تحليل لـ: إبراهيم كابان
التعداد المليوني لمحتفلي عيد النوروز في مدينة ديار بكر/آمد، يوحي بتوسيع التيارات السياسية الكردية التي فقدت بعض شعبيتها خلال المرحلة الماضية، إلا أن السياسات العنصرية التي أبداها النظام التركي المتمثل بالإسلام السياسي والحركة القوموية التركية، دفع بالكرد إلى الإلتفاف حول الأحزاب الكردية بالرغم وجود خلافات قد تكون عميقة في بعض الأحيان بالرؤية والأدوات النضالية.
كما إن المشهد الكردي يوحي بتفاصيل جديدة قد تنتجها الإنتخابات التركية القادمة في نهاية آذار ٢٠٢٤، لا سيما وإن هذه الإنتخابات قد تكون مفصلية لإعادة سيطرة الكرد على البلديات الواقعة ضمن جغرافية المنطقة الكردية في جنوب وشرق تركيا، كما يشير هذا الإلتفاف حول الحركة السياسية الكردية بمثابة ضربة في رأس المشاريع التركية التي تم تنفيذها خلال السنوات العشرة الماضية في إبعاد الشارع الكردي من الحركة السياسية الكردية وذلك من خلال إعتقال النشاطين والسياسيين ورؤساء البلديات الكردي لصالح الحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، وإعادة بث الخوف داخل الشارع الكردي بغية تضعيف شعبية الأحزاب الكردية. إلا أن التطورات الميدانية توحي بفشل المشاريع النصرية التي أقدم عليها النظام لإبعاد الشارع الكردي عن الحركة السياسية، وخاصة في جزئية الأنتخابات، لأن حجم التأييد الحاصل حالياً للحركة السياسية الكردية من قبل الشارع يكشف لنا التفاصيل القادمة والتصورات حول نتائج الإنتخابات.
التلويح بعصا التسعينيات
يخشى النظام التركي كثيراً من الإنفتاح على الديمقراطية والحريات، لأن ذلك يتسبب بالنهضة الثقافية والإجتماعية داخل الشارع الكردي، ويدفع به نحو الشعور بالإضطهاد الذي يعانيه على المستوى القضية الكردية، ومن ثم التحول لرفض المماسات العنفية التي تنتهجها الجهات الأمنية التركية، وبذلك يتحول الصراع الداخلي التركي نحو مرحلة توسعية تتعلق بالصدام القومي.
التنفيسات التي يتخذها الدولة العميقة التركية ونظامه الحالي في تهيئة الشارع الكردي بالمساح لبعض مظاهر الثقافية والإجتماعية الكردية وحتى السياسية من بوابة أحزاب أممية كردية، قد ساعد هذا النظام في تهيئة الغضب الكردي، إلا أن الممارسات التي أبداها النظام خلال السنوات العشرة الماضية ساهم بشكل عميق في عودة المسار إلى نقطة الصفر، وهو ما دفع بالكرد إلى العودة للإلتفاف حول الحركة السياسية الكردية لدرجة قد يدفع الحزبين الكرديين ( اليسار الأخضر - الذات التوجه العلماني، وهدى بار الذات التوجه الإسلام السياسي ) إلى العمل الثقافي الكردي في تركيا.
لذا فإن الخيارات المحدودة أمام النظام التركي في القبول بواقع ديمقراطي والإنفتاح على الحريات العامة والإعتراف الثقافي بالقضية الكردية وإن كان جزئياً أو العودة إلى فترة التسعينيات التي ميزت بالتصفية العرقية والإغتيالات بحق الناشطين والسياسيين والحقوقيين والطلاب الكرد على يد منظمات تتبع للدولة العميقة.
التطور الكردي في المحيط وتأثيراته على الداخل التركي
في تتبع للأهداف التركية الحربية داخل سوريا والعراق ضد الواقع الكردي المتطور والمتمثل (بإنشاء إقليم فيدرالي في كردستان العراق وإقليم الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا) وتكوين قوى عسكرية كردية تملك السلاح وتتطور بطبيعة العلاقات الدولية المتفاعلة في سوريا والعراق بسبب قضايا محاربة الإرهاب، إلى جانب تفاعل الحراك السياسي الكردي مع الدول لتنتج في المحصلة عن تكوين هامش من العلاقات السياسية والعسكرية والإقتصادية، هذه العوامل يبعث الخشية لدى النظام التركي ويبرز هذه التأثيرات بواقع الكردي داخل تركيا، وسوف تدفع بطبيعة الحال نحو رفع مستوى النضال والثورة داخل الشارع الكردي في مواجهة أدوات القمع والتنكيل والإنكار الممنهج من قبل النظام التركي، لا سيما وإن النسبة السكانية الكردية في تركيا كبير جداً والمناطق الكردية الشاسعة التي تحاذي الإقليمين الكرديين في العراق وسوريا تكاد تشكل معضلة وهاجس حقيقيين لدى النظام التركي وأطماعها المتواصلة.
الخيارات المحددوة أمام النظام التركي وفزاعة حزب العمال الكردستاني
كلما تكونت القواسم المشتركة بين الحراك الكردي في تركيا فإن الخيارات النظام التركي تتراجع في موجهة الوعي القومي الكردي، لذا فإن النظام التركي يلتجئ إلى خلق حروب إقليمية لنقل الحرب ضد الكرد إلى المحيط بهدف تحقيق إبعاد الواقع الكردي المتطور في سوريا والعراق بعيداً عن أقرانهم في تركيا، وفي الوقت الذي يحارب فيه ما تدعي بالحرب ضد حزب العمال الكردستاني فإن الحراك السياسي الشعبي في تركيا مرتبط بشكل مباشر مع حزب العمال، بمعنى يخشى النظام التركي في فتح جبهة داخلية مع حزب العمال لأن ذلك سوف يكلفها الكثير داخلياً، وإنما يعوضها بحرب خارج الحدود مع كورد سوريا والعراق تحت يافطة محاربة حزب العمال الكردستاني.