المعارضة السورية المسلحة بين سندانة التحكم التركي ومطرقة التفاهمات مع النظام السوري

Site management
0
تقدير موقف: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
عقلية المجموعات المرتزقة السورية التي تعمل مع الاحتلال التركي في المناطق التي تسيطر عليها تركيا تعكس تعقيدات سياسية واجتماعية واقتصادية متعددة. هذه المجموعات، التي تتنوع أيديولوجياً وعرقياً، لا تقتصر على إطار عمل واحد، بل تتأثر بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية. التحليل الشامل لعقليتها يتطلب النظر إلى الدوافع، والبيئة السياسية، والاجتماعية، والأهداف التي توجهها.

الدوافع الاقتصادية والسياسية

أحد أبرز الدوافع التي تقود أفراد هذه المجموعات إلى الانخراط في القتال هو الدافع الاقتصادي. يعيش الكثير من هؤلاء الأفراد في ظروف صعبة نتيجة الحرب المستمرة في سوريا منذ عام 2011، حيث تسببت هذه الحرب في تدمير البنية التحتية، وخلق أزمة اقتصادية خانقة. في هذا السياق، تُعد الأجور والمكافآت المالية التي تقدمها تركيا أو الجهات التي تدعم هذه المجموعات، عامل جذب أساسي. في ظل غياب فرص العمل وانهيار النظام الاقتصادي، يجد الكثير من الأفراد في الالتحاق بالمجموعات المسلحة فرصة لضمان دخلٍ ثابت.
إلى جانب الدوافع الاقتصادية، هناك دوافع سياسية. بعض هذه المجموعات كانت جزءًا من الفصائل المعارضة للنظام السوري، ورأت في الدعم التركي فرصة لتعزيز قوتها العسكرية والسياسية. تركيا استغلت هذا الوضع لتجنيد هذه الفصائل في إطار استراتيجياتها لتحقيق مصالحها في سوريا.

التبعية لتركيا

تركيا تسعى منذ بداية الحرب السورية إلى بسط نفوذها في الشمال السوري، سواء عبر عملياتها العسكرية المباشرة أو من خلال دعم مجموعات مسلحة. هذه المجموعات المرتزقة تمثل أدوات لتركيا في تنفيذ استراتيجياتها السياسية والعسكرية. ونتيجة لذلك، تتشكل لدى بعض أفراد هذه المجموعات عقلية التبعية والولاء للمصالح التركية. وبالطبع، لا يكون هذا الولاء أيديولوجياً بالضرورة، بل قد يكون قائمًا على المصالح المالية أو بسبب التوازنات الإقليمية التي أجبرت هذه الفصائل على التحالف مع تركيا.
من جهة أخرى، تستغل تركيا البعد الأيديولوجي لبعض الفصائل التي تنتمي إلى جماعات إسلامية متشددة، مثل بعض الفصائل المتفرعة عن جبهة النصرة أو الجماعات التي كانت جزءًا من تحالفات إسلامية متشددة. هؤلاء قد يجدون في تركيا حليفاً دينياً وسياسياً، على الرغم من التناقضات الكبيرة بين الأيديولوجيات.

التقسيم العرقي والطائفي

يمكن القول إن جزءًا من عقلية هذه المجموعات يتأثر أيضًا بالصراعات العرقية والطائفية في سوريا. حيث تمثل بعض الفصائل التي تعمل مع تركيا فئات سنية ترى في تركيا حليفًا طبيعيًا ضد الفصائل الكردية مثل قوات سوريا الديمقراطية. كذلك، تعكس عقلية هذه الفصائل صراعًا وجوديًا بالنسبة للبعض، حيث يعتبرون أن السيطرة التركية في شمال سوريا هي فرصة لإعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية في تلك المناطق، في ظل التنافس مع القوات الكردية على النفوذ والأرض.

البعد الأيديولوجي

الأيديولوجيا تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل عقلية هذه المجموعات. بعض الفصائل ذات التوجه الإسلامي المتطرف، مثل هيئة تحرير الشام (التي كانت تعرف بجبهة النصرة سابقاً)، تتقاطع أيديولوجيًا مع السياسات التركية فيما يتعلق بمحاربة النظام السوري أو الفصائل الكردية. هذا التقاطع يساهم في تعزيز التعاون بين الطرفين. ومع ذلك، فإن الولاءات الأيديولوجية ليست ثابتة دائمًا، فقد تتغير بناءً على تطورات المشهد السياسي والمصالح المتغيرة.

الانقسامات الداخلية والصراع على السلطة

على الرغم من ارتباط هذه المجموعات بتركيا، إلا أن عقلية الفصائل المرتزقة تتسم بالصراعات الداخلية والتنافس على السلطة والنفوذ. بعض هذه المجموعات تعمل تحت رايات مشتركة، لكنها في الواقع تتنافس على الموارد، والمكاسب المالية، والسيطرة على المناطق. هذه الانقسامات تزيد من تعقيد العقلية العامة للمجموعات، حيث تتنوع دوافع الأفراد داخل الفصيل الواحد، وبعضهم قد يكون أكثر ولاءً للمال أو السلطة من الأيديولوجيا.

الاستغلال التركي لقضايا الهوية والانتماء

من خلال دعم هذه المجموعات، تسعى تركيا إلى استغلال قضية الهوية لدى الفئات المختلفة. حيث تشجع على سردية حماية العرب السنة في مواجهة القوات الكردية التي ترى فيها تهديدًا لمصالحها القومية، خاصةً مع صعود النزعة الانفصالية لدى الأكراد في سوريا. بهذا الشكل، تركيا تستغل الحساسيات العرقية والقومية لتبرير تدخلها ودعمها لهذه الفصائل.

الاستعداد للتغيير والانقلاب

إحدى السمات البارزة في عقلية هذه المجموعات هي المرونة والتكيف السريع مع التغيرات السياسية. كثير من المجموعات المرتزقة في سوريا أظهرت استعدادًا لتغيير ولاءاتها وتحالفاتها بناءً على تغير الأوضاع السياسية أو الميدانية. هذا يعكس عقلية عملية بحتة تهدف إلى تحقيق المكاسب الفورية بغض النظر عن المبادئ أو الأهداف طويلة الأمد. يمكن رؤية هذا بوضوح في المواقف المتغيرة لبعض الفصائل تجاه القوى الكبرى في الصراع السوري.

الاستغلال الدولي للصراع السوري

لا يمكن فهم عقلية المرتزقة العاملين مع تركيا دون النظر إلى التأثيرات الخارجية الأخرى. فتركيا ليست اللاعب الوحيد الذي يستغل هذه الفصائل. الصراع السوري أصبح ساحة لصراع القوى الكبرى، وكل قوة دولية أو إقليمية تسعى إلى استخدام الفصائل المسلحة لتحقيق أهدافها الخاصة. هذه الديناميكية تخلق عقلية مرتزقة متعددة الأوجه، حيث يمكن أن تجد بعض الفصائل تتلقى دعمًا من جهات متعددة بناءً على متطلبات اللحظة.

الخلاصة:

عقلية المجموعات المرتزقة السورية التي تعمل مع الاحتلال التركي هي مزيج من الدوافع الاقتصادية، الأيديولوجية، والصراع على السلطة، متأثرة ببيئة الصراع المعقدة في سوريا. تتسم هذه العقلية بالتبعية المصلحية لتركيا، والانقسام الداخلي، والاستعداد لتغيير الولاءات. تستغل تركيا هذه المجموعات لتحقيق مصالحها الإقليمية، مستفيدةً من الانقسامات العرقية والطائفية والأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!