ماذا بعد زيارة الدكتاتور إلى الصين (هل نحن أمام مناقصات جديدة لبيع ما تبقى من سوريا؟)

komari
0
قراءة جيوسياسية لـ: إبراهيم كابان
يعتقد السوريين المعارضين إن هذه الزيارة لن تكون لها صدى أو تأثير في إعادة الدكتاتور السوري لمكانته الدولية من بوابة المحور الصيني، إلا أن طبيعة تبني الروسي للنظام السوري والتجاذبات مع الجامعة العربية والإتفاقيات مع تركيا ورعاية عسكرية وإقتصادية إيرانية، كفيلة بتمديد عمر الاسد وإعطائه مزيداً من القدرة والفرصة على البقاء في المسار الذي يعتمده لتعويم نظامه.
تحول النظام السوري إلى لقمة صائغة للشركات الروسية - الصينية التي تبحث عن مجالات وأسواق جديدة للإستحواذ عليها، لا سيما إن الشركات الصينية المظللة بسلطة الدولة كانت قد بدأت في العمل قبيل انطلاقة الثورة السورية على الإستثمار في العاصمة دمشق، وتحدثت الوسائل الإعلامية للنظام السوري آنذاك حول منح الشركات الصينية حق الاستثمار في مناطق عدرا العمالية وغيرها، إلا أن مجريات الحرب والتدمير الذي تسببت به الحرب الأهلية السورية جعلت من البلاد تحت وطأة الشركات الحليفة كما يسميها النظام السوري، ولعلَّ الصين الأقرب إلى أن تكون الرابح الأكبر في مرحلة ما بعد الحرب والتي تحاول روسيا التحضير له من بوابة التقاربات مع الدول العربية وإعادة بشار الاسد إلى جامعتها بالرغم من الموانع الأمريكية المستمرة والمتمثلة بقانون القيصر والحضور العسكري، وإخراج الثروات السورية المتمثلة بالنفط والغاز والقمح والسدود المائية عن سلطة الدكتاتور.
إن الدخول الصيني على الخط لن يكون سهلاً بالنسبة لطبيعة الصراعات الموجودة في سوريا، فالتجازف بدعم النظام المتهالك أمام الحضور الأمريكي الواسع ( في حشر النظام السوري داخل زاوية السقوط الإقتصادي) سيخلف الكثير من الخلافات الأمريكية - الصينية، وتفرض بظلالها على السياسات الدولية. إلا أن الإستراتيجيات الصينية في التعامل مع هذه الظروف تختلف تماماً، بإعتبار إن الشريك الروسي موجود في الساحة فإن الفائدة الصينية ممكنة، حيث أستطاعت الصين شراء النفط الروسي، متجاوزة العقوبات المفروضة على روسيا بعد أزمة أوكرانيا، ولبكين أسلوب خاص في تفاضي الإِشكاليات والإلتفاف على العقوبات الأمريكية - الغربية، وهذا قد يحدث في سوريا أيضاً.

النظام المتهالك والبحث عن منقذ

لم ينجح الأسد في إقناع الدول العربية والمضي قدماً نحو تعويمه بالرغم من إستقباله داخل الجامعة، وذلك بسبب عدم إستطاعة الأسد في الخروج عن الهيمنة الإيرانية التي باتت تعشعش داخل مؤسساته العسكرية والإقتصادية والإدارية، وهذا ما يخالف مع المصالح العربية التي حاولت من خلال سياسة خطوة بخطوة تقريب الأسد إلى العرب مقابل إبعاده بخطوة عن إيران، والنظام يدرك حقيقة إبعاده عن إيران تعني تحويله إلى لقمة صائغة نحو السقوط.
مقابل ذلك تتعرض المصالح الإيرانية في سوريا إلى هزات كبيرة نتيجة للتهديدات الأمريكية بتنفيذ عملية واسعة في مناطق دير الزور التي تتربع فيها الميليشيات الإيرانية إلى جانب الهجمات الجوية الإسرائيلية الشبه يومية على نقاط إيرانية في دمشق وباقي المناطق، وتراجع الدعم الروسي كثيراً في إنقاذ النظام إقتصادياً بعد إندلاع حرب أوكرانيا وتحويلها إلى مستنقع يحتاج الروس فيها أية قدرات وإمكانيات لإستمراريته أمام الدعم الكبير الذي يقدمه الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية للجيش الأوكراني، وبالتالي حظوط النظام السوري في إقناع العرب أو الإستفادة المستدامة من الروس والإيرانيين لن تدوم، وهو ما يحاول رأس النظام السوري البحث عن البدائل الممكنة خارج الصور الروسي الإيراني. وبما إن للصينين إستراتيجيات ممكنة في خرق العقوبات فإن النظام السوري يحاول تقديم أكبر قدر من المصالح للشركات الصينية في الإستحواذ على ما تبقى من المنشآت أو عمليات إعادة إعمار سوريا مستقبلاً.

التوسع الصيني المستمر

في تتبع التحركات الصينية الإقتصادية يستحوذ الشرق الأوسط على الإهتمام البارز، وبإعتبار السوق السورية ستكون مهمة في المستقبل فإن الصينيين سوف يبحثون في الكعكة السورية عن موطئ قدم، بالرغم ضعف النظام السوري إلا أنه لا يزال ممنوح بالشرعية الدولية وأثنين من الدول الخمسة المالكة لحق النقد الفيتو  في مجلس الأمن يدعمانه، فإن عقد أية إتفاقيات معه تصبح رسمية وذات طابع دولي، وبموجبها يمكن للصينيين الحضور والإستحواذ على مقعد أساسي في مستقبل الإعمار السوري، على أن تكون الفائدة مستقبلية وليس فقط في هذه الظروف التي تشهد فيها مناطق النظام ومعظم شخصياتها المسؤولة عقوبات أمريكية - أوروبية.

الذراع التركي معطل إقتصادياً

الأهداف التركية في الشمال السوري قد تعيق تقدم الإتفاقيات بين النظامين التركي - السوري، وبالتالي لن تكون هناك فائدة مباشرة إقتصادياً، فما تعانيه تركيا من ظروف إقتصادية داخلية متوترة وطبيعة أطماعها في المناطق الشمالية تتسب بتعطيل الشراكة الإقتصادية بين الطرفين، وتتوقف في حدود تنفيذ الإتفاقات الأمنية والعسكرية برعاية روسية - إيرانيةـ لأن الإنتقال إلى مرحلة التعاون الإقتصادي بحاجة إلى ظروف ملائمة في ظل شروط أردوغان الخاصة بالهيمنة على الشمال ومطالب الاسد في إخراج الجيش التركي.
لا شك إن تركيا ساعدت كثيرة في القضاء على المعارضة السورية المسلحة إلى جانب تفتيت مظلاتها السياسية، بل كان لها الدور الأعظم في عملية تحجيم الجماعات المسلحة وجعلها ضمن دائرة المسلحين التركمان الذين يقودون المشهد في مناطق الإحتلال التركي، وتعتبر تركيا إن الذراع التركماني وولاء جماعة أخوان المسلمين لها في سوريا تضمن هيمنتها وحضورها الدائم، وبالتالي حجم التعقيد المفروض على المشهد يجعل من الطرف التركي ممارسة الضغوط على نظام الأسد  وإجباره للقبول بالشروط التركية 
تعتقد تركيا إن الأسد متهالك تماماً وفي ظرف يمكن له القبول بشروطها التي تتضمن الإبقاء على نقاط عسكرية مع تطوير إتفاقية أضنا التي أبرمت بين الطرفين عام ١٩٩٨ والسماح بدخول مناطق الشمال السوري لبعض كيلومترات لملاحقة ما تسميها بالجماعات الإنفصالية، وتوسيعها إلى عمق ٤٠ كلم على أن تكون المنطقة تحت الوصاية التركية الأمنية، إلى جانب المكاسب الإقتصادية.

النفط والغاز خارج التغطية

لطالما شكلت الثروات الأحفورية ورقة ضغط إقتصادية لتدمير نظام الأسد من الداخل، فإن خروج منابعها ساهمت بشكل مباشر في ضرب قدراته، بالرغم من إستعادته لمناطق شاسعة فإن العامل الإقتصادي كان ضارباً لتعطيل أي تطور حقيقي في الخدمات والإصلاح، حيث زادت من وطأة معاناته بعد الحضور الأمريكي الأوروبي عسكرياً لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد في السيطرة على النفط والغاز إلى جانب مناطق الجزيرة التي تعتبر سلة الغذاء السورية. بمعنى أصبحت مادة الحبوب وإدارة السدود المائية والمناطق الزراعية خارج إقتصاد النظام، وأي إنجاز عسكري له لن يترجم على أرض الواقع بسبب فقدان الإمكانيات والمقدرات الإقتصادية.
لقد ساهمت قوات سوريا الديمقراطية في تدمير إقتصاد النظام، وجعله يفقد القدرة على إدارة مناطقه، في ظل تراجع المعارضة السورية إلى حضن النظام من البوابة التركية بعد الإتفاقيات التي أبرمت مع الروس والإيرانيين والنظام السوري في أسيتانا وسوتشي. 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!