الكونغرس الأميركي يرسّم الدور الكردي في سوريا: تثبيت قسد كركيزة سياسية وأمنية في معادلة ما بعد الحرب

آدمن الموقع
0
خبر وتحليل: فريق الجيوستراتيجي للدراسات
الخبر
  • الكونغرس يشترط ويشدد على أن قوات سوريا الديمقراطية يجب أن تكون جزءاً أساسياً من مستقبل سوريا "السياسي والأمني" . 
  • الكونغرس يوضح أن إقصاء قسد من أي تسوية سيعد خرقاً للرؤية الأمريكية للاستقرار في سوريا والمنطقة .
التحليل

تحوّل استراتيجي في الرؤية الأميركية: من شراكة عسكرية إلى شراكة بنيوية في مستقبل الدولة

يقدّم موقف الكونغرس الأميركي الأخير نقلة نوعية في السياسة الأميركية تجاه سوريا. فبعد سنوات من وصف قسد بأنها شريك عسكري ضروري لمحاربة داعش، ينتقل الخطاب الأميركي اليوم نحو تثبيت قسد كجزء من “البنية السياسية والأمنية” لسوريا المستقبلية. هذا التحول لا ينبع من تبدّل ظرفي، بل يعكس إعادة تقييم عميقة لطبيعة القوى التي تملك شرعية محلية وإدارية وقدرة على فرض الاستقرار في فراغ الدولة السورية. 
واشنطن تدرك أن قسد والإدارة الذاتية تمثلان نموذجاً للحوكمة المحلية المستقرة، وأن استبعادهما سيعيد إنتاج حلقة الفوضى، الأمر الذي يتعارض مع المصالح الأميركية الأمنية في محاربة الإرهاب، ومع مصالحها الجيوسياسية في تقييد النفوذين الروسي والإيراني. 
 
رسالة مزدوجة إلى دمشق: شرعية شمال وشرق سوريا أصبحت جزءاً من المعادلة السورية الداخلية

تأكيد الكونغرس على أن إقصاء قسد من أي تسوية سيُعد خرقاً للرؤية الأميركية للاستقرار يأتي ليضع النظام السوري أمام معادلة جديدة. فدمشق التي سعت في السنوات الأخيرة إلى التعامل مع الإدارة الذاتية كأمر واقع مؤقت، تجد نفسها اليوم أمام اعتراف سياسي دولي يمنح قسد موقعاً يوازي دور الفاعلين التقليديين في الدولة. 
هذا الموقف الأميركي يفتح الباب أمام صيغة مستقبلية لسوريا تقوم على لامركزية سياسية وأمنية موسعة، تعكس تعددية البلاد وتؤسس لمرحلة انتقالية لا تتحكم فيها “السلطة المركزية” وحدها. إنه تحول يعيد رسم طبيعة العلاقة بين دمشق وشمال وشرق سوريا، ويجبر النظام على التعاطي مع القوى المحلية باعتبارها شريكاً لا تابعاً. 
 
رسالة صريحة إلى أنقرة: أمن تركيا لا يُبنى على حساب الشركاء المحليين لواشنطن

التحذير الأميركي من استبعاد قسد لا يُقرأ فقط في السياق السوري، بل أيضاً في سياق التوتر المستمر بين واشنطن وأنقرة. فتركيا تعتمد منذ سنوات استراتيجية ثلاثية: منع الاعتراف الدولي بالإدارة الذاتية، الضغط العسكري لتقويض قسد، ودعم هياكل محلية بديلة تخدم نفوذها.
لكن خطاب الكونغرس يؤكد أن الولايات المتحدة ترى في قسد شريكاً ثابتاً، وأن أي محاولة لتغيير الخريطة السياسية في شمال سوريا عبر القوة العسكرية ستكون مرفوضة. 
بهذا، ترسم واشنطن حدوداً واضحة داخل المشهد الإقليمي: حماية الشركاء المحليين ليست تكتيكاً مرحلياً، بل جزء من الحسابات الأميركية الاستراتيجية في مواجهة النفوذ الروسي والإيراني، وفي منع أي فراغ يمكن أن تستفيد منه التنظيمات المتطرفة. 
 
إعادة هندسة الأمن الإقليمي: دور قسد في منع الانهيار ومنح واشنطن نقطة ارتكاز

تربط الإدارة الأميركية بين استقرار سوريا واستقرار الشرق الأوسط الأوسع. ومن منظور البنتاغون والكونغرس، تشكل قسد نقطة الارتكاز التي تمنع انهيار شمال وشرق سوريا أمنياً واقتصادياً.
الرؤية الأميركية تُعتبر أن المناطق التي تديرها قسد هي الأكثر استقراراً، والأكثر قدرة على منع عودة داعش، والأكثر انفتاحاً على إعادة بناء مؤسسات مدنية. لذلك، يصبح تكريس دور قسد في مستقبل سوريا جزءاً من الهندسة الأمنية الإقليمية التي تسعى واشنطن إلى حفظها لضمان توازن القوى ومنع تمدد لاعبين منافسين. 
وتشير قراءة المؤسسات الأمنية الأميركية إلى أن إضعاف قسد يعني عودة الفوضى على الحدود العراقية–السورية، وتحرّك الخلايا النائمة، وتوسّع النفوذ الإيراني باتجاه الفرات، وهي سيناريوهات تعتبرها واشنطن تهديدات مباشرة لمصالحها. 
 
تعزيز موقع الإدارة الذاتية: اعتراف سياسي غير معلن ولكن مؤثر

رغم أن الولايات المتحدة تؤكد التزامها بوحدة سوريا وترفض علناً أي مشروع دولة كردية مستقلة، إلا أن موقف الكونغرس يمنح الإدارة الذاتية اعترافاً عملياً بمشروعها الإداري والأمني. هذا الاعتراف يمنحها قدرة أكبر على التفاوض مع دمشق، ويدعم شرعيتها أمام المجتمع الدولي، ويعزز موقعها أمام الضغوط التركية. 
كما يضع هذا الموقف حداً لمحاولات تهميش المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا، ويجعل أي مسار تفاوضي أو دستوري خارج إطار قسد والإدارة الذاتية مساراً غير مؤهل للنجاح من منظور أميركي. 
 
خاتمة تحليلية: لحظة سياسية مفصلية في المسار الكردي السوري

الموقف الجديد يمثل أول مرة يربط فيها الكونغرس الأميركي بين استقرار سوريا ووجود قسد كشريك سياسي وأمني. وهذا التطور يدفع بالقضية الكردية في سوريا نحو مرحلة جديدة عنوانها المشاركة الرسمية، وليس مجرد الوجود العسكري.
إنها لحظة مفصلية تعيد ترتيب موازين القوى داخل سوريا، وتفتح أمام الإدارة الذاتية فرصة تاريخية للصعود من مستوى “القوة المحلية” إلى مستوى “الفاعل المركزي” في مستقبل البلاد. 
هذا التحول لا يضمن نهاية الصراع ولا يوفر حلولاً جاهزة، لكنه يعيد تشكيل قواعد اللعبة ويمنح شمال وشرق سوريا ثقلاً جديداً لا يمكن لأي طرف — محلي أو إقليمي — تجاوزه في السنوات المقبلة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!