تغييرات في الخريطة السياسية الأمريكية حيال سوريا فهل هناك خلافات مع قوات سوريا الديمقراطية؟

komari
0
تحليل إستراتيجي لـ : إبراهيم كابان*

- تكوين العلاقة
طبيعة تكوين العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية التي تمثل عسكرياً الإدارة الذاتية الواقعة في شمال وشرق سوريا، وضمنها المناطق الكردية، بعد توسع دائرة سيطرة دولة الداعش على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق مع نهاية ٢٠١٤، وكانت تشكل في واقع الأمر معضلة حقيقية أمام أي تطور لواقع الثورات التي أنطلقت في المنطقة وأمتدت إلى سوريا، وكانت في أوج التهام الداعش للمناطق النفطية السورية والعراقية، والتوسع نحو المناطق الكردية في الدولتين. وبإعتبار هذه المناطق كانت ذات قيمة وأهمية جيوسياسية وعسكرية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية، وحجم إستخدامات الانظمة الدكتاتورية ( السوري - الإيراني - التركي ) للمنظمات المتطرفة التي أدخلت القوات الأمريكية في مستنقع العراق خلال ٢٠٠٥-٢٠٠٩ وعطلت التوسع الأمريكي في الشرق الأوسط كقوة دولية تناشد الديمقراطية والحريات وتعمل على إسقاط الدكتاتوريات المقيتة. إلى جانب توسع الداعش وشكلت تهديداً مباشراً على الثورة السورية من طرف، وإستطاعتها التأثير الإجتماعي والخطاب الإعلامي على شرائح سورية وعراقية واسعة. وشكلت تهديداً مباشراً على المصالح الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط (الخليج العربي - إسرائيل).
وجدت أمريكا من توسع الداعش خطراً كبيراً على أمن وإستقرار مصالحها وحلفائه في الشرق الأوسط، ولم بوابة تدخل مناسبة سوى من المنطقة الكردية السورية التي شهدت مواجهات عنيفة بين المقاتلين الكرد وعناصر الداعش المدعومة من الجوار. ومن هنا بدأ الداعم الأمريكي للقوات الكردية السورية التي توسعت مع تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في ٢٠١٥ وشارك فيها العرب والمسيحيين بقيادة كردية.

تعمقت العلاقات العسكرية والتعاون الأمريكي الأوروبي مع قوات سوريا الديمقراطية لحاجة الطرفين لبعضهما، قوات سوريا الديمقراطية التي تحتاج للتغطية الجوية الغربية لمواجهة الداعش والمخاطر التي شكلتها تركيا والنظام السوري ضد منطقة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والقوى الغربية التي وجدت من توسع الداعش معضلة خطيرة تهدد أمن حلفائها من العرب والإسرائيليين ومستقبل مصالحها في الشرق الأوسط.

- مرحلة التحول الإستراتيجي

خلال السنوات الستة الماضية حاولت قوات سوريا الديمقراطية تحويل تلك العلاقة العسكرية في مواجهة الإرهاب ومنع عودة النظام السوري إلى مناطق الإدارة الذاتية إلى جانب سد التهديدات التركية، إلى عملية سياسية ودعم حقيقي تتبناها الولايات المتحدة، إلا أن الأمريكيين لم يتقدموا بهذا المسار خطوات عملية بسبب العلاقات الأمريكية - التركية، وإن كانت هناك تفاهمات متعلقة بالتنمية ودعم المشاريع التنموية لمنطقة الإدارة الذاتية، ألا أن النظرة الأمريكية في التعامل مع الإدارة الذاتية لم تخرج من إطار الدعم في مواجهة الجماعات الإرهابية، والحل الشامل لكافة سورية دون جزء منه.

لم تشارك قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في أية حوارات المعارضة السورية التي كانت لها طابع دولي، بالرغم إن مسار جنيف كان برعاية أمريكية وأوروبية، المتحالفين معها، ولم تفرضهم كالشركاء فعليين في الوضع السوري على هذه المؤتمرات، وكانت تلك تبعث إشارات أستفهام كثيرة حول تعاطي الأمريكي مع قوات سوريا الديمقراطية، في المقابل تحدث المسؤولين الأمريكيين مراراً حول طبيعة العلاقات مع القوات التي يقودها الكرد في سوريا، وإن هذه الشراكة تتعلق بمحاربة الإرهاب، فيما كانت روسيا وتركيا تقودان حوارات تقارب لإنهاء المعارضة السورية المسلحة والموجهة ضد النظام على نحو تغيير فوهة بندقيتها إلى القتال ضد الكرد بحجة قوات سوريا الديمقراطية، مقابل سحب هذه المجاميع من كافة المناطق الداخلية السورية التي حلت مكانها الميليشيات الإيرانية، وتقسمت سوريا فعلياً بين النفوذ الإيرانية والتركية، النظام والمعارضة. في الوقت الذي حافظت فيها قوات سوريا الديمقراطية على تمكين العلاقات العسكرية مع القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وتطورت هذه القوات إلى مؤسسة ضخمة تدير ثلث سوريا لا سيما مناطقها الإستراتيجية.

- تقاطع المصالح أم تضارب المصالح

مفهوم تقاطع المصالح بين التحالف الغربي وقوات سوريا الديمقراطية تركز على الحضور الأوروبي الأمريكي العربي في سوريا، وتقليص الدور الإيراني - التركي، وإن كانت إيران هي الخطر الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها بحكم التواجد التركي في النادي الغربي، إلا أن المساحات الشاسعة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية تقطع الطريق أمام تركيا من الوصول إلى الثروات الأحفورية السورية وتمنع إيران للغاية نفسها، بمعنى ثنائية التهديد الذي يشكله القوتين الإقليميتين بمستوى واحد، وليست هناك خطر اكبر من الآخر بالنسبة لكرد سوريا. وبالتالي المساهمة التي قدمتها قوات سوريا الديمقراطية في تحجيم الدور الإيراني - التركي كانت في غاية الأهمية بالنسبة للقوى الغربية والعربية، إلا أن التحولات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة، وعودة تركيا إلى نقطة التقارب مع الدول العربية، والعودة للحظيرة الغربية، شكلت ذلك في واقع الأمر معضلة جديدة لإبداء معظم هذه القوى خطوات سلبية للخلف، فأهمية تركيا الجغرافية والعسكرية بالنسبة للجميع، وعودة الصراع بين الدول الغربية وروسيا والصين ساهمت في إستعادة تركيا بعض امتيازاتها السابقة لدى القوى الغربية - العربية، لا سيما وإن خسارة تركيا في حلف الناتو تشكل صدمة حقيقية للنادي الغربي إذا ماتمت، لا سيما لتركيا الدور البارز في القيام بدور الشرطي الحدود للحلف خلال العقود الحرب الباردة. 
بالرغم من التقارب التركي الروسي الذي يتسم في بعض الاحيان بالإستراتيجية إلا أن النظام التركي يدرك تماماً إذا خرجت من النادي الغربي سيكون مستقبل تركيا التقسيم والإنهيار.

بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية فإن تركيا تشكل الخطر الأكبر على أمن سوريا، وطريقة تدخلها العسكري في المناطق الكردية أتسمت بالوحشية المطلقة، وزادت تلك المخاوف بعد تنفيذها لسلسلة عمليات التغيير الديموغرافي بحق السكان الكرد لصالح تجمعات تركمانية وعربية بعد الإتفاق مع الطرف الإيراني في تفريغ المنطقة العربية السنية لصالح التمدد الشيعي، وتوطين العرب السنة في المنطقة الكردية بعد إخراج الكرد منها بالقوة. وقد نتجت عن المخططات التركية تهجير اكثر من ما يقارب مليون كردي من مناطق عفرين وقباسيين ورأس العين وتل أبيض، وهذا كانت ضربة قاضية للمناطق الكردية التي أفرغت ما يصل نسبته إلى 60% ويحاول النظام التركي إستكمال مخططه في تفريغ الحدود بعمق ما يصل إلى 40% وهذه المنطقة تعتبر المناطق الأصلية للكرد، أي القضاء على الوجود الكردي.

- مواجهة الميليشيات الإيرانية مقابل ضمانات لوقف التهديدات التركية ورد الفعل الإيراني

ليس من السهل الموافقة على مواجهة الميليشيات الإيرانية دون ضمانات بمنع الإحتلال التركي، ولا يمكن الخوض في معارك ضد النظام الإيراني دون حماية دولية، لأن مواجهة إيران تعني بالضرورة حرب شاملة، وهذا يعني الدخول في معمعة كبيرة لن يكون لصالح الكرد مهما كانت الأسباب، لا سيما دون ضمانات.

من المفروض أن تقدم القوى الغربية والعربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضمانات للكرد وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا والعراق وإيران وتركيا، لأن مواجهة إيران بالمطلق سيمهد قرناً من الحرب في الشرق الأوسط، وستكون إيران حرب دائمة مع الكرد، وبما إنهم لا يملكون قوات الردع فإن دفع الكرد إلى هذه المعركة ستكون خاسرة دون ضمانات كبيرة.

على الأمريكيين وحلفائها في الشرق الأوسط فهم حساسية هذه العملية بالنسبة للوضع الكردي، فتركيا تنتظر أن تلتحق بها إيران في حرب شاملة ضد الكرد، وسيكون مركز التحرك إقليم كردستان، والنظام الإيراني ليس كالأنظمة العربية التي تم إسقاطها، النظام الإيراني كالأخطبوت لديه أذرع طائفية خطيرة وكثيرة في جميع الدول الشرق الأوسط، ولها علاقات إستراتيجية وأمنية وعسكرية مع تركيا، وبالتالي سيكون التحرك الإيراني - التركي ضد الكرد بكل الوسائل، وهذا يعني القبول بالعرض الأمريكي بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية في مواجهة إيران إنتحار عسكري وأمني وسياسي دون ضمانات. وبالتالي على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين والعرب تقديم اكبر قدر من الضمانات للكرد وقوات سوريا الديمقراطية وحتى لإقليم كردستان العراق.

- التوافق أو عملية الطلاق

من الواضح إذا لم تقدم الولايات المتحدة وحلفائها ضمانات للكرد وقواتهم فلن تكون هناك إتفاقيات إستراتيجية، وستبقى الشراكة بين الطرفين محدودة ومرتبطة بزمكان الحاجة فقط، ومن المحتمل أن تنتهي في الفترات القادمة من تضارب المصالح.
سوف يروج الإعلام الغربي - العربي (إن الكرد وقوات سوريا الديمقراطية لا يريدون القتال ضد إيران).
بينما سيركز الكرد وقوات سوريا الديمقراطية عبر تصريحاتهم على مطلبهم ( نريد ضمانات ) حول الملف التركي، وتقديم الدعم في حال الرد الفعل الإيراني ضدهم في الشرق الأوسط.
بين المسارين يمكن إيجاد صيغة توافقية يجمع الطرفين على مسار واحد في مواجهة الميليشيات الإيرانية، بمعنى أدق، تقديم بعض الضمانات مقابل الخوض في هذه المعركة، ودونها لا يمكن مطلقاً. فالذي سيدفع الثمن ليست دول الخليج العربي ولا إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين، وإنما الكرد وحلفائهم من العرب سيدفعون وحدهم الثمن الباهظ إذا لم يتلقوا أية ضمانات لحمايتهم فيما بعد، ويجب أن يكون أمن المشاركين في المعارك ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا كما أمن إسرائيل، لأن الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا ولبنان لن تقف مكتوفي الأيدي، بل سينفذون هجمات شاملة على منطقة الإدارة الذاتية وإقليم كردستان العراق وجبال قنديل، وهذا يعني تدخل تركيا أيضاً، وبذلك سيكون الموت المحطم لأي وضع كردي خاص في العراق وسوريا، وهو ما ينتظره النظام التركي ويخطط له.
وفي الوقت نفسه إذا تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن قوات سوريا الديمقراطية سيشكل مشكلة كبيرة في سوريا، لأن الغطاء الأمريكي ضرورة ملحة في حماية منطقة الإدارة الذاتية، ورفع الغطاء الغربي يعني بالضرورة التمهيد لهجمات تركية مؤكد، وبالتوافق مع النظام السوري والإيراني، وبرعاية روسية. وبشكل أدق هذا المسار هو أيضاً بمثابة أنتحار عسكري وسياسي.
إذاً كلا المساريين ليس لصالح الأمريكيين وقوات سوريا الديمقراطية، ويتطلب من الطرفين ( أمريكا- القوى العظمى ) و ( قوات سوريا الديمقراطية - القوى المحلية في سوريا )، البحث عن إيجاد نقاط تلاقي ومسار يتوافق عليه الطرفين من أجل ضمان البقاء الأمريكي وإستمرار قوات سوريا الديمقراطية وتقليص الدور الإيراني في سوريا ووقف الهجمات التركية. 

- المحصلة

سوف تستغل تركيا هذه التحولات والتناقضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية، وتعمل على تعميقها في المرحلة القادمة من خلال تقديم البدائل للأمريكيين، وإمكانية تشكيل جيش بديل عن قوات سوريا الديمقراطية من العشائر العربية الموالية لها أو التي سوف تلتحق بها لاحقاً، تحت يافطة محاربة التوسع الشيعي الإيراني، وسيكون التمويل بطبيعة الحال مقدم من الدول العربية التي بدورها أيضاً مستفيدة من هذه التحولات والخطر الإيراني، ولن تقدم تركيا أية طلبات للأمريكيين سوى الطلب الوحيد ( تخلي الولايات المتحدة عن قوات سوريا الديمقراطية )، وطبعاً هناك العشرات الالاف من العناصر الإرهابية التي لها ميول متطرفة ( بقايا الداعش والقاعدة - جبهة النصرة)، تديرهم تركيا وتمولهم لهذه الغاية، إلى جانب التشكيلات التي جهزتها تركيا من المعارضة السورية الموالية للأهداف التركية، تحت يافطة: إخراج إيران تعني إسقاط الأسد، وطبعاً هناك عشرات الالاف من السوريين والأجانب تنفذ المشاريع التركية دون أية موانع، وشاهدناهم في الذهاب إلى اتفاقيات أسيتانا بين الروس والأتراك والنظامين الإيراني - السوري، والذين معاً جمدوا مسار جنيف لصالح تعويم النظام وإعادته وتقويته على المجموعات المسلحة للمعارضة.
من المحتمل أن تبدأ البروبغندا التركية والمجموعات الإسلام السياسي من نقطة ( إن الكرد وقوات سوريا الديمقراطية حلفاء إيران، فيما تتفق تركيا مع إيران في الخفاء على نقاط سحب جزئي للميليشيات من سوريا)، ويكون النصر تركياً ومجموعاتها المرتزقة السورية، وبذلك يتم إبعاد أمريكيا عن الكرد وقوات سوريا الديمقراطية، وضرب وحدة قوات الديمقراطية بشعارات دينية وقومية لصالح بعض العشائر التي لها علاقات وثيقة مع تركيا والنظام.
في المرحلة الحالية ستكتفي تركيا بممارسة الضغوطات التالية على قوات سوريا الديمقراطية لاسيما في الملفات التالية:
- ألية قطع المياه عن مناطق الإدارة الذاتية، وتخفيض كبير في حصلة سوريا من نهر الفرات، وضرب المنشآت الإستراتيجية في المناطق الإدارة الذاتية.
- ألية أستخدام الطائرات المسيرة في المناطق الحدودية والغاية منها تفريغ المنطقة من السكان الكرد، وهذه العمليات ستكون ترهيبية ضد المدنيين والأطفال والنساء دون تمييز.
- إستخدام بعض الأطراف الكردية في المجتمع الدولي لتكذيب رواية قوات سوريا الديمقراطية حول مظلومية المناطق المحتلة ( عفرين ..... )، بحيث تؤكد تلك المجموعات الكردية الموالية لها في الاجتماعات والمؤتمرات المتعلقة بمناطق الاحتلال التركي.
في المقابل لن تستطيع إسرائيل تقديم أية عروض للكرد، بسبب علاقاتها مع تركيا، والضمان التركي لإسرائيل هو القضاء على أية تهديدات تشكلها الأطراف المتطرفة من المعارضة السورية ضدها، والتي تقودها تركيا وتديرها. بينما لن تقدم أية دولة عربية ضمانات للكرد وقوات سوريا الديمقراطية في ردة فعل النظام الإيراني ضد الكرد، لأن هذه الدول تحتاج بدورها لضمانات دولية في مواجهة تهديدات إيران، فالتدخلات الإيرانية تشكل معضلة للدول العربية، لأن مساحات التحرك الإيراني لم تكن إلا على حساب الدول العربية ( العراق -  اليمن  - سوريا - لبنان).

* باحث سياسي وكاتب صحفي ومدرب دولي في التنمية البشرية مع البورد الألماني، ومؤلف عدد من الكتب في التحليل الإستراتيجية. ومدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات

تنويه: يمكن إعادة نشر المادة في الوسائل الإعلامية الإلكترونية والورقية والمرئية على أن يذكر أسم المادة والباحث.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!