“تحرير الرقة”. ما هي الخطوات التي يجب أن تسبق عزل الرقة؛ وتلحق التحرير؟

آدمن الموقع
0


- سيهانوك ديبو
خاص: لــ الجيوستراتيجي

ملخص تنفيذي
تاريخ البشرية يُقَدِّم نفسه بِحسبِ العقول والأيادي المتعاملة مع الجغرافية. يكاد يكون ذلك بمثابة خلاصة التجارب الأنسية المارّة في بوتقات مَمْرورٍ في حيثياتها كل فعل تاريخي؛ بغض النظر عن هل كان فعلاً/ أفعالاً إيجابية؛ أمْ العكس؟
وأيضاً يمكن اعتباره قاعدة تنطبق غائيّتها على جميع الفاتحين والغزاة، وأيضاً على أصحاب الرسالات السماوية والأرضية أنبياء ومصلحين وفلاسفة ومفكرين. والرقة التي تم بناؤها حوالي 243 قبل الميلاد على يد أحد قادة الاسكندر المقدوني؛ الأخير الذي بدأ من عنده تاريخ الهيمنة بكل ما تبعتها من الهيمنات المتعددة الأخرى المترابطة المنفلتة المنتقلة على أضواء ذلك الخيط الاسكندري الغليظ. وقد كان في البدء اسمها كالينيكوس، وقد اختيرت أسماء كثيرة لها حتى سميّت الصخرة المسطَّحة/ الرقة، والتي كانت الدواعي من بناء هذه المدينة قد تم تحميلها أو توريثها إلى جميع الأيادي والعقول التي رأتها الرقة حتى قبل أكثر من عامين حين تم إعلانها ظلاميّاً (عاصمة الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش).
حديث تحرير الرقة محموم، وقد أخذ أبعاداً جديّة وصلت إلى حد استحالة تأجيل التحرير أو ما يستوجب من عزل الرقة حتى الانتقال إلى إنهاء تام لدولة الخلافة المزعومة مع كل أركاناتها.
وما جعلها في هذا المنحى الظاهر عليه؛ متعلق أيضاً بما يحدث في الجانب الثاني من هذه استطالة داعش أي الموصل، والأخيرة يبدو أن عمليات التسخين لم يصلها بشكل فعلي –ربما- بسبب مآلات المرابطة بينهما وجعلهما معركة أممية واحدة منهيّة بشكل أكثر قانوني خطوط الحدود الدولية التي تم إقرارها قبل قرنٍ على زمن الجغرافيات المستحدثة في الشرق الأوسط والتي كانت بحد ذاتها سبباً عليماً لقيام ظواهر غريبة عن تُرَبِ الشرق نفسه وعن ثقافته وعن عدم امكانية ديمومة ما هو الضد من هذه الأصول من ضمنها وربما آخرها داعش وقبلها أنظمة الاستبداد القوموية.
على الرغم من استدامة بعض الفصول لعقود إلّا أنها تظهر اليوم في حالٍ يبدو كأن الستار يُسْدَل عليها بشكل تام أو كما يعرف بأنه بداية النهاية.
دون أن يُفهم بأن المشهد برمته مُغيّب عنه إرادة الشعوب في سوريا؛ إنما خلافه تماماً بأن الشعوب في سوريا التي انتفضت ضد النظام الاستبدادي؛ هو ما جعل بعضه المنظَّم -كما حال روج آفا- شمال سوريا- ينتقل أو يرتفع  إلى الوضع الحالي كجزء مهم من الأسرة الدولية؛ هو نفسه الجزء الذي له من الأجندة الوطنية التي تؤكد خصوصيته واستطاعته أن يقوم بدوره الإنساني في التغيير والديمقراطي منه على وجه الخصوص، من خلال فلسفة الاجتماع الشرق الأوسط الديمقراطي/ الأمة الديمقراطية.

خطوات عزل يجب أن تسبق عزل الرقة
التاريخ يبدأ لدى أردوغان ومن يشبهه  من 24 آب 1516 أي في معركة مرج دابق التي انتصر فيها (الأتراك) المسلمين على (المماليك) المسلمين. فيما لو جاز لفظ النصر لهذه المعركة؛ فإنه لم يكن الأتراك وحدهم مسبِّبين له، ولم يكونوا وحدهم المسؤولين عنه، علماً بأنهم وحدهم؛ أي الأتراك؛ من استفادوا من هكذا نصر. وذهنية العثماني ظلت متوارثة حتى بعد تأسيس تركيا الحديثة؛ ولم يستطع البيريه/ الطاقيه الفرنسية التي حلت محل العمامة أو الطربوش العثماني أن تظهر علمانية مزعومة تم الإعلان عنها وإظهار عكسها أي المزيد من الذهنية العثمانية والتي أخذت طابعاً دموياً أكثر لمسها أكثر كل جار لتركيا الحديثة أو المستحدثة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن لفظ العلمانية لا بد أن ينظر لها بالمزيد من التشكيك؛ بعد الاستعمال المدمر لها سواء من قبل قومويي الشرق الأوسط؛ أو من قبل اشتراكوي أوربا- القرن العشرين؛ كليهما مارسا شوفينية وجينوسايد تحت طاقية العلمانية. الشرق الأوسط يحتاج إلى الديمقراطية أكثر بكثير من العلمانية (ديمقراطية راديكالية على مقاسه؛ من قياسه؛ لا من قياسات الآخرين).
لواء اسكندرون وكيليكية وقبرص. ومن بعدها؛ الاتفاقيات الأمنية الموقعة مع العراق وسوريا التي تحولت بحد ذاتها إلى نصف احتلال. واليوم تبدو العثمانية الجديدة واضحة المقاصد إنْ في العراق أمْ في سوريا. عين على الموصل وعين على الرقة وما قبلها من مساحات جغرافيّة وما بعدها من مساحات جغرافيّة. والاعتقاد السائد هنا بأن ما يحدث سيكون بمثابة اللحظات الأخيرة للعينين العثمانية؛ لتحوِّل مرآهما بعد ذلك إلى مركز وأطراف تركيا ما بعد 1923، وكما هو الترجيح السائد قياساً على مستوى النضال المتقدم الذي وصلته حركة الحرية الكردستانية؛ فإن بضع سنوات كافية كي تصل إلى نتيجة بأن التاريخ بدء قبل عام 1516 بآلاف السنين وحقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم كما حال حق الشعب الكردي في تقرير مصيره الديمقراطي والذي يبرز اليوم كنقطة تحوّل. في سقوط ذهنية تُعَدُّ أشد وطأة ربما من ذهنية العثماني التي تؤكد التبعية العمياء للهيمنة بحجة واهية مفادها بأن من أذهب أو غيّب الحق الكردي وحده الذي يرجعه.
حديث لا قيمة له عندما تنظم الشعوب نفسها وتعي أن خلق الحرية صناعة من لدنها وحينما تقوم بذلك تجد نفسها في الركب العالمي نفسه وحيال إنجاز المهمات ما فوق القومية الوطنية منها والأممية كما حال الكرد وجميع مكونات روج آفا طيلة السنين من عمر الأزمة السورية وحربها ضد الإرهاب والاستبداد؛ بل وما قبل هذه الأعوام الستة أيضاً.
عزل تركيا العثمانية عن سوريا أهم الخطوات التي يجب القيام بها حينما يكون الحديث عن حل للأزمة السورية؛ عن سوريا لكل السوريين؛ خاصة إذا ما أدركنا أن تركيا الشعوب لم يُكتب لها الظهور حتى اللحظة. من حيث أن تركيا الشعوب الديمقراطية لو كانت موجودة ومُفَعّلة؛ فإنه من المؤكد لشهد السوريين – أقل ما يمكن قوله- اختصارات كثيرة في الدماء والدمار الذي نالهم؛ شيء متعلق بطبيعة الموقع الجيوسياسية السوريّة. هل نعلم بأن حقيقة الشرق الأوسط الديمقراطي حاضرة الوجوب؛ واجبة الوجود؛ واجدة الحلول في كل لحظة؟ لا بد أنه حان الوقت كي نعلم. وكما أن عزل من وجدوا نفسهم أدوات عثمانية محضة في مأرب ما يسمى بالمنطقة العازلة وزجِّها أن تكون مطلب وطني وإقليمي وأممي إذا ما كان الهدف هو سوريا الديمقراطية. بالرغم من أن جميع السوريين بمن فيهم الأدوات العثمانية يدركون بأن ما تطلبه تركيا تحت ذريعة المنطقة العازلة ليس سوى التقصيد في قضم 5000 كم2 تُعزل أولاً وتُضمُّ ثانياً إلى تركيا ليزيد مساحتها قليلاً في سباقها إلى مساحة مليونين ونصف المليون كم2 بحسب أطماع العثمانيين الجدد. وهذا كان بالأساس هدف سلطة العدالة والتنمية من إركاب (إخوان تركيا المسلمين) على ظهرانيِّ المنتفضين في تونس وليبيا ومصر وفي سوريا، والأخريات من البلدان ستكون خطوات ثانية وثالثة في حسبان الذهنية النيو عثمانية. وجميعها فشلت ولن يمر هذا الفشل إلّا على حساب التغيير القادم إلى وفي تركيا.
كما أنه من المهم جداً أن يسبق الهدف/ الأهداف السياسية قبل الخوض في عزل الرقة وتحريرها؛ طالما أن هدف القضاء على الإرهاب هو الوصول أو تهيئة الوصول إلى حل الأزمة السورية على أساس مساره السياسي، وأن ما يمنع أو يُعَثِّر الحل هو الإرهاب والمجموعات المسلحة المرتبطة به كما حال عناوينها ضد سلطة دمشق واختيارات أسماء الغزوات والحرب وفق منطق الغزوة. وإعلان الأهداف السياسية للتحرير يقوّض فرص انتاج النظام الاستبدادي في دمشق ويضمن أي منع لمثل هكذا انتاج. الذهنية البعثية لا تقل خطراً عن الذهنية العثمانية فكلتيهما مسؤولتين عن دمار الشعوب في سوريا وتركيا وفي مقدمة تلك الشعوب؛ الشعبين العربي والتركي. وحينما يصر رأس النظام الاستبدادي في دمشق بأن الكرد أقلية في سوريا، ويرفض حل الفيدرالية الديمقراطية، ويوسمه بالتقسيم أو المؤامرة (التي داخ شعب سوريا بها طيلة نصف قرن) يعني بأنه عازم في المضي بالتقسيم الذي يناسبه من بعد التدمير؛ ولربما هذا بالضبط ما يفعله. وأن المستخلص في مثل هذا التقرب السلبي بمثابة العرقلة والوقوف بوجه حقيقة بأن الحل الديمقراطي للأزمة السورية؛ في وضع ما جغرافي؛ أن يتم استنباته من الكل السوري. وما يؤكد ذلك عدم قدرة رموز النظام على تلفظ مسمى روج آفا كما الحال عينه عدم قدرة رموز النظام التركي من لفظ كردستان.
ومن ناحية أخرى وعلى اعتبار من يسكن سوريا المستقبل هم السوريون أو المتبقي منهم؛ فلا بد على الأسرة الدولية وبالأخص منْ راعيي الملف السوري (واشنطن وموسكو) أن تنتقل من عموميات الأهداف الميدانية إلى تحديد الأهداف السياسية الرئيسة. الحفاظ على وحدة سوريا مطلب وطني عام؛ لكن سوريا اليوم هي مقسمة في الحقيقة، وضرورة بيان صيغة النظام السياسي كهدف من أهداف القضاء أو تحجيم الإرهاب يسرع من إنجاز هذه العملية أولاً والتي بات إنجازها مطلباً أممياً؛ من حيث أن أي تأخير إضافي أو لنقل غير محدد في مثل هذا الإنجاز يقوض أركانات الأمن والسلام العالميين بحسب ما يتم إعلانه اليوم أممياً، يُضاف إلى ذلك ملاحظة زيادة نوعية سورية في ضرورة إظهار كيفية الانتقال إلى سوريا اللامركزية، متراوحة في ذلك من اللامركزية الإدارية الموسعة إلى اللامركزية السياسية، وآخر هذه المبادرات التي كانت قبل فترة: بأن زيادة التقسيم الإداري السوري إلى 33 محافظة في المرحلة الانتقالية وست أقاليم في مرحلة الاستقرار يمكن عده طرح جدير بالمناقشة، علاوة على أن صيغة الإدارات الذاتية الديمقراطية نموذج الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا. وروج آفا التي قدمّت نفسها كنموذج ملامس لجوهر التعددية في سوريا ومثال للعيش المشترك في الصيغة العملية العلمية. وقد يكون الإجهار بالصيغتين اللا مركزيتين السياسية والإدارية في سوريا المستقبل حلاً ناجحاً كما نموذج النظام السياسي في الدولة الوطنية الإندونيسية.
ما تقدم يمكن اعتبارها مسائل مفصليّة يجب الاتفاق عليها قبل  عزل الرقة وبعد تحريرها إضافة إلى مسائل مهمة متعلقة بها أو متممة لها ومكاملة في هدف إظهار الشخصية الوطنية المتألفة بدورها من ثقافات متعددة؛ الاعتراف بها كيفما تريد أن تظهر متشاركة في البعدين الوطني والقومي؛ سيكون بحد ذاته أولى الخطوات نحو الحل والعقد الاجتماعي المحصَّن في سوريا وعموم الشرق الأوسط.

الانتقال البشري الخاطئ؛ لا بد أن يتم وقفه
وكأن على البشرية أن تمشي نحو الهاوية وبشكل منفرد؛ هذا المطلب المعلن من قبل مُشَكِّليّها (طبّاخي سياسة الهيمنة). مع العلم أن جذورها الأيكولوجية تؤكد أنها بالإمكان أن تصنع لها فردوساً أنسياً وبشكل تشاركي على الأرض. البشرية واحدة فَرَخَ منها الأعراق؛ ربما كان لا بد أن تتوقف عند هذا الحد؛ فربما كانت الصيغة الأكثر انسيابية على تأكيد الاختلاف. أما الخلاف فنجم ما بعد الأعراقيّة: الدينية وتحت الديني أي الطائفي ودون الطائفي أي العقدي أو الطُرَقي (هلاكات العصر الوسيط- بالرغم من عدم دقة مصطلح العصر الوسيط والذي يلزمه التعديل والتغيير) الهلاك في تلك الفترة نجمت عنه فكرة أكثر (شملاً) فكانت القومية؛ وأعتقد بأن كان لها فعلاً حضارياً حينها؛ لكن تصديرها إلى الشرق الأوسط أحدث خللاً مركباً كما حال كائن مسخ نصف ديني طائفي ونصفه قومي؛ وكما الحال الذي نشهده اليوم والمسؤول بطبعه عن التخلف والتدمير والعجز حيال الحضارات الأخرى التي استطاعت أن تضع حداً لانقسامها.
من غير المعقول بأن يتم توصيف الصراع في سوريا أو في الشرق الأوسط بأنه صراع طائفي بين السنة والشيعة؛ خمسة قرون هذا هو حال الشرق وسيستمر حتى اختفاؤه كاملاً طالما يتم تسييره وفق هذا الهلاك. حاجتنا اليوم سوريين وشرق أوسطيين بكل ثقافاتهم كرداً وعرباً وفرساً وأتراك وغيرهم من الثقافات الأصيلة كما حال السريانية والآشورية وغيرهما..  إلى توجيه جديد وسير جديد ومفهوم جديد نحو تحقيق الحضارة الديمقراطية والمساهمة في بنائها. مثل هذه الخطوة مرجح أن تقوم على يد مفهوم الأمة الديمقراطية، وهو أصل ما نشهده طيلة هذه الأعوام في مناطق روج آفا- شمال سوريا؛ نحو العموم السوري.
وكما بيّناً ما يلزم من خطوات حين عزل الرقة وحين التحرير وبعد العزل وبعد التحرير؛ من حيث يجب أن لا يُنظر إلى الرقة اليوم بأنها مسألة عسكرية بحتة. خلافاً ذلك بأنها مسألة متعلقة بالمجتمعية والنهوض وبدء عملية التغيير الديمقراطي في سوريا وفي عموم الشرق الأوسط.
هل يفعلها من كان أجدادهم صنّاع الحضارة الأوليين في بلاد الميزوبوتاميا؛ الهلال الخصيب جزء أساس منه؟
سؤال كبير بمستوى تاريخ البشرية وإيقاف دمارها المستمر لنفسها. لكن؛ تبقى أولى الحقائق صدى؛ أهم المنعطفات التاريخية تخلقها نظريات ثورية؛ والأحلام ليست سوى أفعال مؤجلة يُنتظر تحقيقها. وهذا الباطن العام في ظاهر عزل الوقائع والظواهر المرضية التي حان وقت الخلاص منها والتأسيس للسلام والأمن والاستقرار. الثابت هنا بأننا أمام أولى الخطوات نحو عصر الأمم الديمقراطية.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!