الدولة التونسية...تدفع شبابها إلى قوارب الموت..!؟

آدمن الموقع 10:46:00 ص 10:46:31 ص
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


لا يمكن أن تمرّ مأساة القارب الذي غرق بداية الاسبوع، ومات خلالها ثمانية وتم انقاذ 38 وفقدان عدد قد يكون كبيرا، لا يمكن أن تمرّ هذه المرّة دون الوقوف على عمق الكارثة، وتحليل ابعادها خاصّة وأن الاتجاه يسير نحو ابتذالها ورمي المسؤولية على "الحارقين" و"تجّار الموت"، من خلال القصف الاعلامي الموجّه نحو شباب الجهات المسحوقة، والذي استخسر في عديد المنصّات في الموتى وذويهم التعزية ومشاعر المواساة والتعاطف.
قبل ثلاث سنوات كانت الحملات الانتخابية على أشدّها، والحزب الحاكم اليوم (النداء) كان حينها يبشّر بوعود وردية، 6% نمو سنوي و450 موطن شغل طيلة خمس سنوات و25 مليار دينار استثمار كل عام وخط تمويل بمليار دينار للتنمية الجهوية بصفر فائدة، وعديدة هي الوعود الخيالية التي تم نثرها هنا وهنالك، لم يجد منها المواطن في سيدي بوزيد والقصرين وقفصة وسليانة وجندوبة وبقية الولايات سوى الوهم ومزيد التأزم والانسداد، ولم ير بعدها سوى تغيير الحكومات واعضاءها والقيادات في النداء، وتفريخ الاحزاب من حزب السبسي التي وصلت الى أربعة.
والوعود المختلفة تحوّلت تدريجيا الى تملّص من المسؤولية ورميها على الشعب، وخلق مسارات حكومية متشعّبة ضاعت عبرها الاطراف المطلوبة للمحاسبة، ولم يبق أمام الشباب سوى مزيد البطالة ومزيد غلاء الاسعار ومزيد الفقر والتهميش والانكى هو مزيد الفساد والمحسوبية والتمييز، ومجموعة الازمات الدولية تحدثت في اخر تقاريرها على تونس على "دمقرطة الفساد" و"زابونية الدولة"، واليوم تضيق باطراد مساحة الضياء الضعيفة أصلا وتجتاح المساحات الظلمة والعتمة.
واليوم الارقام تتصاعد بقوة وهي مفزعة في صفوف الشباب والطفولة خاصة، بين الغرق في محرقة المخدرات والوقوع في أتون الانتحارات والسقوط في "الحرقان"، واخرها فاجعة هذا الاسبوع التي صدمت الرأي العام، واعترتها الضبابية في المعلومة الرسمية وتناقضات في المعطيات عمّقت الشكوك بخصوص حقيقتها، وسُخّرت في المقابل ماكينة اعلامية كبيرة بين المنصات المعهودة في شمس وموزاييك والحوار التونسي، بالتركيز على "عصابات التسفير" و"تجار الحرقان" و"طيش الشباب" و"الحلم القاتل بالمال"..
واذ يجدر التنويه أن ما يسوقوه ليس خاطئا في المنطلق، فانّه لا جدال أن تعويم الظاهرة في هذه الشكليات على اهميتها واغراقها في هذه القضايا الظاهرية هو طمس (قد يكون متعمدا او اغفالا) لحقيقة السلوك واسع الانتشار، وتعمية وتهميش لجذور هذه الممارسات، كما أن القاء المسؤولية على العائلات والمجتمع المدني كما يفعل البعض، هو اجتزاء فادح مخل بالواقع، فمسؤولية الشباب والطفولة بالاساس وفق الدستور ملقاة على الدولة الراعية لمواطنيها.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اذ أشار بقوّة الى التعتيم القاتل في المعلومات وتناقض الرواية الرسمية حول "اصطدام قارب المهاجرين بباخرة الجيش" مع شهادات ناجين، فإنّه ركّز بقوّة على عمق الظاهرة ودعا للاحتجاج على السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب نحو "قوارب الموت"، والتي تنتج الاحساس بالاحباط وغياب أفق للكرامة والتشغيل والعدالة الاجتماعية، مؤكدا أن المعالجة لا يمكن اختزالها في المقاربة الامنية وحصر تونس في "حرس حدود لأوروبا"، في غياب المقاربة التنموية الشاملة.
مائة ألف طفل ينقطع سنويا عن التعليم حسب تصريحات وأرقام وزارة التربية، لا افق لهم ولا استراتيجيا جاهزة لاستيعاب قدراتهم وتطويرها، ولا مركز الدراسات الاستراتيجية ولا مركز "سيريس" للدراسات الاجتماعية يخصص بحوثا جدية لوضعيتهم، كما أن مئات الالاف من أصحاب الشهائد العليا لا منوال تنمية يمكن ان يوفر لهم الشغل، ومئات الاف اخرى دون ذلك يكابدون نفس المعضلة ولا يجدون اليات تكوين وتشغيل توفر لهم التوظيف، وفي الجهات المهمّشة المعزولة يزداد الاختناق الى حد الاحتضار.. ويتمكّن اليأس والاحباط والسوداوية المقيتة.
آخر استطلاعات الراي تشير الى ارتفاع صاروخي في نسبة التشاؤم لدى الشعب عند كل 3 من 4 مواطنين، والنسبة ترتفع أكثر عند الشباب مع ازدياد نسبة الفقر والتهميش والبطالة وتجميد التوظيف العمومي، وتزايد المكابدة والمعاناة يتعمّق مع انتشار البؤس السياسي في كل المشهد، مع طبقة سياسية حاكمة غارقة في المراسم والاستقبلات والدعاية الاعلامية، تفكّر وتسير بمنطق الغنائمية والانتهازية والاستيلاء، مفقّرة قيميا وثقافيا وقاصرة في الاداء وفي ابتداع البدائل والحلول وعاجزة عن بث الحلم والامل، بل ان تطاحنها وتناحرها السياسي يسمم ويعفّن المناخ الاجتماعي والسياسي ويجذّر الاحباط.
الشباب اليوم تنسد في وجهه الافق ويزداد عجزه عن مواجهة واقع يتصلّب ويتعقّد بقوّة، خاصّة وأنّ حلم الثورة الذي لاح في 2011 تم اجهاضه من السياسيين والنخب في اغلبيتها الساحقة، وهو يرى اليوم قدراته تسلب واماله ترهن والاختناق يزداد مع مصادرة حقوقه في التعبير والاعلام، واليأس يتصاعد مع فقدان الثقة في تحقق مستوجبات التوزيع العادل للثروة والمشاركة في السلطة، والضمير الانساني الوطني والدولي الذي يتهاوى يزيد في احتداد الانسداد.
اتهامات متصاعدة للحكومة بفسح المجال لـ"الحرقان" في ظل عجزها عن توفير الشغل، و"تفريغ" البلاد لتلافي تفجرات اجتماعية منتظرة بتصدير الشباب الى ما وراء الحدود، ليذهب نصف "الحارقين" غذاء للحيتان والنصف الاخر الى شمال المتوسط، والادانة تجلت اليوم استنادا الى الارتفاع الغريب لعدد "قوارب الموت" الفالتة من رادارات الدفاع والداخلية الكثيرة، في ظل استخفاف وتجاهل القصبة وخاصة قرطاج التي لم تعقد مجلس الامن القومي لتدارس المسألة الخطيرة المضرّة بالشباب والطفولة كما بالعلاقات والاتفاقيات مع الدول الاوروبية الاّ بعد احتداد الامور.
المعالجة كما يتضّح أمنية بحتة عبر مجلس في تركيبته وسلطاته أمنية، ولا علاقة لها بالجذور الحقيقية والاسباب الموضوعية للظاهرة، التي يتواصل التغطية عليها وانكارها او التقليل من حجمها الضخم، ويبدو أنّ الدولة كان هاجسها الاساسي هو دحض الاتهامات لا غير، واظهار أنها دولة لا تقتل.. مواطنيها!!

الحملة التكنولوجية لمناهضة الفكر المتطرف والإرهاب

شارك المقال لتنفع به غيرك

آدمن الموقع

الكاتب آدمن الموقع

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

3113545162143489144
https://www.geo-strategic.com/