قضية ساخنة: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
لعب تركمان سوريا دورًا مركزيًا في تعميق الخلافات العربية-الكردية، من خلال تبني خطاب تحريضي داخل الأوساط العربية يهدف إلى تشويه سمعة الكُرد وتصويرهم كحركة انفصالية تهدد وحدة سوريا. هذه الاستراتيجية لم تكن عفوية أو نتيجة مواقف محلية بحتة، بل جاءت في سياق ارتباط وثيق بالمشروع التركي، الذي سعى إلى استغلال التركمان كأداة لفرض سيطرته على الشمال السوري، وتحقيق أهدافه التوسعية عبر سياسات التتريك والتعبئة الممنهجة.
التجييش ضد الكُرد وتشويه صورتهم
اعتمد التركمان، وبدعم تركي مباشر، على استغلال المشاعر القومية والدينية داخل الشارع العربي السني لإثارة المخاوف من الوجود الكردي، عبر اتهامهم بالسعي للانفصال وتأسيس كيان مستقل. هذه الدعاية لم تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة المتنوعة للتيارات السياسية الكردية، والتي لا تجمع كلها على الانفصال، بل إن أغلبها طالبت بحلول فيدرالية أو لامركزية تعكس التنوع السوري. إلا أن الخطاب التركماني الموجّه، المدعوم من أنقرة، استهدف تأليب الشارع العربي عبر وسائل الإعلام والميليشيات الموالية، ما أدى إلى خلق انقسام حاد بين المكونات السورية.
تحويل شمال غربي سوريا إلى قاعدة تركية
لم يقتصر الدور التركماني على التجييش الإعلامي، بل امتد إلى تغييرات ديموغرافية وسياسية عميقة في مناطق شمال غربي سوريا، خاصة بعد التدخل التركي في مناطق غرب الفرات مثل عفرين، الباب، وجرابلس. فقد سعت الفصائل التركمانية، بدعم من الجيش التركي، إلى تنفيذ سياسات تتريك ممنهجة شملت:
1. تغيير البنية الديموغرافية:
تهجير السكان الأصليين، خصوصًا الكُرد، من مناطق مثل عفرين.
إحلال عائلات تركمانية ومؤيدة لأنقرة مكان المهجرين.
2. فرض اللغة والثقافة التركية:
إدخال اللغة التركية في المناهج التعليمية بدلاً من العربية والكردية.
استبدال أسماء القرى والبلدات بأسماء تركية.
3. التمكين العسكري والسياسي للكتائب التركمانية:
تعزيز نفوذ الفصائل التركمانية داخل الائتلاف السوري المعارض والمؤسسات المحلية.
إقصاء الفصائل العربية غير الموالية لتركيا لصالح الكتائب التركمانية.
تمكين المشروع التركي على حساب المكونات المحلية
بينما كانت الفصائل التركمانية تحظى بدعم غير محدود من أنقرة، عانى العرب السنة في تلك المناطق من التهميش، حيث فُرضت عليهم سياسات تركية لا تخدم سوى مشروع أنقرة التوسعي. فبدلاً من دعم تطلعات الشعب السوري في التحرر من الاستبداد، حوّلت تركيا هذه المناطق إلى قواعد لخدمة مصالحها الإقليمية، مستخدمة التركمان كأداة رئيسية في ذلك.
المحصلة
إن الدور السلبي الذي لعبه تركمان سوريا في تفتيت النسيج الوطني السوري لا يمكن فصله عن الأجندة التركية التي سعت إلى خلق صراعات داخلية تصرف الأنظار عن سياساتها التوسعية. ومن خلال التجييش ضد الكُرد، والترويج لخطاب التخوين والانفصال، ساهم التركمان في تعميق الشرخ العربي-الكردي، وفي الوقت ذاته، مكّنوا الاحتلال التركي من فرض سيطرته على شمال غربي سوريا، على حساب المكونات الأصلية لهذه المناطق، سواء كانوا عربًا أو كُردًا.