بعد وفاة "فتح الله غولن "هل تتحسن العلاقات التركية - الأمريكية ام تشكل معضلة الدعم الأمريكي للكرد مشكلة مستمرة؟

komari
0
بالان كدرو/ عضو فريق التحليل في شبكة الجيوستراتيجي للدراسات
وفاة فتح الله غولن، رجل الدين التركي المعارض والمقيم في الولايات المتحدة، قد تفتح الباب لبعض التغييرات في الديناميات بين أنقرة وواشنطن، ولكن تحليل العلاقات التركية-الأمريكية يجب أن يأخذ في الاعتبار عدة قضايا رئيسية تتجاوز هذه الشخصية. العلاقات بين البلدين متوترة منذ عدة سنوات، وتتأثر بمجموعة من العوامل الاستراتيجية، الاقتصادية، والسياسية. غولن كان جزءاً من هذه القضايا، ولكن ليس المكون الوحيد، وبالتالي لن يؤدي موته إلى حل جميع التوترات أو تحسين العلاقات بشكل مباشر.

1. فتح الله غولن والتوترات السابقة:

غولن كان نقطة خلاف بين تركيا والولايات المتحدة منذ محاولة الانقلاب في 2016، حيث ألقت الحكومة التركية باللوم عليه وعلى حركته في تدبير المحاولة الفاشلة. تركيا طالبت بتسليمه مرارًا وتكرارًا، لكن واشنطن رفضت ذلك استنادًا إلى القوانين الأمريكية التي تتطلب أدلة قوية لتسليم المطلوبين. هذه القضية أضافت توترًا للعلاقات بين البلدين، لكن المشكلة في جوهرها أعمق بكثير من شخص غولن. فعلى الرغم من أن وفاة غولن قد تزيل إحدى هذه العقبات، إلا أن هناك قضايا استراتيجية كبرى تلقي بظلالها على العلاقة الثنائية.

2. دور الكرد في سوريا: العقبة الرئيسية:

القضية الأساسية التي تعيق تحسين العلاقات التركية-الأمريكية هي الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية (SDF) بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، والتي تعتبرها تركيا امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة. بينما ترى واشنطن في الأكراد حليفًا أساسيًا في الحرب ضد تنظيم داعش، ترى تركيا في هذا الدعم تهديدًا لأمنها القومي، وتخشى من أن يؤدي إلى قيام كيان كردي مستقل أو شبه مستقل على حدودها الجنوبية.
الولايات المتحدة، رغم أنها حاولت تهدئة المخاوف التركية عبر خطوات مثل إقامة مناطق عازلة مؤقتة أو تقييد بعض الأسلحة المقدمة للكرد، إلا أن الدعم الأمريكي لقوات YPG لا يزال مستمرًا. من منظور استراتيجي، واشنطن تنظر إلى الوجود الكردي المسلح في شمال شرق سوريا كأداة للضغط والتحكم في توازن القوى في سوريا والمنطقة، وكنقطة انطلاق لاحتواء النفوذ الإيراني والروسي.
إذن، حتى وإن انتهت قضية غولن بوفاته، فإن الدعم الأمريكي للكرد سيظل هو العامل الرئيسي الذي يعوق تحسن العلاقات. وهذا الملف يرتبط بشكل أساسي برؤية الولايات المتحدة لدورها الاستراتيجي في الشرق الأوسط وليس بمجرد نزاع ثنائي مع تركيا.

3. الأبعاد الجيوسياسية الأوسع:

إلى جانب قضية الكرد، هناك قضايا جيوسياسية أخرى تعمق الانقسام بين البلدين:
تقارب تركيا مع روسيا: شراء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية S-400 كان ضربة قوية للعلاقات مع واشنطن. الولايات المتحدة رأت في هذه الخطوة تهديدًا لأمن حلف الناتو، وأخرجت تركيا من برنامج الطائرة F-35 وفرضت عليها عقوبات تحت قانون "كاتسا" (CAATSA). على الرغم من محاولات أنقرة الحفاظ على توازن في علاقاتها بين الغرب وروسيا، إلا أن هذه الخطوة أرسلت إشارات لواشنطن بأن تركيا تتحول بعيدًا عن المعسكر الغربي.

السياسة التركية في شرق المتوسط: نزاع تركيا مع اليونان وقبرص حول موارد الغاز في شرق المتوسط هو نقطة أخرى تسبب توتراً بين أنقرة والولايات المتحدة، حيث تدعم واشنطن حقوق اليونان وقبرص في المنطقة الاقتصادية الخاصة.

الدور التركي في ليبيا وأذربيجان: تدخلات تركيا العسكرية في كل من ليبيا وقره باغ (دعم أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا) كانت محل اهتمام الولايات المتحدة، وإن لم تكن نقطة خلاف رئيسية، إلا أنها تظهر تطلع تركيا إلى دور أكبر في المناطق القريبة من مصالح واشنطن التقليدية.

4. المصالح الاقتصادية:

من الناحية الاقتصادية، هناك أيضاً توترات بسبب التعريفات الجمركية وسياسات الحماية التجارية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا على خلفية أزمة القس الأمريكي أندرو برونسون عام 2018. رغم أن الأزمة تم حلها، إلا أنها أظهرت هشاشة العلاقة الاقتصادية بين البلدين.

5. إمكانية التحسن:

بعد وفاة غولن، قد تكون هناك فرصة لتحسين العلاقات، لكن على المدى القصير والمتوسط، سيظل ملف الأكراد هو العامل المهيمن. يمكن أن تسعى أنقرة وواشنطن إلى تهدئة التوترات عبر إعادة التفاوض حول مناطق النفوذ في سوريا أو تعزيز التعاون في قضايا أخرى مثل مكافحة الإرهاب أو التجارة. مع ذلك، طالما استمر الدعم الأمريكي للأكراد، ستظل تركيا تشعر بأنها تواجه تهديدًا لأمنها القومي، مما يحد من أي تحسن جذري في العلاقات.

6. توقعات المستقبل:

السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار حالة العلاقات المتوترة بين تركيا والولايات المتحدة مع محاولات متقطعة لتحسين التعاون في بعض المجالات التكتيكية، مثل التعاون في حلف الناتو أو ملفات الطاقة. إلا أن القضايا الجوهرية ستظل موجودة، وستعيق أي تقارب استراتيجي كامل.
تظل تركيا لاعبًا حيويًا في المنطقة، وهي تسعى لتحقيق نوع من الاستقلالية في السياسة الخارجية، ما يجعلها في بعض الأحيان تصطدم مع المصالح الأمريكية. من جهة أخرى، الولايات المتحدة ترى أنقرة كحليف صعب ولكن ضروري ضمن منظومة الناتو وفي مواجهة النفوذ الروسي والإيراني في الشرق الأوسط.

الخلاصة:

في النهاية، لن يكون موت غولن كافيًا لتحسين العلاقات التركية-الأمريكية بشكل كبير، فالقضايا الأعمق مثل دعم الولايات المتحدة للكرد في سوريا والعلاقة التركية مع روسيا ستظل محورية في رسم مسار العلاقة بين البلدين.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!