دور كوباني والأطماع التركية

Site management
0
تحليل جيوسياسي لـ إبراهيم كابان

تمهيد: أهمية كوباني ورمزيتها الدولية

كوباني تُعتبر واحدة من المدن الرمزية والمهمة للغاية للكرد وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على المستويين العسكري والسياسي، لعدة أسباب:
1. الرمزية التاريخية: كوباني كانت مسرحاً لأحد أكثر المعارك شهرة خلال الحرب السورية ضد تنظيم "داعش". في عام 2014، حاصرت داعش المدينة وكانت على وشك السيطرة عليها بالكامل.
بعد مقاومة بطولية استمرت عدة أشهر، وبدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تمكنت وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، وهما العمود الفقري لقسد لاحقاً، من تحرير المدينة. أصبحت كوباني رمزاً للبطولة والصمود الكردي في وجه التطرف.
2. القيمة الاستراتيجية: تقع كوباني على الحدود السورية-التركية، ما يجعلها ذات أهمية استراتيجية كبيرة، خاصة من حيث ربط المناطق الكردية في سوريا (روجآفا).
السيطرة على كوباني تمثل نقطة دفاع رئيسية ضد أي هجمات محتملة سواء من داعش أو أي جهة معادية أخرى.
3. دورها في تعزيز الهوية الكردية: كوباني تحمل أهمية ثقافية وتاريخية للكرد كجزء من المنطقة الكردية في سوريا. تحريرها أعطى دفعة كبيرة للمطالب الكردية بالحكم الذاتي ضمن سوريا.
4. التأثير السياسي والعسكري: الانتصار في معركة كوباني كان نقطة تحول لقوات YPG/YPJ، مما ساعد في تشكيل تحالف أكبر مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمحاربة داعش.
المدينة أظهرت للعالم قدرة الكرد وقوات سوريا الديمقراطية على أن يكونوا قوة رئيسية ضد الإرهاب، مما عزز مكانتهم دولياً.


أبعاد القضية التركية في كوباني

1. الدوافع التركية
تسعى تركيا إلى تحقيق أهداف متعددة من خلال محاولاتها للتوغل في شمال سوريا، تشمل:
إضعاف قوات سوريا الديمقراطية: تعتبر تركيا "قسد" امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه كمنظمة إرهابية.
إعادة توطين اللاجئين السوريين: الترويج التركي لخطط إعادة توطين اللاجئين في المناطق الحدودية يهدف إلى خلق منطقة عازلة وفرض واقع ديموغرافي جديد.
تعزيز النفوذ الإقليمي: تركيا تسعى لتحجيم أي مشروع كردي سياسي أو عسكري قد يشكل تهديدًا مستقبليًا لها.
2. التحديات أمام الاحتلال التركي
أ‌. الدعم الدولي لكوباني:
الدعم الأمريكي والغربي لقوات سوريا الديمقراطية يبقى حجر عثرة أمام تركيا. الولايات المتحدة قدمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا لقسد لمكافحة داعش، وبالتالي لا يمكن لواشنطن تحمل إضعاف هذا الحليف المهم في المنطقة.
ب‌. الرفض الشعبي المحلي والإقليمي:
شعبية كوباني كرأس حربة في مواجهة داعش تجعل احتلالها مرفوضًا شعبيًا ليس فقط من قبل الأكراد، ولكن أيضًا من قبل المجتمعات السورية والعربية التي ترى في قسد شريكًا ضد الإرهاب.
جـ. التحدي الدبلوماسي والسياسي:
أي هجوم تركي على كوباني سيضع تركيا في موقف محرج دوليًا، إذ ستُتهم بزعزعة استقرار المنطقة وعرقلة جهود مكافحة الإرهاب، ما يعمق عزلتها السياسية مع الغرب والدول العربية الكبرى مثل السعودية ومصر.

العوامل المؤثرة على العلاقات الدولية بشأن كوباني

1. الدور الأمريكي
الولايات المتحدة تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على توازن القوى في شمال سوريا. وقد استجابت قسد لمطالب واشنطن في عدة قضايا، من بينها الابتعاد عن الحدود التركية وتقليل النفوذ الروسي. هذه المرونة تجعل من الصعب على واشنطن التخلي عن دعمها لقسد، خاصةً وأن مشروع "شرق الفرات" يمثل نموذجًا للاستقرار مقارنة بمناطق النفوذ الأخرى.
2. التوتر التركي-الغربي
تركيا تواجه انتقادات مستمرة من قبل الدول الغربية بسبب انتهاكاتها في شمال سوريا واستخدامها للميليشيات المدعومة من أنقرة لتحقيق أجنداتها.
وجود تركيا كعضو في الناتو لم يمنع تصاعد الخلافات مع واشنطن وأوروبا بسبب سياساتها في سوريا، ما يزيد من عزلتها ويضعف حججها.
3. الدور العربي
الدول العربية، وخاصة السعودية ومصر، تنظر بقلق إلى التدخلات التركية في سوريا وتعتبرها جزءًا من مشروع أوسع لتمكين النفوذ التركي العثماني في المنطقة. دعم العرب لقسد يأتي ضمن استراتيجية لمنع تركيا من تحقيق أهدافها التوسعية وإحباط أي مشاريع تمس السيادة العربية.
4. تحركات هيئة تحرير الشام (الجولاني)
الضغط الغربي على هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني يدفعها لتعديل سياساتها ومحاولة الاقتراب من قسد، مما يضع تركيا في موقف معقد. أنقرة تحاول استخدام الجولاني كوسيط لتنفيذ أجندتها، لكنها تواجه تحديات بسبب رفض الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية لهذه الصيغة من الوصاية التركية.

السيناريوهات المستقبلية

1. تعزيز دعم قسد
من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة والقوى الغربية في دعم قسد، باعتبارها شريكًا حيويًا في الحرب ضد داعش ومواجهة النفوذ الإيراني والتركي في سوريا.
2. عزلة تركية متزايدة
استمرار تركيا في سياستها العدائية تجاه كوباني قد يؤدي إلى مزيد من العزلة السياسية، مع تصاعد الضغوط الأوروبية والعربية ضدها.
3. تغيير المعادلة الإقليمية
إذا تم تعزيز العلاقات بين قسد وبعض الفصائل المعارضة الأخرى، مثل هيئة تحرير الشام، فقد تظهر توازنات جديدة تعيق مساعي تركيا.

المحصلة
قضية كوباني تحمل أبعادًا جيوسياسية معقدة، تجعل من الصعب على تركيا تنفيذ أي مخططات احتلالية دون مواجهة عقبات كبرى. الدعم الدولي للمدينة، والرفض الشعبي لأي تدخل تركي، إضافةً إلى الضغوط الغربية والعربية، تجعل كوباني نقطة مركزية في المعادلة السورية التي لا تزال غير قابلة للحسم.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!