الاحتلال التركي لشمال سوريا

آدمن الموقع
0
إن ما يجمع المخططات التركية مع نظام بشار الاسد في هذه المرحلة هو تطور الحالة الكردية في شمال، وعملية استنزاف المعارضة المسلحة، لاسيما وإن النظام السوري بات يطمأن تدريجياً على تراجع المعارضة المسلحة بعد الاتفاقيات المبرمة بين الأتراك والروس، التي من شأنها إعادة تطبيع العلاقات بين أردوغان وبشار الاسد، وهو ما يفتح المجال للطرفين في التوجه نحو تحقيق كل طرف غايته في التخلص من المعارضة المسلحة والأكراد.
في الوقت الذي يتحرك النظام السوري نحو شل المعارضة المدعومة من أنقرة في عملية إعادة العلاقات مع الأتراك، فإن الأتراك بدورهم يطمحون إلى تحرك جدي من نظام بشار الاسد في ضرب الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية وضمنها وحدات حماية الشعب الكردية، لاسيما وإن التحالف الدولي تساند هذه القوات في حربها ضد منظمة الداعش، وتمكنت هذه القوات من إحراز تقدم كبير على الأرض وتحرير مناطق شاسعة في الشمال السوري، خاصة بعد تحرير مدينة منبج الذات الموقع الإستراتيجي بالنسبة للداعش وتواصلها مع البلدات الحدودية التي هي المنافذ الوحيدة المتبقية للأتراك مع الداعش، وهو ما دفع بالأتراك إلى الجنون والتحرك العسكري لوقف تقدم قوات سوريا الديمقراطية، عبر إطلاق عملية عسكرية والتدخل البري إلى بلدة جرابلس، بعد الاتفاقيات التركية الروسية الأخيرة والتي تضمنت تطبيع العلاقات مع النظامين السوري والإيراني، الذين أتاحوا للأتراك في التدخل عبر بلدة جرابلس بعد انسحاب منظمة الداعش منها وتسليمها للأتراك والكتائب التركمانية وجبهة النصرة وكتائب الجيش الحر.
وفي المقابل تحرك النظام السوري لإظهار وجه الاتفاقيات التي أبرمت مع الأتراك، والاحتكاك بشكل عنيف مع الأكراد في مدينة الحسكة الذات الغالبية الكردية في شمال شرق البلاد، حيث تتمركز فيها وحدات حماية الشعب الكردية إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية - المؤلفة من الكرد والعرب- بإشراف ضباط ومستشارين ومدربين أمريكيين، فيما إن القوات المشتركة ألحقت الهزيمة بقوات النظام السوري في الحسكة، واستحوذت على ما تبقى من أحياء كان النظام السوري يسيطر عليها سابقاً، وما كان ينتظره الأتراك من النظام السوري في إلحاق الهزيمة بالأكراد وخلق بلبلة وعملية تعطيل لتقدمها في المناطق غربي الفرات فشل تماماً، مما تحرك الجيش التركي نحو بلدة جرابلس والبدء بعملية برية لمواجهة الأكراد بحجة محاربة الداعش التي تركت مواقعها خلال ساعات في جرابلس وريفها، وتوغل الجيش التركي ومدرعاتها الثقيلة في عمق 15 كلم جنوب جرابلس وغربها إلى جانب الكتائب المعارضة السورية المسلحة التي تم زجها في عملية استنزاف شاملة من شأنها توجه المعارضة بطاقاتها لمحاربة الأكراد وترك النظام السوري، ويبدأ معها حلقة جديدة من الصراعات الدامية بين المعارضة نفسها في الوقت الذي ينبغي توجيه الجميع دفة قوتهم وطاقاتهم لإسقاط النظام.
والهدف التركي من التدخل العسكري إنما جاء لمنع وصول قوات سوريا الديمقراطية إلى الباب واعزاز وعفرين التي تبعد مسافة 60كلم شمال غربي منبج، وهو ما يطمح إليها وحدات حماية الشعب الكردية في توصيل منطقة روج آفا وشمال سوريا ببعضها وطرد منظمة الداعش منها بشكل كامل، وإنهاء الحدود البرية بين الداعش والأتراك حتى يتم إضعاف قوة الداعش ويمنع الأتراك من دعمها كما فعلت تركيا خلال السنوات الثلاثة الماضية.
إن حجم التحركات التركية في جرابلس ويساويه تحرك للنظام قبل أيام قليلة في مدينة الحسكة وتغيير نبرة تصريحات وخطابات التركية التي تؤكد على سبب تدخلها في تلك المنطقة من أجل محاربة الأكراد، إلى جانب تصريحات النظام السوري التي هاجمت فيها الأكراد، ما هي إلا عملية تنسيق شاملة بين الأطراف في التحرك نحو إجهاض تفوق قوات سوريا الديمقراطية وضمنها وحدات حماية الشعب الكردية، وهي عملية جديدة يقودها الأتراك بعد التزاوج بين أخوان المسلمين والنظام السوري برعاية تركية، واندماج جبهة النصرة وأحرار الشام التابعتين لمنظمة القاعدة الإرهابية، مع الجيش الحر الذي بات لا يشكل شيء أمام سيطرة هذه الجماعات المتطرفة والمدعومة تركياً.
وهو ما يكشف لنا التحرك التركي الجديد وطبيعة المناقصات التي تمت في عملية تطبيعها مع الروس الراعية للنظام السوري والإيراني، وإعادة تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، ويبرز التوجه الجديد لهذه الأنظمة في البدء بحلقة جديدة من التطورات والمواجهات في المنطقة، سيكون على رأس هذه التحركات فتح جبهة ضد قوات سوريا الديمقراطية، وزج المعارضة في آتون المواجهات مع الأكراد، لتخف بذلك الضغوطات على نظام بشار الاسد، ويستنزف قوات سوريا الديمقراطية والمعارضة معاً، وفي المقابل يعود النظام إلى قوته وعافيته ويعيد سيطرته على جميع المناطق.
فيما إن طبيعة تنسيق الأكراد مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وما تقوم به الإدارة الأمريكية من فتح مطارات عسكرية بروجآفا – شمال سوريا، إلى جانب تأمين المجال الجوي لهذه المناطق، وقيام التحالف بتقديم الأسلحة النوعية والضباط الاستشاريين، والدخول بشكل مباشر في دعم وتدريب قوات سوريا الديمقراطية، وبلوغ هذه القوات سقف 80 الف عنصر، وتحقيقها لتقدم كبير غرب نهر الفرات، بعد انتزاعها من يد الداعش مئات القرى غرب وجنوب وشمال مدينة منبج، في الوقت الذي نجحت هذه القوات في تحرير معظم أحياء مدينة الحسكة خلال أسبوع واحد من المواجهات مع النظام السوري، مما دفع بالأتراك والنظام السوري والإيرانيين إلى التحرك الفوري وفتح المجال أمام الأتراك في التوغل داخل الأراضي السورية بغية وقف مد قوات سوريا الديمقراطية من طرف ومن طرف آخر استنزاف المعارضة السورية المسلحة لصالح النظام السوري. 

إبراهيم كابان 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!