بشاعة الجريمة والزمكان كان كفيلاً بإثارته إعلامياً ليكون بوابة للكشف عن ما يعانيه أهالي عفرين المدنيين المتبقيين تحت وطأة التصفية اليومية وبأساليب متعددة.
مثل هذه الجرائم كانت تجري رحاها يومياً في عفرين، خلال الاعتقالات التعسفية والتصفية العرقية على الهوية وعمليات التهجير المنظمة لإفراغ المنطقة من الوجود الكردي، وعمليات الاختطاف بحق الأطفال والنساء والشباب وممارسة الابتزاز. إلا أن عدم تسليط الضوء عليها بسبب حالة التكتم والتهديدات التي يتلقاها الأهالي على يد المجموعات المرتزقة المتجاوزة كافة الأعراف السماوية والأممية، واستمرارها في إرتكاب الفواحش الأمنية والإرهاب المقيت، لدرجة إن معاناة السكان الأصليين " الكرد" على يد الوافدين المهجرين من دمشق وحمص وحماه وحلب ودير الزور وغيرها من المدن التي شهدت الحرب الأهلية السورية بين جيش النظام السوري ومعارضيه من المجموعات المتعددة، ونتيجة للإتفاقيات التي تمت بين المخابرات التركية والإيرانية في تقاسم الكعكة السورية بين نفوذين متخاصمين في العلن ومتفقين في الخفاء.
الإنتقام التركي من الكرد برز في أفعال وتصرفات المجموعات المرتزقة السورية
وتجري عمليات التصفية العرقية على يد المجموعات المفترسة بحق المواطنين الكرد وتحت التهديد اليومي دون رقيب و برعاية الإحتلال التركي. وفي ظل الصمت الدولي والمنظمات التي تتطرق إلى ما يجري من إنتهاكات بالقطارة ودون تلامس الواقع الجاري، إلى حين وقوع مجزرة جندريس بعيد الزلزال الذي دمر المنطقة، حيث أشتهرت جندريس بوهلة الزلزال كمركز أساسي شهدت ضحايا بالجملة، لتكون هذه البلدة الكردية تحت أنظار الإعلام. وهنا تأتي حساسية الجريمة التي أرتكبها المرتزقة بحق عائلة كردية في جندريس ليلة نوروز حيث كان الأهالي يشعلون النار كإشارة للإحتفال بالعيد كما جرت العادة. حيث فتحت مجموعة من المرتزقة التابعين لفصيل ما يعرف بأحرار الشرقية الرصاص الحي على المواطنين أمام منازلهم، وأد ذلك إلى استشهاد أربعة مواطنين كرد وجرح آخرين.
وفق شهود عيان: ردد هؤلاء المرتزقة" يا خنازير يا كفار "!.
يعرف عن فصيل أحرار الشرقية إن معظمهم من عناصر وقادات الدواعش الذين فروا من دير الزور والرقة مع تحرير قوات سوريا الديمقراطية لآخر معاقلهم في بلدة باغوز بريف دير الزور، وإن هؤلاء خرجوا برعاية الاحتلال التركي وتدربوا على يد قواتها، وتمويلهم وإطلاق يدهم في المناطق الكردية في شمال سوريا. ولعل المعرفة الحقيقية عن هؤلاء العناصر المرتزقة يؤكد لنا طبيعتهم الإنتقامية من الشعب الكردي، لأن القوات الكردية وبمشاركة العشائر العربية قضت على دولتهم المزعومة " الدولة الإسلامية في العراق والشام ".
في المطلق إن أولئك المجموعات المرتزقة السورية حينما دخلت منطقة عفرين على ظهر الدبابات التركية بدئوا أولاً في إسقاط تمثال كاوا الحداد الذي يرمز إلى نوروز - والحرية، وبذلك أطلقت تلك المجموعات طبيعة مشروعهم وشكل هويتهم العنصرية والمبنية على التطرف من خلال الممارسات الإرهابية التي أظهرت عليه هذه المجموعات في تعاملها مع العنصر الكردي في المنطقة.
الدكتاتور والمرتزقة
من المفارقات أن يخصص النظام السوري ملعب الفيحاء وسط العاصمة دمشق أمام المحتفلين الكرد بعيد النوروز، بينما كان أهالي جندريس وعفرين يواجهون المجموعات المتوحشة التي فتحت نيرانها على المدنيين بدم بارد. في الوقت الذي يعرف النظام بالدكتاتور المقيت، بينما هؤلاء المرتزقة من المعارضة السورية بالثوار الذين يدعون ثورة الحرية في سوريا ضد الدكتاتورية!.
في الواقع إن المعارضة المسلحة اليوم بمثابة النسخة الرديئة من النظام السوري، إذ أن هوية النظام واضحة المعالم بصفاته وممارساته السيئة السيت، بينما المعارضة المسلحة ومظلتها السياسية المتمثلة بالإئتلاف ظهرت في أسوء صورة من حيث الأفعال والرؤى، وأتمست ممارساتها بالإجرام والإرهاب، وما لم يفعله النظام من إجرام في العلن مارسته هذه المعارضة جهاراً، عبر مجموعات تحمل في طياتها الإرهاب المنظم، وتتفق مع النظام الديكتاتوري في الأفق، لدرجة يمكن وصفها بأدوات النظام الضاربة داخل المعارضة السورية.
جولاني الحمل الوديع!؟
في الوقت الذي مارست فيها هذه المجموعات المفترسة والعاملة تحت يافطة الائتلاف المعارضة وتحت مسميات عديدة وأعظمها ما يعرف بـ " الجيش الوطني " جريمة جندريس، كانت المخاوف والفرار من إرهاب هذه المجموعات تدفع بالأهالي المدنيين الكرد من جندريس وغيرها ليلة نوروز بعد المجزرة، إلى منطقة أطمة الواقعة تحت سيطرة الجولاني حيث أستقبلهم جبهة النصرة " الشامية " وفي مقدمتهم الجولاني نفسه!، الذي توعد بحمايتهم من المجموعات المرتزقة وسط التصفير والتصفيق والشعارات والكاميرات التي بثت الحدث علناً.
من المفترض أن تكون هذه المجموعات المسمى الجيش الوطني هي الجهة الحامية للمدنيين الكرد بحكم إن شركاء الائتلاف والمجموعات المرتزقة هو طرف كردي " المجلس الوطني الكردي " المعني بذلك، والذي ظل متنفذيها يبعدون الشبهات عن الجرائم التي ترتكب في عفرين. ولعلَّ تصريحات أحد أبرز متزعميها المدعو " عبد الحكيم بشار " كانت تطمينية وداعية لعودة أهالي عفرين إلى قراهم وأحيائهم، وكان يتهم الإدارة الذاتية بأنها تقود بروبغندا ضد الجيش الوطني والإئتلاف وإن عفرين بألف خير؟!!، ولكن الحقيقة كلها أتضحت مع الأعمال الهجمية لهذه المجموعات المرتزقة التي باتت كل همها قتل الكرد على الهوية، وصرف بغضها وحقدها العنصري والصدامي والبعثي على رؤوس الكرد العزل، المتبقيين في عفرين تحت سياط التهديد اليومي والتصفية المستمرة.
الجميع يدرك إن الجولاني مصنف على القوائم الإرهابية، فهل دفع الكرد المتبقيين في عفرين بهذا الشكل من قبل الإحتلال التركي والمجموعات المرتزقة إلى حماية الجولاني، هي إستراتيجية مخابراتية تركية - النظام السوري لإدخال هؤلاء الكرد المدنيين في عفرين ضمن إطار إنهم مؤيدي جبهة النصرة المصنفة على القوائم الإرهاب، ويتم إسقاط النظرة العالمية حول الكرد على إنهم محاربون أشداء ضد الإرهاب "الداعش والقاعدة .. وغيرهما "!!؟؟.
في واقع الأمر إن الجبهة الشامية ومتزعمها الجولاني متطرفين ولكنهم منظمين، بمعنى " إرهاب منظم "، بينما المجموعات المرتزقة التي تحتل عفرين وجرابلس واعزاز والباب وقباسين ورأس العين / سري كانيه / وتل أبيض، هم عبارة عن مرتزقة وقطاع طرق بكل المعايير، وحجم الجرائم التي ارتكبتها هذه المجموعات بشاعتها تجاوزت ما ارتكبه النظام السوري والميليشيات الإيرانية.
الإبادة المستمرة بحق الكرد
واضح إن الهدف الرئيسي من وراء مجزرة جندريس هو إعادة الفوضى وعدم الاستقرار ودفع الكرد للنزوح مجدداً بعد عودة الألاف من العوائل الكردية إلى بيوتها في عفرين، و إفساح المجال أمام الكتائب التركمانية بالتحكم في المنطقة، وذلك من خلال إستخدام الكتائب العربية التي تعود تشكيلاتها إلى العناصر الداعشية الفارة من المناطق السورية التي شهدت تحريراً على يد قوات سوريا الديمقراطية وطرد هؤلاء الدواعش، الذين وجدوا في تركيا حاضنة لهم ومدرب وممول ومنظم لأعمالهم ضد الكرد في الشمال السوري المحتل.
تركيا تستغل حقد وعداوة العناصر الداعش الفارة والبعثيين الصداميين ضد الكرد، وطبيعة الجرائم التي يرتكبها هذه المجموعات بحق المدنيين الكرد يظهر هذه الحقيقة بوضوح.
إن العملية تجري على قدم وساق من قبل الإستخبارات التركية في ضرب العرب السنة بالكرد مقابل خلق عداء طويل الأمد، وتمديده إلى المناطق الإدارة الذاتية التي تشهد إلتحاماً بين الشعوب السورية "كرد - عرب .. والبقية"، كما إن شيفرة ما تشهده قوات سوريا الديمقراطية من قوة ووحدة وإتحاد وتطوير، إنما نتيجة طبيعية لأخوة الشعوب والعيش المشترك التي أوجدتها الإدارة الذاتية بين مكوناتها، وضرب هذا الاتحاد أصبح مسلك واضح للنظام التركي والمجموعات السورية المتوحشة. والنظام والميليشيات الإيرانية. وقد تكون من المقررات التي أتفق عليها الدول الضامنة في إتفاقيات أسيتانا.
المحصلة
يتطلب في الحال تضافر كافة الجهود من قبل الحراك السياسي الكردي وإدارتيه في سوريا والعراق لأجل حماية المدنيين الكرد في عفرين، إلى جانب توحيد المواقف مع الحراك الثوري السوري الذي بدأ يدرك حجم خطورة التدخل التركي وممارساته العدائية في ضرب السوريين ببعضهم، وحقيقة المجموعات المتوحشة في المناطق الاحتلال. وهذا يتطلب تحرك حقيقي نحو المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لإيصال معاناة الكرد المتبقيين في عفرين، وإظهار حقيقة المجموعات المتوحشة للمعارضة التي تحكم المنطقة، أمام الرأي العام والمنظمات الحقوقية والأممية، والتوجه نحو المطالبة بتصنيف هذه المجموعات على قائمة الإرهاب والملاحقة القانونية. حيث ممارساتها وإرهابها الممارس فاقت كل الأعراف والمواثيق الأممية.
كما إن حكومة إقليم كردستان بدورها يمكن أن تلعب دوراً بارزاً في إجراء التغيير داخل المناطق الإحتلال التركي، لا سيما حزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتحالف مع المجلس الوطني الكردي والذي بدوره أحد المكونات الرئيسية لائتلاف المعارضة المتحالف مع الاحتلال التركي، حيث يقود هذا الإئتلاف ما يعرف بالحكومة المؤقتة والمجموعات المرتزقة المنتشرة على كافة المناطق الاحتلال التركي. يكن أن يلعب دور بارز في قضية إدخال قوات كردية لتكون حامية للوجود الكردي في عفرين، وهنا يمكن أن يلعب بيشمركة روج دور مهم، كونهم تابعين للمجلس الكردي، والمجلس جزء من الإئتلاف والحكومة المؤقتة التي تدير هذه المجموعات.
مقابل ذلك يتطلب من قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية التحرك نحو نقل مظلومية العفرينين في هذه المرحلة إلى المجتمع الدولي، ودعم تأسيس لجان حقوقية للتحرك نحو العالمية في هذا المسار، وتوجيه كافة الطاقات نحو إيصال حجم الكاوراث التي تحصل في عفرين إلى المجتمع الدولي، لا سيما وإن قوات سوريا الديمقراطية يكون أحد أهم شركاء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب والتطرف.
هذا التحرك الجماعي الكردي سيكون له التأثير الكبير في تغيير مسار ما يحصل في عفرين من ظلم وإجرام على يد المجموعات العدوانية و الانتقامية ضد المواطنين الكرد السوريين.