مسارات المشهد السوري والمراحل المفصلية

آدمن الجيوستراتيجي
1
المسار الأول
شكلت المجموعات المحلية السورية ( النظام وقواته والجماعات الرديفة ( الميليشيات المسلحة الشيعية الإيرانية، العراقية، اللبنانية)، المعارضة بشقيها (المجموعات المتطرفة ومظلتها السياسية)، الإدارة الذاتية وقواتها – ( سوريا الديمقراطية)، أداة حربية بيد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا وإيران،
وشكلت معاً دائرة نزاع أدت في المحصلة إلى أفراز واقع جغرافي وسياسي وعسكري جديد، حيث ثبتت هذه المتغيرات بفعل التدخلات الدولية التي ارادت توجيه دفة الحدث السوري نحو مزيداً من التأزم وتعميق الخلافات بين الأطراف المحلية، وبالتالي لم يملك أي طرف قراره الكامل وإن كانت بعضها تبنت الأجندات الكاملة لدول الجوار، وفي مقدمتهم المعارضة السورية التي تحولت إلى مجرد أداة تنفيذية للمشاريع والمخططات التركية، حيث قاتلت ضد الكرد بالنيابة عن الأتراك في سبيل حماية الأمن القومي التركي (المزعوم)، وإقامة حزام أمني من الجماعات المتطرفة لحماية حدود تركيا على حساب وحدة الأراضي السورية والعيش المشترك بين مكوناتها من بوابة تنفيذ عمليات التغيير الديموغرافي بحق الكرد من طرف، وتنفيذ الميليشيات الإيرانية – العراقية عمليات التشييع الممنهجة في المناطق الداخلية السنية بعد إتفاق واضح بين المخبارات التركية – الإيرانية.
تقود المعارضة السورية حركة أخوان المسلمين، وهم الجناح السياسي والعسكري للاستخبارات التركية في سوريا، وتركز أعمال هذه الحركة على تنفيذ المخططات التركية بحذافيرها. وبما أن الأهداف التركية تركزت على محاربة الوجود الكردي في الشمال السوري، فإن أهداف الحركة تركزت على تحوير سلاح المجموعات المعارضة من مواجهة النظام إلى محاربة الكرد.
في الواقع كلف الإتفاق الإستخباراتي التركي – الإيراني برعاية روسية عن تعطيل المواجهات بين المجموعات المتطرفة للمعارضة والنظام السوري، موجبها سلمت هذه المجموعات بالتقاضم معظم مناطقها الداخلية السورية ( العربية السنية ) عبر اتفاقات ومصالحات إلى النظام، مقابل عملية تجميعها في المناطق الحدودية وأستيطانها داخل المناطق الكردية السورية، ويمكن ملاحظة ذلك بشكل واضح حيث أن معظم هذه المناطق الحدودية التي تسيطر عليها المعارضة هي بالاصل مناطق كردية وكانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ما عدا إدلب التي سيطر عليها منظمة القاعدة تحت مسمى ( جبهة الشامية – جبهة النصرة وأحرار الشام ). ولعلَّ نتائج الاجتماعات تحت مسمى " أسيتانا وسوتشي" التي نجمت عن تحويل هذه الدول المتنازعة والداعمة للأطراف السورية المتصارعة إلى ضامنة للطرفين النظام والمعارضة. بمعنى تم القضاء على أي فعل عملي للمعارضة المسلحة السورية إتجاه النظام، مقابل تسليم المناطق، والتحول إلى آلية لتنفيذ المشاريع التركية الخاصة في محاربة الوجود الكردي في سوريا. ويمكن فهم هذا المسار بتحويل جهود ومصالح النظامين التركي والسوري نحو التسوية وتعطيل أية مواجهات لصالح إعادة النظام إلى معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، وتمكين المطامع التركية في إجراء التغيير الديموغرافي في المنطقة الكردية السورية.

أداة تنفيذية لمشروع التهجير

لم تتوقف المجموعات المسلحة للمعارضة عند تعطيل مواجهات مع النظام السوري فحسب، بل تحولت إلى أدوات تنفيذية لمشروع إيراني طائفي، من خلال إبرام المصالحات مع النظام في إفراغ المناطق العربية السنية من السكان لصالح عمليات التشييع الممنهجة من قبل المجموعات المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني التي تقاتل إلى جانب النظام السوري ضد هؤلاء. هذه العملية تمت برعاية تركية، والتي بدورها جمعت الملايين من المدنيين السوريين إلى جانب الآلاف من المسلحين في ظل قيادة متطرفة معظمها تنتمي لمنظمة القاعدة والداعش، وإدارة سياسية تتبع لأخوان المسلمين، بغية تنفيذ عملية تتعلق بالامن القومي التركي على ثلاث مسارات:

1- إستخدام المسلحين في عملية إحتلال المنطقة الكردية في سوريا، وتوطين المدنيين المهجرين فيها بعد تنفيذ إجراء تغيير ديموغرافي بحق الكرد.
2- تركزت هذه العملية من خلال خلق أزمة اللاجئين على الحدود ودفع المجتمع الدولي للقبول بالمخططات التركية الرامية إلى تنفيذ هذه العملية.
3- في حال رفضت الدول الغربية هذا الواقع الذي يفرضه تركيا، تلتجئ إلى إطلاق تهديدات بفتح الباب أمام اللاجئين السوريين للتوجه إلى أوروبا.
تمحورت السياسات التركية ضمن هذه السياقات المحددة، بحيث تخدمها النتائج مهما كانت المعطيات، وبالتالي يتضح لنا واقع المعارضة السورية ومستوى تحركاتها في الأزمة السورية.

المسار الثاني

حضور الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لم تكن بمحض إرادة الاطراف المحلية السورية، بقدر ما قسمت الكعكة السورية بين هذه القوى الدولية والإقليمية، وعملية التوسع على الأرض وفرت لهذه القوى أجندة محلية نفذت المواجهات بالوكالة مغرماً، لحاجة هذه القوى المحلية إلى تغطية ودعم خارجي في ظل توسع الأزمة السورية إلى نطاق دولي.
المصالح المتبادلة كانت نقطة الارتكاز بين الأطراف كافة، إلا أن الوجود الروسي لم يكن لأهداف مؤقتة، وإنما إستراتيجية أتخذتها الادارة الروسية مقابل التدخل الأمريكي التكتيكي. وفي المحصلة تخلت الولايات المتحدة جزئياً عن تغطيتها لقوات سوريا الديمقراطية لصالح الغزو التركي، في عملية إرضائها مقابل استمرار روسيا في تكريس إعادة النظام بالإتفاق مع الأتراك أيضاً.
بالنسبة لروسيا المسألة السورية مصيرية بعد فقدانها معظم الدول التي توغلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي، بينما تركزت السياسة الخارجة الأمريكية على الوجود المؤقت في سوريا، ضمن أهداف محددة تركزت على محاربة الداعش ومنع التوسع الإيراني، وذلك بدعم الدول العربية التي تقود بدورها صراع مع الأهداف الإيرانية التوسعية في المنطقة.
لقد كانت لعملية التنازل من الروس والأمريكيين لصالح المطامع التركية في المنطقة الكردية جزء حيوي من سياسة جذب كلا الطرفين لأهمية تركيا ودورها، فيما تعمقت العلاقات التركية – الروسية على حساب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وكان لذلك التأثير المباشر على أمن " حلف الناتو "، الذي أصبح جسماً متهالكاً أمام الرغبات التركية في اختراق مواثيقها، وإن كان هذا الخروج التركي على موروثاتها السياسية في خدمة المصالح الغربية، وتخيير القوى الغربية للتخلي عن كرد سوريا. إلا أن توالي الاحداث ودخول الأزمة الأوكرانية على الخط، وعودة الحرب الباردة بين القطبين جعلت من تركيا في التلاعب على مسارين، البقاء داخل حلف الناتو والإبقاء على العلاقات مع روسيا، وهذا بطبيعة الحال سيكون له نتائجه السلبية على السياسات التركية في المستقبل، لأن تأزيم المواجهات الإقتصادية والجيوسياسية بين الغرب وروسيا سيدفع جميع الدول في الشرق الأوسط إلى إختيار معسكر واحد.

المسار الثالث

التنازل الأمريكي للتمدد الروسي في سوريا من البوابة التركية كانت نتيجة لسياسات سلبية مارستها الولايات المتحدة في حقبة إدارة ترامب، وأظهرت بذلك العلاقات الأمريكية الخارجية في مشهد رديء جداً، أفقدتها المصداقية، وافصحت المجال أمام القوى المنافسة في التلاقي مع حلفاء الولايات المتحدة، والبحث عن العلاقات المتعددة ومسارات مختلفة.
إن تغيير وجهة السياسات الأمريكية في عهدة " بايدن " ساهمت بدورها في إعادة إحياء تلك المسارات الدولية، وإن كان ذلك متأخراً أمام التحركات التركية في تعميق العلاقات مع الروس، بالرغم من عدم وجود الثقة الكاملة بين الطرفين بسبب الدور الذي لعبته تركيا خلال العقود السبعة الماضية وتكليفها غربياً بدور الشرطي الأمين على الجبهة الجنوبية لحلف الناتو.
الاستغلال الروسي للخلافات الأمريكية- التركية حول القوات الكردية في سوريا، زادت من تمترسها داخل المشهد السوري من البوابة التركية، بحيث تركزت أهدافها على توجيه دفة السياسات التركية لتنفيذ مخطط السيطرة على كافة سوريا، بعد تضخيم الهواجس التركي حيال البعبع الكردي، والدعم الأمريكي لإقامة دولة كردستان في شمال وشرق سوريا!.
على ضوء إلهاء الأمريكيين بسياسات خارجية متسرعة في عهدة ترامب، ركزت روسيا على دغدغة الحافظة التركية ضد الكرد، وتعميق هوة الخلافات حول سوريا بين الأمريكيين والأتراك مقابل تحقيق الرغبة التركية في غزو الجزء الغربي من المنطقة الكردية السورية، لتصبح بذلك عملية إجراء الصفقات لإخراج العرب السنة من المناطق الداخلية السورية سلساً، ودفع الأمريكيين إلى تنفيذ عملية بنفس الحجم لتسليم بعض المناطق الكردية شرقي نهر الفرات إلى الأتراك، على نفس النمط، لتصبح تركيا بيضة القبان، يبحث كلا الطرفين عن سبل إرضائها بحصة من الكعكة السورية.

المراحل المفصلية
لبننة سوريا

في المراحل الأولى من الصراع السوري بدأت عملية فرز الشعب على أساس طائفي وقومي، وعمدت القوى الإقليمية على إيقاظ هذه التناقضات لإفصاح المجال أمام توغلها، بينما لجأ النظام إلى إطلاق يد العناصر المتطرفة من سجونها وبث أنماط من الخطاب الطائفي عبر مشاهد وفيديوهات ينفذ عناصره عمليات التصفية العرقية بحق المكون العربي السني، مقابل تكريس الإستخبارات التركية وبعض المنظمات العربية السنية في دول مجاورة التيار السني، والنظرة السادية بحق الطائفة العلوية والتحركات الشيعية في سوريا والمتمثلة بالميليشيات الإيرانية والإفغانية واللبنانية.
وساهم في تكريس الصراع الطائفي والقومي التركيبة الديموغرافية السورية، وطبيعة ممارسات النظام، إذ أن غياب الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان والمكونات ساهمت في زيادة وتيرة الظلم الممارس من قبل النظام البعثي الذي سيطر عليه القوى الأمنية والعسكرية الغالب عليها البعد الطائفي، مما أدى إلى تهميش الدور العربي السني من طرف، وإنكار الحقوق القومية الكردية، هذين العاملين كانا كافيين بخلق تراسبات عميقة في المجتمع السوري، وكانت السطوة الأمنية أداة عملية للنظام في السيطر على البلد، وبالتالي حينما بدأت الثورة السورية كانت العوامل الإنقسام جاهزة وتنتظر فقط تعبئتها، وهذا ما ساهم فيه الدوائر الامنية للنظام مقابل حركة اخوان المسلمين الذات التوجه الإسلام السياسي التي ساهمت في زيادة الاحتقان وتعميق الخلافات والشرق بين الشعب السوري. فأصبحت المعارضة السنية والنظام العلوي والحركة الكردية، تعرف بمصطلحات إنقسامية واضحة.
لم يتوقف النظام الذات الصبغة الطائفية ومعارضته الإسلام السياسي عند تعميق هذا التحقين، وإنما ألتجات المعارضة إلى تكريس التغريبة الطائفية من خلال عمليات التهميش وفرز المجتمع السوري بين موالي ومعارض، وتحويل الثورة السورية إلى بؤرة للإسلام السياسي الذي ساعد بدوره على زيادة وتيرة الخشية لدى الأقليات الدينية الغير مسلمة في سوريا، مما دفعت المخاوف بالدروز والإسماعيليين والمسيحيين التوجه للإحتماء بين جوانح النظام. وتحولت الثورة مع هذه التطورات إلى مصدر قلق لدى الجميع. وفي الحقيقة هذا ما كان يبحث عنه النظام السوري لشق الصفوف بين السوريين، وأستفادت منها إيران في تكريس وجودها داخل سوريا، وقدما معاً العرب السنة إلى النظام التركي الذي بدأت بإجراء تغيير شامل للديموغرافية السورية.
أستغل النظام السوري هذه السقطات للمعارضة، فأسس لفكرة إن النظام هو الضامن للأقليات، بينما دفعت المخاوف بالكرد من أسلمة الثورة وتوجهها للحاضنة التركية، إلى إتخاذ سبيل ثالث للتعاطي مع التطورات السورية. فتأسست وحدات حماية الشعب وتليها الإدارة الذاتية، وما يعرف بالخيار الثالث.
لم يكن المحور الكردي السوري ببعيد عن هذا المعتكر، على الأقل المفاصل التي بدأت تتجلى كنتيجة لممارسات المجموعات المعارضة السورية والنظام في دفع جميع الأطراف وعلى أساس طائفي وقومي إلى قوقعة وتمترسات مغلقة، تتشارك الجميع في حمل السلاح، وتحويل نمطية الثورة نحو زيادة التحقين وإنتاج المواجهة العسكرية، حيث فرض بعض الاوقات تقاطع المصالح بين الأطراف، ومواجهات في أحيان كثيرة.
إلا أن تبلور حالة التقارب بين المخابرات التركية السورية كمشتركات بين الطرفين في الخشية من البعبع الكردي، والتوسع الذي بدأت القوات الكردية في مواجهات عنيفة ضد الداعش، والتدخل الأمريكي والغربي لدعم القوات الكردية ضد المتطرفين، كانت نقاط أرتكاز وتلاقي بين النظامين السوري والتركي. مما تبلور عن تحركاتهما ضد الإدارة الكردية في شمال وشرق سوريا مصطلحات أصبحت محطات رئيسية للبروبغندا الطرفين وأدواتهما ضد الكرد، مثال ذلك ( ملاحدة - إنفصاليين .. عنصرين... الخ)، مما زادت من المخاوف لدى المواطن الكردي من حجم العداء الذي يقوده هؤلاء جميعاً ضد الكرد. وعلى هذا الأساس تبلور لدينا التوزيع الطائفي والعرقي في سوريا، في مشهد يعيد إلى الأذهان تقاسم الدولة اللبنانية بين الطوائف والمذاهب والقوميات.

صوملة سوريا

بعد تقسيم المجتمع السوري على أساس طائفي وعرقي دعمت الدول الإقليمية أوجه جديدة للصراع وأدخلته في دهاليز المواجهات العنيفة، حيث دارت رحاها بين النظام السوري والمجموعات المسلحة للمعارضة، بالتزامن مع إدخال الكرد في معارك طاحنة ضد منظمة الداعش، وبالتالي أخذت الاحداث منحى جديد من العنف المركز أفضت إلى تدمر جزء كبير من المناطق السورية، وعمليات التهجير الممنهجة.
هذه العملية سهلت للقوى الإقليمية التدخل المباشر في المقتلة السورية، وكانت تركيا وإيران في مقدمة الدول التي تبنت كلاً منها طرفي النزاع، وكان ذلك بمثابة تشجيع الطرفين السوريين في زيادة وتيرة المواجهات وتدمير البنية التحتية للبلد، حيث أستخدم النظام كافة الاسلحة وبسلوك يخالف المواثيق الدولية، مقابل لجوء المجموعات المسلحة للمعارضة إلى إنتهاج نفس السلوك المشين في عملية الانتقام المنظمة.
في البدء كانت لبعض الدول الخليج العربي حلفاء من المجموعات المسلحة للمعارضة السورية، في وقت احتكاك مباشر للاتراك مع المجموعات المعارضة، وإتخاذ المنظمات المتطرفة الأراضي التركية ملجئاً لهجماتها ضد النظام، وقيام النظام التركي برعاية هذه المجموعات وتمويلها وتدريبها وتسليحها، ودفعها إلى السيطرة على مفاصل الكتائب المسلحة، مقابل تدخل حزب الله اللبناني والجماعات الشيعية العراقية والإيرانية والأفغانية ودخولهم في جبهات مباشرة مع هؤلاء.
الوجه الواضح للحرب تحور من ثورة شعب ضد نظام إستبدادي إلى حرب مذهبية بين السنة والشيعة.
عبئت حركة أخوان المسلمين وبعض الجماعات المتصلة بالقاعدة فطيرة الصراع الطائفي، في الوقت الذي حولته الميليشيات الشيعية الحرب بشكل مباشر إلى نزاع مذهبي. بينما كانت منظمة الداعش تتوسع على حساب القوات الكردية التي لم تجد سبيلا لوقف سيل هذا التوسع لهذه المنظمة التي حولت الأراضي التركية إلى فندق طرانزيت لتلقي الدعم والسلاح والمرور إلى الأراضي السورية في مشهد سيطرت هذه المنظمة على مساحات شاسعة في الحدود مع تركيا، فتكون بين الطرفين ( الداعش – النظام التركي ) علاقات إقتصادية وعسكرية، لم تجد تركيا وجدود الداعش على حدودها تهديداً لأمنها القومي!.
لم يجد النظام التركي في التدخل الأمريكي لمساعدة القوات الكردية بمعارك كوباني ضد الداعش، إلا تهديداً لأمنها القومي، فدفعتها ذلك إلى تنفيذ عمليات التوغل داخل الأراضي السورية، وتخيير الإدارة الأمريكية التي كانت تنتقل من أوباما إلى ترامب، بين دعم القوات الكردية أو النظام التركي، إلا أن الإستمرار الأمريكي في تقديم الدعم للقوات الكردية شكلت لدى النظام التركي مخاوف شديدة من قيام وضع كردي خاص في الشمال السوري، لا سيما وإن هذا الوضع سيكون له تأثير مباشر على كرد تركيا. لذا بدأ النظام التركي في تطبيق مخطط جديد بالتنسيق المباشر مع النظام الإيراني والتواصل الاستخباراتي مع النظام السوري، وكل ذلك برعاية روسية.
في هذه الاثناء وصلت الاحداث إلى ذروتها، وتحولت مناطق شاسعة داخل محافظات " حلب - حمص – دمشق – درعا.. ) إلى خراب وتدمير واسع في البنية التحتية الإقتصادية، كالذي تعرضت له المدينة الصناعية بحلب. مقابل تمكين منظمة الداعش في تدمير بعض المدن والبلدات الكردية، منها كوباني التي تدمرت منها 90%.
خلال هذه الأحداث والتدمير الكبير كانت تركيا تبحث عن مصالحها الخاصة في أدلجة المعارضة السورية والتحكم بزمام الأمور، والبدء بتصفية النفوذ الإماراتية – السعودية داخل المجموعات المسلحة.
هذه العملية كانت تجري بالتزامن مع زيادة وطيرة الخلافات بين دول الخليج العربي وقطر، حيث أتخذت الأخيرة بدورها في دعم التوجهات التركية لأسلمة الثورة السورية بشكل شامل، والقضاء على أية مجاميع ترتبط بالأجندات السعودية – الإماراتية.
ظهرت هذه التطورات مع صعود ما تعرف بجبهة النصرة، وأحرار الشام، بقيادة سياسية تتحكم بها حركة أخوان المسلمين التي تحالفت مع تركيا، بتوجه عام من منظمات الحركة لا سيما بعد فشلهم بمصر، إذ أن الثلاثي المقنع " الأستخبارات التركية – التمويل القطري – المنفذ الأخواني "، نفذت عمليات التصفية المباشرة داخل جميع المجاميع المسلحة للمعارضة السورية، كجزء من عملية التقارب التركي الإيراني الروسي، والدخول في تنفيذ عمليات التغيير الديموغرافي.
بدأت الأطراف تحت مسمى إجتماعات أسيتانا وسوتشي والاتفاقيات الاستخباراتية السرية في تنفيذ عمليات التغيير الديموغرافي لصالح التوسع الإيراني والسيطرة التركية، حيث المجموعات الشيعية بدعم مباشر من الاستخبارات التركية بدأت بتهجير شريحة عظمى من العرب السنة نحو الشمال السوري حيث تحتضنهم تركيا، وتسليم المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية من خلال صفقات تبادل المدن والمناطق أو تسليم المجموعات للنظام، وعلى الأغلب كانت تجبرها للتوجه مع سلاحها الخفيف إلى إدلب والحدود التركية.
الهدف التركي من العملية هو تجميع العرب السنة في مناطق حدودية بغية تنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الكردية في الشمال السوري، وإجراء عمليات التغيير الديموغرافي بحق الكرد، وإستيطان العرب السنة في المنطقة الكردية بعد تهجير الكرد منها.
بهذه العملية يتم تخفيف العربي السنة في المناطق الداخلية السورية لصالح التوسع الشيعي، وإستيطان العرب السنة في المنطقة الكردية.
ذرورة هذه العملية ظهرت مع تسليم القوات الروسية لمدينة عفرين إلى النظام التركي مقابل إنسحاب المجموعات المسلحة للمعارضة من بعض المناطق لصالح قوات النظام.
خلال هذه التحولات تدمر نسبة 65% من البنية التحتية السورية، وهجر ما لا يقل عن 40% من سكان سوريا، سواءً في هجرة داخلية أو خارج الحدود، حيث لم يسلموا من الاستخدام التركية في ممارسة الضغوطات على الدول الأوروبية لتضمين صمتها حيال العمليات التركية ضد كرد سوريا.

عرقنة سوريا

هذه المرحلة أتسمت بشيء من الإستقرار في تقسيم النفوذ بين الأطراف ، وتبلور توازن بين الوجود الإيراني التركي في سوريا، وحصول كل طرف على حصته من الكعكة السورية. حيث دخلت الاتفاقيات بين الأطراف الإقليمية منحى جديد تحت مسمى الدول الضامنة، لتتحول روسيا وإيران اللتان أستخدما الاسلحة الفتاكة في عمليات القصف ضد المجموعات المعارضة، إلى دول ضامنة مع تركيا في وقف إطلاق النار بين النظام السوري والمجموعات المسلحة.
بدأت تركيا بتوجيه دفة حربها ضد القوات الكردية، فأدخلت المجموعات المسلحة في أتوان المواجهات الكرد، وإلهائها تحت مسمى ( منع دولة انفصالية كردية في الشمال السوري ). هذه التوجهات ضمنت للنظام السوري في إستعادة عافيته مقابل الإستمرار التركي في تنظيم المجموعات المسلحة للمعارضة تحت مسميات عديدة وعمليات حربية تسعى من ورائها للسيطرة على الشريط الحدودي بعمق 30 كلم، وطرح مشاريع إستيطانية لتوطين العرب السنة في المناطق الكردية. بالتزامن مع توسع الميليشيات الإيرانية - العراقية بين دير الزور ودمشق .
هذه التحولات أنتجت مناطق سيطرة لثلاثة قوى بعضها مدعومة إقليمية وأخرى دولياً، وتحولت معها الصراع على محاولة كل طرف التوسع على حساب الآخر، إلا أن الاتفاقيات بين الأتراك والإيرانيين والنظام السوري برعاية روسية كان لصالح إعادة سيطرة النظام على مناطق شاسعة، مقابل التوجه التركي والمجموعات السورية المسلحة التمدد نحو المنطقة الكردية، لتحصر نفسها هذه المجموعات في السيطرة على بعض المناطق الكردية حصراً، بينما إدلب سُلمت إلى الجبهة الشامية (القاعدة).
فتكونت لدينا مناطق متنازع عليها، القوات الكردية سعت لإستعادة المناطق المحتلة من قبل تركيا والمجموعات المسلحة للمعارضة، بينما أستمر النظام في إستعادة مناطق جديدة عبر تسليمها تركياً، فيما تحولت المجموعات المسلحة للمعارضة إلى مرتزقة تحت الطلب التركي، حيث دسهم في معارك تخص الاهداف التركية في ليبيا وأذربيجان، وتعطيل بنادقها إتجاه النظام كلياً لصالح محاربة القوات الكردية.

المادة القادمة من كتاب " مسارات الازمة السورية "
أدوات فهم الأزمة السورية

المواد السابقة من كتاب "مسارات الأزمة السورية"







إرسال تعليق

1تعليقات

  1. لقد ذكرت الحقيقة بكل تفاصيلها،وكلامك هذا يذكرني بمخطط قديم جديد، ألا وهو مخطط شرق الأوسط الجديد بتقسيم المقسم وتجزئة المجزئ، ،وهاد الحل الأنسب لان جميع الدل والأنظمة التي تحوي ع مكونات مختلفة تعيش تحت وطأة الظلم والتهميش ،،

    ردحذف
إرسال تعليق

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!