الحوار الأمريكي الروسي حول أوكرانيا في السعودية – أبعاده ونتائجه

Site management
0
تقدير موقف: فريق الجيوستراتيجي للدراسات

1. لماذا السعودية؟ بين الحياد والأهمية الاستراتيجية

اختيار المملكة العربية السعودية لاستضافة الحوار الأمريكي الروسي حول أوكرانيا ليس مجرد صدفة، بل يعكس تحولًا في توازنات القوى الدولية. فالمملكة، رغم كونها حليفًا تقليديًا للولايات المتحدة، طورت علاقات استراتيجية مع روسيا، خاصة في مجالات الطاقة والتسليح. هذا الموقع المتوازن يجعلها وسيطًا مقبولًا للطرفين، حيث لا يمكن اعتبارها منحازة بشكل كامل لأي جانب.
إضافة إلى ذلك، فإن السعودية، بصفتها لاعبًا رئيسيًا في منظمة "أوبك+"، تمتلك نفوذًا على الأسواق العالمية، وهو عامل مهم خصوصًا في ظل العقوبات الغربية على روسيا التي تعتمد بشكل متزايد على بيع الطاقة للصين والهند. من هنا، قد تكون المملكة وسيطًا اقتصاديًا بقدر ما هي وسيط دبلوماسي، خصوصًا إذا طُرحت ملفات الطاقة والاقتصاد ضمن المفاوضات.

2. ما أهداف كل طرف من هذا الحوار؟

الولايات المتحدة: تسعى إدارة الرئيس الأمريكي، سواء كانت الحالية أو القادمة، إلى تقليل تكلفة دعم أوكرانيا، في ظل تصاعد الأصوات الداخلية التي ترى أن الحرب مكلفة بلا جدوى. أي اتفاق قد يسمح بإعادة توجيه الموارد نحو مواجهة الصين، العدو الاستراتيجي الأول لواشنطن.
روسيا: تدرك موسكو أن استمرار الحرب يضغط على اقتصادها، ورغم نجاحها في الصمود، إلا أن البحث عن حل سياسي بات ضرورة لتجنب استنزاف طويل الأمد. بوتين قد يسعى للحصول على تنازلات أمريكية، مثل تخفيف العقوبات أو الاعتراف بالأراضي التي ضمها.
السعودية: استضافة هذا الحوار تعزز دورها كقوة دبلوماسية عالمية، وتضعها في موقع مؤثر بين الشرق والغرب. كما أن نجاح هذه الوساطة قد يمنحها نفوذًا أكبر في قضايا أخرى، مثل اليمن أو التطبيع مع إسرائيل.

3. هل يمكن أن نشهد قمة بين بوتين وبايدن؟

إذا نجحت المحادثات في تحقيق تقارب، فقد يكون لقاء بين الرئيسين الأمريكي والروسي مطروحًا. لكن ذلك يعتمد على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات، وهو أمر غير مضمون. الروس يريدون ضمانات أمنية حول عدم توسع الناتو، بينما الأمريكيون لن يقبلوا بسهولة أي اتفاق يُضعف سيادة أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن وجود أرضية مشتركة، مثل الاتفاق على وقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى، قد يكون مقدمة لمحادثات أعلى مستوى.

4. الموقف الأوروبي: قلق من التهميش

أوروبا، رغم كونها المتضرر الأكبر من الحرب، تبدو مستبعدة من المحادثات المباشرة، وهو ما يثير قلق العواصم الأوروبية، خصوصًا برلين وباريس. الاتحاد الأوروبي يفضل حلًا دبلوماسيًا لكنه يخشى أن تقدم واشنطن تنازلات على حساب أمن أوروبا.
فرنسا وألمانيا قد تضغطان للانضمام إلى المحادثات اللاحقة، لكن إن تم التوصل إلى تفاهم أمريكي روسي دون إشراك الأوروبيين، فقد يؤدي ذلك إلى تصدع في التحالف الغربي، خاصة إذا رأت بعض الدول أن واشنطن تتصرف وفق مصالحها فقط.

5. أوكرانيا: مستقبل غير واضح

بالنسبة لكييف، فإن أي مفاوضات تجري بدونها تمثل خطرًا وجوديًا. تعتمد الحكومة الأوكرانية على الدعم الأمريكي والأوروبي، لكنها تعلم أن هذا الدعم ليس مضمونًا للأبد، خصوصًا إذا تغيرت القيادة في البيت الأبيض.
أوكرانيا قد تضغط لمشاركة مباشرة في المفاوضات، لكنها ستواجه معضلة: إذا قبلت حلاً وسطًا، قد تواجه غضبًا داخليًا واتهامات بالتنازل عن أراضٍ. وإذا رفضت أي اتفاق، فقد تجد نفسها معزولة إذا قررت الولايات المتحدة تقليص دعمها.

الخلاصة: هل نحن أمام بداية نهاية الحرب؟

المحادثات في السعودية ليست حاسمة لكنها قد تكون خطوة تمهيدية نحو إنهاء الحرب. نجاحها يعتمد على مدى استعداد الأطراف لتقديم تنازلات، وهو أمر لا يزال غير واضح. لكن مجرد انعقادها في الرياض يعكس تحولات كبيرة في المشهد الدولي، حيث تلعب الدول غير الغربية دورًا متزايدًا في حل النزاعات العالمية.
إذا استمرت هذه الديناميكية، فقد نشهد مرحلة جديدة من التوازنات الدولية، حيث لم يعد الغرب هو الفاعل الوحيد في صياغة مستقبل النظام العالمي.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!