تحليل: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
الهجوم الأخير الذي شنه الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وتياره المتطرف على مصر يمثل تصعيداً استراتيجياً بالغ الخطورة في المشهد الإقليمي، ويعكس تحولات عميقة في السياسات السورية الداخلية والإقليمية على حد سواء. هذا التصعيد ليس مجرد خطاب سياسي أو مناورة إعلامية، بل يشير إلى تحالفات معقدة بين تيارات سورية متطرفة وجماعات إسلامية متشددة، تشمل جماعة الإخوان المسلمين والفصائل المرتبطة بجبهة النصرة، والتي تترعرع تحت عباءة حكومة الجولاني في إدلب. التحليل الاستراتيجي لهذا الهجوم يتطلب دراسة متعمقة للأبعاد الأيديولوجية والسياسية، بالإضافة إلى التقييم الدقيق للخطر المباشر على مصر واستقرارها الإقليمي. 
الخلفية السياسية والأيديولوجية لهجوم الشرع
أحمد الشرع يتبنى خطاباً شعبوياً متطرفاً يقوم على الدفاع عن "السيادة الوطنية" و"مقاومة النفوذ الخارجي"، لكنه يستخدم هذا الخطاب كأداة سياسية لتوجيه هجماته ضد مصر بشكل محدد، معتبراً القاهرة جزءاً من محور إقليمي معادٍ لسوريا ولتياره السياسي. التحليل السياسي يشير إلى أن هذا الهجوم يمثل جزءاً من استراتيجية مزدوجة: داخلياً، لتثبيت مكانة الشرع بين الفصائل السورية المتشددة والفئات المتطرفة؛ وإقليمياً، لمحاولة إعادة رسم خرائط النفوذ العربي من خلال الضغط على الدول الكبرى، وعلى رأسها مصر.
خطاب الشرع يتميز بالطابع الاستفزازي، مستفيداً من التوترات الداخلية في الدول العربية، ومحاولاً استغلال الانقسامات السياسية والمجتمعية لتحقيق مكاسب إيديولوجية وسياسية. كما أن استخدامه للأدوات الإعلامية الرقمية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الموجهة، يعزز من تأثيره الإقليمي ويمكّنه من تصعيد النزاعات الفكرية والسياسية إلى مستويات استراتيجية.
علاقات الشرع مع الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة
العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين تمثل بعداً أساسياً لفهم هذا التصعيد، إذ يشترك الشرع معهم في رؤى سياسية وفكرية متقاربة، خصوصاً في مواجهة الحكومات العربية العلمانية، وفي مقدمتها مصر. هذه العلاقة تتجلى في التنسيق غير المباشر على المستويات الإعلامية والسياسية، واستغلال الشبكات العربية للتأثير على الرأي العام، وربما توفير دعم لوجستي للأجندات المعادية لمصر، إلى جانب تبادل الرسائل الرمزية والدبلوماسية لزيادة الضغط على القاهرة.
أما الفصائل المرتبطة بجبهة النصرة، والتي تخضع عملياً لحكومة الجولاني في إدلب، فهي تمثل البعد العسكري والاستراتيجي لهذا التحالف. هذه الجماعات تمتلك خبرة قتالية كبيرة وقدرات تنظيمية متقدمة، ويمكن توظيفها للضغط على مصر أو تنفيذ عمليات تستهدف مصالحها الإقليمية، سواء مباشرة أو عبر خلايا محلية تابعة لها. العلاقة مع هذه الفصائل توفر للشرع القدرة على تصعيد الموقف من مجرد خطاب سياسي إلى تهديد أمني ملموس، وهو ما يزيد من خطورة التصعيد على مصر والمنطقة ككل.
خطورة الهجوم وإمكانية استهداف مصر
تصعيد الشرع يمتاز بكونه يحمل إمكانية أن تتحول التهديدات السياسية إلى تهديدات فعلية على الأرض. الجماعات التي تترعرع تحت عباءة حكومة الجولاني لديها خبرة في التخطيط والتنفيذ العملياتي، سواء داخل سوريا أو في مناطق الجوار. الهجوم السياسي والإعلامي ضد مصر يمكن أن يتحول إلى تهديد مباشر إذا تم استغلال أي ثغرة أمنية أو سياسية، أو إذا نجح الشرع في تأمين دعم إقليمي ضمني من أطراف تسعى لإضعاف النفوذ المصري في المنطقة.
من منظور أمني واستراتيجي، هذا الوضع يضع القاهرة أمام تحدٍ متعدد الأبعاد: تهديد سياسي، تهديد استخباراتي، وتهديد أمني محتمل. التحليل الاستراتيجي يشير إلى أن أي تجاهل لهذا التصعيد قد يؤدي إلى مخاطر متصاعدة، تشمل استهداف مصالح مصر الإقليمية أو حتى عمليات قد تهدد الأمن الداخلي بشكل غير مباشر.
الأبعاد الإقليمية والاستراتيجية
يأتي هجوم الشرع على مصر في سياق تحولات إقليمية واسعة تشمل محاولة إعادة ترتيب التحالفات وتوظيف الأزمات الداخلية للدول الكبرى لمصلحة أطراف إقليمية ودولية متعددة. تركيا وقطر، على سبيل المثال، تسعى لتوسيع نفوذها في شمال غرب سوريا والمشرق العربي من خلال دعم أو تسهيل نشاط الفصائل المتطرفة، وهو ما يجعل التصعيد ضد مصر جزءاً من لعبة استراتيجية أوسع تهدف لإضعاف دور القاهرة التقليدي في المنطقة.
الهجوم يشكل اختباراً لقدرة مصر على مواجهة تحالفات غير رسمية بين فصائل سورية متطرفة وأطراف إقليمية، ويضع على المحك استقرار سياساتها الإقليمية وقدرتها على الحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط.
الخلاصة والتحليل الاستراتيجي
هجوم أحمد الشرع على مصر هو تصعيد مزدوج البعد: داخلي لتعزيز مكانته بين الفصائل المتشددة، وإقليمي لاستهداف النفوذ المصري في المنطقة. العلاقات مع الإخوان المسلمين والفصائل التابعة للجولاني تزيد من خطورة الموقف، وتفتح الباب أمام احتمال أن تصبح مصر هدفاً فعلياً لهذه الجماعات إذا توفرت الظروف المناسبة.
التعامل مع هذا التهديد يتطلب من القاهرة تبنّي مقاربة استراتيجية شاملة، تشمل:
- متابعة دقيقة لكل التحركات السياسية والإعلامية للشرع والفصائل التابعة له،
- تعزيز التعاون الاستخباراتي الإقليمي والدولي لرصد أي تهديدات محتملة،
- تطوير خطط دفاعية وأمنية ودبلوماسية طويلة المدى للتصدي لأي تصعيد محتمل،
- مراقبة أي دعم إقليمي غير مباشر قد يُقدّم لهذه الفصائل ضد مصر.

