قفزة 15 آب 1984 " التأسيس نحو الشرق الأوسط الديمقراطي "

آدمن الموقع 12:40:00 م 11:42:41 ص
للقراءة
كلمة
1 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A



بقلم سيهانوك ديبو / مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD
خاص/ الجيو ستراتيجي 

حينما قامت الثورة الفرنسية 1789 اتخذت حينها عموم الأنظمة السياسية في أوربا موقفاً سلبياً؛ وصل الأمر ببعضها إلى مستوى العداء؛ بالرغم من حالة العداء المتكونة مع الملكية الفرنسية وأغلب تلك الأنظمة. أيضاً وإلى درجة كبيرة؛ شعوبها الرافضة للثورة ولقيم الجمهورية. القيم نفسها باتت في فترة ليست بعيدة معممة في عموم أرجاء أوربا. لكن؛ من المهم التركيز بأن تلك القيم لم تحظى بالاتساق الكبير مع فكر الثورة الروسوية (العقد الاجتماعي) ولوحظ انحرافاً في تلك القيم ليصل الحال إلى البعض كي ينعتوا نابليون بونابرت بأنه بات لويس السابع عشر. الشيء نفسه متعلق بثورة العبيد التي سبقتها بثماني عشر قرناً تقريباً؛ ثورة سبارتاكوس؛ والانقسام الذي حدث ما بين العبيد أنفسهم، فبقيت صفة ذلك العموم؛ الالتصاق أكثر بالقيود. جسّها على الدوام لترقد إلى مصيرها أو قدرها!
الثورات لا يمكن أنْ تتطابق ومثيلاتها؛ إنما تتفق في مفاصل أساسية، إلّا أن التعريف الأسلم يمكن أن يكون: بأنها تتكامل. فلا يمكن لأي جغرافيّة معينة أن تحتفظ بثورتها لنفسها، بخاصة؛ مع الكم الكبير من المشاكل التي تعاني منها البشرية؛ في مقدمتها البحث المستمر عن الديمقراطية. أو العبور إلى أرض الديمقراطية. مثال ذلك؛ الجغرافية الحديثة التي تشكلت في العام 1922/1923 والتي سميّت بتركيا مع المسميات الجغرافية الحديثة التي حدثت. وعلى الرغم من أن المناخ السياسي الدولي وقتها كان في معرض الاتفاق بأن لا تكون. وكانت فرصة تأسيس كردستان –حينها- تحظى بنسبة نجاح أكبر. فالسكاكين التي تناولت الشرق الأوسط؛ كانت تحرص أن لا يبقى ما يجسّد تركة العثمانيين. لكنْ؛ كانت تركيا، وكانت أساسياتها (بحسب الاتفاقيات الموقعة في تراقيا، وسيواس، وأرظروم... وغيرها) بأن يحظى الكرد على شبه الاستقلالين السياسي والاقتصادي. يؤكد ذلك أيضاً محاضر أول جلسة في البرلمان التركي 1922.
  يعترف المؤرخين الأتراك أنه تمّ القضاء على تسع وعشرين ثورة وانتفاضة  وإمارة كردية منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى انطلاق الكفاح المسلح للشعب الكردي في شمال كردستان بقيادة حركته السياسية المتمثلة بحزب العمال الكردستاني وتحديدا في شمدينلي – هكاري في 15 آب 1984 على يد شباب ثائرون لم يكونوا كُرداً فقط بل من الترك والمكونات الأخرى في تركيا؛ وهذا بحد ذاته كان بمثابة الانطلاق الصحيح الذي شكَّل حجر الزاوية في البناءات اللاحقة التي يشاهدها الجميع في أماكن وجود الكرد؛ ما بعد خرائط سايكس بيكو؛ إلى أربعة أجزاء- سوريا، تركيا، العراق، وإيران. أما شمال كردستان/ جنوب شرق تركيا ولأكثر من أربع عقود ظلّ خامداً. فعملية التتريك والإبادة بكل ما تعنيه هذه الكلمة كانت هي العنوان، الخواء الفكري والأيديولوجي ظل مسحوبا في ثنايا الفكر والنهوض، فمن العام 1937 بعد فشل انتفاضة سيد رضا في ديرسم والقمع اللانساني في إخمادها والتنكيل بأهلها وأطفالها ونسائها (أكثر من تسعين ألفا من بينهم السيد رضا لقوا حتفهم بطريقة وحشية) وحتى السبع سنوات من الحراك الأيديولوجي والتنظيمي والسياسي التي مرت بها حركة الحرية الكردستانية وسبقت حديث الطلقة الأولى في مثل هذا اليوم من العام 1984. طيلة العقود الأربعة؛ عقود الخواء والعجاف الوطني، كاد الكرد في كردستانهم المركزية أن يُقتلعوا من جذورهم، فالسياسات الطورانية آنذاك كانت جُلّ اهتمامها مصوبة إلى تتريك الكرد وأن الكرد في تركيا ليسوا سوى (أتراك الجبال)؛ مثل ذلك كان قائماً في إيران والعراق وسوريا؛ بمسميّات مختلفة. وهنا يؤكد الباحثين الأتراك أن الأنظمة في تركيا قطعت أشواطاً في إضعاف وتشتيت الهوية الكردية، فكاد الكرد في تركيا أن ينسوا أنهم كُرد واللغة الكردية كانت تتقلص إلى درجة أن الأغلبية كانت تخشى التحدث بها، والمجابه لمثل (القرار) مصيره اللاحياة، والتراث والثقافة الكردية أيضاً باتت تكون غير مرئية، وكادت تتحول أيضا إلى فلكور تركي، والجغرافية بدأت أيضاً تُتَرك، فكل مدينة كردية كان يكتب في وديانها أو أحد جبالها (يكفي أن تكون تركياً.. أن تكون إنسانا سعيداً)؛ إلى مبدأ أردوغان الشوفيني: إذا ما تنكّرت لكرديتك فلن تعد هناك قضية كردية. أي أن الهوية الكردية بكل مناحيها الثقافية والسياسية والاجتماعية كانت على محك الزوال.
الرصاصة الأولى التي أطلقت في مثل هذا اليوم قبل 33 عاماً في (أرو وشمدينلي) تعتبر بمثابة خروجٍ للأموات من قبورهم، كسراً للقيود الدامية، عزماً لتحقيق مستقبلاً تكون فيها الأمكنة متسعة للجميع. وبدأت المقاومة المسلحة تعيد بناء الشخصية الثورية في كردستان وبكل سماتها؛ حركة ثورية وفق نظرية ثورية لم تقف عند حدود تلك المرحلة التي شهدت صراعاً بين الاشتراكية المشيدة السوفياتية والامبريال العالمي، وتجليّاً بالصراع المحموم بين الروافد والروائز المنقسمة بين التيارين الأساسيين. إضافة إلى أنها كانت الرافضة لانقلاب أيلول 1980 وشل الحياة السياسية أو انهائها في تركيا، كما كانت كردستانية المعنى من بعد نكسة الكرد في العام 1975 في باشوري كردستان/ شمال العراق.
الرصاصة كانت مصوّبة إلى تلك مجتمعة، وحينما انطلقت كانت متبوعة بالأساس ل ثلاثة استراتيجيات تحددت بِ: استراتيجية التوازن ثم النهوض وأخيرا استراتيجية الدفاع المشروع. وقد بدأت بقطف ثمارها مؤخرا وبالشكل الإيجابي من ثلاثة نواحي أيضاً: الشرق أوسطية والوطنية والقضية الكردية. ومشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا، والفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا اليوم هي من فكر و فلسفة عبدالله أوجلان؛ الذي حوّل سجنه إلى انتاج قاعدة فلسفية ثورية؛ تصلح اليوم وتصبح الحل في زمن الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط وسوريا على وجه الخصوص. وهذا ما جعل الكثير من الشباب الكردي والعربي والتركي والفارسي وحتى الأممي يلتفتون ويلتفون حول هذه المنارة من أجل النهوض والتنوير وإنهاء عصر الظلمات والتخلف في الشرق الأوسط.
يعتبر وجود المشكلة السبب الأساس للبحث عن الحل ومن ثم طرح أفضل الوسائل لتحقيقها. المشاكل والقضايا المتعددة التي تأن تحت وطأتها المجتمعات المُتَسَلِّعة، فإنه من العبثية المطلقة أن توجد حجة تمنع من أن يعيش أي شخص دون فكر نيّر دون التزام إيديولوجي يصوِّب الجهود نحو الديمقراطية من بعد تحطِّم قيود النمطيات المخلّة أو القواقع، ومن ثم العبور إلى المدخل في بناء المجتمع السياسي الأخلاقي الذي لم يمر به حتى اللحظة أيّاً من شعوب الشرق. والتأسيس لمثل هذا المجتمع هي قفزة النهضة مجتمعياً؛ وتشبه إلى حد قصيّ المبادرة العظمى التي تحدث عنها لينين، والجلبة التاريخية التي عمل من أجلها غرامشي، واللحظة التاريخية الفارقة التي تجابه حالة تخدر المجتمع وتجعله يكتسب مناعة بعد ضمر الممانعة ضد أي تغيير نوعي، فالفرد في هذا المجتمع يعتقد أن له قيمة وأنه حر بمجرد أنه يستطيع أن يختار بين أنواع المنتجات الصناعية لتلبية حاجاته كشراء سيارة أو امتلاك بيت فاخر، بينما الحقيقة الفعلية (إنه حر في اختيار أسياده) حسب ماركيوز، وأن الفرد الحر بحسب منطق التحليل الوضعي هو مجرد (فم مستهلك) والإشارة أو بالأحرى التشويش على أنه (عقل متنور) باتت غير مقنعة؛ ويتخطى ذلك واجباً البحث عن حالة فكرية مجتمعية تؤكد على ضرورة تَحَصُّلِ الإنسان الندي؛ المجتمع متمثَل فيه وهو الممثِّل للمجتمع؛ وهذه هي إحدى الحالات المنشودة في فلسفة الأمة الديمقراطية.
التأكيد على أن صلب السياسة الديمقراطية هي من أولويات المرحلة الثورية التي نعيشها (سوريّاً- كردياً) بعد فشل السياسات الدولتية التي تستخدم مجتمعاتها وتستخدمها مطية لمآربها؛ بعد تشظيها وحجزها وفكفكتها، أليس هذا هو الملموس للواقع المنتج من قبل أنظمة الاستبداد السوري والشرق أوسطي؟
الأمكنة تتقلص بالأنظمة الشمولية وبسياساتها، وهذه الأمكنة تنشرع بالسياسة التي تخدم مجتمعاتها كما يقول أوجلان، خاصة بعد فشل إيجاد الحلول لأولى المهمات والحلول للمشاكل المجتمعية كالبطالة والمشاكل البيئية الناجمة أساساً وفق تلك النظرة المخلة.
وحزب الاتحاد الديمقراطي يلتزم فكر وأيديولوجية حركة الحرية الكردستانية ويناضل من خلال فكر الأمة الديمقراطية الذي أصبح اليوم جزء مهماً من الحل السياسي السوري. وقد أصبحت أحزاب ومكونات الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا صُنّاع البناء في تصديهم للإرهاب والاستبداد من خلال وحدات حماية الشعب والمرأة وعموم فصائل قسد شركاء مع التحالف بل مع الأسرة الدولية ضد الإرهاب. إنها حقيقة المشروع الديمقراطي.
باختصار متناهي: هذه المكتسبات وعلى شقيّها الميداني والسياسي؛ تعتبر امتداداً للفكر الذي أطلق تلك الرصاصة.


شارك المقال لتنفع به غيرك

آدمن الموقع

الكاتب آدمن الموقع

قد تُعجبك هذه المشاركات

3113545162143489144
https://www.geo-strategic.com/