بين الكردي المضحي والمضحوك عليه

komari
0
قراءة سياسية لـ إبراهيم كابان
في المطلق يشير هذا الشرخ العميق الذي يتحكم في الواقع الكردي بتركيا إلى عدم إستيعاب المجتمع الكردي هناك لتطور القضية الكردية في الشرق الأوسط، لا سيما وإن حجم الممارسات الإجرامية التي مارستها الاجهزة الأمنية والجيش والجماعات القومية التركية بحقهم نتج عن حالة الخوف المتوراثة. ومن حالة الطوق الأمني والإعتقالات والتصفية العرقية بحق الكرد، مقابل إنطلاقة حركة التحرر الكردية في تركيا وتحولها إلى حمل السلاح لمواجهة آلة القتل التركية، بمعنى مواجهة القوة بالقوة، وهو ما أستغله النظام التركي في زيادة القمع والتنكيل وزرع الخوف الشديد الذي لا يزال الأجيال الكردية تعانيه حتى اللحظة، لذا نجد بشكل واضح الخوف والخشية لدى كبار العمر بعكس الشباب.
في الواقع قسم المشهد المارتوني الشارع الكردي في تركيا بين مواجهة آلة القتل والتنكيل والإعتقال والتصفية تحت يافطة النضال الثوري، أو الرضوخ لسطوة الامن والتحول إلى مرتزقة لصالح الجهات الامنية والجيش التركيين.
لقد توجهت الجهات الامنية التركية إلى تخيير المجتمع الكردي نحو التسلح ضد حزب العمال أو الإعتقال والتصفية، وهو بالضبط ما حصل، حيث ألتحق الالاف بصفوف حزب العمال لمواجهة جرائم النظام التركي، مقابل إلتحاق آلاف بصفوف مرتزقة " حراس القرى - قورى جي "، وهذا التخيير للمجتمع الكردي في تركيا لم يكن بمحض إرادتهم أمام الإجرام اليومي الذي مارسه النظام عبر أدواته الإجرامية.
الجيل الكردي الذي تربى على الخوف والرعب لا يزال يعاني على المستوى النفسي والإجتماعي صراعاً مريراً في ذاته، وحتى اللحظة لم يتمكن من بلوغ مرحلة ألا خوف، لا سيما وإن النظام التركي يمارس بأستمرار نمطية الإجرام الذي أستطاع من خلاله السيطرة على الشارع الكردي.

صناعة تيار مجتمعي وفق التفصيل التركي

خلال العقود التي مارست فيها الدولة التركية سياسة التصفية العرقية والقمع الممنهج فتحت المجال أمام الجهات الأمنية لتكوين خلاية من الكرد لإستخدامهم ضد العمال الكردستاني، وبإعتبار الأجواء الأمنية والسياسية وتهمة الإرهاب ضد كل من يملك نفساً كردياً، أنتجت شرائح تخدم المصالح القومية التركية، وتقديم الخدمات للجهات الأمنية سواءً العمل معها أو التخابر لها، وللجيش. لدرجة إن بعضهم أنضموا إلى صفوف الحركة القومية التركية التي يقودها باغجلي المعادي للوجود الكردي، وهي أشد التيارات التركية المتطرفة قادت وتدير عصاباته المسمى " الذئاب الرمادية " عمليات التصفية بحق الناشطين الكرد في الداخل والخارج.

الكرد.. والإسلام السياسي التركي

ظهر أردوغان والإسلام السياسي كمنفذ لدى الشريحة الكبرى داخل تركيا، لا سيما الكرد، إذ أن المنقذ الكردي الذي أنتظروه طيلة عقود طويلة لم يتوفر بسبب القمع الذي مارسه العسكر والامن حيال أي حراك سياسي كردي، وبينما كانت تهمة الإرهاب تلاحق كل مواطن كردي، دفع النظام التركي حزب العمل الكردستاني إلى زاوية القتال والمواجهة، وهو ما وفرت لها زيادة القمع ضد أبناء الشعب الكردي، لا سيما المناطق التي تأثرت بنشاطات الحزب وألتحق بعض أبنائها بصفوف المواجهات المشروعة ضد النظام.
قد يكون ظهور التيار الاسلامي التركي له بعد إستراتيجي في هذ التوقيت، لا سيما وإن الشارع التركي كان قابلاً للإنفجار الإجتماعي الداخلي، والتناقضات العميقة التي صعدت إلى القمة، والمرحلة الطويلة للعلمانية الشديدة لتركية أنتج عن مجتمع يبحث عن بصيص أمل ديني مقابل التطرف العلماني، إلى جانب تطور القضية الكردية الكردية في المنطقة، وبإعتبار يغلب المشاعر الدينية على الشعب الكردي فإن إستمالة الشريحة الكبرى منه يمكن خلال الحركات الصوفية الإسلامية، والتي تسيطر عل الشارع الكردي من خلال عمليات ممنهجة يديرها المخابرات التركية في السيطرة على الشريحة الكبرى داخل الشارع الكردي.
أرجحية ظهور الاسلام السياسي من أجل إحتواء الغليان الكردي مع نهاية القرن العشرين قد يكون أحد الآسباب الرئيسية في ميلان نصف المجتمع الكردي اليوم لصالح " أردوغان وحزب العدالة والتنمية"، مقابل فتح منفذ أمام الكرد لممارسة بعض الشعائر الإجتماعية والسياسية والفنية وإن كان أعظمها دخول حزب موالي للكرد إلى البرلمان التركي ويملك ثالث أقوى شعبية داخل تركيا. وإن كان حزب العدالة والتنمية يستحوذ على نصف المجتمع الكردي. والنصف الآخر الذي يؤيد الشعوب الديمقراطية يبقى رهن الإعتقال اليومي تحت مسمى "التعامل مع العمال الكردستاني"، وكلما تطور حزب الشعوب ليزيد شعبيته من النصف الذي يستحوذ عليه حزب العدالة والتنمية، تقوم الجهات الأمنية التركية بتلفيق تهم جاهزة لكبار السياسيين الكرد ويزجهم في المعتقلات. بمعنى الإبقاء على التوازن المستمر في جعل حزب الشعوب وبديلاته الكردية ضمن إطار محدد لا تتطور، لأن تطورها سيكون على حساب العدالة والتنمية، وهذا ما يتفق عليه معظم الأطراف السياسية التركية، وكذلك المؤسسة العسكرية والأمنية التي تدير الحرب الخاصة والعلنية ضد حزب العمال والقضية الكردية في تركيا.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!