السياسات الخارجية المتوقعة لإدارة " ترامب " في الشرق الأوسط

آدمن الموقع
0

قراءة جيوسياسية لـ إبراهيم كابان

1-    التحولات الجيوسياسية

لا يمكن بأي شكل تقبل فكرة أن تتوسع الإمتدادات الإيرانية في الشرق الأوسط أمام وجود صراع دائم مع الدول السنية، بما فيها الخليج العربي، لأن الصراعات القائمة بين المحورين أوجدت توازناً على المستويين السيطرة والنفوذ. ولعل طبيعة علاقات هذه الدول مع القوى الكبرى التي تحافظ على مصالحها من خلال إستمرارية المنافسة بين المحورين في الشرق الأوسط، تركز بالاساس على إعطاء الدور لكلاهما حتى يستمر الصراع ويسهل عملية التحكم بها وضبطها وفق المصالح الإستراتيجية للقوى المهيمنة، وهذا طبيعي جداً في ظل خصوصية الشرق الأوسط وإستحواذها على 48.1 من النفط والغاز العالمي، إلى جانب وجود دولة إسرائيل ومسألة حفظ أمنها وتأمين صيرورتها أمام قوة وإمكانيات الدول السنية والشيعية.
ومما يفهم من عملية التوازن القائمة هو عدم السماح لأي طرف من المحورين التجاوز على إستمرارية المنافسة، وإبقاء كل طرف في مركز قوى يستطيع من خلاله منافسة الطرف الآخر، وإذا تجاوز أيهما دائرة هذه المنافسة من خلال التوسع والسيطرة وخلق تهديد للتأثير على تلك المنافسة فإن الدول الكبرى المعنية بصيرورة هذا التوازن تتدخل وتبدأ بإجاد آليات مناسبة في تحجيم التطورات وإعادتها إلى نقاط المنافسة الطبيعية. وبذلك لا يمكن لإيران التوسع في الشرق الأوسط والتفوق على الدول السنية المتمثلة بالخليج العربي، لأن ذالك يخلق خلل في التوازن و  يشكل تهديداً مباشرا على أمن إسرائيل ومصالح الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوروبا.
إن سياسة إعطاء الدور لإيران في السيطرة على العراق والتمدد نحو سوريا وقيامها بعمليات التغيير الديمغرافي بحق السنة ما هو إلا لدفع الدول الخليج العربي إلى زيادة المنافسة وشراء الاسلحة الأكثر تطوراً لمواجهة إيران.

2-    التعامل مع الأزمة السورية ومستقبلها

المنطقة التي تسيطر عليها القوى المحلية المدعومة من إدارة ترامب، هي الإستراتيجية التي تكرس التواجد الأمريكي في سوريا، وتضمن لها مستقبل والاستفادة على المدى البعيد. ووفق ذلك ما لا يمكن تصوره مغادرة القوات الأمريكية بسهولة من  هذه المنطقة مقابل دفع النظام السوري وميليشياته إلى فتح جبهة لإنهاء قوات سوريا الديمقراطية. وكذلك عدم تبلور البديل عن قوات سوريا الديمقراطية في ظل تصاعد الميليشيات الإيرانية الطائفية التي تهدد الدول السنية الحليفة لأمريكا، بالإضافة إلى طبيعة المنظمات والميليشيات التي ستكون في إحتكاك مباشر مع إسرائيل.
قد نفهم السياسة الإسرائيلية - الأمريكية حول وجود إيران وقوتها ضمن مساحات محددة في الشرق الأوسط، حيث تساعد بذلك في خلق توازن مع الدول السنية التي تملك الطاقة والإمكانيات، مقابل إستمرارية مسألة الصراع بين السنة والشيعة التي تضمن أمن إسرائيل والمصالح الغربية والأمريكية، سواء في مسألة التحكم بهذه الدول أو دفعها إلى تقوية إمكانياتها من خلال وجود حليف قوي ومصادر أسلحة متطورة توازي التطور الإيراني. مقابل حصول " إدارة ترامب " على الطاقة والمال، لأن ذلك يساعد على  تقوية الظروف الداخلية الأمريكية التي تتعرض لأزمات وكوراث بيئية، وتضمن للخزانة الأمريكية تدفق المال مقابل بيع الاسلحة المستخدمة في النزاعات. وهذا ليس ببعيد عن التواجد البريطاني والفرنسي في الخليج العربي حيث لهما دور بارز في حماية مصالحهما سواء في الإمارات العربية المتحدة أو دول أخرى، لهذا فإن مسألة تحجيم الدور الإيراني إلى إطار محدد يضمن المنافسة بإستمرار مع الخليج وبنفس الوقت لا تشكل تهديداً كبيراً على المصالح الأمريكية  الغربية.
     من المؤكد والمنطقي أن تبقى " إدارة ترامب " تحافظ على نفوذها في سوريا خلال التنسيق مع قوى محلية مركزية وفي مقدمتها " قوات سوريا الديمقراطية " لطالما لا يتوفر البديل، وفي المقابل لن تتجه " إدارة ترامب " إلى نحو القطيعة الكاملة مع تركيا، لأن خسارة تركيا بالنسبة لها تشكل لجوءً تركياً نحو الحاضنة الروسية المتنامية في الشرق الأوسط، لهذا ستحاول " إدارة ترامب " إيجاد مخرج لضمان وجودها ودعمها لقوات محلية في سوريا، وبنفس الوقت إعادة علاقاتها مع تركيا بشكل يبقيها بعيدة عن إحتضانها للنفوذ الروسية حول البحر الاسود والشرق الأوسط. ولعل معالجة هذه المعضلة بالنسبة لإدارة " ترامب " في عدم خسارة الحليف المحلي الذي يضمن له النفوذ والطاقة، وكذلك الحليف الإقليمي الذي يخلق التوازن في منع النفوذ الروسي والإيراني من التوسع على حساب الوجود الأمريكي.
تعاملت الولايات المتحدة سياسيا مع جميع الأطراف السورية بنفس المسافة، ولم تنحاز  إلى أي طرف ضد آخر على الأرض، سوى دعم المحاربين ضد الداعش، والتمدد التركي في المنطقة بين " إعزاز وجرابلس والباب " إنما كانت بمعرفة  وتسوية أمريكية لتهدئة الهجمات التركية على الإدارة الذاتية التي وجدت فيهم إدارة ترامب بالشجعان في محاربة " منظمة الداعش ". والواقع الجيوسياسي يؤكد على إن الأمريكيين لم يكونوا جاديين في إسقاط نظام الاسد بعد أن اتضحت وجهة الجماعات المعارضة نحو التطرف، إلا أن الغض النظر الأمريكية للمصالح القطرية والتركية والسعودية لجهة المعارضة دفعتها إلى عدم الإساءة إليها.
الصفقات الأمريكية مع الأتراك ليست بأقل من الصفقات الروسية، وكلاً أستخدم الأتراك في سوريا لمصالح خاصة، إلا أن الإستخدام الروسي للاتراك كان أكثر تأثيراً على الأرض بحكم اغتنامها فرصة تعاون الأمريكيين مع الكرد.
منعت الولايات المتحدة إسقاط نظام الاسد بطلب إسرائيلي، والتدخل الروسي لم يكن إلا بموافقة ومخطط إسرائيلي. وإسرائيل لا تريد أن تكون الأطراف السورية " النظام – الكرد - المعارضة – الجماعات المتطرفة " في موقع القوة، وإنما مجموعات متصارعة مهامها تعميق الخلافات الدينية والعرقية لخلق الأرضية المناسبة في دفع المشهد في الشرق الأوسط نحو التفكك وتشكيل مناطق مقسمة لا تقوى على التطور..
دعمت إسرائيل وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة المجموعات المسلحة التي أدارتها تركيا، وبنفس الوقت حافظوا على بقاء نظام بشار الاسد، وهيئوا للتدخل الإيراني وحزب الله الأرضية المناسبة، وبنفس الوقت دعموا قوات سوريا الديمقراطية في معاركهم ضد الإرهاب فقط مقابل منع تركيا والنظام السوري في الاشتباك مع هذه القوات حتى تاريخ تحرير دير الزور، ولم تمنع أو تسحب شرعيتها من أي طرف. بينما قدمت السلاح والمدربين لقوات سوريا الديمقراطية، مقابل عدم إعطائها الشرعية السياسية، حتى لا تثير قلق تركيا حيال التطورات الكردية في شمال سوريا.
وبناء على هذه الطبيعة للتعامل مع الوضع السوري فإن السياسات الخارجية لإدارة " ترامب " تمارس دور المستفيد فقطـ من تطورات الاحداث، وتهمها كثيراً إجراء صفقات إقتصادية، وتمكين نفوذها الإستراتيجية في المستقبل. بذلك لا يمكن التأويل  عليها في رسم ملامح مشروع كردي سوري على المدى البعيد في ظل المزاج الإقليمي المناهض لأي تطور كردي في الشرق الأوسط، وإن كانت الولايات المتحدة ستحافظ على هذا الحليف في الشمال السوري وإمكانية دعمها بإستمرار، بغية تثبيت وجودها وتنسيقها مع القوى المحلية الاساسية في الشرق الأوسط، بحكم إن ظاهرة الإرهاب لن تنتهي بزوال دولة " الداعش " المزعومة.


أسم الكتاب: موجز في السياسة الخارجية لـ " إدارة ترامب "
و (نظرة على الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية) ص (39-49)
التأليف: إبراهيم مصطفى ( كابان )
نشر بتاريخ 5 ديسمبر 2017

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!