ماهية الصراع السعودي القطري التركي .. وأين يجب ان نكون

آدمن الموقع
0


تحليل وقراءة إستراتيجية
إبراهيم كابان
خاص – الجيوستراتيجي


لا بد إن الدول الغربية حينما زادت من فجوة خلافاتها السياسية مع أنقرة في الآونة الآخيرة كانت تدفع بالمقابل حلفائها للتوجه نحو ممارسة نفس الضغوطات على سلطة أردوغان، وهو ما لاحظناه في السياسة الأمريكية التي تغيرت 90 درجة لإتجاه عزل تركيا ومنعها في لعب دور "قوة قادرة" داخل الاحداث السورية والعراقية، لا سيما بعد إبعاد الداعش عن حدودها لوقف التنسيق المباشر بين أنقرة وهذه المنظمة الإرهابية، ومنع الأتراك من مهاجمة روجآفا – شمال سوريا لتعويق القضاء على الداعش، وخاصة بعد إظهار تركيا عن نواياها في التقرب من الروس والإيرانيين، بغية الضغط على واشنطن وأوروبا في السماح لها بالتدخل في روجآفا.
مشكلة القوى السياسية الغير واعية والمعتمدة في خططها على اللعب بين المحاور دون معرفة حجم قوتها الحقيقية، تدخل بسهولة في شرك الصدام مع إحدى المحورين، فتتحول القوى الكبرى إلى مطحنة لتدميرها وعزلها، لأن ما تقود السياسات الروسية الأمريكية الأوروبية هي الشركات الضخمة التي تتفق في الخطوط العريضة حول المسائل الرئيسية وتترك للقوى المحلية التحرك ضمن الدائرة المرسومة لها، وهذا ينطبق على صيرورة التحركات التركية التي باتت تهدد الحياة الديمقراطية على حدود أوروبا الشرقية، إلى جانب تهديد المصالح الغربية الأمريكية في الشرق الأوسط، من خلال قيادة وتدريب وتسليح المجموعات متطرفة التي في ذهنيتها وتحركاتها تعادي الغرب وتهدد العالم الحر.
بذلك فإن شركاء تركيا وداعميها الإقليميين سيدخلون في نفس الدائرة التي تحاصرها الدول الكبرى، وفي المقدمة دولة قطر، وتنافسها مع المملكة العربية السعودية، على النفوذ في الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، إلا أن الخيارات القطرية لم تكن ذكية بحجكم التحركات السعودية في مسألة دعم القوى، في الوقت الذي أختارت فيها السعودية القوى المشروعة في اليمن ومصر وليبيا كانت قطر تدعم الجماعات المتطرفة التي تعاديها الدول الغربية، كذلك الامر في سوريا حيث أتحدت الجماعات المسلحة والمتطرفة القطرية التركية في سوريا للقضاء على المجموعات التي كانت تدعمها السعودية، وأيضاً التحالف القطري التركي كان جزءً حيوياً من عملية  الضغط التركي على المجتمع الغربي والأمريكي في المسألة السورية، بالإضافة إلى التقارب القطري من الإيرانيين وسياساتهم في المنطقة أظهرت حقيقة زيف الإدعاءات التركية القطرية في مسألة قيادة الحلف السني في الشرق الأوسط، وهذا يوضح لنا المخاوف الإسرائيلية من مسألة التمدد الإيراني على حساب الدول السنية التي تتحالف مع إسرائيل في مواجهة إيران.
عزلة قطر تأتي من باب شد الخناق على جماعة أخوان المسلمين في مصر وتركيا، وهي عملية قطع الذرائع التركية في العالم العربي، فالقيادة السنية مركزها المملكة العربية السعودية، وتدعم الدول العربية الرئيسية هذا التوجه لا سيما الإمارات العربية المتحدة ومصر.

توجهات المنطقة وفق المشهد

من الواضع إن الصدام السني الشيعي المخطط له من قبل الدول الكبرى هي مسألة مقررة بحجم إستفادة الشركات الضخمة للدول الكبرى من هذا الصراع، وما حصل تخدم الدول الكبرى في خلق صدام بين السنة والشيعة لإلهاء الدول السنية في عملية التسليح والتجهز والحاجة إلى تكريس العلاقات مع الغرب والأمريكيين، بينما نجاح الإيرانيين في التمدد نحو الخليج العربي من بوابة اليمن وقطر، وإعادة النظام السوري إلى مركزالقوى بعد أن كان يحتضر، والسيطرة على الجماعات المتعددة في العالم العربي والإسلامي لإتباعها ولاية الفيقه. وبإختصار إن تحجيم الدور الإيراني وإستمرار الصدام السني الشيعي وحاجة جميع هذه الدول إلى فتح مجالاتها امام المصالح الغربية الأمريكية الروسية هو ما يتم في المدى القريب والبعيد، ولعل من يخرج عن هذه الدائرة المرسومة سيتم عزلها، وأمامكم النماذح - تركيا وقطر وإيران– والعودة السعودية للحضن الغربي الأمريكي في قيادة المحور السني دون منافسة القطر سيتحقق بفعل التمويل الكبير الذي يقدمه المملكة العربية السعودية للامريكيين، والإمارات العربية المتحدة للأوروبيين.


أين يجب أن نكون؟؟

وجود الأمريكيين في الشرق الأوسط ليس للتنزه وإنما هو إستكمال لمشروع رسم له في الستينيات القرن العشرين، وتم إيجاد الأرضية لتطبيقه في الثمانينات، ووضع خطوط تنفيذها في التسعينيات والعشرة الأولى من الألفية الثانية، إلى أن تهيئت الأرضية الكاملة مع التنفيذ المباشر بعد 2012، لتبدأ معها الأجزاء الكبيرة من المشروع (خلق الفوضى الخلاقة المطلوبة لتفكيك المنطقة وإعادة تركيبها وفق مصالح جديدة تضمن الهيمنة الأمريكية بعيدة المدى)، الوجود المباشر للقوات الأمريكية في سوريا كانت تتطلب فقط القوى الفاعلة على الأرض للتنسيق معها، وقد ظهر الكرد بتلك البسالة والعزيمة والقوى المطلوبة في دفع الأمريكيين إلى التنسيق المباشر، وهي حاجة الطرفين الأمريكي الكردي في عملية تقاطع مصالح فريد من نوعه، رغم إن جوهر المشروع الكردي في الشرق الأوسط يتعارض مع المصالح الأمريكية الخاصة، إلا أن السياسة الأمريكية الجديدة في مسألة الإبتعاد عن التدخل العسكري الكبير ودفع التكاليف الباهظة في تطبيق المخطط بمعزل عن القوى المحلية في الشرق الوسط - ستكون عملية فاشلة بكل المعايير، وأمامنا تجربة افغانستان والعراق وقبلهما التجربة الفيتنامية التي اخفقت المخططات الأمريكية بعد غزوها بشكل مباشر دون وجود قوة محلية لها المصالح نفسها، لهذا فإن نقطة الإرتكاز لإنجاح المشروع الأمريكي هو وجود قوة محلية لها تأثيرها وتحتاج إلى قوة كبرى تتبادل المصالح معها في إنهاء الأنظمة الفاشية في الشرق الأوسط وإقامة دول ديمقراطية تثبت فيها حقوق الشعوب في الشرق الأوسط، وإن كانت الغايات الأمريكية الكلية لها منحى آخر، إلا أنها بالاخير مجبرة على تقبل الحقائق على الأرض والاستفادة منها. وهو ما لاحظناها في الخطوات السياسية التي تمت في روج آفا وشمال سوريا ومرحلة تطورها من الإدارة الذاتية إلى الفدرالية بعيداً عن التأثير الأمريكي الغربي على مجرياتها.
ومن الطبيعي أن تكون لإدارة روجآفا – شمال سوريا علاقات مميزة مع حلفاء أمريكا في المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات، لأنه ليس من المعقول أن نعادي هذه القوى العربية الفاعلة، على أن لا نكون وقوداً لصراعاتها مع المحور الإيراني وأذرعتها في المنطقة، ولا يمكن أن ندخل في جبهة مع الروس، لأننا سندخل وقتها في خطا الأتراك. إلا إننا يجب أن نكون جزء من التطورات الجارية في إظهار هرم المحورين المحليين في الشرق الأوسط، فالإيرانيين خطرهم على القضية الكردية ليست بأقل من الأتراك على المدى البعيد، ولعل تدمير قوات الردع للجمهورية الإسلامية سيكون هدفاً أمريكياً في المرحلة القادمة، ويجب أن ندرك ذلك أيضاً، على أن لا ننسى الهدف الأكبر وهو القوى الإسلاماوية والقوموية التركية التي يجب ان تسقط ايضاً وتتحرر الدولة التركية بمكوناتها.
مسألة تكريس الإتحاد بين الشعوب السورية وبناء علاقات سليمة بين المكونات مسألة ضرورية لخلق الإستقرار داخل سوريا، كما إن مسألة الحفاظ على الوحدة السورية في هذه المرحلة يجب ان لا نتنازل عنها أمام محاولات المعارضة الأخونية المدعومة تركيا والنظام السوري في تفتيت سوريا، لأن تقسيم سوريا بالشكل المخطط له من قبل الأتراك والنظام والإيرانيين سيخلق تناحرات تشبه باب جهنم في الشرق الأوسط، فالعالم الحر يتجه نحو الإتحاد والشراكة في دول ديمقراطية بدلاً من الكيانات القائمة على أسس قوموية.
10.6.2017

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!