعضاء في لجان الملاحقة والرقابة والمحاسبة، والنتيجة بحث هذا الفاسد داخل تلك اللجان عن توسيع رقعة فساده بغية تضمين الحماية لنفسه، وهذا يعني يتسرب الفساد إلى تلك المؤسسة لتصبح بدورها إدارة عامة للفساد بدل أن تكون إدارة عامة لمحاسبة الفاسدين!.
كيف يدفع الفاسدين بالموظف والمسؤول الطاهر إلى تقديم استقالته؟
شهدت مناطق الادارة الذاتية وفق تقارير كثيرة ومشاهدات من بعض الموظفين الذين تم تصفيتهم من العمل، حالات خطيرة قد تساعد في عملية التخلص من الموظفين والعاملين الغير فاسدين ضمن مؤسسات الادارة، إذ تقوم شبكات الفساد بالتضييق على الشخصيات الرافضة لتلقي الرشاوي، والسكوت عن الفساد المستشري، وذلك من خلال التقارير الكيدية، وتغطية بعض الشخصيات النافذة "الكوادر" على تلك العملية، وضلوعهم في واقعات أبتزاز كثيرة. كما إن بعض التقارير الخاصة تحدثت عن تمكين هذه الشخصيات النافذة لعمليات الابتزاز متعمدة، وتوظيف شخصيات فاسدة، وكذلك تصفية الغير المرتشيين في أية مؤسسة حساسة.
وبعض التقارير الخاصة تحدثت عن وقوع حالات الفساد الكبيرة داخل المؤسسات العسكرية داخل المناطق الادارة الذاتية، وإنه هناك شخصيات ومجموعات فاسدة أستحوذت على الملايين من الدولارات في عمليات مشبوهة، ولمكانتهم الحساسة وعدم وجود المحاسبة الحقيقية لهم، وحمايتهم من بعض الفاسدين في الجهات العليا.
وهناك وقائع أخرى يمكن سردها من خلال الإشارة إلى وجود مجموعة شخصيات محددة في كل منطقة، أبتداءً من كوباني وصولاً إلى كافة مناطق الجزيرة، إلى جانب تمكينها في منبج والرقة ودير الزور وغيرها، شخصيات محددة تسيطرة على ادارة المال والاعمال، وتستحوذ على كافة المداخل والمخارج الإقتصادية، وتملك اليوم ملايين الدولارات، لا سيما تعاقدها مع بعض التجار والمتعهدين الفاسدين، ويشكلون معاً هيكلية كبيرة تدير كافة العمليات.
إتباع منهجية التقارير الكيدية
يدرك جميع المواطنين بمنطقة الادارة الذاتية وفي مقدمتهم سلطة الادارة نفسها على تمكين الفاسدين من بعض المؤسسات الرئيسية والجهات الاقتصادية النافذة، وأصبحت كالسرطان تمتد جذورها، وإن أنضم مؤسسة من المؤسسات الادارة عامل غير مرتشي فإن هذه الشبكات تعمل على التخلص منه. ولعل أسهل طريقة لتحقيق ذلك من خلال التقارير الكيدية ضده، وإعتماد النمط الحزبي في التعامل مع الحالة، بحيث يتم تصديق التقرير بما ورد فيه، وبذلك يتخلصون منه على أهون سبب.
وهذه العملية ناجمة عن الجهل بالإدارة، لأنه لا يمكن تقييم الموظف من خلال تقرير كيدي، وقد يكون متلقي التقرير نفسه هو فاسد وقيادي في عملية الفساد بتلك المؤسسة، وهذه أيضاً أفة كبيرة، وهناك حالات كثيرة لموظفين تركوا مواقعهم الوظيفية وأستولت تلك المجموعات الفاسدة على تلك المواقع، ونجم ذلك عن التباعد والهوى بين تلك المؤسسات والمجتمع. وقد نتفاجئ بشخصيات كنا نعتقد إنها كانت في قمة العمل والطاهرة، تقود عمليات الفساد.
حصر التجار في شخصيات محددة وخطورة المسألة؟
العملية برمتها تنتج عن سيطرة وأستحواذ تجار محددون في إستيراد المواد، والتلاعب بالأسعار، وفرضها على المواطنين، فيما كثرة التجار والمنافسة الكبيرة يدفع بالتجار إلى تخفيف الاسعار. إذا لماذا الإدارة الذاتية لا تفتح المجال أمام عدد كبير من المتنافسين، وحصر كل شيء في عدد قليل جداً؟ وهل هناك شخصيات محددة مستفيدة من هذه المسألة، وهي التي تقبض من هذه الشخصيات الرشاوي؟ لا سيما وإن منطقة الادارة الذاتية تؤمن معظم موادها بالتهريب بسبب عدم وجود معابر رسمية، وهناك حصار شديد من كافة الجهات على المنطقة.
النتيجة تشير إلى وجود تغطية من جهات نافذة على عدد من التجار المحددين، وبذلك يتشكل هيكلية ادارية توفر الفساد بين هؤلاء التجار والمسؤولين، وتزيد من مداخليهم المالية، بينما يدفع الشعب ضريبة هذه التكوينة.
خطورة الظاهرة إجتماعياً
من الصعب مواجهة تفشي الفساد في مجتمع تفسهم الظاهرة على إنها صحية، ولا تشعر إن ذلك من أبشع الأساليب لكسب المال والمصالح.
إن تسرب ظاهرة الفساد بهذا الشكل دون رادع نفسي وإجتماعي، يشكل خطراً على بنية المجتمع بالدرجة الأولى، لا سيما وإنها تتحول إلى موديل يحاول الجميع الإقتصاء به لتحقيق الكسب المالي، وما تعانيه منطقة الادارة الذاتية اليوم، هو تراجع الرادع الإجتماعي، ولعل العامل النفسي أيضاً له دور كبير في تفشي الظاهرة، لا سيما إستمرار الحالة المؤقتة للوضع السوري، وعدم الإستقرار المطلوب، وتكوين فكرة " قد تكون الإدارة مؤقتة لذا علينا تمكين أنفسنا بالفساد أو أية طريقة "، حتى هناك بعض المسؤولين والنافذين في الادارة الذاتية يعتقدون بنفس الوتيرة. لدرجة إن مؤسسة التربية والتعليم شهدت إنفصاماً بين دعوة بعض المسؤولين إلى تمكين منهاج الإدارة الذاتية وفي الوقت نفسه أرسلوا أبنائهم إلى مدارس النظام السوري.
خلاية فاسدة لتكريس عملية الفساد والتباعد بين المؤسسات والمجتمع
سياسة ضرب الإدارة الذاتية من الداخل وإفراغها من محتواها هو الفعل الذي لجئ إليه النظامين السوري والتركي خلال السنوات السبعة الماضية، بغية تدميرها، أو على الأقل إفراغ مشروع الإدارة الذاتية من الداخل، بالإضافة إلى الأرضية الإجتماعية والنفسية المتوفرة لدى المواطن السوري بعد عقود طويلة مارس فيه النظام السوري عملية تكريس الفساد والمحسوبيات، وزيادة وتيرة العملية بعد فشل النظام في العودة إلى منطقة الادارة الذاتية وكذلك النظام التركي الذي فشل في إحتلالها بشكل كامل. والمجموعات التي يعتمد عليها النظامين ضد الإدارة أندمجوا داخل مؤسسات الادارة الذاتية، وأصبحت تشكل هاجساً كبيراً في قيادة عمليات الفساد، ولعلنا إذا نظرنا إلى هيكلية الإدارة والنتائج التي آليت إليه الظروف الإقتصادية في المنطقة، وكذلك تحويل تلك المجموعات من فئة الفقراء إلى إمتلاك الملايين الدولارات خلاص خمسة سنوات، سنجد إن عمليات الفساد تسير وفق هيكلية منظمة يقودها هؤلاء بالدرجة الأولى، ولعل معظمهم يتعاملون مع النظام، كما إن معظم التجار اليوم لديهم علاقات مع النظام نفسه، إلى جانب الخلاية التي تتبع للمصالح التركية، والتي ربما وصلت إلى درجات مهمة في بعض المؤسسات. وإلا كيف تتم عمليات الفساد بهذه الشكل، ووضع الرجل الغير مناسب في الأماكن الحساسة؟!.
الإعلام الفساد في الإدارة الذاتية
الإعلام الفاسد بطبيعته يقوم بتلميع الإدارة ومؤسساتها والتعتيم على تجاوزاتها، وفسادها كسلطة، ويوظف هذا الإعلام قدراته للتضليل وترويج منجزات وهمية، وهناك مؤسسات إعلامية فاسدة تؤازر بعض المفسدين وترتبط برموز الفساد الكبيرة، مقابل تشويه من يواجههم بحجة الإختلاف في الرؤية حول محاربة الفساد والفاسدين، والتعتيم المتعمد على قضايا مهمة تهم المجتمع. 
ومما لا شك فيه إن إعلام الادارة الذاتية لم يخرج من الطابع الحزبي، والإنتقامي في الكثير من الاحيان، لا سيما وسيطرة شخصيات محددة وإستبعاد أخرين، وربط الرسالة الإعلامية بسياسات محددة من شأنها تنفيذ عمليات التهميش المتعمدة لصالح جهات معينة. ولعل إعلام الادارة ليس ببعيد عن المؤسسات الفاسدة التي تبث الاضاليل لحماية الفاسدين، وأية شخصية تعارض الفساد اليوم تقاطعها هذه الوسائل الإعلامية، وبأمر مباشر من شخصيات تدير الفساد وبعض المؤسسات الامنية والعسكرية والخدمية.
مما لا خلاف عليه هو أن أهم أدوات مكافحة الفساد هما القضاء النزيه والإعلام الحر. لكن حين يصل الفساد إلى سلطة القضاء والإعلام يصبح الحديث عن مكافحة الفساد واهيا، بل وقد يصبح الإعلام محرضا وداعما للفساد فيبرز الفساد الإعلامي. وقد تكون هذه مصيبة الادارة الذاتية.

3 نيسان 2022

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!