ثقافة تهميش المثقفين

آدمن الموقع
0


يكتبها لـ الجيوستراتيجي: سيامند ميرزو 

منذ تكوين وعي في مسقط راسي عامودة... رأيت ان مدينتي تتكىء على إرث ثقافي هائل، ومن خلال ذلك تعرفنا على ثقافة الكرد وبعض المثقفين الكبار.. كالشجرة الكبيرة تضرب بجذورها في أعماق الأرض، ويرفرف أوراق كتبهم بين أيادي القراء مثل أوراق الشجر  في الآعالي نحو السماء، هذا الإرث عززه  موقع بلدي عامودة جغرافيا و  تفاعل ابناؤها مع جميع ثقافات  الفكرية عامة من أقصى اليمين وفي وسط الثقافة الإسلامية عبر رجالها  المتنورين.. إلى أقصى اليسار مع رجالها العلمانيين ومع الموروث الثقافي الشعبي الكردي خاصة  فضلاً عن تاريخ  النضالي لإبناؤها منذ بناء، عامودة حتى عرف ، تاريخها  بالتاريخ التنويري الحديث، وما بينهما من مراحل. هنا من يدفعنا في عصر التواصل والفضائحيات ولحسابات تنظيمي  وأهداف سياسية، الى  تجاهل تأثيرها المباشر وغير المباشر، و في تحديد ملامح الشخصية الثقافية الواعية  ليس لمدينتي عامودة.. التي أدين لها الكثير فحسب، وإنما  لجميع مدن الكردية  ولإبناؤها في الداخل والغربة أيضاً.
لاننكر .. في ظل الأوضاع التي يعيشها الكرد في الأجزاء الأربعة المغتصبة ، وفي ظل تداخل الاوضاع واشتباكها واختلاطها، الى درجة فقدان الرؤية والسلوك معا، ومع  حاجة أبناء شعبنا القصوى للمساعدة على  التنوير  ومضاعفتها لدى الشرائح الاقل وعيا، مع هذا كله، يلاحظ معي الكثيرون من المعنيون... خارج إطر الأحزاب في الحراك الثقافي و على  الصفحات... تراجعا غريبا لدور المثقف، ومعهم الحق في إثارة التساؤل في هذه المرحلة ، لماذا لا نلمس حضورا واضحا للمثقف، أين دوره؟ لماذا هذا الغياب الغريب، وهل هو غياب بمحض الارادة، أم تغييب قسري تقوم به جهات أخرى، تعمل بالضد من ارادة المثقف، فتحجّم دوره في نشر الوعي وقيادة مجتمعنا  نحو الافضل؟.
ويدرك هذا ويتألم كثيرا أصحاب الإقلام الجادة بغض النظر عن الانتماء، ان الغياب والتغييب، يؤديان الى الهدف المطلوب، المرسوم من قبل المتسلقين وأجهزة الاستخبارات الدول المتحكمة وبعض المتحزبين دون أن يدروا بخصوص تحييد المثقف ودوره، وابقاء الوعي الجمعي او الشعبي، في المستوى الأدنى دائما، وبالتالي يتحقق للجهات التي تسعى لتجهيل الشعب هدفها، وهو هدف خبيث وخطير، يعمل على تخدير   الوعي الجمعي الثقافي والفكري بين  المجتمع، بشتى الوسائل، مع شن حرب شعواء على الفكر، وعلى مشاعل الفكر،  وحتى على رجالات الفن والسياسة وهو هدف واضح ومعروف، وغالبا ما دخل  بعض المثقفين  –كما تشير التجارب- في صراع ضخم متواصل مع هؤلاء، أو يمكن أن نسمي بالطبقة المتحزبة  عموما، بيد أن الجانب الخطير في هذا الامر عندما يقوم المثقف نفسه بتغييب دوره!!.
بخلاف هؤلاء هناك البعض يقوم بمساعدة  تلك الشرائح المتسلقة  على تحييد دورهم  الريادي، بدلا من خوض الصراع مع هؤلاء لتعميق الوعي العام، وتحقيق الدور المطلوب للمثقف.
ومن هنا نستنتج نوعان من الأشخاص الذين يلعبون في  تحجيم الدور الثقافي، منه ما تقوم به  ازلام سلطات المتحكمة وخاصة من خو فرشت (البائع نفسه) ومنه ما يقوم المثقف نفسه به، أي يتنحى جانبا، ويترك مسؤولياته في بث الوعي الجمعي وحمايته ومضاعفته، وهو بهذا الفعل يشترك معهم سواء، ان يدري او لايدري في  ترسيخ ثقافة الجهل  ومحاصرة الوعي، بل وتخدير..في تفكير  كافة شرائح
المبدعة.. في الفعاليات الثقافية والفكرية حتى يتسنى للسراق والعصابات والمافيات التحرك  بسهولة في سرقة النتاجات العاملين بالعقل والفكر بل يتجاوزن الى سرقة لقمة الشعب  في  التجاوز على حقوق الاغلبية من الفقراء، ليس في الجانب المادي كالاموال والثروات وما شابه، بل حتى في الترهيب الثقافي 
بدل الرؤية العميقة للحياة، من اجل تكوين مجتمع مثقف ناضج، يعتمد الفكر والوعي في السلوك ومسايرة الحياة اليومية، لبناء مجتمع مدني متنور ومتطور.
ولهذا  لابد من الاعتراف ان دور المثقف ليس حاضرا كما يجب، وهناك مشاركة من المثقفين انفسهم في تغييب هذا الدور ومحاصرة المثقف، من خلال السماح لمثقفين طارئين، بتصدر الحراك الثقافي، وتراجع النخبة الثقافية المعنية فعلا بتدعيم الوعي وقيادة الثقافة، فضلا عن ابداء المحاباة لهذا المسؤول وذاك بعد طفرة التعامل مع ثروات الباطنية في المناطق الكردية  الغنية   بالذهب الثلاثة وهو امر يثير الشكوك لدى الجميع، إذ كيف يلتقي المثقف وهؤلاء، المتسلقين من بين طبقات التحزب ان صح التعبير وفي ظل ظروف تؤكد الخلل في ادارة تلك الأحزاب  لشؤون المجتمع
كوننا لم نصل إلى مستوى مؤسسات ودولة وجيش وقنصليات وجوازات مرور كردية عبر القارات 
، خاصة ما يتعلق بالتجاوز على الحقوق المدنية، وحقوق الفقراء عندما تتعرض تللك  الثروات  للتجاوز، في اشكال وطرق منظمة، تديريها عصابات، ومافيات، تمتهن سرقة خيرات أبناء شعبها المكتويين بنار الفقر والحرمان من أبسط مقاومات الحياة بيت ووظيفة وشهادات علمية ، على مرأى من المعنيين، بل وربما بحماية منهم لاسباب معروفة، لذا لا يصح أن يغيب دور المثقف، وينبغي أن لا يسمح المثقفون بتغييب دورهم، وبهذا فإن الغياب والتغييب لا يصبان في صالحنا في هذا الظرف ومرحلة الإعتراف العالمي بالكرد  وتقع مسؤولية الحل على المثقفين لمعالجة هذه المشكلة وتجاوزها فعليا.
وعندما يريد اي جهة معنية ان يهتم بالمثقف ... يجعلونه ان بتسلخ من جلده إنسانيا ويركع مقابل ذلك ربما يجد بعد هذا الانبطاح تسخير كل الإمكانات البشرية والمادية، من الحزب له ولهذا من الطبيعي ان يتغير طبعه  وابداعه ومكانته ويدرك  هنا بأن الثقافة، ترفاً أو ديكوراً جميلاً، ينبغي وجوده، ليزين جبين... من باع ولائه لهم  بانبطاحه ومن المستحيل ان تلاقي بين هؤلاء، احد  يؤمن  بأن الثقافة هي نشاط إنساني وحضاري، وأسلوب حياة، له ملامح راسخة ومتغلغلة داخل الأعماق البشرية، يتنفسها الإنسان  الكردي  كما يتنفس الهواء، فتحدد هويته الثقافية وطرق تعامله اليومي مع المحيطين من حوله.

لذلك، لا  نستغرب ان بخلاف كل المجتمعات هناك ثقافة تهميش المثقف بدل الاهتمام  بأمر الثقافة
وللإسف لاترى هذا الاهتمام حتى خيال  ملامحه في «رؤية  سلطات روج آفا وباشور في إقليم كردستان العراق ولدى المعنيين في باكور وروهلات »، ولايدركون.. ربما لم يحن وقت لديهم للتفكير ان الثقافة  أحد أهم محركات التحول البشري ، نحو التنمية لإوضاع المجتمع ولايتم ذلك إلا إذا.. وضعوا المثقف المناسب في المكان المناسب حتى يتطور  قطاع الثقافة، ولايتم ذلك إلا  بتاسيس  مراكز حاضنة للإبداع، لا لمكان الدعايات الحزبية كما تجرى هنا في أوربا تحت اسماء بيت الشعب... وجمعيات.. لاتقل عن جمعيات الخيرية في  الشحادة  والتوصل يجب على الإقل توفير منصات للمبدعين، للتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم، وكذلك خلق صناعة ثقافية، تُعنى بالفن والمسرح والسينما، والأنشطة الفنية والتشكيلية، وتحويل الثقافة إلى عنصر رئيسي ، للتواصل بين الناس، ورافد للاقتصاد، وداعم للسياسة، ليس هذا فحسب، وإنما تقديم رؤية  ذاتها على تطوير البنية التحتية لقطاع الثقافة والترفيه، لتصبح جزءًا من تحسين مستوى معيشة المبدع الثقافي الكردي وحتى يكون مدننا وثقافتنا من احد   الروافد  حضاريًا على مستوى العالمي  لعموم كردستان خاصة. 
هكذا ربما نحكم ان هناك تغير جدي في المشهد الثقافي الكردي 

لاشك أن ذلك كله وغيره يعكس رغبة  أصدقائي وجيل الشباب والشابات الصاعدة على جميع الاصعدة  في أن يروا كل مسارات الثقافة في  كل مدن الكردية وبين المغتربين الكرد  قد انتشرت في كل مكان، وأدت دورها المنتظر منها، صانعة أجيالاً وأجيالاً متعلمة وواعية ومدركة لملامح دورها، وقادرة على أن تقود  الكرد والكردستان إلى عالم آخر من الرفاهية والازدهار والنمو... والشعر.. التي ستترجم إلى أجمل الاغاني والأماني.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!