توازنات القوى في الشرق الأوسط بعد المواجهات الإيرانية - الإسرائيلية

komari
0
تحليل إستراتيجي/ خاص: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
في المطلق لو كانت إيران جادة في توجيه ضربة عسكرية إلى إسرائيل (وإن كانت ضمن نطاق محدد) لوجهت ببساطة مجموعة من الصواريخ المجنحة والبالستية وكروز التي تصل مداها إلى العمق الإسرائيلي وأبعد من ذلك خلال لحظات، سواء من داخل إيران أو مناطق سيطرة حلفائها في لبنان وسوريا والعراق، إلا أن أختيار الطائرات المسيرة التي تحتاج إلى ساعات طويلة للوصول، عابرة الأراضي العراقية والأردنية والسورية، بالإضافة إلى الصواريخ التي وصلت صحراء النقب، هذا يعني بطبيعة الحال شرعنة أصطيادها من قبل الدفاعات والطائرات الأمريكية وعموم التحالف الدولي المسيطر على كامل هذه المنطقة. وبالتالي لم تكن الغاية قصف إسرائيل وإنما إيصال رسالة من طرف وإظهار تحركاتها قوة إقليمية مؤثرة في ظل التطورات توجيه الإتهمامات لإيران بتوريط حركة حماس في غزة ولجم أدواتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. 
في واقع الأمر، أبرزت العملية جرأت إيران على توجيه ضربات عسكرية لإسرائيل، وإن كانت بالسيناريو الرديء الذي أنتهى به العملية، وتحويل المنطقة إلى كتلة مواجهات حربية وفوضى عارمة بعد سنوات الستة التي ظلت تقصف فيها إسرائيل المواقع والمنشآت الإيرانية داخل سوريا دون رد فعلي. إلا أن توسع إسرائيل في ضرباتها لتشمل مباني من السفارة التي تعتبر جزء من الأراضي الإيرانية في دمشق شكل تطوراً مفصلياً وإختباراً حقيقياً أمام النظام الإيراني الذي فقد هيبته أمام مناصريه وأذرعته في الشرق الأوسط، وأظهرت ضعف القدرات الإيرانية وحقيقة تحجيم دورها أمام اللاعبين الإقليميين والدوليين.
وفي السياق إعطاء إيران دافع المناعة لأذرعتها في الشرق الأوسط بقدرتها على مهاجمة إسرائيل، جاء الرد الإسرائيلي ضمن سياق مستوى العمليات برمتها، حيث وجهت بدورها ثلاث طائرات مسيرة صغيرة الحجم إلى مدينة أصفهان التي تعج بالأهداف النووية والإقتصادية والتصنيعية والجوية، دون أستهداف أي منها أو التسبب بخسائر فيها، في الوقت الذي نفت فيها إيران تلقيها أية ضربة من الخارج في المناطق المذكورة. بمعنى لا رد جديد ولا تطور في الوقت الحالي.
البعد الإستراتيجي للحدث

التوزان المذهبي والسياسي في الشرق الأوسط يشكل آلية تحكم رئيسية في إستراتيجية القوى الكبرى لإدارة مسارات القضايا الشائكة التي تتطلب عملية التعاطي مع التناقضات والتقاربات بحكم المنطقة مفتوحة على تقلبات متعددة، ولعلّ إيران التي تقود المحور الشيعي مقابل المحور السني العربي أُفسِحَ لها المجال لتبسط سيطرتها على العراق وسوريا ولبنان واليمن، لغاية تمكيها من التساوي مع القوة السنية التي تحيط بإيران، وهو ما يسهل توطيد الصراع بين الطرفين، ويضمن إستمرارية بسط إسرائيل سيطرتها على المنطقة، مقابل الحاجة العربية إلى الحضور الأمريكي - الأوروبي لمنع التوسع الإيراني، ومساعدة العرب والإسرائيليين في بناء التقاربات لمواجهة المشروع الفارسي الإفتراضي.
تشكل أمن وحماية إسرائيل أولوية قصوى لدى القوى الغربية، وتدخلها بتقديم الإمكانيات الإستراتيجية قد يعطل الدعم لأوكرانيا، مما يظهر التواجد الروسي في التحرك الإيراني بهذا الوقت، ويتبين صناعة القرار في ظهران كانت مبنية على تكتيكات روسية مماثلة لتعطيل الدعم الغربي لأوكرانيا. 
لقد أدى الدعم الذي تقدمه الصين وروسيا إلى تعزيز حماسة طهران، في حين تساهم الضغوط الداخلية والمناورات الإيرانية من أجل السلطة أيضاً في زيادة جرأة طهران. وعلى الرغم من أنها لا تزال خائفة بشكل واضح من هجوم من جانب الولايات المتحدة، إلا أنه يجب على القادة الأمريكيين أن يدركوا أنهم يشجعون إيران وغيرها من الخصوم على توسيع الحدود بسبب معرفتهم أن واشنطن ترغب في تجنب الحرب.
فيما صبت النتائج لصالح تطور الموقف الإسرائيلي المتعثر بعد المضي قدماً في معركة غزة لشهور، لأن الأستعطاف الغربي تراجع كثيراً، وبدأت الدول الغربية تتحدث عن الإعتراف بدولة فلسطين ومحاسبة إسرائيل وضرورة التوقف الحرب، كجزء من ممارسة الضغوطات على القيادة الإسرائيلية التي خرجت عن السيطرة وعمليات الدفاع لما تعرضت له في ٧ اكتوبر. لذا التصرف الإسرائيلي في قصف السفارة الإيرانية ودفعها إلى الرد بالسيناريو الذي تم صبت لصالح إسرائيل في إعادة الدعم الغربي لها.

الوصاية على إسرائيل وضمان حمايتها غربياً

ظلت إسرائيل تتلقى الدعم من القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة، كجزء من واجب الحماية والوصاية الفعلية، وخلال العقود الماضية شكلت إسرائيل عمقاً إستراتيجياً للقوى الغربية في الشرق الأوسط، وهو الدافع الإرتكازي للحروب التي تمت في المنطقة حيث تلقى فيها إسرائيل الدعم والحماية بإستمرار.
وخلال الهجمات الإيرانية الأخيرة لعبت القوى الغربية دوراً بارزاً في منع وصول أية طائرات مسيرة ومعظم الصواريخ إلى إسرائيل إلا أن ما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك سيعتمد على النجاح النسبي للهجوم الإيراني اليوم. وإذا شعرت إيران أنها ردت بما فيه الكفاية على الهجوم الإسرائيلي على منشآتها، فإن المنطقة سوف تتراجع عن حافة حرب أوسع نطاقا. ومع ذلك، إذا نجح الهجوم الإيراني بشكل مفرط، فإن إسرائيل سترد. وستشمل دورة الاستجابة الحتمية الولايات المتحدة، ومن المرجح أن تنتشر في جميع أنحاء المنطقة.وبغض النظر عن النجاح النسبي للهجوم الإيراني، فلا توجد ضمانات بعدم حدوث دورة تصعيدية أخرى. لقد أوضح كبار المسؤولين في البنتاغون مراراً وتكراراً أنهم يريدون سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط وإعادة إلزامها بالتواجد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا. وإسرائيل تعرف هذه الديناميكية. وتشعر إسرائيل بأن عليها أن تتحرك بينما تتمتع بوجود قوي للقوات الأمريكية. وبالتالي فإن هجوم اليوم لن يكون النهاية.

إلهاء الغرب عن توجيه الدعم لأوكرانيا

اللمسات الروسية واضحة في ما حدث سواءً بشكل مباشر أو من خلال تهييج النظام الإيراني في إبداء الرد على إسرائيل، بهدف وضع القوى الغربية أمام خيار زيادة الحضور في الشرق الأوسط وتوجيه قدراتها لحماية إسرائيل بدل من تقديمها لأوكرانيا المقبلة على صيف ساخن من المواجهات مع الروس.

المحصلة

سوف تستمثر إسرائيل التهديدات الإيرانية لكسب ود القوى الغربية مجدداً، وتستمر بحربها في غزة للقضاء على القوى الضاربة لحركة حماس، إلى جانب إقناع العرب بخطوة إيران وأذرعتها في غزة وسوريا ولبنان وصولاً إلى اليمن، وهناك تقاطع مصالح بين الخليج العربي ومصر مع إسرائيل في هذه القضايا لا سيما نقطة اليمن التي تشكل معضلة حقيقية أمام المملكة العربية السعودية، حيث وفرت إسرائيل دعماً غربياً لتوجيه ضربات إلى الحركة الحوثية، وطبعاً لفائدة المملكة العربية السعودية، وأيضاً بوادر تشكيل قوة عربية إسرائيلية غربية مشتركة بوجه التهدديات الإيرانية الحقيقية، مقابل إعادة هيبة إيران في المنطقة أمام أذرعها ومؤيديها، وكذلك للحفاظ على التوازن السني- الشيعي وتشكيل تهديد شيعي مستمر للدول العربية السنية التي تحتاج لسد هذا التهديد تمكين تحالفها مع القوى الغربية وإسرائيل.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!