إعداد: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
نقل الحرب بين تركيا وحزب العمال الكردستاني إلى كردستان العراق يمكن تفسيره بعدة عوامل، منها:
1. الجغرافيا الوعرة: المناطق الجبلية الوعرة في كردستان العراق توفر ملاذاً آمناً نسبياً لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، مما يسهل عليهم تنفيذ عمليات عسكرية ضد تركيا ثم العودة إلى مناطق يصعب على الجيش التركي الوصول إليها بسهولة.
2. ضعف السيطرة الحكومية في المناطق الحدودية: الحكومة العراقية والحكومة الإقليمية في كردستان العراق قد لا تكون لديهما سيطرة كاملة أو فعالة على المناطق الحدودية، ما يسمح لحزب العمال الكردستاني بالتحرك بحرية أكبر في هذه المناطق، واستغلال هذا الفراغ الأمني.
3. الضغط العسكري داخل تركيا: بعد العمليات العسكرية المكثفة التي نفذتها تركيا داخل حدودها ضد حزب العمال الكردستاني، قد يكون الأخير اضطر إلى الانسحاب إلى كردستان العراق كملجأ استراتيجي.
4. العلاقات الإقليمية: الحكومة التركية قد ترى أن مهاجمة قواعد حزب العمال الكردستاني داخل كردستان العراق أقل تكلفة سياسياً مقارنة بعمليات واسعة النطاق داخل تركيا نفسها. كما أن هناك ترتيبات وتفاهمات أمنية بين تركيا والحكومة الإقليمية في كردستان العراق تسمح لتركيا بتنفيذ عمليات عسكرية ضد حزب العمال على أراضي كردستان العراق.
5. العمق الاستراتيجي: حزب العمال الكردستاني يستخدم هذه المنطقة لتوسيع نطاق عملياته، وتنظيم صفوفه، والحصول على الإمدادات. وجوده في هذه المنطقة يمنحه نوعاً من "العمق الاستراتيجي" الذي يمكنه من الاستمرار في الحرب ضد تركيا.
بشكل عام، نقل الصراع إلى كردستان العراق هو نتيجة لعوامل جغرافية، سياسية، وعسكرية تجعل من الصعب على أحد الطرفين تحقيق نصر حاسم داخل تركيا نفسها.
أبعاد العلاقات بين إقليم كردستان وتركيا
تتسم العلاقة بين تركيا وإقليم كردستان العراق بتعقيد تاريخي وجيوسياسي شديد، حيث تتداخل المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية بشكل كبير. عند النظر في التحليل الذي يفترض أن الأهداف التركية في الإقليم تهدف إلى منع تطور القضية الكردية بشكل عام، وأن استخدام حزب العمال الكردستاني (PKK) كحجة هو غطاء لمخططات أكبر، يمكننا تناول النقاط التالية:
1. التحدي الكردي الداخلي في تركيا:
القضية الكردية في تركيا تشكل تهديدًا أمنيًا وسياسيًا منذ عقود، حيث يسعى الأكراد داخل تركيا إلى حقوق سياسية وثقافية أكبر، وبعضهم يطمح إلى الحكم الذاتي أو حتى الانفصال. ومنذ تأسيس حزب العمال الكردستاني في الثمانينات، تعتبر تركيا هذا الحزب تهديدًا وجوديًا. وبالتالي، فإن استهداف معاقل PKK داخل العراق يندرج ضمن استراتيجيتها الأمنية. ولكن، هنا يبرز السؤال: هل القضية تتعلق فقط بحزب العمال الكردستاني؟
2. الطموح الكردي في العراق:
إقليم كردستان العراق يتمتع بحكم ذاتي واسع النطاق، وهو ما يمثل نموذجًا لإمكانية تحقيق الحكم الذاتي الكردي في المنطقة. نجاح الإقليم، خصوصًا بعد توسيع صلاحياته بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، يشكل تحديًا لتركيا، حيث يمكن أن يُلهم الأكراد في تركيا ويقوي تطلعاتهم. لذا، من منظور تركيا، قد يكون تعزيز عدم استقرار الإقليم ومنع نمو قوته السياسية والاقتصادية هدفًا غير معلن.
3. حزب العمال الكردستاني كذريعة:
لا شك أن تركيا تستغل وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق لتبرير تدخلها العسكري، ولكن قد يُعتبر هذا جزءًا من استراتيجيتها الأوسع للحد من نفوذ الأكراد ككل. ليس فقط حزب العمال الكردستاني، بل إن أي تطور في قدرات الإقليم الاقتصادية أو العسكرية قد يُعتبر تهديدًا طويل الأمد. الأكراد العراقيون يُظهرون تطورًا سياسيًا واقتصاديًا، ويملكون علاقات خارجية قوية، خاصة مع الغرب، وهو ما لا يروق للحكومة التركية التي تخشى من تقوية الروح القومية الكردية داخل حدودها.
4. المصالح الاقتصادية التركية في الإقليم:
بالإضافة إلى الدوافع الأمنية والسياسية، تلعب المصالح الاقتصادية دورًا كبيرًا. تركيا تعد من الشركاء التجاريين الرئيسيين لإقليم كردستان العراق، خاصة في مجال الطاقة والنفط. السيطرة أو التأثير على القرار الكردي في العراق يوفر لأنقرة نفوذًا استراتيجيًا يمكنها استغلاله لأغراض اقتصادية. تدخلاتها العسكرية في المنطقة تعزز موقعها التفاوضي مع حكومة الإقليم وتعزز من قدرتها على حماية مصالحها الاقتصادية.
5. التوازن الإقليمي والقوى الدولية:
تركيا لا تعمل في فراغ، فهي جزء من توازن إقليمي معقد. من مصلحة أنقرة الحفاظ على نفوذها في شمال العراق للتصدي لأي نفوذ إيراني أو حتى محاولات من القوى الغربية لتعزيز قدرات الإقليم الكردي. هذا النفوذ يمكن أن يُترجم إلى تدخلات عسكرية بحجة محاربة الإرهاب (PKK) ولكن بأهداف أوسع.
6. منع نشوء دولة كردية:
تركيا تعارض بشدة أي خطوة قد تؤدي إلى استقلال كردستان العراق كدولة مستقلة. في هذا السياق، يمكن أن تُستخدم أي عملية عسكرية أو دبلوماسية لعرقلة هذه الطموحات. أنقرة تعتقد أن استقلال كردستان العراق سيكون خطوة أولى نحو تصعيد المطالب الكردية في تركيا، وبالتالي فإن تدمير أو إضعاف القدرات الكردية في الإقليم هو جزء من استراتيجية أوسع لاحتواء أي تطورات تتعلق بالقضية الكردية ككل.
الإستناج :
بناءً على هذه العوامل، يمكن القول إن تركيا لا تقتصر أهدافها على محاربة حزب العمال الكردستاني فحسب، بل تسعى بشكل أعمق لمنع أي تطور قد يقوي القضية الكردية سواء في العراق أو في تركيا. استخدام حزب العمال الكردستاني كذريعة لتدخلاتها يتيح لأنقرة الشرعية الدولية للتدخل، لكن في جوهر الأمر، يمكن اعتبار هذه التدخلات جزءًا من استراتيجية لمنع أي تطور قد يهدد الوحدة الترابية والسياسية لتركيا، خاصة فيما يتعلق بالقضية الكردية.