من يتحمل إفراغ المناطق الكردية في سوريا من سكانها؟

komari
0
خاص/ هيئة تحرير الجيوستراتيجي للدراسات 
- إستمرار مخطط تفريق المنطقة الكردية في سوريا ( بين النظام البعثي والإحتلالين التركي - الإيراني )
عمليات التغيير الديموغرافي في المناطق الكردية بسوريا ليست جديدة، سواءً من ناحية التعريب الممنهجة التي نفذها النظام البعثي خلال فترة الستينيات والسبعينيات القرن المنصرم، وحملات جرد الكرد من من الجنسية والأراضي في الجزيرة وبعض نواحي الشمالية للمحافظة الرقة وبين مناطق جرابلس وإعزاز والباب وإستيطانها بالمكون العربي، وصولاً إلى تنظيم برامج التفقير الممهنجة التي دفعت بعشرات الالاف من العوائل الكردية في ترك مناطقهم هرباً من شبح الفقر والتوجه نحو المدن الكبيرة كدمشق وحلب بغية تذويبهم في البوتقة العربية خلال فترة التسعينات وبداية الألفية الجديدة. 
وخلال فترة الثورة السورية أستكملت هذه العملية بيد المخابرات التركية والإيرانية حيث تم تهجير الكرد من مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه/ وتل أبيض /كري سبيه/ وقباسيين /بش كويه/ مقابل توطين مناطقهم بالمكونات السورية الأخرى كالتركمان والعرب السنة، إلى جانب تفريغ المنطقة العربية السنية في العمق السوري لصالح السيطرة الإيرانية وعمليات التشييع الممنهجة.
ويمكن القول إن النظام البعثي الذي نفذ مشروع التعريب والتجريد بحق الكرد كان يهدف إلى تذويبهم في البوتقة العربية، ونجح في إجراء التغيير الحقيقي على الأرض حيث فقد الكرد إلى ما يصل ٦٠% من مناطق الجزيرة. وبالتالي حصر الوجود الكردي في سوريا بمناطق محددة مثل ( كوباني - درباسية - عامودا- قامشلو - ديريك - تربه سبيه وجل أغا وكركي لكي ورميلان - والحسكة) وشوه النظام مناطق شاسعة ضمن هذه المدن بالدخيل الإستيطاني بعد الإستيلاء على الممتلكات المواطنين الكرد، وخلال العقود الخمسة الماضية عرب النظام أعداد هائلة من الكرد المتواجدين في المناطق الداخلية  ( حلب - دمشق - الرقة- حماه واللاذقية). 
مع إنطلاقة الثورة السورية بدأت هذه الأعداد تتقلص بشكل كبير جداً كما في حالة الرقة بسبب إحتلال الداعش خلال أعوام ٢٠١٤- ٢٠١٦، بينما حصرهم بحلب في حي ( شيخ مقصود وبعض أحياء صغيرة في المحيط )، بينما في دمشق وبسبب الظروف التي تعرضت لها العامة من عمليات التغيير الديموغرافي بحق العرب السنة والكرد من قبل الميليشيات الإيرانية، فإن الوجود الكردي في كلاً من هذه المناطق حصر تماماً إلى جانب المناطق الكردية التاريخية الممتدة مع الشريط الحدودي التركي وبعمق يتراوح بين ٥٠ إلى ١٠٠ كلم على طول ٥٠٠ كلم.
المشهد الحقيقي اليوم محصور في تحويل الكرد بمناطق الجزيرة إلى اقلية، وفي مناطق غرب الفرات إلى مجموعة معرضة للتصفية بقرى شهباء حيث سجن مغلق يحيط به الميليشيات الإيرانية والجيش الاحتلال التركي ومرتزقته من السوريين والنظام السوري.
معظم المناطق الكردية اليوم مفرغة من سكانها، لا سيما المحتلة منها، والذين فروا من إجرام الاحتلال التركي وتوجهوا للمناطق الإدارة الذاتية، ونسبة ٨٠% منهم خرجوا من سوريا، بمعنى العدد المتبقي منهم محاصرون داخل المخيمات.

- إستراتيجية الاحتلال التركي والنظام السوري والميليشيات الإيرانية

كلاً من النظامين التركي - الإيراني لديهم مشكلة داخلية مع الكرد، بل إن أعداد الكرد في كلا الدولتين اكبر بكثير من الكرد في سوريا، ومن مصلحتهما تصفية أي تطور كردي في المنطقة، ويشاطرهم النظام السوري أيضاً في هذه المسألة لأنه في الوقت الذي كانت فيها تركيا وإيران تنفذان حرب الإبادة بحق الشعب الكردي داخل حدود بلدانهم، كان النظام السوري يقضي على الوجود الكردي من خلال عمليات التعريب والتصهير العرقي. وبالتالي الأنظمة الثلاثة يقودون مشروع حرب خاصة ضد الكرد، ولا يمكن لهما التهاون في أية مسألة تتعلق بأي تطور في المسار الكردي، لا سيما في سوريا بحكم إٍستمرار الحرب الأهلية بأوجه متعددة وزيادة وتيرة التداخلات الدولية وقد يتلقى الكرد أي دعم غربي في تدويل قضيتهم وتطويرها داخل البلاد وتنعكس تطوراتهم على تركيا.

- هل لدى الإدارة الذاتية أية بوادر لحماية ما تبقى من الكرد؟

في ظل هذه الحرب الخاصة والممنهجة ألا يتطلب من الحركة السياسية الكردية التكاتف والقيام بوضع خطط مناسبة لحماية الوجود الكردي بإعتبار إن القضية أصبحت الآن تتعلق بالوجود وخطر زوال الهوية نتيجة للإبادة الثقافية ؟، وضرورة تأمين سبل البقاء والتشبث بالأرض؟. 
يجب أن ندرك تماماً إنه لا تكفي أن تحمي المنطقة دون الحفاظ على هوية وبقاء الشعب فيها، لا سيما وإن المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية غنية جداً بالثروات الأحفورية إلى جانب السدود المائية والزراعة. ترى ماذا قدمت الإدارة الذاتية في عملية تحسين الظروف الإقتصادية للمناطق الحدودية؟.
تشهد المناطق الحدودية قصفاً تركياً يومياً، وعمليات التهديد من خلال الطائرات المسيرة وأساليب إرهابية أخرى لتخويف الناس ودفعهم إلى التهجير، والهدف واضح، تفريغ المدن والأرياف من السكان، مقابل عدم تحرك الإدارة الذاتية بإتجاه تقديم أي دعم حقيقي للأهالي في عملية التشبث بالأرض، فأسعار المواد في أعلى مستوياتها ، وأكثر من ٨٠% من السكان ليس لديهم أحد موظف في مؤسسات الإدارة الذاتية، والكهرباء غير متوفرة كما يجب، إلى جانب أزمة المياه التي تستخدمها تركيا كذراع ضغط على الإدارة الذاتية بعد قطع حصة سوريا من المياه، ورداءة الخدمات الميدانية للمواطنين في معظم المناطق.

- كارثة تقليص الوجود الكردي في مناطق الادارة الذاتية

إن إصدار الأغاني الثورية ومطالبة الناس بالمقاومة وحدها لا تكفي بحماية الشعب من الذوبان في ظل الحاجة والفقر المدقع، وإطلاق يد التجار وبعض المسؤولين الذين يستغلون مناصبهم، إلى جانب عوائل بعض المسؤولين الذين يستغلون وجودهم القبلي داخل مؤسسات الإدارة الذاتية.
هناك بعض القوانين المدنية الصادرة عن الإدارة الذاتية تطبق حصراً في المناطق الكردية دون سواها، وهي تقليص الولادات من خلال تمكين مؤسسات المرأة نحو الدكتاتورية، وهذا يعني منع تشجيع الزيجات، حيث يؤثر بشكل مباشر على تقليص الولادات مقابل عدم تطبيق هذه القوانين في المدن والأرياف العربية. ويشكل ذلك معضلة حقيقية في ظل الهجرة وحجم الضحايا من الشباب الكرد في الحرب ضد الإرهاب والاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة السورية.

- العسكرة أم المشاريع التنموية لإنقاذ المنطقة؟

الظروف المعيشية السيئة والتوجه للعسكرة كسبيل وحيد أمام الشباب ساهم في دفعهم نحو الهجرة أو البقاء والإنضمام إلى صفوف القوات العسكرية، وبالتالي يواجهون مصيراً مجهولً وفقدان الثقة والآمال المستقبلية، ودون العمل على دعم هؤلاء الشباب بالمشاريع والأعمال التي تساعد في التنمية والإقتصاد وفتح الأسواق وكذلك يزيد لديهم الدافع في التشبث بالبقاء.  
في واقع الأمر لم تتوجه الإدارة الذاتية نحو دعم الشباب مطلقاً، ولا زالت المنطقة تفتقر إلى مشاريع وبرامج تنمية في إستقطاب وأستوعاب الشباب، وإذا أستمرت الحالة بهذا الشكل فإن المستقبل ينذر بخطر كبير في تفريغ المنطقة من الفئة الشبابية، لا سيما وإن ظروف الحرب لن تنتهي أبداً لطالما إن القوى التي تحارب لها مخططات تنفذها بالقوة، وهذا يعني بالضرورة نحن مقبلون على كارثة تفريغ المنطقة بشكل كامل خلال السنوات القليلة القادمة.

- هل ثمة حلول في الأفق ( نقدم حلول إستراتيجية للتنمية المستدامة )

حتى اللحظة لم تقدم الإدارة الذاتية حلولاً تساعد في التنمية المستدامة ودعم الشباب، وبالتالي يساهمه ذلك في زيادة وتيرة الهجرة. إلا أن الحلول ممكنة إذا توفرت النوايا، ودون تحرك حقيقي من قبل مؤسسات الادارة فإن جميع الحلول غير مجدية. 
- تستطيع الإدارة الذاتية توفير ما يقارب مليونين دولار شهرياً لتخصيصها في دعم مشاريع الشباب، مثال على ذلك فتح بنك محلي مهمتها دفع القروض المتوسطة لدعم الشباب دون فوائد، وكذلك فتح باب المسابقات اليومية للتقديم على المشاريع، وقبولها وتمويلها بشكل كامل، دون ممارسة الضغوطات في أستردادها، بل تساهم في نشر الوعي الإقتصادي وتكوين المشاريع.
- يمكن للإدارة الذاتية الإستعانة بخبراء إقتصاديين في عملية التنمية، على أن لا تطال الفساد والمحسوبية والمخربين هذه العملية. وأن تكون تحت رقابة حقيقية.
- إلى جانب ذلك، يمكن للإدارة الذاتية توجيه قدرات مالية نحو الشباب الذين تصرحوا من الخدمة الإلزامية من خلال هذه المشاريع.
- تمكين المزارعين وتشجيعهم على زراعة الخضروات سواءً بلاستيكية أو عادية أثناء المواسم وخارجها، من خلال زيادة الدعم وتوفير المستلزمات. 
- تشجيع الشباب ودعمهم مالياً في عملية بناء مزارع الدواجن والأبقاء 
- إنعاش سوق المدن من خلال تقديم الأموال اللازمة للشباب في أحياء دور التكنولوجيا والطاقة.
في الواقع هناك الكثير من المشاريع التي يمكن تنفيذها من قبل الشباب وبدعم الإدارة الذاتية، وهذا يتطلب مخطط كامل يمكن للإدارة البدأ بها لدعم الشباب.

- الحاجة إلى أخذ الموقف، ولكن من يبدأ؟

الصراعات الداخلية الكردية ساهمت في زيارة حجم التوتر والخلافات داخل الشارع الكردي، وتغليب الذهنية الحزبية على المصلحة العامة، وإصرار كل طرف على ربط أي نقد للظروف المعيشية في منطقة الإدارة الذاتية بمعاداة الإدارة، بمعنى أن تنتقد مؤسسات الإدارة الذاتية في مسائل الخدمات والسياسات العامة فإن أنصارها ومؤيديها بدل أن ينظروا في تطوير الظروف يلتجئون إلى تصنيف ذلك بحرب خاصة ضد الإدارة.
في المقابل يتخذ المجلس الوطني الكردي الحليف للإئتلاف السوري المعارضة الذي يتخذ من تركيا معقلاً لها، موقف معادي من الإدارة، ويساهم المجلس في زيادة وتيرة الهجرة من خلال عمليات الشويه الممنهجة ضد الإدارة الذاتية، كما إن وسائلها الإعلامية ساهمت خلال السنوات السبعة الماضية في زيادة القلق والخوف لدى الشارع الكردي من الإدارة لا سيما وإن عملية التشويه تعتمد على تحقير الإدارة الذاتية ودفع الناس إلى الإبتعاد عنها وترك المنطقة، وهذه السياسية دخلت في خدمة الاحتلال التركي الذي يعمد إلى تفريق المنطقة الكردية الحدودية من السكان الكرد.

- فوائد التنمية 

لا بد إن الظروف الإقتصادية الصعبة تساهم بشكل مباشر في فقدان المواطنين الثقة بالإدارة. وهذا يعني الإهتمام بالتنمية والإقتصاد كفيل بتشبثهم في مؤسسات الإدارة.
إذا وضعنا هذا المقياس نصب أعيننا فإننا بذلك نتحكم ببوصلة مطالب الشعب، وهذا يعني سننجز له الكثير في عملية التنمية الإقتصادية وتأمين حاجيات السوق من المواد الغذائية والصناعية.
التنمية المستدامة جزء مهم في خلق الثقة بين المواطنين والإدارة، لأن المجتمع يبحث عن لقمة العيش والحياة الكريمة وتوفير حاجياته المعيشية دون عناء، ودون توفير الجزء اليسير من هذه الحاجيات يسبب في تشذي الإلتفاف بين المجتمع والسلطة.
إن تقوية الثقة بين المواطنين والإدارة يبعد شبح لجوء الشعب إلى التعامل مع القوى المنافسة في سوريا.

- المحصلة

كل هذه الظروف تؤكد إن الكرد في سوريا وبكل أطرافهم ليس لديهم إستراتيجية إدارة الأزمة وحماية الوجود الكردي، وإن الهجرة سوف تستمر إلى درجة إفراغ المنطقة الكردية من السكان، وقد يصل إلى ٦٥% مع نهاية ٢٠٢٣، والإدارة الذاتية واقعة تحت سيطرة بعض التجار السياسة والمال الذين لا يدركون مخاطر هذه العملية على الوجود الكردي في سوريا. مقابل إستمرار المجلس الوطني الكردي خلف المخططات التركية ضد الإدارة الذاتية دون وعي ومعرفة إن تركيا تقود حرب إبادة لكرد سوريا.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!