خبراء الجيوستراتيجي يحللون: هل نحن أمام حرب تفكيك إيران؟

Site management
0
تقدير موقف: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تحوّلت الأزمة بين إيران وإسرائيل من أزمة نووية قابلة للاحتواء إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، في مشهد يحمل ملامح "حرب إقليمية مصغّرة" داخل إطار صراع أوسع بين مشاريع القوة في المنطقة. فما الذي أدى إلى هذا الانفجار؟ وهل نحن فعلاً على عتبة حرب شاملة قد تعيد رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط؟

من التفاوض إلى التصعيد… لماذا الآن؟

لسنوات، استُخدمت المفاوضات كوسيلة لمنع الانفجار، وشكلت سلطنة عمان، وسويسرا، مؤخرًا إيطاليا، قنوات خلفية للحوار بين طهران وواشنطن، بعيدًا عن ضجيج التصريحات السياسية. إلا أن الشهور الأخيرة شهدت تصعيدًا متدرجًا مع تصاعد فشل المفاوضات النووية، واتهامات متبادلة بخرق التعهدات، ما أعاد للأذهان مشاهد ما قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
السؤال المحوري الذي يطرحه خبراء الجيوستراتيجية اليوم هو: هل بلغت إيران مرحلة الاقتراب النهائي من صنع القنبلة النووية؟ وما الذي يجعل الولايات المتحدة تسحب رعاياها من العراق ولبنان والإمارات وأذربيجان وأرمينيا، في خطوة شبيهة بالتحضير للضربة العسكرية؟

حسابات الردع الإسرائيلية

إسرائيل، التي تعتبر نفسها خط الدفاع الأول عن الغرب في وجه إيران، لطالما نظرت إلى البرنامج النووي الإيراني بوصفه تهديدًا وجوديًا لا يمكن التعايش معه. الخطاب الإسرائيلي في الآونة الأخيرة لم يكن دفاعيًا بل هجوميًا، مشبعًا برسائل تؤكد أن "الصبر الاستراتيجي قد نفد"، خاصة بعد الكشف عن منشآت تخصيب اليورانيوم في مناطق جبلية يصعب اختراقها.
محافل إسرائيلية مقرّبة من وزارة الدفاع أكدت مؤخرًا أن الجيش الإسرائيلي أتمّ الاستعدادات لشنّ عملية جراحية ضد المنشآت النووية الإيرانية، مستخدمًا مزيجًا من القصف الجوي، والهجمات السيبرانية، والموساد، وربما فرق الكوماندوز. كما سُرّبت وثائق تشير إلى تنسيق وثيق مع واشنطن لضمان احتواء رد الفعل الإيراني وعدم انزلاق الأمور إلى مواجهة غير منضبطة.

الردع الأمريكي... ضبابية في الموقف

رغم انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، فإن واشنطن لم تنسحب من الشرق الأوسط أمنيًا، بل تحولت إلى استراتيجية "القيادة من الخلف"، تعتمد فيها على الشركاء الإقليميين، وتستثمر في التحالفات البحرية والصاروخية. لكن الموقف الأمريكي من حرب محتملة على إيران لا يزال غامضًا: فهي تُظهر دعمًا لإسرائيل من جهة، وتحاول إبقاء خطوط التفاوض مفتوحة من جهة أخرى.
السحب المفاجئ للرعايا والدبلوماسيين من عدد من الدول المحاذية لإيران، بالإضافة إلى تحليق مكثف لطائرات التجسس الأمريكية فوق الخليج العربي، يشير إلى تحسب واشنطن لسيناريو الرد الإيراني الشامل، لكنها في الوقت نفسه لم تصدر أي بيان رسمي يدعم الضربة الإسرائيلية، ما يجعل إسرائيل أمام معادلة: "إما النجاح الحاسم أو العزلة الدبلوماسية المؤقتة".

إيران بين التماسك والتصعيد

على الرغم من الحصار والعقوبات، احتفظت إيران بقدرة عالية على امتصاص الصدمات والتأقلم مع الضغوط. لكن الاستراتيجية الإيرانية لا تقوم فقط على الدفاع، بل أيضًا على "الهجوم الوقائي الاستراتيجي"، عبر شبكاتها في العراق، سوريا، لبنان، واليمن. وقد كان الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني رسالة واضحة أن طهران لا تكتفي بالبيانات، بل ترد عبر القوة الصاروخية.
كما أن طهران ترى في أي ضربة على منشآتها النووية عدوانًا يستوجب ردًا غير تقليدي، وهو ما أكده مستشار المرشد الأعلى الإيراني الذي صرّح: "إذا ضُربت منشآتنا، لن يكون هناك مكان آمن في إسرائيل".

الأطراف الإقليمية... من الحياد إلى التورط؟

دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، تحاول تجنب التصعيد عبر قنوات دبلوماسية مزدوجة، لكنها لا تملك ترف الحياد في حال توسعت الضربات. فالهجمات الإيرانية على منشآت أرامكو عام 2019 لا تزال حاضرة في الذاكرة، وتكشف أن الرد الإيراني ليس محصورًا بإسرائيل فقط. كما أن احتمال استهداف قواعد أمريكية في الخليج أو مضيق هرمز قد يجر دولًا مثل البحرين وقطر إلى دائرة التوتر.

الجغرافيا العسكرية للضربة... هل إسرائيل قادرة؟

تملك إسرائيل قوة جوية متقدمة، وقدرات استخباراتية تُعد من الأفضل عالميًا، لكنها تواجه تحديًا تقنيًا حاسمًا: المنشآت النووية الإيرانية مبنية داخل الجبال، ومحمية بأنظمة دفاع جوي روسية الصنع من طراز "S-300"، إضافة إلى دفاعات إلكترونية.
لذا، فإن الضربة تتطلب استخدام قنابل خارقة للتحصينات (مثل GBU-57 الأمريكية)، مع تنسيق فائق الدقة مع واشنطن. لكن حتى في حال نجاح الضربة، فإن إسرائيل لا تملك ترف الحرب الطويلة، خاصة إذا فُتحت عدة جبهات في آن واحد، من لبنان إلى غزة إلى الجبهة الداخلية عبر مسيّرات دقيقة.

من الردع إلى الانفجار… الحرب المعلنة تبدأ

في تطور غير مسبوق خلال الأيام الثلاثة الماضية، شنت إسرائيل سلسلة من الهجمات الجوية المكثفة على مواقع عسكرية ومنشآت استراتيجية داخل الأراضي الإيرانية، استهدفت قواعد للحرس الثوري، ومراكز القيادة والسيطرة، إضافة إلى منشآت متصلة بالبرنامج النووي. وقد نجحت هذه الضربات، بحسب تسريبات استخباراتية، في اغتيال عدد كبير من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، من ضمنهم مسؤولون عن برامج الطائرات المسيّرة والدفاع الجوي.
وردّت إيران بإطلاق صواريخ باليستية عابرة وطائرات مسيّرة باتجاه العمق الإسرائيلي، وتمكنت بعض هذه الصواريخ من الوصول إلى مناطق حيوية رغم أن "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود" اعترضتا نسبة كبيرة منها. كما استُهدفت قواعد أمريكية في العراق وسوريا، في إشارة إلى توسيع نطاق الرد.
بات من الواضح أن الأزمة تخطت حدود التهديدات، وانتقلت إلى مرحلة الاشتباك العسكري المباشر.

الحسابات الاستراتيجية بعد اندلاع المواجهة

الضربة الإسرائيلية لا تهدف فقط إلى تعطيل البرنامج النووي، بل أيضًا إلى إعادة رسم ميزان الردع في الشرق الأوسط. فاستهداف القادة الكبار في إيران يُفهم على أنه محاولة إسرائيلية لفكك "العمود الفقري القيادي" للنظام الإيراني في ظرف زمني حاسم.
غير أن إيران، التي تعرضت لهزات قاسية خلال الأيام الأخيرة، لا تظهر علامات التراجع، بل تستعد لما تسميه "معركة النفس الطويل". تصريحات المسؤولين الإيرانيين تُظهر أن الجمهورية الإسلامية تعتبر هذه الحرب حرب كسر إرادات، وقد تلجأ لتفعيل جبهات متعددة دفعة واحدة، من لبنان إلى الخليج، مرورًا بالممر البري الإيراني عبر العراق وسوريا.

الشرق الأوسط في قلب الإعصار

لم تعد الأزمة النووية الإيرانية مجرد ملف تفاوضي أو ورقة ضغط جيوسياسية، بل تحولت إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران، في ظل موقف أمريكي متردد يراوح بين الدعم والتريث. هذه الحرب، وإن بدأت بضربات محددة، فإنها قد تتوسع إلى صراع إقليمي شامل إذا فُتحت الجبهات بالوكالة في لبنان والعراق واليمن.
في هذه المرحلة، لم يعد السؤال: هل ستكون هناك حرب؟ بل: ما حجم الحرب؟ وما تداعياتها الجيوسياسية؟ وهل سنشهد ميلاد نظام أمني جديد في الشرق الأوسط يُعيد رسم الحدود ومعادلات القوة؟ أم ستُفرض تسوية عبر الدماء تُعيد اللاعبين إلى طاولة مفاوضات أشد قسوة؟

15.06.2025

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!