بقلم: بوزان كرعو
خاص: الجيوستراتيجي للدراسات
حزب الديمقراطي الكوردستاني هو واحد من أقدم الأحزاب السياسية في إقليم كردستان العراق ، حيث يمتلك تاريخًا نضاليًا يمتد لأكثر من سبعين عامًا. بقيادة الملا مصطفى البارزاني، المؤسس الفكري للقومية الكردية في العصر الحديث ، تمكن الحزب من ترسيخ مكانته كقوة سياسية أساسية في المنطقة. منذ تأسيس إقليم كردستان، فرض الحزب سيطرته على مفاصل الحكم الرئيسية، بدءًا من رئاسة الإقليم ورئاسة الوزراء ، وصولاً إلى السيطرة على القطاعات الأمنية مثل البيشمركة و الأسايش، إلى جانب إدارة الموارد الحيوية كقطاع النفط ، والتحكم في العلاقات الخارجية، والثقافة، والإعلام. وعلى الرغم من هذه الهيمنة على السلطة، فإن نتائج الانتخابات الأخيرة كانت مفاجئة، حيث لم يحصل الحزب إلا على 42 مقعدًا من أصل 100 ، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا التراجع.
على الرغم من السيطرة الكبيرة التي يتمتع بها حزب الديمقراطي الكوردستاني، فإن هذه النتائج قد تعكس حالة من الإحباط الشعبي تجاه أدائه. أحد أبرز العوامل التي يمكن أن تفسر هذا التراجع هو الوضع الاقتصادي. على الرغم من أن الحزب يدير موارد النفط، التي يفترض أن تكون مصدرًا للثروة وتحسين الحياة المعيشية للمواطنين، إلا أن هذه الثروة لم تُترجم على ما يبدو إلى تحسين ملموس في حياة الناس اليومية. البطالة، تراجع الخدمات ، وانتشار الفساد قد يكونوا من بين الأسباب التي دفعت الناخبين إلى البحث عن خيارات أخرى تعبر عن آمالهم في تغيير حقيقي .
- إلى جانب الأوضاع الاقتصادية ، شهد المشهد السياسي الكردي تزايدًا في التعددية السياسية:
أحزاب وقوى سياسية جديدة برزت على الساحة ، واستطاعت جذب جزء كبير من الأصوات التي كانت تقليديًا تذهب لحزب الديمقراطي الكوردستاني .
هذا التنوع السياسي يشير إلى تغير في مزاج الناخبين ، الذين ربما أصبحوا أقل استعدادًا للاعتماد على حزب واحد لتلبية جميع احتياجاته ، خصوصًا إذا شعروا أن الحزب الحاكم لم يعد يمثل تطلعاتهم أو يعكس آمالهم.
على الرغم من الإرث القومي العريق لحزب الديمقراطي الكوردستاني وارتباطه القوي بعائلة البارزاني ، فإن القيادة الحالية قد تواجه تحديات تتعلق بالكاريزما والقدرة على تقديم رؤية جديدة للمستقبل ، في عصر تتسارع فيه التغيرات السياسية والاقتصادية ، يبدو أن القيادة الحالية ، برئاسة مسرور البارزاني ونيجيرفان البارزاني ، لم تستطع تلبية الطموحات المتجددة للشارع الكردي ، حيث كانت القيادة التاريخية للحزب رمزًا للوحدة والنضال ، لكن القاعدة الشعبية قد تبحث الآن عن وجوه جديدة تحمل آمالًا بتغيير حقيقي.
أما فيما يتعلق بالإعلام: وعلى الرغم من أن الحزب يمتلك عدة قنوات تلفزيونية ومنابر إعلامية قوية ، فإن السيطرة على الإعلام لم تعد كافية لضمان النجاح السياسي. الناخبون اليوم أصبحوا أكثر وعيًا ونقدًا ، والرسائل الإعلامية التي لا تتوافق مع الواقع المعاش لا تُحدث التأثير المطلوب. الإعلام يمكن أن يعزز صورة الحزب ، ولكنه لا يستطيع بمفرده معالجة مشاكل حقيقية على الأرض ، مثل تراجع الخدمات أو الأوضاع الاقتصادية.
في الختام:
نتائج الانتخابات الأخيرة لحزب الديمقراطي الكوردستاني تعكس تحولًا في المشهد السياسي في كردستان ، وتراجعًا في شعبية الحزب على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها.
يبدو أن الحزب يواجه تحديات كبيرة على عدة أصعدة ، من الأوضاع الاقتصادية إلى القيادة السياسية وصولاً إلى تعددية الخيارات السياسية المتاحة للناخبين.
إذا أراد الحزب استعادة مكانته ، فإنه بحاجة إلى مراجعة شاملة لسياساته وأدائه الحكومي ، مع التركيز على تقديم إصلاحات فعلية تعيد بناء الثقة مع قاعدته الشعبية.