الوجود الأمريكي والتوجهات الجديدة في سوريا (قراءة مبسطة للأحداث المستجدة في سوريا)

آدمن الموقع
0


تحليل: إبراهيم كابان 
خاص/ الجيوستراتيجي

- الخيارات الأمريكية 

الأمريكيين سوف يحتاجون إلى حليف محلي بأستمرار لتمكين تواجدهم في سوريا، وهو ما يجبرهم على دعم وضع خاص في شمال سوريا، وهذا ممكن بوجود حليف محلي قوي ثبت فعاليته في المواجهات المتعددة سواء ضد الإرهاب او إقامة إدارة رسمية شبه مستقلة عن دمشق. ولعلنا هنا نسأل بتمعن: لماذا الولايات المتحدة بحاجة إلى إقامة حكم ذاتي أو فدرالية بروجآفا - شمال وشرق سوريا؟ ببساطة، لأن جميع الوسائل المطلوبة موجودة في المنطقة سواء على المستوى الطاقة النفطية والغاز أو الزراعة والجيش والإدارة، وهذه المنطقة تستطيع أن تمول نفسها بما تملكه من إمكانيات، حيث إنها لن تحتاج كثيراً إلى المساعدة الأمريكية، وخاصة في عهد الإدارة الأمريكية الحالية التي تتبع سياسة تقليص الصرف الخارجي لصالح الدعم الداخلي. وبذلك جميع المسائل السياسية والعسكرية مساعدة ومهيئة تماماً لإبقاء الأمريكيين في سوريا. 
وحتى تأخذ الولايات المتحدة الشرعية لتواجدها فقط شكلت تحالف دولي ضد الإرهاب، وأجبرت الدول الغربية على المشاركة والتواجد العسكري في روجآفا وشمال شرقي سوريا، وبغية الإستفادة من وجودها أجبرت دول الخليج العربي على دفع اموال طائلة سواء للخزانة الأمريكية أو لتمويل وجودها في سوريا. وحتى تكتمل الشرعية في تواجدها وفق القوانين الدولية، فإنها مجبرة على دعم أي حكم ذاتي أو فيدرالي في روجآفا - شمال سوريا، على أن يكون ذلك بعيداً عن أي أحتكاك عسكري مع تركيا، لأن التصرفات التركية في مسألة التنقل بين المصالح الروسية والأمريكية والمخاوف الأوروبية حيال ذلك يدفع بالأمريكيين إلى ممارسة سياسة الضغط الناعمة إلى أن تتهيئ الظروف الداخلية في تركيا لإجراء تغيير في سياساتها. 
والمتوقع وفق معطيات الوضع، من الممكن أن توجه القوات الأمريكية والغربية المشتركة في شمال سوريا ضربات جوية ضد وجود النظام السوري في الحسكة وقامشلو، بحيث يقضي على هذا التواجد ماقبل تقديم ضمانات للكرد والإدارة الذاتية بالبقاء الدائم، ولعل تزويد مواقعها العسكرية برادارات كبيرة وأسلحة ثقيلة بعد توسيع رقعة تواجدها وضخ مناطق الإدارة الذاتية بالجنود والعتاد، دلائل كافية بتوجه سياسي أمريكي واضح للبقاء في المنطقة، وهي مجبرة على ذلك بحكم خروجها من سوريا تعني التوسع الروسي الإيراني على حساب المصالح الأمريكية ونفوذها في الخليج والعراق وسوريا والبحر المتوسط.

- مصير إيران وحزب الله والمصالح الروسية المتعثرة أمام التحركات الأمريكية الجديدة في سوريا

إن التمدد الإيراني في الشرق الأوسط تضرر كثيراً بالتدخل الأمريكي في سوريا، وإن الصراع القادم هو لتقليص هذا التمدد في سوريا والعراق واللبنان، وهذا يعني إن البقاء الأمريكي في شمال سوريا أمر واقع، مقابل تعنت إيراني في عدم التنازل عن مكتسباتها خلال السنوات السبعة الماضية في سوريا والعراق.
روسيا مجبرة على دعم إيران، لأن تقليص وجود حليفها تعني تقليص مصالح روسيا المستقبلية، وبحكم إن تركيا لا يمكن أن تكون مثل إيران بسبب توجه المصالح الأمريكية الأوروبية للقضاء على نظام أردوغان، فإن روسيا تخشى أن تفقد إيران.
لا تخرج منظومة حزب الله من قوقعة المصالح الإيرانية في المنطقة، والنظام الإيراني والتركي يقبلون بوجود كردي تحت طلبهم فقط. وبما إن ظروف إقليم كردستان العراق هيئت لهم ذلك فإنهم يتمنون إعادة نفس التجربة في سوريا على أن تكون نصف المنطقة تحت النفوذ الإيرانيى - شرق الفرات- والنصف الآخر تحت الاحتلال التركي -غرب الفرات-. إلا أن التدخل الأمريكي غير جميع هذه الخطط والأمنيات، حيث التواصل المباشر بين الكرد والأمريكيين تحقق في شمال سوريا، والجهة الوحيدة التي تتعامل معها الإدارة الذاتية الديمقراطية خارج روجآفا هي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين. بذلك التأثير الذي تمناه الإيرانيين على الكرد لم تتحقق، وكذلك المصالح الدولية لا تقبل ببقاء تركيا محتلة لغربي الفرات، وإن وجودها مؤقت، في المحصلة يجب ان تخرج وتحترم السيادة السورية التي تحاول روسيا بشتى الوسائل إعادتها بما تناسب مصالحها الإستراتيجية، وهو ما يتناقض مع المصالح الأمريكية. " الذين نفذوا مخطط الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط حتى يعيدوا من خلالها فك الدول وتركيبها وفق طبيعة جيوسياسية تجدد مصالح الأمريكيين وتوجد حلفاء جدد يضمنون حماية مصالحهم لعقود طويلة".
حزب الله اللبناني والإيرانيين والحركة الحوثية في اليمن يشكلون ورقة ضاغطة بيد الأمريكيين على الخليج العربي، ويوفرون لهم مليارات الدولارات، لا سيما إن التوسع الإيراني يزيد من المخاوف الخليجية، وهذا دافع كافي لتوجيه الدول الخليج إلى شراء الاسلحة الثقيلة بأموال طائلة، أو دفع أموال لضمان الدعم الأمريكي - الفرنسي - البريطاني. إلى جانب تكريس التفاهمات بين العرب وإسرائيل، بحكم إن إيران هو عدوهم المشترك. وفي الواقع إن إيران وتفرعاتها في الشرق الأوسط تخدم المصالح الأمريكية.
- أمريكياً كانت الهيمنة الإيرانية على كركوك أفضل من النفوذ التركية، لأن سيطرة الكرد على كركوك وثرواتها سيضمن للأتراك نفوذ إضافية وإستثمارات كبيرة، وهذا مالا تريدها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وخاصة إن الفائدة الإيرانية بالنسبة لهم أهم، بحكم إن إيران لن تستطيع الاستثمار في نفط كركوك، لأن مخطط تحجيم الدور الإيراني وفرض العقوبات المكثفة لوقف انشطتها وأستثماراتها وتصديرها النفط  كانت على طاولة إدارة " ترامب" وبذلك تبقى هذه الثروات داخل دائرة النفوذ الأمريكية من خلال اجندتها في بغداد.
- مهما كان هناك تقارب أمريكي روسي فإن مسألة القضاء على النفوذ الإيرانية حجة أمريكية لتوسيع وجودها في سوريا، وحجة روسية لإبقاء نفوذها في سوريا. وصراع الطرفين إنما تتمحور حول إستغلال الروسي للتقارب التركي في بناء مصالح إستراتيجية لها في الشرق الأوسط، ومخاوف أمريكية أوروبية من سيطرة حلفاء روسيا على الشرق الأوسط وبذلك يتم تهديد المصالح الأمريكية الأوروبية في الخليج العربي. حيث الإنتاج النفطي الذي يبلغ 41% من الإنتاج العالمي، وكذلك المضائق البحرية الإستراتيجية التي سوف تكون في خطر الهيمنة الروسية إذا تخلت الولايات المتحدة عن نفوذها في سوريا.

- الخيارات التركية ومستنقع عفرين

تركيا تقدم عرضاً للروس، يتمحور حول إنهاء وجود الجبهة الشامية (جبهة النصرة وحركة احرار الشام - التابعين للقاعدة) في عملية دمجها مع كتائب الإئتلاف مقابل عدم إتفاق النظام السوري مع قوات سوريا الديمقراطية - الإدارة الذاتية- وفتح جبهة إدلب وعفرين. والعرض التركي لمناطق ضمن محافظة إدلب والمنطقة الباقية من محافظة حلب مقابل البقاء التركي في عفرين، إلا أن الأتراك لا يثقون بالروس، وإن بدأت عملية إدلب فإنه لا يمكن وقف تمدد قوات النظام والروس، والأتراك عاجزون عن أي فعل قد يغضب الروس.
الروس والنظام لم يستبعدوا هذا السيناريو والإتفاق والعرض التركي المغري بالنسبة لهم، وهم يعتبرون ذلك تمهيداً لفتح الطريق الكامل نحو تحرير كل إدلب، بحكم التنازلات التركية كبيرة جدا ًعلى حساب المجموعات المسلحة، ولا تستطيع أن تواجه الروس بعد عقد الإتفاقيات الكبيرة معها على حساب علاقاتها مع الأمريكيين. إلا أن الأمريكيين غير موافقين على هذا السيناريو، لهذا يحشدون قواتهم البحرية إلى مقربة السواحل السورية، مقابل التجهيز لإعلان إقليم شمال وشمال شرق سوريا منطقة حظر جوي، وإن كان ذلك بشكل غير علني ربما.
جميع الدلائل الموضوعية تشير إلى العجز التركي في فتح أية جبهة ضد الإدارة الذاتية الديمقراطية، والتحرك التركي الآن مركز على الإتفاق مع النظام السوري في إدلب وبيع الجماعات المسلحة مقابل عدم الإتفاق بين الإدارة الذاتية والنظام حول تحرير إدلب وعفرين معاً.
وهذا العجز واضح أيضاً في عفرين، رغم كل العمليات اليومية التي تنفذها وحدات حماية الشعب الكردية ضد الوجود التركي ومجموعاتها المسلحة إلا أنه ليس هناك أي رد معاكس للأتراك على مناطق الشهباء. بالإضافة لتحويل مناطق منبج وشرق الفرات إلى مناطق أمنة ومحظورة كلياً على تركيا، والمستنقع الواقع فيها تركيا الآن بمقاطعة عفرين سوف تتحول إلى بؤرة للمواجهات ضد وجودها، وهي مجبرة في هذه المرحلة قدر الإمكان أن تتصارع من أجل الحفاظ عليها فقط، لأنها تدرك تماماً سوف تخرج منها، وسوف يتم تقليص دورها في سوريا كما الدور الإيراني.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!